لماذا تسعى إثيوبيا إلى إعادة بناء قوتها البحرية؟

31 August 2023


أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام حشد من المستثمرين ورجال الأعمال خلال يوليو 2023، أن الحكومة الإثيوبية لم تدخر وسعاً في سعيها للحصول على منفذ بحري. وكشف رئيس الوزراء أن جميع الخيارات، بما في ذلك التفاوض و"الأخذ والعطاء" وحتى استخدام القوة، مطروحة على الطاولة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

لطالما واجهت إثيوبيا، الدولة غير الساحلية التي تقع في القرن الإفريقي، تحدياً يتمثل في محاولة تحقيق مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية دون الوصول المباشر إلى البحر. حيث وجهت خسارة ساحلها البحري، بما في ذلك ميناء عصب الحيوي، في أعقاب استقلال إريتريا عام 1993، ضربة قاسية لقدرات إثيوبيا البحرية. عندئذ أُجبرت على نقل أصولها البحرية إلى الموانئ اليمنية، وأدى الطرد اللاحق من اليمن والفشل في الحفاظ على عقد إيجار في جيبوتي إلى حل البحرية الإثيوبية بالكامل بحلول منتصف التسعينيات. 

ومع ذلك، في عام 2018، أعلنت إثيوبيا عن خطط لإحياء قواتها البحرية، بمساعدة فرنسا، لتضع الأمة الإثيوبية نصب عينيها إعادة بناء قدراتها البحرية.

تطور البحرية الإثيوبية

في عام 1958، صارت البحرية الإثيوبية فرعاً مستقلاً من القوات المسلحة، حيث كانت مهمتها تتمثل في العمل كحرس سواحل داخل المياه الإقليمية قبالة إريتريا. وحتى عام 1974، عملت وحدة صغيرة من أفراد البحرية البريطانية المتقاعدين كمستشارين ومشرفين على تدريب عناصر البحرية الإثيوبية. كما وقعت أديس أبابا وأوسلو في عام 1974 اتفاقية، قامت النرويج بموجبها بتنظيم وتدريب قوة بحرية متواضعة. 

بيد أنه في ظل رئاسة منجستو هيلا مريام، تم إلحاق المستشارين السوفييت بالبحرية الإثيوبية، كما تعاونت البحرية الإثيوبية مع عناصر من الأسطول السوفيتي العامل في البحر الأحمر. وفي هذا السياق قامت السفن البحرية السوفيتية بإجراء عمليات متكررة في الموانئ الإثيوبية لإعادة الإمداد والتجديد. علاوة على ذلك، حافظ الاتحاد السوفيتي على منشآت بحرية في جزر دهلك قبالة سواحل إريتريا، وكان لدى الاتحاد السوفيتي مرسى وأقام هناك مفرزة مشاة بحرية ومنشآت استخباراتية. بيد أنه بعد طردهم من الصومال في عام 1977 لانحيازهم لإثيوبيا، نقل السوفييت رصيفاً بحرياً كانوا يعملون فيه في بربرة في الصومال إلى عصب الإريترية، ثم وضعوه في وقت لاحق قبالة الساحل في جزر دهلك. 

بحلول عام 1991، ظلت البحرية الإثيوبية المكونة من 3500 فرد متواضعة ولم تخض أي مهام قتالية تذكر. وقد شمل مخزونها فرقاطتين، وثمانية زوارق صواريخ، وستة طوربيدات، وستة زوارق دورية، وزورقين برمائيين، ومركبتي دعم وتدريب، كما تركزت القواعد البحرية الإثيوبية الرئيسية في مصوع وعصب، بالإضافة إلى أسمره ودهلك، واحتضنت منشأة لإصلاح السفن، وخلال هذه الفترة مرت البحرية الإثيوبية بمرحلتين:   

1- تراجع البحرية الإثيوبية: كان أداء البحرية الإثيوبية سيئاً في حرب أوغادين مع الصومال عام 1978، وبدأت الحكومة الإثيوبية في نقل الأموال والموارد المخصصة للبحرية وتحويلها للجيش والقوات الجوية مما تسبب في تراجع البحرية الإثيوبية من حيث القدرات. وعليه فقدت البحرية الإثيوبية كلاً من مينائها الرئيسي واتصالها بالطريق السريع بالداخل الإثيوبي عندما استولت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا على مدنية مصوع في مارس 1990، مما أجبر مقر البحرية على الانتقال إلى الداخل إلى أديس أبابا.   

بحلول ربيع عام 1991، بدأت سفن البحرية في استخدام موانئ في جيبوتي والمملكة العربية السعودية واليمن بسبب خطر العودة إلى قواعدها الأصلية. وفي أواخر مايو 1991، استولت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا على أسمره وحاصرت عصب، حيث أدت نيران قواتها البرية إلى غرق سبع سفن تابعة للبحرية الإثيوبية في الميناء. وفي 25 مايو 1991، تمكنت 14 سفينة تابعة للبحرية الإثيوبية من الإبحار من عصب، باتجاه اليمن، تاركة وراءها سبع سفن ومجموعة متنوعة من الزوارق الصغيرة. وبعد فترة وجيزة سقط ميناء عصب في يد الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا.  

2- نهاية البحرية الإثيوبية: انتهت الحرب الأهلية الإثيوبية وحرب الاستقلال الإريترية في عام 1991 بعد وقت قصير من سقوط عصب، وصارت إريتريا دولة مستقلة، تاركة إثيوبيا دولة حبيسة غير ساحلية. ومع ذلك ظلت البحرية الإثيوبية قائمة في ظل موقف غريب وغير عادي نظراً لعدم وجود موانئ محلية. ومع ذلك، واصلت، بتوجيه من مقرها الرئيسي في أديس أبابا، تسيير دوريات عرضية في البحر الأحمر من موانئ اليمن. وفي عام 1993، قام اليمن أخيراً بطرد السفن الإثيوبية؛ وفي ذلك الوقت، كان بعضها قد تدهور كثيراً لدرجة أنه لم يعد صالحاً للإبحار مما اضطر الإثيوبيين إلى تركه في اليمن.

دوافع استراتيجية متعددة

إن الدوافع وراء طموحات إثيوبيا لبناء قوة بحرية جديدة متعددة الأوجه ومدفوعة باعتبارات استراتيجية مختلفة، وتسلط خطب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، منذ عام 2018 الضوء على رغبة الأمة في تعزيز قدراتها العسكرية وتوسيع نطاقها إلى ما وراء القوات البرية والجوية لتشمل القوة البحرية.

1- الاعتماد المتزايد على جيبوتي: يُعد أحد الدوافع الأساسية لإحياء البحرية الإثيوبية هو اعتمادها المتزايد على جيبوتي للتجارة والوصول إلى البحر. فبعد الحرب الحدودية المريرة مع إريتريا من 1998 إلى 2000، فقدت إثيوبيا الوصول إلى موانئ إريتريا، مما استدعى البحث عن خيارات بديلة. وبرزت جيبوتي كشريك أساسي لإثيوبيا، حيث تعاملت مع حوالي 95% من صادراتها ووارداتها.  

2- حماية مصالحها في البحر الأحمر: وهو عامل رئيسي آخر يدفع بالتطلعات البحرية لإثيوبيا، حيث تحتاج إثيوبيا إلى حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية في منطقة البحر الأحمر المضطربة، ومع وجود العديد من الرهانات الاقتصادية في المنطقة وتضارب المصالح السياسية، ترى إثيوبيا إنشاء البحرية وسيلة لحماية سفنها التجارية والدفاع عن أصولها البحرية في المنطقة. وحالياً تتمركز السفن التجارية الإثيوبية في جيبوتي، وستوفر البحرية تعزيزاً للأمن والاستقلالية لطرق التجارة البحرية إلى وجهات عالمية مختلفة.

3- تطلعات المعهد البحري المدني الإثيوبي: حيث يؤدي دوراً مؤثراً في تشكيل طموحات إثيوبيا البحرية. فوجود مجموعة من المهندسين البحريين المهرة والضباط التقنيين المدربين في صناعة الشحن العالمية، يجعل إثيوبيا تمتلك أساساً لبناء قوة بحرية عاملة وقادرة. في حين أن عملية بناء القوات البحرية هي بلا شك صعبة وتستهلك الكثير من الموارد، إلا أن وجود قوة عاملة مدربة يمكن أن يسرع تدريب وتطوير القوات البحرية. 

4- تنويع منافذ الموانئ: يُعد عاملاً آخر يؤثر في دفع إثيوبيا نحو تحقيق طموحاتها البحرية. فمن خلال تأمين صفقات مع السودان وصوماليلاند للوصول إلى بورتسودان وحصة في ميناء بربرة، على التوالي، تهدف إثيوبيا إلى خفض رسوم الموانئ وتقليل اعتمادها على ميناء واحد لأنشطتها التجارية. ولعل من شأن القوات البحرية أن تسهل حماية هذه الطرق التجارية المتنوعة وتضمن وصول إثيوبيا إلى الموانئ الحيوية في المنطقة.

وعليه، فإن دوافع إثيوبيا وراء بناء قوة بحرية جديدة متجذرة في الاعتبارات الاستراتيجية لحماية مصالحها البحرية، وتأمين طرق التجارة، وتقليل الاعتماد على منفذ واحد. وإن الرغبة في القدرات البحرية مدفوعة بالمخاوف المتعلقة بالسيطرة الأجنبية المحتملة على الموانئ الحيوية، والحاجة إلى حماية السفن التجارية والأصول في منطقة مضطربة، والتطلع إلى تعزيز النفوذ العسكري للدولة بما يتجاوز قواتها البرية والجوية. وعلى الرغم من أن بناء البحرية يمثل تحدياً كبيراً، فإن أهداف إثيوبيا طويلة المدى لتعزيز الأمن البحري وتعزيز المصالح الاقتصادية يجعل المسعى ضرورة استراتيجية.

 خيارات وتحديات كبيرة

يهدف التحرك نحو الوصول المستقل إلى الموانئ إلى تقليل اعتماد إثيوبيا على بوابات التجارة الخارجية. ولتجسيد هذه الرؤية، بدأت الحكومة الإثيوبية بالفعل مفاوضات مع الفاعلين الإقليميين الرئيسيين، وبالتحديد إريتريا وجيبوتي وصوماليلاند، على أمل تأمين طريق إلى ميناء. وبالفعل تم تقديم اقتراح غير عادي إلى إريتريا، حيث عرضت إثيوبيا على إريتريا 30% من الأسهم في شركة الخطوط الجوية الإثيوبية ذائعة الصيت كورقة مساومة للوصول إلى الموانئ المرغوبة. وبينما لا يزال السلام والتفاوض هو المسار المفضل، صرح رئيس الوزراء آبي أحمد، أن استخدام القوة سيعتبر إجراءً أخيراً قائلاً: "نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة"، قال ذلك بشكل لا لبس فيه ولا غموض.

ولمعالجة قيود جغرافية الهضبة الحبيسة، تدرك إثيوبيا أهمية إنشاء قوة بحرية والحصول على موطئ قدم استراتيجي في المنطقة. كما أن الاستحواذ على قاعدة عسكرية خارجية في دول شرق إفريقيا أو القرن الإفريقي خطوة حاسمة نحو تنشيط قدراتها البحرية. 

ومن المرجح أن توفر قاعدة عسكرية مستأجرة في الخارج لإثيوبيا مزايا أساسية، وتمكنها من حماية مصالحها البحرية، وتأمين طرق التجارة، ومكافحة القرصنة، والإسهام في الاستقرار الإقليمي. ولعل مشاركة فرنسا في مساعدة إثيوبيا في بناء قدراتها البحرية الجديدة تدل على الاعتراف بأهمية إثيوبيا الاستراتيجية في المنطقة والاعتراف بالحاجة إلى الأمن البحري في القرن الإفريقي، ويمكن لفرنسا، كقوة بحرية راسخة، أن تقدم خبرة قيمة وتدريباً ودعماً تقنياً لجهود إحياء البحرية الإثيوبية. كما يمكن للشراكة بين إثيوبيا وفرنسا أن تعزز علاقات دبلوماسية أقوى وتعزز التعاون الإقليمي في معالجة المخاوف الأمنية المشتركة.

ومع ذلك، يجب على إثيوبيا أن تخطو بحذر في سعيها وراء القواعد العسكرية في الخارج. إذ يُعد الحصول على قاعدة عسكرية أجنبية والحفاظ عليها مسعى معقداً يتطلب موارد مالية كبيرة ومهارة دبلوماسية فائقة. كما يجب على إثيوبيا الانخراط في تقييمات شاملة للدول المضيفة المحتملة لضمان أن تكون الترتيبات مفيدة للطرفين، وتحترم السيادة الوطنية، ولا تؤدي إلى تبعات أو توترات لا داعي لها مع الدول المجاورة.

علاوة على ذلك، من الضروري أن تحقق إثيوبيا توازناً دقيقاً بين تعزيز قدراتها البحرية وإعطاء الأولوية للتنمية المحلية. في حين أن القوات البحرية ستعزز بلا شك نفوذ إثيوبيا ووضعها الأمني، إلا أنه يجب على الدولة ضمان ألا تأتي الاستثمارات في الدفاع على حساب البرامج الاجتماعية والاقتصادية الحيوية. فلا يزال النمو المستدام والتخفيف من حدة الفقر من الأولويات الرئيسية لاستقرار البلاد وازدهارها على المدى الطويل.

ختاماً يواجه إنشاء قوة بحرية كاملة لإثيوبيا تحديات وتعقيدات كبيرة، وكما يؤكد الباحث البحري، تيموثي ووكر، من معهد الدراسات الأمنية في جنوب إفريقيا، فإن بناء البحرية من الألف إلى الياء ينطوي على استثمارات مالية ضخمة في شراء الأصول البحرية وتدريب الأفراد، وهي عملية قد تستغرق عقوداً حتى تكتمل. 

بالإضافة إلى ذلك، يتأثر القرن الإفريقي بالفعل بتنافس القوى العالمية الكبرى ذات الوجود البحري الراسخ، مما قد يشكل عقبات دبلوماسية وتشغيلية أمام طموحات إثيوبيا البحرية. وفي حين أن المخاوف الأمنية البحرية موجودة في المنطقة، فإن حوادث القرصنة والإرهاب المسجلة قد لا تبرر بشكل كامل الضرورة العاجلة لإثيوبيا لتطوير سلاح البحرية. ويمكن للجهود التعاونية مع الشركاء الإقليميين والقوات البحرية الدولية أن توفر حلولاً بديلة لمواجهة هذه التحديات.

ومع ذلك، فإن تصميم إثيوبيا على المضي قدماً في خططها لإنشاء أسطول بحري لقواتها المسلحة يشير إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى. ومن المعقول أن تسعى إثيوبيا لحماية طرق التجارة المتنامية، وتأمين الوصول إلى الموانئ الحيوية، وحماية مصالحها البحرية لأنها تعتمد بشكل متزايد على جيبوتي وجيرانها من الدول والمناطق الساحلية الأخرى في التجارة الدولية. 

وفي الوقت الذي قد يكون فيه إنشاء قوة بحرية كاملة غير عملي في هذا المنعطف، فإن اتباع نهج مصغر أو تشكيل قوة دفاع ساحلية متخصصة يستطيع تمكين إثيوبيا من معالجة المخاوف الأمنية البحرية الملحة أثناء العمل على تحقيق أهدافها طويلة الأجل في المنطقة.