ما بعد بريغوجين:

ملامح دور "فاغنر" الروسية بعد الانقلابات الأخيرة في إفريقيا

28 September 2023


أثارت وفاة زعيم مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، نهاية أغسطس 2023، تساؤلات عدّة بشأن مُستقبل دور مجموعة فاغنر في إفريقيا، فقد أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن غياب بريغوجين عن المشهد يشكل نقطة انعطاف مُهمة بشأن مُستقبل العلاقات الروسية الإفريقية.

حدود التموضع:

منذ بداية انخراط مجموعة فاغنر في إفريقيا، عام 2017، عمدَتْ المجموعة إلى توسيع نطاق انتشارها في القارة، بُغية تأمين موطن قدم لروسيا، والعمل على تقويض النفوذ الغربي، وفي هذا السياق يمكن عرض حدود تموضع مجموعة فاغنر في القارة الإفريقية على النحو التالي:

1- اتساع نطاق انتشار فاغنر: تُشير كثير من التقديرات إلى أن مجموعة فاغنر تنتشر بشكل نشط في عدّة دول داخل القارة الإفريقية، لعل أبرزها ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان، فضلاً عن تدخلها بأشكال مختلفة في نحو عشرين دولة إفريقية، وقد نجح نموذج "فاغنر" في توسيع نطاق النفوذ الروسي في إفريقيا، على الرغم من محدودية ما تستثمره موسكو في القارة، خاصةً إذا ما قورن ذلك بالقوى الدولية الرئيسة المتنافسة في إفريقيا.

فمنذ وصول عناصر فاغنر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، في عام 2018، بناءً على دعوة الرئيس فوستان آرشانج تواديرا، لتوفير الأمن الشخصي للرئيس وتقديم التدريب العسكري والمساعدات القتالية للقوات المحلية في مواجهة الحرب الأهلية هناك، حصلت فاغنر على إمكانية الوصول المباشر إلى الموارد الطبيعية الضخمة في بانغي، بما في ذلك مناجم الذهب في نداسيما.

وعلى المنوال ذاته، تمكنت مجموعة فاغنر من التمركز داخل ليبيا، بل إن هناك بعض التقديرات تشير إلى أن انخراط فاغنر في إفريقيا جاء من خلال بوابة ليبيا، وهو ما سمح لها بالسيطرة على إنتاج النفط في الحقول الجنوبية الغربية، ومن ثم الحد من التطلعات الغربية للاستثمار في البنية التحتية الليبية في إطار مساعي التمحور بعيداً عن الغاز الروسي.

والأمر ذاته في حالة مالي، حيث بدأت مجموعة فاغنر في الوجود داخل باماكو بداية من ديسمبر 2021، في إطار الاتفاق الذي جرى مع المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وتُشير بعض التقارير إلى أن فاغنر حصلت على امتيازات واسعة للتعدين في مالي، مُقابل الخدمات الأمنية التي توفرها للسلطات هناك. كذا، لفتت كثير من التقارير الغربية أن مجموعة فاغنر وجدت لنفسها موطئ قدم في السودان بداية من 2017، لكن هذا الوجود شهد زيادة ملحوظة منذ عام 2019، في إطار مساعي المجموعة لتعزيز وصولها لاحتياطيات الذهب السوداني، ودعم مساعي موسكو للحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان.

2- مجموعة مُتنوعة من أدوات التأثير: هناك مجموعة مُتشابكة من أدوات التأثير التي تستخدمها مجموعة فاغنر في تعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، وهي التي وصفها الزعيم السابق للمجموعة، يفغيني بريغوجين، بـ"الأوركسترا" التي تديرها مجموعته، وتشمل القوات شبه العسكرية، وصفقات التسليح، والحملات الإلكترونية التي تستهدف توجيه الرأي العام أو الترويج لأفكار معينة، وإدارة الحملات الانتخابية بما يخدم مصالح حلفائها، وقد تمت تغطية تكاليف نشاط مجموعة فاغنر في الدول الإفريقية من خلال الامتيازات الخاصة بالموارد المعدنية. حيث كشفت تقارير غربية حديثة أن مجموعة فاغنر تجني حوالي مليار دولار سنوياً من أرباح التعدين في جمهورية إفريقيا الوسطى وحدها.

3- محورية شخصية بريغوجين: شكلت شخصية زعيم فاغنر السابق، يفغيني بريغوجين، الفريدة، وعلاقته بزعماء عدّة دول إفريقية، وسيطرته على قنوات تجارية حاسمة، أهمية خاصة وقوة دافعة لتعزيز نفوذ ونشاط المجموعة في إفريقيا، وبالتالي تشكل فكرة العثور على خليفة لبريغوجين، قادر على تحقيق نفس النتائج تحدياً كبيراً أمام الكرملين، بل إن هناك بعض التقديرات الغربية استبعدت هذه الاحتمالية، وهو ما سيعوق كثيراً نشاط وعمليات المجموعة في القارة.

وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقارير عن استمرار حالة الانقسام داخل مجموعة فاغنر، في ظل اعتراض البعض على إدراج تبعية المجموعة لوزارة الدفاع الروسية، فثمّة اتجاه داخل فاغنر يدعم فكرة تعيين، بافيل بريغوجين، نجل يفغيني بريغوجين، زعيماً جديداً لفاغنر.

تداعيات مقتل بريغوجين:

نشر زعيم فاغنر السابق، يفغيني بريغوجين، فيديو له من مالي، في 21 أغسطس 2023، تعهد خلاله بتعزيز النفوذ الروسي في إفريقيا، قبل أن يتم إعلان وفاته في حادث تحطم طائرة كانت تقله رفقة عدد من قادة مجموعة فاغنر البارزين، بما في ذلك مؤسس المجموعة، ديمتري أوتكين، وأحد قادة أعمال بريغوجين في إفريقيا، فاليري تشيكالوف. وفي هذا السياق، يرجح أن يكون لوفاة بريغوجين انعكاسات مهمة وبعيدة المدى على مستقبل فاغنر في إفريقيا، خاصةً وأن المجموعة فقدت كافة قياداتها العليا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تقويض مرونة فاغنر: تسعى روسيا حالياً إلى استيعاب مجموعة فاغنر من خلال أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، ولاسيما "وكالة الاستخبارات العسكرية" (GRU)، و"جهاز الأمن الفدرالي" (FSB) لضمان توافقها مع المصالح الروسية، والحفاظ في الوقت ذاته على المجموعة كمنظمة خاصة من الناحية النظرية. وقد لفتت بعض التقارير الغربية إلى أنه حال أصبحت مجموعة فاغنر تحت القيادة المُباشرة لوزارة الدفاع الروسية، فإنها ستتحول من مليشيا خاصة إلى التبعية الرسمية للكرملين، وهو ما سيحد كثيراً من مرونتها الراهنة وتكتيكاتها التشغيلية. حيث ستصبح موسكو مُثقلة بأنشطة فاغنر، وبالتالي لن تتمكن من التنصل من الأعمال غير القانونية والمزعزعة للاستقرار والتي تنسب لمجموعة فاغنر، ولاسيما في إفريقيا.

يُضاف إلى ذلك التحولات التي يُتوقع أن تطرأ على التسلسل الهرمي ونظام المكافآت القائم على المهام الذي كان بريغوجين قد رسّخه داخل المجموعة، فقد اعتمد الأخير على تقاسم الغنائم مع قيادات فاغنر وبقية رجاله لضمان ولائهم، وهو الأمر الذي ربما يشكل تحدياً كبيراً للكرملين خلال الفترة المقبلة، ناهيك عن الاستقلالية التشغيلية التي طالما اعتمد عليها يفغيني بريغوجين في تنفيذ المهام العملياتية على الأرض بشكل لامركزي، من خلال تفويض رجاله بسلطة اتخاذ القرار في تنفيذ هذه المهام التشغيلية، بينما ترفض وزارة الدفاع الروسية هذه الممارسات والتي كانت مُحدداً رئيساً في تعزيز فاعلية فاغنر في إفريقيا.

2- تراجع نفوذ فاغنر في بانغي: عَمدَتْ روسيا إلى بث رسالة رئيسية إلى المسؤولين في جمهورية إفريقيا الوسطى، مفادها أن الأمور ستسير كالمعتاد من خلال استمرار دعم موسكو لبانغي، وهو ما انعكس في تصريحات، نفيسة كريانوفا، مديرة مركز "بيت روسيا" (Maison Russe) في بانغي، وهو مركز لجميع أنشطة فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تعمل موسكو حالياً على إعادة هيكلة نشاط فاغنر في بانغي، وذلك من خلال دفع المقاتلين إلى توقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية، وإعادة تركيز هذه القوات في المراكز السكانية الرئيسية في البلاد. وعلى المنوال ذاته، ألمح، فيديل غوندجيكا، كبير مستشاري رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، فوستان تواديرا، إلى أن غياب بريغوجين لن يؤثر في علاقة بلاده بروسيا. 

وقد كشفت بعض التقارير الغربية أن مجموعة فاغنر تكبدت خسائر كبيرة في جمهورية إفريقيا الوسطى خلال الأسابيع الأخيرة، في القتال الذي شهدته بانغي ضد المجموعات المُسلحة المحلية في شرق وشمال وغرب البلاد، ولاسيما في المناطق التي تضم مناجم الذهب والماس والتي يتولى عناصر فاغنر تأمينها، وقد لفتت هذه التقارير أنه منذ وفاة زعيم فاغنر، يفغيني بريغوجين، في أغسطس 2023، تمت إعادة انتشار قوات فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى واستبدال بعضها بعناصر من المرتزقة الروانديين، مشيرةً إلى أن مجموعة فاغنر باتت تقاتل حالياً بشكل مُكثّف للحفاظ على نفوذها في بانغي.

3- دعم التكتل الجديد لدول الساحل: تُشير بعض التقديرات إلى أن مجموعة فاغنر تعمل حالياً على تقديم الدعم للتكتل الجديد، قيد التشكيل، لمجموعة دول الساحل الإفريقي، خاصةً بعد اتفاقيات التعاون العسكري والدفاع المشترك التي أبرمتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وبالتالي ستعمل فاغنر على دعم القوات الحكومية لهذه الدول سواءً في مواجهة أي تهديدات محتملة من قبل مجموعة "الإيكواس"، أو لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة في هذه المنطقة، كما يتوقع أن تَعمدَ قوات فاغنر إلى توسيع الدعم لمالي ضد حركات الأزواد الانفصالية في شمال البلاد. 

بيد أن الدعم المتوقع من قبل مجموعة فاغنر لتكتل الساحل الجديد سينطوي بالأساس على دعم روسي غير مُباشر لهذه الدول، حيث باتت هذه المنطقة تشكل بؤرة النفوذ الروسي الرئيسية في إفريقيا. وقد كشف تقرير صادر عن صحيفة (The Hill) الأمريكية عن وجود تحركات روسية جزائرية راهنة لتعزيز التعاون والتنسيق بينهما بشأن منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما انعكس في زيارة الجنرال الروسي السابق، سيرغي سوروفيكين، إلى الجزائر، بالتزامن مع تنامي الحديث عن وجود تحركات روسية لإنشاء قاعدة بحرية في ليبيا، وهو ما سيشكل، حال نجاحها، موطئ قدم استراتيجي لموسكو، يعزز انخراطها في القارة الإفريقية، وتعزيز النفوذ الروسي في منطقة الساحل، من خلال ضمان تقديم الدعم المباشر لحلفاء موسكو في المنطقة، وتوسيع انخراط مجموعة فاغنر هناك.

مُستقبل الدور الروسي:

تسعى روسيا إلى الحفاظ على نفوذها في القارة الإفريقية، واستمرارية مشروع فاغنر ونفوذها هناك، وفي هذا الإطار يمكن عرض ملامح مستقبل الدور الروسي في إفريقيا على النحو التالي:

1- إعادة هيكلة مجموعة فاغنر: ذهبت بعض التقديرات إلى أن الكرملين عَمدَ، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها بريغوجين، إلى محاولة تأجيج الخلافات بين قيادة فاغنر ومقاتليها، وتشجيع المقاتلين على الانضمام لوزارة الدفاع الروسية، والترويج لفكرة أن هؤلاء المقاتلين لم يرتكبوا أي خطأ في المحاولة الانقلابية، باعتبار أنهم كانوا فقط ينفذون أوامر القيادة، بل إن هذه التقديرات كشفت عن اجتماعات جرت بين مجموعة من مقاتلي فاغنر والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية يونيو 2023، تم خلالها بحث مُقترح بتعيين أحد قادة فاغنر، أندريه تروشيف (سيدوي)، كزعيم جديد للمجموعة، خلفاً لبريغوجين، مع تأكيد استمرار نشاط فاغنر دون أي تغيير، وقد أبدت بعض قوات فاغنر موافقة على هذا المقترح.

وفي أعقاب وفاة بريغوجين، عادت المحادثات مرةً أخرى بين الكرملين وعناصر فاغنر بشأن تعيين تروشيف لقيادة المجموعة، وبدأت وسائل الإعلام الروسية في الترويج لهذا الأمر، خاصةً كونه القائد الوحيد المتبقي من مجموعة القيادة العليا لفاغنر بعد حادث الطائرة، وقد حارب تروشيف في الشيشان وأفغانستان وسوريا، وحصل على أعلى لقب فخري وهو "بطل الاتحاد الروسي".

في المقابل، أشارت بعض التقديرات إلى أن المقاتلين الذين سيعملون تحت قيادة تروشيف هم فقط الذين قاموا بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية، وهم العناصر التي ستبقى في موسكو، لافتةً إلى أن الكرملين عمد إلى تقسيم فاغنر عدّة مجموعات خاصة بمناطق أو دول مختلفة، لكل منها زعيم خاص بها، وفي هذا الإطار، تم طرح عدد من الأسماء لقيادة هذه المجموعات، أبرزها: ألكساندر كوزنتسوف، وأندريه بوغاتوف، وأنتون يليزاروف.

في المقابل، كشف تقرير صادر عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن عمليات فاغنر في إفريقيا باتت الآن تحت قيادة، ديمتري سيتي، والذي يقيم في عاصمة إفريقيا الوسطى بانغي، حيث كان سيتي يدير مشروعات فاغنر التجارية والدعائية في القارة الإفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وفي هذا الإطار، ألمحت بعض التقارير الغربية إلى أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عَمدَ إلى طمأنة حلفاء موسكو في إفريقيا، منذ يونيو 2023، في أعقاب فشل محاولة التمرد التي قادها زعيم فاغنر السابق ضد الكرملين، حيث استهدف لافروف تأكيد رسالة محددة للقادة الأفارقة، مفادها أن موسكو لن تسحب قوات فاغنر الموجودة في القارة الإفريقية، وهو ما يتسق مع التقديرات التي أشارت إلى أن روسيا تستهدف الحفاظ على أصول فاغنر في إفريقيا، لأن إخراجهم سيشكل ضغوطاً كبيرة على النفوذ الروسي في القارة.

2- تعزيز الانخراط الروسي المُباشر في إفريقيا: كشفت بعض التقارير أن روسيا بدأت التحرك بشكل فعلي للسيطرة على إرث فاغنر، خاصةً في إفريقيا، وتعزيز العلاقات المباشرة مع شركاء موسكو قبل وفاة بريغوجين بعدة أسابيع، وهو ما انعكس في الجولة التي قامت بها مجموعة من المسؤولين العسكريين الروس للقارة الإفريقية، وذلك بالتزامن مع الجولة الأخيرة التي قام بها يفغيني بريغوجين في القارة قبل وفاته مباشرة.

فقد قام نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بيك يفكوروف، ونائب رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، الجنرال أندريه أفريانوف، بعدّة جولات إلى القارة الإفريقية، حيث لفتت بعض التقارير الفرنسية إلى أن الجنرالين الروسيين بات ينظر إليهما باعتبارهما المنظمين الرئيسيين لمرحلة ما بعد بريغوجين في إفريقيا، ويقدمان نفسيهما للقادة الأفارقة بأنهما خلفاء زعيم فاغنر السابق، والمسؤولين عن تنسيق العمليات التشغيلية لقوات فاغنر في إفريقيا.

3- استمرار الدور الروسي كضامن أمني وشريك عسكري: ألمحت بعض التقديرات الغربية إلى أن بؤر التوتر الرئيسة والأنظمة الهشة القائمة في القارة الإفريقية، ولاسيما في جمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو والسودان، تُشير إلى أن روسيا لا تزال تشكل ضامناً أمنياً مهماً وشريكاً عسكرياً موثوقاً فيه بالنسبة لهذه الدول، وذلك بغض النظر عن مستقبل مجموعة فاغنر في إفريقيا، خاصةً وأن كثيراً من الدول الإفريقية لا تنظر لفاغنر باعتبارها شركة عسكرية خاصة، بل كممثل عن الحكومة الروسية، وذلك استناداً لحزمة الدعم التي تقدمها موسكو للأنظمة القائمة في هذه الدول وتضمن استمراريتها وبقاءها، والتي تبدو أكثر جاذبية بالنسبة لهذه الدول مقارنة بأي مكاسب مُحتملة يمكن أن تتمخض عن اتفاقيات التعاون التي تقدمها القوى الغربية.

4- إعادة فرز كيانات شبيهة بفاغنر: يُتوقع أن يواجه نشاط فاغنر في إفريقيا مُنافسة متزايدة خلال الفترة المقبلة من قبل الشركات الروسية الخاصة شبه العسكرية، حيث كشفت بعض التقديرات أن بعض هذه الشركات بدأت مؤخراً التجنيد في إفريقيا، ما قد يُؤشر على اتجاهها لتوسيع عملياتها المُحتملة في القارة، والتخلص التدريجي من نفوذ فاغنر في إفريقيا، ومن ثم خدمة أهداف الكرملين والمتمثلة في إحكام سيطرته المباشرة.

وقد لفتت بعض التقديرات إلى أن هناك بعض الشركات الروسية شبه العسكرية التي ربما تدفع بها موسكو لاستبدال دور فاغنر في إفريقيا، بما في ذلك شركة "ريدوت" (Redut)، والتي يترأسها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ولاسيما في ظل العداء التقليدي بين الأخير وبريغوجين. بيد أن تبعية هذه الشركة لوزير الدفاع الروسي، ناهيك عن افتقارها للفهم الثقافي الضروري والخبرة الفعلية والعلاقات الراسخة بالدول الإفريقية ربما يحد من فرص نجاح هذه الشركة في إدارة إرث فاغنر في إفريقيا.

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من أن المشهد لا يزال غامضاً بشأن الهيكل الجديد لمجموعة فاغنر، فإنه من المرجح ألا تتخلى روسيا عن نموذج الشركات الخاصة شبه العسكرية، في ظل المكتسبات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي يوفرها هذا النموذج للكرملين، ومن المُتوقع ألّا تقوم روسيا بتفكيك البنية التحتية التشغيلية لفاغنر في إفريقيا، ومن ثم العمل على تعيين قيادة جديدة لها، خاضعة بشكل أكبر للكرملين، فضلاً عن إمكانية دمج فاغنر في كيانات وشركات عسكرية خاصة أخرى، على غرار مجموعة (Convoy)، المملوكة لسيرغي أكسيونوف.