قمة جوهانسبرغ:

هل تنجح مجموعة "بريكس" في تشكيل نظام عالمي جديد؟

30 August 2023


عُقدت القمة الخامسة عشرة لمجموعة "بريكس" للاقتصادات الرئيسية الناشئة، والتي تضم في عضويتها كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، وذلك بحضور رؤساء جنوب إفريقيا والبرازيل والهند والصين، فيما شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جلساتها عبر الفيديو، بجانب نحو 40 زعيماً ومسؤولاً حكومياً، حيث جرى مناقشة العديد من القضايا والملفات الشائكة، في إطار محاولات المجموعة لتحقيق التوازن في مواجهة الهيمنة الغربية، وإقامة "نظام عالمي أكثر توازناً"، وفقاً لرئيس الدولة المُضيفة سيريل رامافوزا. 

ملفات مُتنوعة:

ناقشت قمة "بريكس" مجموعة من القضايا والملفات، يمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:

1. توسيع عضوية المجموعة: قررت مجموعة "بريكس"، خلال القمة المُشار إليها، توسيع عضويتها بدعوة ست دول جديدة للانضمام إلى عضويتها الكاملة، في استجابة لدعوات تسريع إجراءات توسيع المجموعة وتعزيز دورها في العالم، وهذه الدول، هي: الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين. وقد مثّلت تلك المسألة القضية الأكثر إلحاحاً أمام القمة، إذ أبدت أكثر من 40 دولة اهتمامها بالانضمام إلى "بريكس"، كما قدمت 23 دولة طلبات رسمية لاكتساب صفة العضوية بالمجموعة. وقد حظيت هذه المسألة بالتأييد والقبول من جانب قادة "بريكس"، إذ دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كلمته، في 22 أغسطس 2023، أمام الجلسة الختامية لمنتدى الأعمال لدول "بريكس" عام 2023، إلى تسريع عملية توسيع المجموعة، والسماح بانضمام مزيد من الأعضاء إليها، بهدف إنشاء عالم أكثر إنصافاً وعقلانية.

2. تعزيز استخدام العملات المحلية للدول الأعضاء: ناقشت القمة أيضاً مسألة تفعيل استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء في المجموعة، وذلك في محاولة من جانب المجموعة لتقليص هيمنة الدولار، في إطار ما بات يُعرف بحملة "إلغاء الدولرة". حيث قامت "بريكس" بإعادة إحياء فكرة الحد من سيطرة الدولار على المدفوعات، لعدة اعتبارات، تمثلت في زيادة مستويات أسعار الفائدة الأمريكية، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عليها من ارتفاع في سعر صرف الدولار الأمريكي بصورة كبيرة، بجانب ارتفاع أسعار السلع بالدولار.

3. تنويع مصادر تمويل بنك التنمية الجديد لـ"بريكس": قدمت رئيسة بنك التنمية الجديد لـ"بريكس" ديلما روسيف، خلال القمة، تصوراً بشأن أساليب تنويع مصادر تمويل البنك، وذلك على خلفية مشكلة تأثر البنك بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا. ومن الجدير بالذكر أن البنك تأسس في عام 2015، وهو يعتبر بديلاً عن صندوق النقد والبنك الدولييْن. وهناك توجه مُعلن لدى البنك بتوسيع سلة الإقراض بالبنك، حيث أبدت عدة دول في الشرق الأوسط وآسيا اهتمامها بالإسهام في رأس ماله.

وفي السياق ذاته، يبحث البنك طلبات 15 دولة للانضمام إليه، فيما أعلنت رئيسة البنك، في حديث لصحيفة "فاينانشال تايمز" في 22 أغسطس 2023، احتمال الموافقة على قبول عضوية 4 أو 5 دول فقط.

4. الأزمة الأوكرانية: ناقشت القمة الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث يلاحظ أن دول المجموعة تبنت موقفاً موحداً تجاه الأزمة، ففي حين صوتت البرازيل فقط لصالح قرار الأمم المتحدة بوقف الأزمة ومطالبة روسيا بالانسحاب من الأراضي الأوكرانية، فقد امتنعت الصين والهند وجنوب إفريقيا عن التصويت. وقد قامت الصين بطرح مبادرة للوساطة بهدف التسوية السلمية للأزمة، كما قامت جنوب إفريقيا بقيادة مبادرة إفريقية لإنهاء الأزمة. وقد دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته أمام القمة، والتي ألقاها عبر رابط فيديو، عن العملية العسكرية في أوكرانيا، مرجعاً إياها إلى مساعي الغرب للهيمنة، مُشيراً إلى أن بلاده أُجبرت على دخول الحرب رداً على التصرفات العدائية لكييف وواشنطن.

5. الأمن الغذائي: استحوذت مسألة الأمن الغذائي على اهتمام ملحوظ من جانب القمة، وذلك على خلفية معاناة مليارات الأشخاص في البلدان الفقيرة من الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء، وذلك بهدف مواجهة الإجراءات التي اتخذتها الهند وروسيا العضويْن في المجموعة، والتي ترتب عليها تفاقم أزمة الأمن الغذائي في العالم. حيث قامت الهند، التي تُسهم بـ40% من تجارة الأرز في العالم، بوضع قيود على تصدير الأرز بهدف حماية إنتاجها المحلي، في حين انسحبت روسيا من اتفاقية الممر الآمن للحبوب الأوكرانية، في 17 يوليو 2023.

أهداف القمة:

سعت قمة جوهانسبرج لمجموعة "بريكس" إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1. التدشين لعالم متعدد الأقطاب: ترفض مجموعة "بريكس" ما ترى أنه هيمنة غربية بقيادة الولايات المتحدة على النظام الدولي الراهن، ولاسيما على المستوييْن السياسي والاقتصادي. وقد بدأت المجموعة في توظيف نجاحها خلال العقد الماضي في تشكيل الاقتصاد العالمي من حيث إجمالي الإنتاج، في محاولة خلق نظام سياسي عالمي جديد مُتعدد الأقطاب، كبديل للنظام العالمي القديم المُرتكز على القطبية الأحادية. 

كما تحاول دول "بريكس" تقديم نفسها كممثل لدول الجنوب وعلى أنها نموذج بديل لمجموعة السبع للدول الصناعية الكبرى، والتي تأسست عام 1975، وتضم ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة. وهو ما يفسر اتجاه المجموعة نحو توسيع قاعدة العضوية فيها، بهدف "البحث عن بدائل" للشكل الراهن لتوازن القوى في النظام الدولي الحالي.

وفي محاولة لتحقيق هذا الهدف، أعربت دول "بريكس"، في إعلان جوهانسبرغ الثاني، الصادر في ختام القمة، في 24 أغسطس 2023، عن قلقها إزاء استخدام الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتؤثر سلباً في الدول النامية، مُؤكدة التزامها بتعزيز وتحسين الحوكمة العالمية من خلال تعزيز نظام دولي متعدد الأطراف أكثر مرونة وفعالية وكفاءة وتمثيلاً وديمقراطية وخضوعاً للمساءلة. 

2. إقامة نظام اقتصادي دولي بديل: تعمل دول مجموعة" بريكس" على الانتقال إلى نظام اقتصادي دولي بديل، عبر توفير بدائل عما تعتبره هذه الدول أدوات للهيمنة المالية الغربية. وذلك عبر إنشاء وسيلة بديلة لسداد المدفوعات التجارية باستخدام عملة مُوحدة بديلة عن الدولار الأمريكي، وذلك بهدف الحد من هيمنة الدولار، من خلال بدء الإقراض بعُملتَيْ جنوب إفريقيا والبرازيل من خلال بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، ومن خلال التجارة بالعملات المحلية كما أعلنت الإمارات والهند في وقت سابق. ولتحقيق هذا الهدف، أبدت دول "بريكس"، في إعلان جوهانسبرغ الثاني، معارضتها للحواجز التجارية التي تفرضها بعض الدول المتقدمة. كما دعت إلى زيادة مشاركة الأسواق الناشئة والدول النامية في المنظمات الدولية والمنتديات مُتعددة الأطراف. كذلك، أكدت أهمية تشجيع استخدام العملات الوطنية في التجارة الدولية والمعاملات المالية، سواءً داخل دول "بريكس" أم مع الشركاء التجاريين. 

3. تعزيز المصالح المُشتركة للجنوب العالمي: تسعى مجموعة "بريكس" لدعم مصالح الجنوب العالمي، بما يساعد على الدفع من أجل حوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافاً، وترجع أهمية دور "بريكس" في إعلاء أصوات الجنوب العالمي، إلى كونه يعمل على سد الفجوة بين الدور الفعلي للأسواق الناشئة والبلدان النامية في النظام العالمي وقدرتها على المشاركة في هذا النظام، وعمليات صنع القرار في مؤسسات عالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. 

تداعيات مُتباينة: 

ثمّة تداعيات يحتمل أن تسفر عنها قمة "البريكس" التي انعقدت في جنوب إفريقيا، وقد تضمن بيانها الختامي بعضها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1. زيادة القوة الاقتصادية للمجموعة: سيترتب على ضم الدول الست إلى عضوية المجموعة زيادة حصتها من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي بحوالي 3.1 تريليون دولار، وهذا الرقم يمثل مجموع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحالية للدول التي ستنضم بدءاً من أول يناير عام 2024. كما أن انضمام كل من الإمارات والسعودية وإيران إلى المجموعة، يمثل إضافة قوية لاقتصاد المجموعة، إذ تنتج الدول الثلاث نحو 16 مليون برميل من النفط يومياً، وتمتلك نحو 600 مليار برميل. وهو ما سيترتب عليه تحقيق مزيد من القوة الاقتصادية للمجموعة وتعزيز نفوذها وتوسعها عالمياً في مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى، كما أن من شأن هذا التوسع تحقيق التوقعات في استحواذ "بريكس" على نسبة 44% من الاقتصاد العالمي بحلول عام 2040.

2. تحديد "بريكس" لخارطة النظام العالمي الجديد: يتوقع أن تمارس مجموعة "بريكس" تأثيراً كبيراً في تحديد ملامح وطبيعة علاقات القوة في النظام العالمي الجديد، بما يؤدي إلى تخلص الدول النامية من هيمنة القوى الغربية وسيطرتها على النظام الدولي الحالي، فضلاً عن تأثيرها في إعادة تنظيم المؤسسات المالية والاقتصادية والسياسية الدولية.

3. حدوث خلافات في المجموعة: على الرغم من أن توسيع العضوية في مجموعة "بريكس" سيترتب عليه تعزيز نفوذها كمدافع عما تسمى دول الجنوب العالمي، فإن تقارير إعلامية غربية رجحت أن يؤدي توسيع العضوية إلى تفاقم الخلافات في المجموعة التي تعاني من وجود صعوبات فعلية في عملية اتخاذ القرارات، بسبب الحاجة إلى توافق الآراء. وهو ما قد يعوق بالتالي تطلعات المجموعة للتحرر من الهيمنة الغربية وتقديم نفسها كبديل للمؤسسات الدولية الغربية. ومما يعزز هذا التوجه، امتلاك دول "بريكس" اقتصادات شديدة التباين في الحجم، فضلاً عن تباين أهداف السياسات الخارجية لحكوماتها، وهو ما يترتب عليه تعقيد التوافق بشأن اتخاذ القرارات في المجموعة.

4. تباين الموقف الغربي تجاه توسع "بريكس": تباين الموقف الغربي تجاه مبادرة توسع مجموعة "بريكس". حيث وصف مسؤولون أمريكيون "بريكس" بأنها مجموعة شديدة التنوع تضم دولاً صديقة وكذلك خصوماً ومنافسين، وهو ما يُقلل بالتالي من احتمال أن تشكل المجموعة منافساً جيوسياسياً للولايات المتحدة. وعلى ما يبدو، فإن واشنطن تحاول التقليل من أهمية مبادرة توسيع "بريكس"، ولا تعتبرها هجوماً مباشراً على مكانتها المهيمنة على العالم. غير أنه على الجانب المقابل، فإن الموقف الغربي يتراوح ما بين إبداء القلق إزاء النفوذ المتزايد للمجموعة، أو محاولة التقليل من خطورة توسعها.

وفي التقدير، يمكن القول إن قمة مجموعة "بريكس" الأخيرة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، تمثل مرحلة فارقة في تحديد مُستقبل ومكانة المجموعة في إطار النظام العالمي الجديد الأكثر توازناً، والذي تهدف المجموعة إلى رسم ملامحه الرئيسية، عبر إقامة نظام دولي مُتعدد الأقطاب، ونظام اقتصادي بديل للمؤسسات المالية والاقتصادية التي يهيمن عليها الغرب. ومع ذلك، فإن نجاح "بريكس" في تحقيق هذه الأهداف يبقى مرهوناً بمدى نجاحها في زيادة مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية، وتجاوز الخلافات بين بعض أعضائها، ناهيك عن التصدي للمحاولات الأمريكية والغربية الساعية إلى تقليل مكانة وأهمية مجموعة "بريكس" في النظام الدولي الراهن.