إخفاق محتمل:

فرص نجاح وساطة الاتحاد الأفريقي في تسوية أزمة تيجراي

11 October 2022


بعد عدة أسابيع من تجدد القتال بين جبهة تحرير تيجراي وقوات الحكومة الإثيوبية المدعومة من قبل إريتريا وقوات الأمهرة، أعلنت أديس أبابا وميكيلي قبولهما وساطة الاتحاد الأفريقي مطلع أكتوبر 2022، بهدف عقد مباحثات مشتركة بين طرفي الصراع في بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، وهو ما عكس إمكانية تسوية الصراع سلمياً، غير أن تأجيل انطلاق هذه المباحثات يكشف عن ارتكان الطرفين للحسم العسكري مرة أخرى. 

وساطة الاتحاد الأفريقي:

أعلن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، توجيه الاتحاد دعوة للحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي لعقد محادثات سلام بينهما في جنوب أفريقيا، بداية من 8 أكتوبر 2022، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- قبول إثيوبيا الوساطة: أعلن، رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن الحكومة الإثيوبية قبلت دعوة الاتحاد الأفريقي لإجراء محادثات السلام، لافتاً إلى أن هذه الدعوة جاءت متسقة مع الموقف السابق لأديس أبابا المرحبة بالحل السلمي للصراع، عبر إجراء محادثات من دون شروط مسبقة.

2- موافقة حذرة من تيجراي: أبدت جبهة تيجراي، في نهاية سبتمبر 2022، استعدادها للانخراط في مباحثات سلام مع الحكومة الإثيوبية برعاية الاتحاد الأفريقي، غير أن المتحدث باسم الجبهة، غيتاتشو رضا، رفض التعليق على المبادرة الأخيرة للاتحاد، حتى أعلنت إثيوبيا موقفها، إذ أصدرت، في أعقابها، الجبهة بياناً أبدت خلاله استعدادها لإرسال ممثلين عنها إلى جنوب أفريقيا.

وسعت الجبهة للاستفسار عما إذا كانت هذه المباحثات ستتضمن أطراف أخرى مدعوة للمشاركة أو الحضور كمراقبين للحوار، فضلاً عن الدور المتوقع للقوى الدولية في هذه المفاوضات. 

3- استبعاد إريتريا والأمهرة: أشارت الوثيقة التي نشرتها خارجية جنوب أفريقيا إلى أن هذه الدعوة لم تتضمن إريتريا، على الرغم من دعوة مبعوث الاتحاد الأفريقي، أولوسيغون أوباسانجو، سابقاً إلى ضرورة تضمين أسمرة في أي مباحثات للسلام بين ميكيالي وأديس أبابا.

كذلك، لم تتضمن مبادرة الاتحاد تقديم دعوة للأمهرة لحضور المباحثات، والتي لاتزال الأخيرة تعارض الحوار مع جبهة تيجراي، فقد أصدرت "جمعية أمهرة الأمريكية"، وهي إحدى مجموعات الضغط، اعتراضها على عدم تقديم الاتحاد الأفريقي دعوة للأمهرة، على الرغم من أن الأخيرة تعد من المجموعات الأكثر تضرراً من الحرب الراهنة في تيجراي.

4- دعم أمريكي للوساطة: أعلنت الخارجية الأمريكية، أن مبعوث واشنطن لمنطقة القرن الأفريقي، مايك هامر، بدأ جولة للمنطقة تستمر خلال الفترة من 3 وحتى 18 أكتوبر الجاري، تتضمن كينيا وجنوب أفريقيا، تعقبها زيارة إلى إثيوبيا لمتابعة الجهود الخاصة بوقف إطلاق النار، ودعم مبادرة الاتحاد الأفريقي لتنظيم مباحثات مباشرة بين أديس أبابا وتيجراي.

تعثر مستمر:

تم الإعلان عن تأجيل مباحثات جنوب أفريقيا، والتي كان المقرر انطلاقها، في 8 أكتوبر الجاري، وهو ما أجهض جهود الاتحاد الأفريقي، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

1- التلويح بأسباب لوجستية: أعلنت جبهة تيجراي، في 7 أكتوبر الجاري، أن مباحثات الاتحاد الأفريقي قد تم تأجيلها لأسباب لوجستية، وأنه يجري حالياً التباحث بشأن تحديد موعد جديد. 

وفي الإطار ذاته، أعلن الرئيس الكيني السابق، أوهورو كينياتا، وهو أحد المفاوضين الثلاثة في "ترويكا المفاوضين"، في 7 أكتوبر الجاري، أن الموعد المحدد من قبل الاتحاد للمباحثات بين تيجراي وأديس أبابا لا يتناسب مع جدول أعماله، كما رحب بتحديد موعد آخر للمفاوضات، وإن طالب بضرورة توضيح آليات المباحثات المرتقبة، فضلاً عن الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار، وهو ما يؤشر إلى أن السبب الحقيقي لتأجيلها هو استمرار التعبئة العسكري لإثيوبيا ضد تيجراي. 

2- وساطات متحيزة: هناك اتهامات مستمرة من قبل جبهة تيجراي للمبعوث الأفريقي، أولوسيجون أوباسانجو، بالتحيز لصالح أديس أبابا، فيما تنظر الأخيرة إلى أن المبعوث الكيني ورئيسها السابق، أوهورو كينياتا، باعتباره متحيزاً لصالح جبهة التيجراي، وهو ما قد يكون أحد العوامل التي أفشلت مباحثات السلام.

3- غياب أطراف دولية: كان من المخطط أن تجري مباحثات الاتحاد الأفريقي من خلال ثلاثة من المفاوضين يعرفون باسم "ترويكا المفاوضين"، وهم أوباسنجو وكينياتا، بالإضافة إلى نائبة رئيس جنوب أفريقيا السابقة، فومزيل ملامبو نكوكا، ومن ثم، فوفقاً لهذه التقارير فإن المباحثات المرتقبة برعاية الاتحاد لن تنطوي على مشاركة أطراف دولية. وأشارت تقديرات أخرى إلى أن هناك محاولات جارية لحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الإيجاد كمراقبين في جلسات المحادثات المقبلة، وذلك للمساعدة في جهود التوصل لحل سلمي للصراع. 

4- دعم روسي – صيني لأديس أبابا: تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على الحكومة الإثيوبية وجبهة تيجراي للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة، بيد أن الدعم الذي تحظى به أديس أبابا من روسيا والصين، يعزز من موقفها، ويضمن لها المناورة والتنصل من أي تفاهمات مع جبهة تيجراي، ومحاولة حسم الصراع عسكرياً.

وعمدت موسكو وبكين، خلال الآونة الأخيرة، إلى إبعاد ملف تيجراي من جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، رغم مساعي فرنسا، الرئيس الحالي للمجلس، لوضع الملف على أجندة المجلس، لكن جهودها لم تتمخض سوى عن تنظيم حوار غير رسمي بشأن هذه الأزمة.

5- استمرار الحشد العسكري: رحبت إثيوبيا بدعوة الاتحاد لمباحثات السلام، غير أن ذلك لم يمنع القوات الإثيوبية والإريترية من مواصلة التعبئة العسكرية، في ظل الحديث عن تحضيرات لهجوم كبير تستعد له هذه القوات ضد تيجراي، إذ أشارت تقارير محلية إلى شن القوات الإثيوبية غارة جوية على بلدة "شير" شمال غرب تيجراي، في 6 أكتوبر الجاري.

وأعلن تلفزيون تيجراي، في 4 من الشهر ذاته، عن غارة جوية شنّتها القوات الإثيوبية ضد معسكر للنازحين في الإقليم بالقرب من بلدة "أدي دايرو" المتاخمة للحدود الإريترية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 57 مدنياً، وإصابة آخرين، وذلك بعد أسبوع واحد من الغارة الجوية التي كانت استهدفت هذه المنطقة، وأسفرت عن مقتل نحو 10 مدنيين. وأشارت تقارير غربية إلى أن طائرات "ميج – 29" التابعة للجيش الإريتري نفذت أربع طلعات على الأقل خلال أسبوع واحد، وهي المرة الأولى خلال العام الجاري التي تشن فيها الطائرات الإريترية ضربات جوية ضد إقليم تيجراي. 

وفي المقابل، أعلنت جبهة تيجراي إلحاق خسائر كبيرة بالقوات الإثيوبية والإريترية، بلغت آلاف القتلى والأسرى، وهي المعلومات التي لا يمكن تأكيدها من مصدر مستقل. ولكن في المقابل، أعلنت جبهة التيجراي، في 3 أكتوبر الجاري، انسحابها من مناطق سيطرتها داخل إقليم الأمهرة، وذلك للاستعداد لصد هجوم مشترك للقوات الإثيوبية والإريترية في أقصى شمال تيجراي.

انعكاسات محتملة:

يمكن رصد جملة من الانعكاسات المحتملة على المشهد الداخلي في إثيوبيا خلال الفترة المقبلة، على النحو التالي:

1- فشل محتمل المفاوضات: شهدت الأشهر الأخيرة مفاوضات غير رسمية بين الحكومة الإثيوبية وجبهة التيجراي في سيشل وجيبوتي، بيد أن طرفي الصراع لم يلتزما بمخرجات هذه المباحثات، لذا ثمة تخوفات من أن تلقى المساعي الراهنة النتيجة ذاتها، حال تمسك كل طرف بموقفه ورفض تقديم تنازلات متبادلة.

2- استمرار التصعيد العسكري: تتزايد احتمالات التصعيد العسكري، خاصة مع اتهام عضو القيادة المركزية بجبهة تيجراي، تسادكان غيبريتنساي، إلا أن المحرك الرئيس للحرب الراهنة في منطقة التيجراي هو الرئيس الإيريتري، أسياسي أفورقي، بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد.

وبالتوازي مع استمرار الحرب في تيجراي، ثمة صراع آخر تخوضه القوات الإثيوبية في أوروميا، ضد "جيش تحرير أورومو"، حيث أشارت تقارير غربية إلى أن هناك استراتيجية جديدة بات آبي أحمد يتبناها في إدارة هذا الصراع، من خلال الاتجاه لتجنيد أعضاء سابقين في جيش أورومو ومنحهم مناصب قيادية، بغية المساهمة في كبح تمرد هذه المجموعة، حيث تستهدف أديس أبابا تخفيف الضغط عليها من الأورومو، لتركيز أهدافها بتجاه تيجراي.

3- تنسيق إثيوبي - كيني: عكست زيارة الرئيس الكيني الجديد، ويليام روتو، إلى أديس أبابا، في 6 أكتوبر الجاري، في أول زيارة خارجية له بعد وصوله إلى السلطة، دلالات مهمة بشأن احتمالات تعزيز التقارب بين نيروبي وأديس أبابا خلال الفترة المقبلة، وهو ما انعكس في تصريحات روتو وآبي أحمد، فضلاً عن الإعلان عن توقيع شركة "سفاريكوم" (Safaricom) الكينية العملاقة للاتصالات صفقة لتقديم خدمة تحويل المال عبر الهاتف المحمول الشهيرة "أم –بيسا" (M-Pesa) في أديس أبابا، كأول مشغل اتصالات خاص في إثيوبيا، وهو ما يشكل نهاية لاحتكار شركة (Ethio Telecom) الإثيوبية الحكومية، وهو ما يزيد من حدة الضغوط على جبهة تيجراي، باعتبار أن الرئيس السابق كينياتا، كان أقرب إلى موقف الجبهة.

وفي الختام، تعكس المعطيات الراهنة تزايد احتمالات تعثر جهود الاتحاد الأفريقي للوساطة بين جبهة تيجراي والحكومة الإثيوبية، في ظل ميل الأخيرة إلى محاولة حسم الصراع عسكرياً، والتعويل في ذلك على الدعم الذي تحظى به من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية، وهو ما ينذر بتصاعد وتيرة العنف والمواجهات المسلحة والانزلاق نحو حرب شاملة.