تحديات توسيع "بريكس" في ظل نظام دولي مضطرب

08 February 2023


تعود فكرة إنشاء مجموعة "بريكس" – التي سُميت في الأصل اختصاراً لـ BRIC (الأحرف الأولى من دول البرازيل روسيا والهند والصين) - إلى مطلع القرن الحالي عندما سعى محلل "جولد مان ساكس"، جيم أونيل، إلى تسويق الأسواق الناشئة للمستثمرين. وتحولت الفكرة إلى واقع عملي عندما اقترح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقد اجتماع لوزراء دول المجموعة في سبتمبر 2006، على هامش الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم لاحقاً، على مستوى القمة.
وبحكم الأوزان السياسية والاقتصادية للدول الأربع، عُرفت المجموعة بأنها تضم البلدان القادرة على اتباع سياسات مستقلة ليس فقط بالمعنى السياسي، بل أيضاً لامتلاكها الإمكانات الاقتصادية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف. وانضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة لاحقاً في عام 2010، لتصبح "BRICS". ومنذ إنشائها في عام 2009، عقدت المجموعة 14 قمة، كانت آخرها القمة الافتراضية التي استضافتها وترأستها الصين في يونيو 2022، بعد فترة وجيزة من قمتي مجموعة السبع الصناعية الكبرى وحلف شمال الأطلسي.
بديل لمجموعة السبع:
يُنظر إلى مجموعة "بريكس" على أنها بديل لمجموعة السبع الصناعية الكبرى؛ لأنها تجمع معاً خمسة من أكثر الاقتصادات الناشئة ديناميكية، والتي تقدم نفسها كعامل حاسم في هيكل الحوكمة العالمية، وكصوت لما يُسمى "الجنوب العالمي"، الذي يدعو إلى بديل اقتصادي وسياسي للهيمنة الغربية على النظام الحالي.
ووفقاً للمحلل البرازيلي أوليفر ستوينكل، فإنه على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية، والخصائص الاقتصادية، والمنافسات الجيوسياسية بين دول المجموعة، فإن أعضاء "بريكس" تجمعهم شكوك عميقة في النظام الليبرالي الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والخطر المتصور الذي تمثله الأحادية القطبية على مصالحهم.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الأعضاء الخمسة في "بريكس" يمثلون 42% من سكان كوكب الأرض، و24% من الناتج الإجمالي العالمي، وأكثر من 16% من النمو العالمي. ولا يمكن تجاهل واقع أن هذه الدول تزخر بالموارد الطبيعية الاستراتيجية، وتتمتع بأكبر تنوع بيولوجي على هذا الكوكب. في المقابل، عادة ما يتهم المحللون الغربيون المجموعة بعدم التجانس والسعي إلى تقويض النظام الليبرالي الدولي. 
زخم متصاعد:
هناك ثلاثة عوامل جددت الزخم بتجمع "بريكس"، الأول هو الهجوم على تعددية الأطراف، خاصة في عهد الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب، مما أدى إلى تآكل شرعية المؤسسات الدولية. والثاني ما سُمي بالفصل العنصري للقاحات الذي استهدف كوريا الشمالية أثناء جائحة "كوفيد 19". أما العامل الثالث فيتمثل في تداعيات التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في فبراير 2022، الذي أدى إلى تقسيم العالم إلى جزء غربي ضد موسكو على الأصعدة كافة، في مواجهة جزء آخر يتبنى مقاربة حذرة تقوم على نوع من التوازن الصعب بين الجبهة الغربية وروسيا. وقد استخدم الغرب كل أدوات الضغط المتاحة لديه، ليس فقط لمعاقبة موسكو، بل أيضاً لمحاصرة الدول الرافضة للاصطفاف معه. وكان من نتيجة هذا الانقسام، رغبة أغلبية لا يُستهان بها من الدول في النأي بنفسها عن الانضمام إلى الحملة الغربية، ورفضها لذلك بشكل واضح. وفي هذا السياق، تواترت التقارير التي تتحدث عن رغبة دول عديدة في الانضمام إلى "بريكس"، ليس بقصد دعم روسيا، وإنما كتعبير عن رفض أشكال الضغط الخارجي. وفي هذا الصدد أشارت تقارير إعلامية إلى دول مثل تركيا والسعودية ومصر والأرجنتين وإيران. 
والحقيقة أن الحديث عن توسيع عضوية "بريكس" لم ينقطع منذ السنوات الأولى للإعلان عن نشأة المجموعة، خاصة عندما ساد مفهوم "بريكس" كنوع من تحالف الحضارات في البداية، ومن هنا ترددت إمكانية انضمام إندونيسيا للمجموعة باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد المسلمين. ومع ذلك، فإن دعوة إيران لحضور القمة الـ 14 للمجموعة غيرت هذا المنطق، عندما أكدت الصين الأهمية الاستثنائية لطهران من ناحية إمكاناتها في مجال الطاقة. 
ويُلاحظ هنا أن بعض دول المجموعة نفسها هي من تعلن عن رغبة دول أخرى في الانضمام إليها، ربما من باب إظهار أهمية المجموعة ومكانتها الدولية. فعلى سبيل المثال، عندما عاد رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، من زيارته للسعودية في 19 أكتوبر 2022، ذكر، في تصريحات للصحافة المحلية، أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعرب له عن نية بلاده الانضمام إلى "بريكس"، وهو ما لم تؤكده الرياض حتى الآن. أما الجزائر فقد أعلنت، في 7 نوفمبر 2022، على لسان المبعوثة الخاصة المكلفة بالشراكات الدولية بوزارة الخارجية، ليلى زروقي، أن الجزائر قدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى "بريكس"، وأن روسيا والصين رحبتا بطلب الجزائر. وكان الرئيس عبدالمجيد تبون قد ذكر في اللقاء الإعلامي الدوري مع الصحافة الجزائرية، في أواخر يوليو 2022، أن انضمام الجزائر إلى "بريكس" سيبعدها عن "تجاذب القطبين".
وعلى خطى الجزائر، صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، في 28 يونيو 2022، بأن بلاده قدمت طلباً للانضمام إلى "بريكس"، وأن عضوية طهران في المجموعة "ستحقق قيمة مضافة للجانبين". وفي نفس التوقيت – الذي تزامن مع القمة الافتراضية الـ 14 للمجموعة – ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الأرجنتين تقدمت أيضاً بطلب للانضمام إلى "بريكس".
أما مصر، فقد عبّرت عن رغبتها في الانضمام للتجمع قبل سنوات، كما تشارك بنشاط في القمم التي تترأسها الصين – بما فيها القمة الأخيرة – تحت صيغة (بريكس +) التي اقترحتها بكين وأعلنت عنها في قمة "شيامن" عام 2017، وباتت أحد المحاور الرئيسية للوتيرة المتسارعة لتوسع نشاط المجموعة ليشمل أعضاءً جدداً من الاقتصادات الناشئة. وانطلق المقترح الصيني في هذا الشأن من رؤية المجموعة لنفسها على أنها تعبير عن الجنوب العالمي. 
وعادة ما يُشار إلى الصين على أنها "الراعي الرئيسي" لـ "بريكس" أو قاطرتها بامتياز ومن دونها لا وجود للمجموعة، بل إن البعض يعتبر المجموعة بمثابة استراتيجية مستترة تستخدمها بكين لتوسيع مجال نفوذها، وأنه لذلك تبدو الصين الأكثر حرصاً بين الأعضاء على توسيع المجموعة لجعلها أكثر قوة بإضافة دول جديدة. ويعتقد بعض المراقبين أن دافع بكين هو إعادة هيكلة وتوسيع "بريكس" تحت قيادتها، وتقليص أدوار البرازيل والهند. 

تحديات متعددة:
يحمل الانضمام إلى مجموعة "بريكس" في طياته العديد من التحديات السياسية والجيوسياسية، والتي قد تستوجب التريث في قبول أعضاء جدد، ومن ذلك الآتي:
1- عدم التجانس الحالي بين دول "بريكس"، حيث توجد فروق دقيقة من حيث كيفية ارتباط أعضائها بالنظام الليبرالي الدولي. وتتباين علاقات الأعضاء مع الغرب، ما بين موقف روسي أكثر تشدداً، وآخر صيني أكثر حذراً، وثالث هندي يبدو غامضاً. وبوسع المراقب لردود فعل هذه الدول إزاء الغرب وعالمه أُحادي القطب، أن يخرج بنتيجة مفادها أنه لا ينطوي دائماً على رؤية واضحة ومتسقة لنظام متعدد الأقطاب. إذ تعتقد روسيا في أهمية أن تكون المجموعة قادرة على تجاوز المؤسسات الغربية والحد من مخاطر التفاعل معها، من خلال بناء طرق موازية لإدارة العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية من دون الاعتماد على الأدوات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي. بينما تؤمن الصين وتعترف بأن النظام الدولي الحالي حقق لها نجاحات باهرة، وتنطلق بكين في موقفها هذا من حقيقة أن ثلاثة أرباع تجارتها الخارجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما توجد اختلافات واضحة وملحوظة في السياسات الخارجية لأعضاء "بريكس". فالهند، على سبيل المثال، وعلى خلاف الصين، لا ترغب في توسيع عضوية المجموعة، خوفاً من أن يدعم الأعضاء الجدد بكين، كما أن نيودلهي – التي لديها تطلعاتها الجيوسياسية العالمية الخاصة – لن تكون سعيدة بالاضطلاع بدور صغير في تشكيل وصياغة سياسات المجموعة. وبالنظر إلى الاصطفاف التاريخي للهند مع الغرب وعضويتها في التحالف الرباعي (كواد)، من المرجح أن يستمر التوتر المتأصل في العلاقة مع الصين، حيث الصراع على الحدود، وانعدام الثقة حول التكنولوجيا الصينية.
أما بالنسبة لروسيا، فإن انضمام أعضاء جدد للمجموعة يبدو مفيداً، حيث سيُنظر إليه على أنه دليل على فشل سياسة عزل موسكو. وغني عن البيان أن مثل هذا الإسقاط المُعادي للغرب لا يبدو مفيداً لجميع أعضاء المجموعة مثل الهند، وحتى الأرجنتين المرشحة، وكلاهما شارك في قمة السبع الأخيرة. ومن المتصور أن تمتد هذه الديناميكية المعقدة، والتناقضات في المصالح، إلى الأعضاء الجدد المحتملين، وربما إلى ما هو أبعد من هويتها كاقتصادات ناشئة تسعى إلى تعزيز التنمية في إطار بديل مؤسسي ومتعدد الأطراف.
2- الجدل الواسع بين الدول الأعضاء حول صيغة "بريكس +"، التي اقترحتها وأعلنت عنها الصين في عام 2017، وهي الصيغة التي تستهدف توسيع مشاركة الجنوب العالمي. والجدل هنا يتعلق أساساً بالمقترحات الرامية إلى إدماج تجمعات إقليمية بأكملها في المجموعة مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، ورابطة تعاون جنوب آسيا (SAARC)، والاتحاد الجمركي للجنوب الإفريقي (SACU)، والسوق المشتركة لبلدان أمريكا الجنوبية (MERCOSUR). ويروج العديد من الروس لهذه الفكرة، مستشهدين في ذلك بتجربة التعاون المتزايد بين مجموعة "بريكس" و"منظمة شنغهاي للتعاون"، حيث تتمتع كل من روسيا والصين والهند بعضوية التجمعين. 
وفي هذا السياق، عززت روسيا استراتيجية مشتركة بين أعضاء "بريكس" و"منظمة شنغهاي للتعاون" و"الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، لزيادة المدفوعات بالعملات الوطنية في تجارتها المتبادلة؛ وذلك نتيجة للعقوبات الغربية. ومن المرجح أن يصبح الانضمام لـ "بريكس" أكثر تعقيداً في حالة قبول الكتل أو المنظمات الإقليمية، خاصة أن هناك توترات وصراعات داخل كل كتلة، يمكن أن تعيق عمل المجموعة.
3- المخاطر السياسية المحتملة لانضمام دول جديدة، مثل إيران وكذلك الأرجنتين التي تقدمت بالفعل بطلب انضمام، دعمته الصين وروسيا، بوصفها عضواً ناطقاً بالإسبانية من أمريكا اللاتينية. ومن المعروف أن الأرجنتين تُحمّل إيران مسؤولية الهجمات الإرهابية التي ارتُكبت على أراضيها، قبل سنوات. وفضلاً عن ذلك، كان طلب الأرجنتين للعضوية في "بريكس" محل انقسام داخلي، ما بين وجهة نظر مؤيدة تؤكد أهمية الروابط التجارية والمالية مع الصين والشراكة معها في "مبادرة الحزام والطريق"، والتبادل التجاري المتنامي مع الهند، والمزايا التي يمكن للأرجنتين الحصول عليها من قبولها عضواً في "بنك التنمية الجديد"، ووجهة نظر أخرى رافضة باعتبار أن هذا الانضمام ستكون له عواقب سلبية على علاقات الأرجنتين بالولايات المتحدة وأوروبا.
4- غياب قواعد ومعايير واضحة لقبول الأعضاء الجدد في "بريكس"، وقد أشار الإعلان الصادر عن القمة الـ 14، في 23 يونيو 2022، إلى أن القادة سيواصلون مناقشة إمكانية قبول دول جديدة بناءً على "التشاور الكامل والإجماع". ومع ذلك، فقد جعلت المجموعة عضوية "بنك التنمية الجديد" مفتوحة لجميع الدول، وليس فقط دول "بريكس". وفي هذا السياق، انضمت كل من دولة الإمارات ومصر وبنجلاديش والأوروجواي، في سابقة قد تكون مفيدة لانضمام دول جديدة. ويركز "بنك التنمية الجديد" الذي أُنشئ برأسمال مكتتب بقيمة 100 مليار دولار بالتساوي بين الدول الخمس والدول التي انضمت، أو تلك التي ستنضم في المستقبل، مدفوع منها 20 مليار دولار لتمويل مشروعات البنية التحتية الخضراء والتنمية المستدامة، على خلفية الأهمية المتزايدة للأجندة البيئية في العمل الدولي، على أن تكون نسبة 30% من عملياته ممولة بالعملات الوطنية للدول الأعضاء.
ختاماً، يمكن النظر إلى السباق على عضوية تجمع "بريكس" في إطار العملية المُعقدة وغير المؤكدة لتحولات النظام الدولي الحالي وإعادة صياغته. ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن يطرح هذا السباق سلسلة من التساؤلات، أبرزها هل من مصلحة المجموعة توسيع عضويتها، بما يتضمنه ذلك من تعقيدات جيوسياسية، وبصفة خاصة الانعكاسات المحتملة لهذا التوسيع على فرص تعزيز سياسة خارجية قائمة على عدم الانحياز الإيجابي والنشط في ظل نظام دولي مضطرب على نحو متزايد؟
وعلى الرغم من أن "بريكس" أصبحت بمثابة واحدة من منصات دبلوماسية الشبكات لمناقشة المشكلات العالمية، وبصفة خاصة نموذج التنمية الاقتصادية لبلدان الجنوب، لا توجد آفاق – حتى الآن على الأقل – لأن تصبح اتحاداً رسمياً بالمعنى السياسي أو العسكري، أو حتى منظمة للتكامل الاقتصادي، حيث تظل منتدى حوارياً من دون إطار مؤسسي، وهو ما يعني أن لدى دول التجمع قدراً لا يُستهان به من حرية العمل. وفي كل الأحوال، لا يمكن القول إن مجموعة "بريكس" تشكل تحدياً راهناً للنظام الدولي القائم، وأن ما تشترك فيه دول المجموعة حقاً هو الرغبة العميقة في المزيد من التأثير في القواعد التي تحكم التمويل الدولي والسياسات الاقتصادية.