محاولة للهيمنة:

فرص تمرير "التنسيقي" لتعديلات قانون الانتخاب العراقي

28 February 2023


أعلن القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، في 24 فبراير 2023، اعتراضه على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية المزمع إجراؤها في أكتوبر 2023، والذي يسعى الإطار التنسيقي لتمريره داخل مجلس النواب العراقي. وجاء ذلك بعد يوم واحد من الإعلان عن تأجيل جلسة البرلمان التي كانت مقررة في 23 فبراير 2022، حتى يوم 27 من نفس الشهر، وذلك بعد أن قرر النواب المستقلون مقاطعة الجلسة، اعتراضاً على التعديلات المقترحة بشأن مشروع القانون.

مضمون مشروع القانون 

تضمنت مسودة قانون الانتخابات الجديد التي تسلمها البرلمان من مجلس الوزراء عدداً من النقاط والبنود، يمكن استعراضها في النقاط التالية:

1- تعديل الدوائر الانتخابية: يستند مشروع القانون الجديد على اعتماد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بدلاً من الدوائر المتعددة، واحتساب الأصوات وفقاً لطريقة "سانت ليجو". وتم ابتكار هذا النظام أولاً في عام 1910 في الدول الاسكندنافية، بهدف ضمان تمثيل الكتل الانتخابية الصغيرة، ويعتمد على قسمة إجمالي الأصوات الذي تحصل عليه كل قائمة أو كتلة، على أرقام فردية صحيحة (1و3 و5 و7...)، وبعد إجراء القسمة يخصص المقعد الأول لأكبر رقم من حصيلة القسمة، وثاني مقعد لثاني أكبر رقم من حصيلة القسمة، وتستمر هذه الطريقة لحين انتهاء توزيع المقاعد المخصصة لكل دائرة. 

وبخلاف ما تم اعتماده في النرويج والسويد من الأخذ بنظام "سانت ليجو" بمعامل 1.4، فقد تبنى العراق نظام "سانت ليجو" الانتخابي بمعامل 1.7، وذلك لاحتساب الأصوات وتحديد المقاعد النيابية في انتخابات عام 2014 لأول مرة، بحسب القانون رقم 45 الصادر عن مجلس النواب العراقي عام 2013.

وأدى ذلك إلى تعزيز فرص الأحزاب السياسية التقليدية الكبيرة على حساب المرشحين الأفراد من المستقلين والتيارات المدنية وكذلك القوى السياسية الناشئة والصغيرة، أي اعتماد القاسم الانتخابي للقائمة أو الكتلة الانتخابية ككل، وليس ما يحصل عليه المرشح نفسه من أصوات.

وقد تم تغيير هذا القانون تحت ضغط "احتجاجات تشرين" في أكتوبر 2019، واستقالة حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، إلى قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لسنة 2020، والذي أجريت انتخابات أكتوبر 2021، وفقاً له، والذي يقضي بتقسيم المحافظات العراقية إلى دوائر انتخابية متعددة، بحيث يكون لكل 100 ألف ناخب في الدائرة ممثل في البرلمان، كما أنه يعمل وفق ما يعرف بنظام الدوائر المفتوحة بحيث لا تستطيع التحالفات القائمة أو الأحزاب السياسية تحويل أصوات من مرشح إلى آخر.

2- طريقة الفرز والعد: تضمن مشروع القرار الجديد اعتماد نظام العد والفرز ليكون يدوياً، وسبق وأوصت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها رقم 159 لسنة 2022 باعتماد العد والفرز اليدوي بوصفه لاحقاً للعد والفرز الإلكتروني. وأشارت المصادر التابعة للإطار التنسيقي إلى أن الهدف من ذلك هو تلافي مشاكل النظام الإلكتروني، في ظل تعطل بعض الأجهزة المُخصصة لقراءة أوراق الاقتراع وعدم قراءة البعض الآخر لبصمة إبهام الناخبين. 

3- دمج الانتخابات التشريعية والمحلية: وقّع حوالي 50 نائباً في البرلمان العراقي على طلب يهدف لإجراء الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات والأقضية) مع الانتخابات البرلمانية (مجلس النواب) في يوم واحد خلال العام الجاري 2023. كما كان من بين المقترحات إعطاء نسبة 25% للنساء، على أن تترشح في سن 25 عاماً، هذا بالإضافة إلى منع مزدوجي الجنسية من الترشح.

فرص تمرير مشروع القانون 

تتمثل أبرز فرص تمرير مشروع القانون الجاري المناقشة بشأنه في مجلس النواب العراقي في الآتي:

1- دعم "التنسيقي" للمشروع: تدعم بعض مكونات "التنسيقي" تمرير القانون، وهو ما أكده أحد نواب ائتلاف دولة القانون، عارف الحمامي، والذي زعم وجود شبه إجماع على العودة لقانون الانتخابات السابق وفق نظام "سانت ليجو"، والتأكيد على أن القانون الانتخابي الحالي حمل الكثير من الثغرات والإشكاليات القانونية والفنية التي يجب تفاديها في الانتخابات القادمة.

كما أيد تيار الحكمة المقترح الجديد على لسان رحيم العبودي، مبرراً ذلك على أساس أن القانون الحالي سمح بحدوث عمليات تزوير، وأن تعديله سوف يمنع ذلك مع دعم نظام العد والفرز يدوياً.

2- الرغبة في استمرار الهيمنة: يعود إصرار بعض مكونات الإطار التنسيقي على العودة لنظام "سانت ليجو" إلى رغبة الأحزاب السياسية الكبري والتقليدية في استمرار الهيمنة السياسية مقابل تقليص فرص الأحزاب الصغيرة والجديدة والشخصيات المستقلة التي حققت تقدماً ملحوظاً في انتخابات أكتوبر 2021، حيث حصلت القوى المدنية والمستقلون ومن بينهم حركة "امتداد"، و"جيل جديد"، و"إشراقة كانون" على أكثر من 47 مقعداً.

وترى بعض مكونات "التنسيقي" أن القانون الحالي تسبب في خسارة أصوات بعض الكتل السياسية في الانتخابات الأخيرة مثل كتلة قوى الدولة الوطنية (الذي يضم تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي)، حيث إن مرشحيهم الذين حصلوا على أصوات تعدت العتبة الانتخابية لم يتمكنوا من تحويل تلك الأصوات للمرشحين الآخرين من نفس الكتلة.

تحديات تمرير مشروع القانون 

لا يزال مشروع القانون سالف الذكر يواجه العديد من التحديات النابعة من اعتراض بعض القوى السياسية التي اعتبرت أن مشروع القانون خصم من مكاسبها التي حصلت عليها أخيراً، وهو ما يمكن إيضاحه في النقاط التالية:

1- رفض التيار الصدري: أبدى التيار الصدري اعتراضه على التعديلات المُقترحة بشأن قانون الانتخابات. ويدرك الصدريون أن مشروع القانون هو محاولة من جانب "التنسيقي" لتفادي تكرار ما حدث في انتخابات 2021، والتي تصدر فيها التيار الصدري والمكونيْن السني والكردي نتائج الانتخابات، في حين تراجعت حظوظ قوى الإطار التنسيقي.

وقد عبّر عن ذلك النائب المستقيل من البرلمان، عن كتلة التيار الصدري، حيدر المنصوري، عندما قال: "هل تتوقعون من أحزاب السلطة الخاسرة أن تسن قانون انتخابات يسمح للمواطنين بإخضاع الفائزين للمساءلة عن طريق صناديق الاقتراع؟ وهل من المنطقي أن يعطوا الفرصة للمستقلين الحقيقيين مرة أخرى لمنافسة المليشيات وفصائل المقاولة؟".

2- تردد السنة والأكراد: أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي عبدالكريم، أن الاتفاق بين القوى السياسية على تعديل قانون الانتخابات يحتاج مزيداً من الوقت، وهو ما يؤشر على وجود اعتراض عليه، أو بعض بنوده. ومن جهة أخرى، يدرك كل من المكونيْن السني والكردي صعوبة تجاوز التيار الصدري في مسألة تعديل قانون الانتخابات، ولذلك تحرص هذه الأطراف السياسية على التواصل مع بعض قادة التيار للوقوف على موقفهم النهائي من هذه التعديلات.

3- اعتراض مرجعية النجف: أبدى ممثل المرجعية الدينية في النجف، عبد المهدي الكربلائي، اعتراضه على التعديلات المقترحة في مشروع قانون الانتخابات، والتي تتعلق بنظام القائمة المغلقة والدائرة الانتخابية الواحدة، مشيراً إلى أن ذلك يقطع الطريق أمام الناخبين لاختيار من يمثلهم في البرلمان. وينسجم ذلك مع موقف مرجعية النجف الذي كان داعماً لتعديل قانون الانتخابات لتلبي مطالب المتظاهرين في أكتوبر 2019، والرافض لأسلوب "سانت ليجو".

4- تحذير القوى المدنية والمستقلين: حذر عدد من النواب المستقلين من خطورة تمرير التعديلات على قانون الانتخابات معتبرين ذلك انقلاباً على إرادة الشارع العراقي. كما اعتبرت بعض القوى السياسية المدنية أن مقترح القانون، والذي يدمج بين قانون انتخابات مجالس المحافظات وقانون انتخابات مجلس النواب في قانون واحد، يخالف مواد في الدستور العراقي وهي المواد 49 و122، وذلك بالنظر إلى اختلاف مهام وصلاحيات المجلسين، كما أن هذا الدمج من شأنه أن يفتح المجال أمام القوى الفائزة لتُسيطر على مجلسي النواب والمحافظات.

مسارات مُحتملة

في ضوء ما سبق، يمكن الإشارة إلى مسارات مستقبلية يمكن أن يسلكها مشروع القانون المُشار إليه، ولعل أهمها ما يلي:

1- تنسيق المواقف المُعارضة: في حال إصرار الإطار التنسيقي على المضي قدماً في تمرير مشروع القانون سالف الذكر، فقد يدفع هذا بالتيار الصدري، والذي أعلن موقفه الرافض لتللك التعديلات، إلى تحريك الشارع مرة أخرى بالتنسيق مع التيارات المدنية والمستقلة والقوى السياسية الناشئة الرافضة للمشروع الجديد، وهو ما سيشكل عقبة أمام "التنسيقي" لتمرير المشروع.

2- كسب الوقت: قد يسعى "التنسيقي" إلى إطالة أمد النقاشات والتفاهمات حول مشروع القانون مع باقي القوى السياسية، لاسيما المنضوية في ائتلاف إدارة الدولة مع إمكانية إدخال عدد من التعديلات على بعض مواد المشروع دون المساس بنظام "سانت ليجو"، خاصة وأنه ليس من مصلحة "التنسيقي"، على الأقل، في هذا التوقيت التعرض لأي أزمات سياسية، حيث يظن الإطار التنسيقي من وجهة نظره أن كسب مزيد من الوقت سيكون مفيداً لتمكين الحكومة من تطبيق سياسة إصلاح اقتصادي بما يصب في صالح الحسابات السياسية لـ"التنسيقي".

وفي التقدير، يمكن القول إنه وفي ضوء رفض التيار الصدري والمرجعية الدينية في النجف التعديلات المقترحة بشأن مشروع قانون الانتخاب، فإن ذلك من شأنه أن يضعف من فرص "التنسيقي" لتمرير القانون، وقد يدفع ذلك بالأخير إما إلى إرجاء هذا الأمر، على الأقل في الوقت الحالي، أو التوصل إلى تفاهمات معينة مع التيار الصدري والكتل السياسية الأخرى الرافضة حول التعديلات، وهو أمر قد يبدو مستبعداً.