هسبريس:

أمريكا تتطلع إلى إعادة الانخراط في القارة الإفريقية

18 April 2021


تستطيع الولايات المتحدة الاتجاه إلى إعادة الانخراط والمشاركة الفعالة مع القارة الإفريقية مرة أخرى؛ من خلال الاهتمام بأولويات القارة ككل، ومساعدتها على التحول الزراعي والاتجاه إلى التصنيع وإنتاج الطاقة النظيفة، ودعم النظم الصحية والتعليمية، وتمكينها من الاندماج مع الدول الأجنبية، تخلص إلى ذلك ورقة بحثية منشورة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

وفي هذا الشأن، نشرت دورية القاهرة للشؤون الخارجية مقالا بعنوان “إفريقيا والولايات المتحدة.. إعادة الانخراط مع وضع الازدهار الإفريقي في الاعتبار” في عدد شتاء 2021، يبحث فيه كارل مانلان السُبل المتاحة للولايات المتحدة الأمريكية لإعادة الاندماج مع القارة، ولا سيما في ظل الهيمنة الصينية عليها.

مشاركة بناءة

حسب الورقة سالفة الذكر، لطالما اتسم نهج الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1981 بالانخراط مع الدول الإفريقية من خلال الاعتماد على “المشاركة البناءة”، والنظر إلى القارة من منطلق المصالح الأمريكية، حيث اتسمت سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا بالاتساق والقدرة على التنبؤ في آن واحد.

وجاءت المبادرات التي أطلقها الرئيس السابق باراك أوباما، والتي من بينها مبادرة القادة الأفارقة الشباب، وإطعام المستقبل، لتكمل المبادرات التي عكفت عليها الإدارات السابقة بدءا من التأثيرات التي أحدثتها سياسات الرئيس رونالد ريغان على جنوب القارة، وصولا إلى العمل على إنهاء الحروب الأهلية في شرق وجنوب إفريقيا في إدارة جورج بوش الأب، وتوجيه التجارة الإفريقية نحو السوق الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون من خلال قانون النمو والفرص الإفريقي، وإطلاق خطة إغاثة ضد فيروس الإيدز، وبذل الجهد لتحسين البنية التحتية في مختلف أنحاء إفريقيا في عهد جورج دبليو بوش.

وبصفة عامة، تمتلك الاقتصادات الرئيسية في العالم إستراتيجية واضحة تجاه إفريقيا تشترك إجمالا في تفكير مختلف الدول في كيفية الاستفادة من الفرص المتاحة في القارة، لتحقيق المصالح الذاتية من خلال إغراق الأفارقة بالوعود للمساهمة في تحسين المستقبل. ووفقا للكاتب، لا تتمثل المشكلة الرئيسية في محاولة الدول تحقيق مكاسب من الدول الإفريقية؛ بل إنها تمثل فرصة لهذه الدول لإعادة النظر وتقييم نموذج مساعدات التنمية الذين يرغبون فيه.

اهتمام بالصحة الإفريقية

على الرغم من المكاسب التي تمكنت المؤسسات الخاصة من تحقيقها في إفريقيا وفق الوثيقة، من خلال استخدام الموارد العامة لتحسين جودة العلاج المقدم للمواطنين بعد إطلاق مبادرة بيبفار في عام 2003 من قبل الإدارة الأمريكية، والتي مثلت أكبر مبادرة تطلقها دولة بمفردها، وتتعهد بموجبها بالاستجابة لمواجهة والقضاء على تفشي الإيدز، واستثمار أكثر من 85 مليار دولار في الاستجابة العالمية لمكافحة الفيروس؛ فإنه لا يمكن تحقيق التقدم من خلال الاعتماد على الأرواح التي تم إنقاذها، إذ إن الأوبئة والأمراض تهيمن وتحد من قدرة الأنظمة الصحية على مواجهتها وتحقيق نوع من الاستجابة الفعالة في جميع مناطق القارة، وبالتالي يقع على عاتق الأفارقة الحفاظ على الأرواح التي أُنقذت بالفعل للتمكن من المضي قدما لمواجهة تحديات المستقبل.

ونجحت الولايات المتحدة في القضاء على فيروس الإيبولا عندما انتشر في غرب إفريقيا في عام 2014 من خلال قيادة تحالف دولي مكون من خمسين دولة. وقد هدف هذا التحالف إلى تعزيز النظم الصحية من خلال المساهمة في الجهود المبذولة في هذا الإطار، كما اعتمد بشكل رئيسي على القيادات المحلية والتحالفات الإقليمية لتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الفيروس من خلال التركيز على ثلاث دول رئيسية هي: غينيا، وليبيريا، وسيراليون.


وفي هذا الإطار، قدمت الإدارة الأمريكية 5.4 مليارات دولار لمواجهة الوباء؛ بينما تركزت جهود القارة الإفريقية في إرسال العاملين في مجال الصحة إلى الدول الثلاث، مساهمة بذلك في الحد من الآثار السلبية على النظم الاقتصادية للدول التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة 0.68 في المائة.

حل المشكلات الصحية

تبعا للمقالة، فقد مثلت جائحة “كورونا” فرصة لإعادة اندماج الولايات المتحدة مع إفريقيا لحل مشكلاتها الصحية بما سيساهم في تحقيق عدد من المكاسب التي ستعود على واشنطن، إذ تستطيع خفض فاتورة الأدوية الصحية التي تصدرها إلى إفريقيا سنويا والتي تبلغ قيمتها 14 مليار دولار، حيث إن الحكومة الأمريكية تستثمر العديد من الأموال في مجال الصحة الإفريقية من خلال العديد من الآليات الثنائية والجماعية؛ ولكن تُوجه معظم هذه الاستثمارات إلى المنتجات الصيدلانية التي لا تُنتج في إفريقيا.

وبالتالي، فإن هناك ضرورة للاعتماد على الشباب الإفريقي للعب دور مهم في الصناعات الصحية، إذ إنه -وفقا للجنة الاقتصادية لإفريقيا- من المتوقع أن يخلق هذا المجال 16 مليون فرصة وظيفية. ولكي يتمكن الشباب من القيام بهذا الدور، ينبغي الاهتمام بالنظام التعليمي، ودعم التعليم الذي نشأ خلال فترة التحول الاقتصادي من الزراعة إلى الصناعة باعتباره ساهم في ازدهار الولايات المتحدة. وإذا تم دعمه في القارة من المفترض أن يُفضي إلى ازدهارها كذلك.

ويتطلب تمكين الشباب والتمكن من الاستفادة الكاملة من القدرات المتاحة لديهم كذلك تعزيز النظام الصحي والتعليمي بالتوازي، وعدم إغفال قطاع على حساب الآخر نظرا لارتباطهم ومساهمتهم في تحفيز الشباب على خلق سوق للعمل، ومواجهة التحديات التي تواجه الأنظمة في القارة الإفريقية. فعلى سبيل المثال، تخلق منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليارات نسمة، العديد من الوظائف التي تتطلب من الشباب أن يكونوا بصحة جيدة، وعلى قدر عالٍ من التعليم والإبداع، وخاصة في ظل تمتع الشباب بالقدرة على الإبداع في كافة المجالات.

التحول الزراعي المستدام

تشير الورقة إلى ضرورة دفع الأفارقة نحو تحول زراعي مستدام باعتبار أن الطريقة الأكثر فاعلية لتغيير الدول تتمثل في دعم القطاع الزراعي، إذ أسهم التحول الزراعي في الولايات المتحدة في تحقيق العديد من المزايا؛ وعلى رأسها تحقيق التقدم الاقتصادي، وحل أزمة سوء التغذية والجوع.

كما أن التحول الزراعي ،الذي يخطط له في بعض الدول من بينها الصين والبرازيل، أسهم في رفع الدخول، وإتاحة العديد من فرص العمل، ومن ثم مساعدة هذه الاقتصادات على الانتقال التدريجي إلى اقتصادات عالية القيمة. ومن ثم، يجب حث الأفارقة على التحول الحضري من خلال الاعتماد على مُقدراتهم الريفية لتحقيق ذلك.

على الرغم من أن حتمية الاعتماد على التقنيات الحديثة أمر ضروري، فإنها لا تمثل مشكلة رئيسية للولايات المتحدة، وإنما ينبغي تبني الأدوات التي تدفع القطاع الزراعي إلى التحول المستمر من خلال إعادة تصميم وبناء الاقتصاد بحيث لا يعتمد على التقنيات الحديثة للتكيف مع التغير المناخي فحسب، بل لمواجهة كافة التحديات. ومن المتوقع أن تستفيد الولايات المتحدة من المشاركة الزراعية مع القارة في الأنشطة الزراعية ذات القيمة العالية، وذلك عندما يتجه الأفارقة للتحول الزراعي، وبشرط عدم حصر نطاق العمل على منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، واتجاه المواطنين إلى زراعة المنتجات التي تلبي احتياجاتهم بالمقام الأول.

الاتجاه للتصنيع

يتطلب تسريع عملية التصنيع في إفريقيا تحفيز الشباب للارتقاء في سلسلة القيمة المضافة للزراعة، والتي ستساهم في الاتجاه للتصنيع الخفيف؛ وذلك من خلال الاعتماد على التحديث ومواجهة التغير المناخي. ومن الضروري أن يتجه المواطنون الأفارقة إلى شراء المنتج المحلي، وتقليل الاعتماد على استيراد معظم المنتجات من الدول الأجنبية.

ويرى الكاتب أن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن اختيارات الاستهلاك الفردي لسكان منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية. ومن الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة لدعم الابتكار اللازم في مجال السوق، لتحويل المنتجات المعقدة إلى منتجات بسيطة يستطيع الأفراد تحمل تكلفتها، فضلا عن أهمية الاستثمار فيما هو مطلوب لإنتاج ما تحتاج إليه الدول، ولا سيما الحاجة إلى تطوير البنية التحتية التي ترتبط بنقل المنتجات والأفراد بين مختلف أنحاء القارة.

إنتاج الطاقة الجديدة

بعد أن أوضحت جائحة “كورونا” مدى الهشاشة في الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية، تضيف الورقة البحثية، إذ لم يكن بمقدور الدول الإفريقية استخدام وامتصاص المواد الخام الخاصة بهم؛ أصبح من الضروري النظر في كيفية الحصول على الطاقة، لأنه في حالة عدم تواجد الطاقة لن تتمكن باقي المكونات من الاندماج وأن تصبح لها قيمة.

ولذلك، من الضروري الاعتماد على المبادرة التي أطلقتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي يُطلق عليها Power Africa، حيث تهدف إلى توصيل الكهرباء لما يقرب من 14.8 ملايين منزل ومؤسسة عمل جديدة. ومن الجدير بالذكر أن الاعتماد على هذه المبادرة يتطلب البحث عن كيفية توليد الطاقة النظيفة بدلا من الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية للحفاظ على البيئة. ومن ثم، ستولد هذه المبادرة العديد من فرص العمل في مجال توليد الطاقة، وسلاسل التوريد المطلوبة لنقل المنتجات عبر أنحاء القارة.

نفوذ صيني متنامٍ

استنادا إلى النفوذ المتنامي للصين في القارة الإفريقية، من المتوقع أن يأخذ مستقبل القارة “نكهة شرقية”، إذ إن بكين تُعد الآن الشريك التجاري الرئيسي لإفريقيا، وهذا يعني أن الشباب الإفريقي قد يتجه إلى الانخراط بشكل متزايد مع الصين من خلال العمل معها، بما يحمله هذا من إمكانية اتجاه القطاع الإفريقي غير الرسمي للاتجاه للشرق من خلال تجارة السلع والخدمات. وازداد عدد الطلاب الأفارقة الذين يدرسون بالصين عشرين ضعفا منذ عام 2005، وبالتالي ستتغير علاقة الشباب الإفريقي بالولايات المتحدة نظرا لاستفادتهم من خلال تنامي علاقتهم بالصين بنموذج التحول الزراعي، والتقدم الاقتصادي، والتصنيع والصناعة.

لقد أصبحت الصين عنصر جذب للشباب الإفريقي؛ نظرا لقدرتها على التخلص من الفقر من خلال الاعتماد على الحلول المحلية التي تعتمد بشكل رئيسي على القيمة المضافة وسلاسل القيمة المرتفعة، والاتجاه إلى التحول المحلي، والقدرة على التحول من الزراعة إلى التصنيع من خلالشعار صنع في الصين”.

المصدر : هسبريس