فرص مهدرة:

لماذا سيستمر التهديد الديموغرافي للمنطقة العربية في 2022؟

16 December 2021


أنهكت الحروب الداخلية والتدخلات الخارجية سكان العديد من الدول العربية، وأدت إلى تشريد الملايين، بين النزوح إلى أماكن أخرى داخل الوطن أكثر أمناً أو ربما أقل خطراً، أو اللجوء لبلدانٍ أخرى داخل وخارج المنطقة العربية، أو الرحيل شبه الطوعي/شبه القسري لبلدان مجاورة كحالة المواطنين الليبيين في كل من مصر وتونس، أو ربما الانخراط في مسارات الهجرة غير النظامية المحفوفة بالمخاطر باتجاه أوروبا انطلاقاً من دول اللجوء الأول نحو دول اللجوء الثاني.

وكانت أكبر المآسي التي شهدها العالم العربي خلال العشرية الأخيرة هي مأساة اللجوء السوري وتدفق أعداد هائلة من اللاجئين الى دول الجوار، خاصة الأردن ولبنان والعراق وتركيا وكذلك اللجوء الى بعض الدول الأخرى غير المجاورة، مثل مصر وبعض دول أوروبا وغيرها من دول العالم. أضف إلى ذلك النزوح داخل سوريا فراراً من مناطق النزاع والذي شمل أكثر من ستة ملايين شخص. كل ذلك إلى جانب استمرار أزمة اللاجئين الفلسطينيين، والذين وصلت أعداد الخاضعين منهم لمنظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قرابة ستة ملايين لاجئ في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، هذا بخلاف الأعداد الأخرى في أقطار الوطن العربي المختلفة وفي باقي دول العالم.

كما أدت المشكلات السياسية والعرقية الي رحيل الآلاف من مواطني الدول الأفريقية جنوب الصحراء. يضاف إلى كل ذلك تبعات وتداعيات انتشار فيروس كورونا وتأثيره على الحراك البشري في المنطقة العربية والعالم. كل هذا أثر على ديموغرافيا العالم العربي، وحول حتى الفرص الديموغرافية التي تتمتع بها المنطقة إلى عبء وربما تهديد، وهو الأمر الذي يبدو أنه سيستمر خلال السنة القادمة وربما الأعوام التي تليها.  

1- توزيعات الثقل السكاني:

في ظل الوضع السياسي وتطور الصراعات والحروب منذ انطلاق ما يسمى بالربيع العربي وانهيار دول وأنظمة وظهور كيانات جديدة وتنظيمات إرهابية ومطامع خارجية وانقسامات سياسية غير عادية، ارتفع عدد سكان العالم العربي من 355 مليوناً عام 2010 إلى 436 مليوناً عام 2020 بزيادة مطلقة مقدارها 81 مليون نسمة، أي بزيادة سنوية تتجاوز ثمانية ملايين نسمة، ربعها تقريباً في مصر. وطبقاً لتقديرات السكان الصادرة عن قسم السكان بالأمم المتحدة، من المتوقع أن يستمر عدد سكان العالم العربي في الارتفاع ليصل إلى قرابة 520 مليوناً عام 2030 بزيادة إجمالية قدرها 84 مليون نسمة. وهو ما يعني أن وتيرة الزيادة السكانية في العالم العربي آخذة في الانخفاض إلى حدٍ ما.

تتصدر مصر قائمة الدول العربية من حيث عدد السكان، إذ تجاوز سكانها 100 مليون نسمة عام 2020 مقارنة بحوالي 80 مليون نسمة عام 2021، أي أن عدد السكان قد زاد بمقدار 20 مليون نسمة في عشرة أعوام. من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر عام 2030 أكثر من 120 مليون نسمة.

 تأتي الجزائر والسودان في المرتبتين الثانية والثالثة في حجم السكان في العالم العربي عام 2020 بعدد سكان قدره حوالي 44 مليون نسمة لكل من البلدين، إلا أنه بحلول عام 2030 من المتوقع أن يرتفع عدد سكان السودان ليصل إلى أكثر من 55 مليون نسمة بينما من المتوقع أن يصل عدد سكان الجزائر إلى حوالي 50 مليون نسمة فقط. ربما يعزى ذلك إلى ارتفاع معدل النمو السكاني في السودان عن الجزائر، بالإضافة إلى التركيب العمري الفتي للسودان الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة النساء في سن الحمل، وبالتالي مستوى أعلى من الخصوبة.  

تأتي كل من العراق والمغرب والسعودية في المراتب الرابعة والخامسة والسادسة، وتمثل تلك الدول الست مجتمعة أكثر من 300 مليون نسمة أو ما يمثل قرابة 70 بالمائة من إجمالي سكان العالم العربي عام 2020. 


2- تركيبة عمرية فتية:

عادة ما توصف أوروبا دائما بكونها القارة العجوز، حيث تمثل نسبة السكان من كبار السن (65 سنة فأكثر) أكثر من 20٪ من السكان، فضلاً عن انخفاض معدلات الخصوبة إلى أقل من معدل الخصوبة الإحلالي (حوالي طفلين تقريباً لكل زوجين) وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض كبير في أعداد السكان في سن العمل في المستقبل القريب. يمثل الوضع في العالم العربي النقيض من ذلك، إلا أن هذا الوضع لا يعني أننا في حال أفضل، إذا إن التركيب العمري الفتي السائد في المنطقة العربية تصاحبه أيضاً بعض المعضلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، خاصة في حالة السيولة السياسية التي تعيشها المنطقة. 

يمثل الذكور 51.8 ٪ من إجمالي السكان عام 2020، بينما تمثل النساء 48.2 بالمائة، وتبلغ نسبة النوع (عدد الذكور مقابل 100 أنثى) 107 بالنسبة لإجمالي السكان، وهي نسبة مقبولة ومماثلة للنسب العالمية في هذا الشأن. 

أما عن التركيب العمري للسكان نجد أن نسبة السكان أقل من 15 عاماً يمثّلون 32.6 بالمائة من إجمالي سكان العالم العربي، أي أن حوالي ثلث السكان في العالم العربي أطفال. من المتوقع أن تنخفض نسبة صغار السن في العالم العربي لتصل إلى أقل من 30 بالمائة عام 2030. على الرغم من أن تلك المؤشرات تعني أن التركيب السكاني للدول العربية هو تركيب فتي، إلا أنه في المقابل يمثل عبئاً كبيراً على الموارد الاقتصادية للدول العربية، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والرعاية الأساسية وكذلك الحاجة إلى توفير فرص عمل للتدفقات المتلاحقة الداخلة إلى سوق العمل سنوياً. 

تمثل نسبة السكان في الفئة العمرية المنتجة (15-64 عاماً) 62.7 بالمائة من إجمالي السكان عام 2020، بينما تمثل فئة كبار السن (64 عاماً فأكثر) أقل من 5 بالمائة من إجمالي السكان وهو ما يعني أن المجتمعات العربية لا تعاني ظاهرة التعمر السكاني التي تعانيها المجتمعات الأوروبية.


على الرغم من ارتفاع نسبة السكان في الفئة العمرية المنتجة إلى أكثر من 60 بالمائة من إجمالي عدد السكان وهو ما يعرف في أدبيات السكان بما يسمى "الهبة أو الفرصة الديموغرافية" التي من خلالها يمكن للمجتمع أن ينطلق نحو تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال قاعدة ضخمة من السكان في سن العمل، فإن التحديات الاقتصادية الهيكلية والاضطرابات السياسية التي شهدتها البلدان العربية خلال العشرية الماضية، وكذلك تدنّي مستويات التعليم والخدمات الصحية في العديد من الدول العربية حالت دون استثمار تلك الفرصة، بل  أن النتيجة كانت عكسية تماماً، إذ أدى تضخم حجم السكان في تلك الفئة إلى العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس ما حدث في ثمانينات القرن الماضي في بلدان ما كان يطلق عليه "النمور الآسيوية" التي استغلت تلك الفرصة الديموغرافية وأحسنت تأهيل العنصر البشري ما أدى إلى نهضة اقتصادية في تلك البلدان في فترة وجيزة.

3- بروز شبابي "مقلق":

يوضح الهرم السكاني النسب المئوية للسكان حسب العمر والجنس ويمكننا ملاحظة انبعاج قاعدة الهرم السكاني التي تمثل الفئات العمرية لصغار السن. يرجع انبعاج قاعدة الهرم السكاني الى ارتفاع نسبة الأطفال في المجتمع الناتجة عن استمرار ارتفاع الخصوبة في الفترات الزمنية السابقة. يلاحظ أيضاً تضخم الفئات الشبابية للسكان (15-24 عاماً) في الأعوام 2010 و2020 واستمرار تلك الظاهرة في المستقبل (2030) وهو ما يسمى بظاهرة البروز الشبابي أو التضخم الشبابي. أضف إلى ذلك أن بروز فئة الشباب مع عدم توافر الرعاية الكافية لهم قد تكون له انعكاساته السلبية على جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وربما الاستقرار السياسي أيضاً.

فيظل استمرار البروز الشبابي بالمنطقة العربية ظاهرة مقلقة على الرغم من الفرص التي تحملها معها، فقد ارتبط العقد الماضي بأحداث الربيع العربي، والذي جاء في جزء منه انعكاساً لإخفاق بعض الدول في استيعاب زخم البروز الشبابي. وما زالت المخاوف موجودة من تكرار سيناريوهات مشابهة حيث عادة ما ترتبط الثورات والاحتجاجات بالشباب، الذي لديه وتطلعات طموحة بشأن المستقبل، ورغبة في تغيير الواقع وطاقات هائلة تبحث عن استثمارها، وإذا ما كانت الدول حاضرة للاستفادة بتلك الطاقات، يتحول تضخم فئة الشباب إلى عبء وتحدٍ، خاصة في ظل تنافس تيارات وفاعلين آخرين على توظيف ذلك التضخم الشبابي، حيث يسهل ذلك فرص انخراطهم في التيارات المتطرفة مثلما كان واضحاً في عدة حالات خلال السنوات الماضية إذ انخرط بعضهم في العديد من التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا والصومال وغيرها من مناطق النزاع.  فضلاً عن المخاوف من تصاعد بعض الممارسات الأخرى التي تهدد الاستقرار السياسي والمجتمعي.






4- خلل ديموغرافي مستمر:

خلقت التحركات البشرية المكثفة بدول الصراعات، وتحديداً سوريا والعراق واليمن، مشكلتين أساسيتين: النزوح (المشردون داخلياً) وموجات اللجوء الكثيفة إلى الخارج. 

فتمثل الحالة السورية نموذجاً واضحاً لتأثير الصراعات على التركيبة الديموغرافية، فوفقاً للبيانات الموضحة في الشكل 2، عن عدد السكان خلال الفترة من 2000 إلى 2020، تطور عدد السكان في سوريا خلال الفترة من 2000 إلى 2010، ثم بدأ عدد السكان في التناقص، في ظاهرة غير مسبوقة في المنطقة العربية، إذ وصل عدد السكان عام 2015 إلى 18 مليون نسمة بانخفاض قدره 3.2 مليون نسمة عن عدد السكان عام 2010، ثم ينخفض عدد السكان مرة أخرى عام 2020 ليصل إلى 17.5 مليون نسمة. وفي المقابل، تشير تقديرات اللاجئين السوريين إلى أكثر من الفارق في عدد السكان بين عامي 2010 و2020، إذ يقدر عدد اللاجئين في دول الجوار وفي غيرها من بلدان العالم بنحو 6.7 مليون لاجئ، يوجد معظمهم في تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق. 

على الجانب الآخر، يقدر عدد النازحين السوريين بنحو 6.7 مليون نازح، وبذلك يبلغ عدد المتأثرين بالأرمة التي تشهدها سوريا بأكثر من 13 مليون سوري يمثلون أكثر من نصف عدد السكان تقريبا. وحتى الآن لا توجد مؤشرات ملموسة على اقتراب انتهاء أزمة اللاجئين أو عودة النازحين، ويتوقع تستمر هذه الحالة خلال الفترة القادمة. 

أما عن الخلل الديموجرافي في العراق، فلا يقتصر فقط على اللجوء والنزوح، بينما فقدت الدولة العديد من الكفاءات والعقول في مجالات ذات أهمية استراتيجية خلال الفترة من 2003 وحتى الآن لصالح دول أخرى. في المقابل استطاعت الدولة تحقيق تقدم ملموس فيما يخص اللاجئين والنازحين، خاصة في ملف إعادة توطين النازحين، الذين كان وصل عددهم إلى ستة ملايين عراقي بعد توغّل داعش في الأراضي العراقية اعتباراً من العام 2015، حيث تمكّنت الحكومة العراقية خلال فترة وجيزة من إعادة ما يقرب من 4.8 مليون نازح إلى ديارهم أو إلى أماكن بديلة ارتضوها ولم يتبق في عداد النازحين سوى 1.2 مليون نازح. 

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت رغبة العراقيين في الهجرة مرتفعة ومستمرة. 

هذا بالإضافة إلى الوضع الهش في الصومال التي يوجد بها حوالي ثلاثة ملايين من النازحين، وكذلك السودان الذي تتجدد مشاكله بين الحين والحين، غير أنه يعاني أيضاً من موجات اللجوء القادمة إليه من دول الجوار.




ختاماً، في ضوء التحركات السكانية الكثيفة وملايين اللاجئين والنازحين واستمرار الخلافات والأزمات السياسية والحروب في المنطقة العربية، يصعب القول إننا نسير في الطريق المفضي إلى وضع أفضل، ففي ظل المعطيات الحالية واستمرار تأزّم الأوضاع في العراق وسوريا، والحراك السياسي الحالي في السودان واستمرار الحرب في اليمن، والزيادة السكانية المرتفعة في الدول ذات الثقل السكاني وتباطؤ نمو اقتصادات المنطقة وكذلك تأثير جائحة كورونا؛ لن يكون عام 2022 مختلفاً عن سابقه. فالمعطيات الحالية تشير، للأسف، إلى استمرار الوضع الحالي وربما تفاقمه في اليمن وفي السودان. ربما يكون هناك بصيص أمل في الحالة الليبية.