عام التعافي:

اقتصادات الشرق الأوسط في عام 2021

08 February 2021


رغم ما مر به العالم من حالة تأزم استثنائية على صعيد الاقتصاد خلال عام 2020، بسبب الانتشار الكبير لجائحة كورونا، وحالة الفزع التي سببتها للمستثمرين حول العالم، ولاسيما بعد أن لجأت الدول إلى إجراءات الإغلاق العام من أجل السيطرة على الفيروس ومنع انتشاره، فإن عام 2021 من المتوقع أن يحمل معه الكثير من التغيرات الإيجابية في هذا الإطار، وذلك في ظل تغير المعطيات على مختلف الأصعدة، ولاسيما في أسلوب تعامل الدول مع الجائحة.

وقد أصدر بنك الإمارات دبى الوطني تقريراً في 7 فبراير الجاري، أكد فيه على هذا المضمون، مشيراً إلى أنه بعد الأحداث غير المسبوقة التي شهدها العالم في عام 2020، في ظل الانتشار الواسع لوباء "كوفيد-19"، الذي وجّه ضربة موجعة للاقتصاد العالمي بأسره، فإن هناك فرصاً كبيرة لتعافي اقتصادي وشيك خلال العام الجاري، بفضل انتشار اللقاحات واستراتيجيات التحفيز المالي، التي أطلقتها الحكومات في ظل أسعار الفائدة المنخفضة الداعمة للتوقعات الاقتصادية المرتفعة. 

وبطبيعة الحال تحمل هذه التوقعات الكثير من الأنباء السارة بالنسبة لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي ربما تكون من أوائل مناطق العالم تعافياً، لاسيما أنها جزء من الاقتصادات الصاعدة والناشئة، هذا بجانب عوامل أخرى عديدة.

إيجابيات عديدة:

شهد العالم تطورات اقتصادية سلبية عديدة خلال عام 2020، لكن بالتأكيد كان هناك بعض الجوانب الإيجابية، التي من بينها، من دون شك، توسع حجم النشاط ببعض القطاعات الاقتصادية، كقطاعات التجزئة والتجارة الإلكترونية والأنشطة المعتمدة على تكنولوجيا الاتصال والعمل عن بعد، وغيرها. ووفق تقرير بنك الإمارات دبى الوطني أيضاً، فإن عام 2020 كان متميزاً على صعيد الاستثمار، حيث سجلت أغلبية فئات الأصول معدلات زيادة إيجابية، وسجلت معدلات ثنائية الأرقام بالنسبة لبعض الفئات. فعلى سبيل المثال، سجل الذهب ارتفاعاً بحوالي 25%، وحققت أسهم الأسواق الناشئة عائداً بنسبة 18%، متفوقة في الأداء على الأسواق المتقدمة التي ارتفعت بحوالي 16%. كما أن أسواق أدوات الدخل الثابت سجلت أيضاً أداءاً قياسياً مع انخفاض أسعار الفائدة.

وإذا كانت اقتصادات الدول المتقدمة قد استفادت، بشكل أو بآخر، من هذه الأوجه الإيجابية، لاسيما فيما يرتبط باستحواذها على النسبة الأكبر من الشركات العاملة في مجال التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا، فإن دول العالم الصاعد، والأسواق الناشئة، قد استفادت أيضاً من تلك الأوجه الإيجابية، في ظل الجاذبية الاستثمارية لأسواقها، وكذلك في ظل محافظة بعض اقتصاداتها على النمو رغم الضغوط الشديدة التي واجهتها في عام 2020 بسبب الجائحة. وانطلاقاً من هذه النقطة، فإن الدول الصاعدة والناشئة تمتلك فرصاً أكبر للنمو والتعافي خلال الفترة المقبلة، وبداية من عام 2021.

وفي هذا السياق، تأتي التوقعات المتعلقة بنمو وتعافي اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي لهذا العام، والمرجح أن تحقق تعافياً شبه كامل من تبعات الجائحة، لتسجل متوسط نمو قدَّره بنك الإمارات دبى الوطني في تقريره بنحو 2.3%، وهو المستوى الأعلى للنمو لاقتصادات دول المجلس منذ عام 2016. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى عدد من العوامل التي تدعم فرص تحقق هذا التعافي بالنسبة لدول المجلس، والتي يأتي على رأسها الارتفاع المتوقع لأسعار النفط، والتي حققت بالفعل ارتفاعات كبيرة خلال الفترة الماضية، وتجاوزت 60 دولاراً للبرميل، وذلك لأول مرة منذ بداية الجائحة. كما أنه من المتوقع أن تستمر حكومات دول المجلس في تحفيز اقتصاداتها خلال الشهور المقبلة، من خلال ضخ المزيد من السيولة في المشروعات الكبرى، وتحسين ظروف الائتمان، وتعزيز مناخ الاستثمار، هذا بجانب استمرارها في تنفيذ عملية التطعيم ضد الوباء على نطاق واسع بين سكانها.

كما أن اقتصادات دول المجلس، وباعتبارها جزءاً من الاقتصادات الصاعدة عالمياً، تحتفظ لنفسها بخصائص مميزة، ولاسيما على صعيد جاذبية الأصول، سواءً الحقيقية أو المالية، والتي تراجعت أسعارها وباتت قيمها الحقيقية أعلى كثيراً من قيمها الإسمية، بما من شأنه أن يشجع المستثمرين، سواءً المحليين أو الدوليين، على ضخ المزيد من رؤوس الأموال في هذه الأصول، بما يعزز تدفقات النقد الأجنبي في الدورة الاقتصادية. ومن المتوقع أن تتعزز هذه التدفقات أيضاً من خلال العودة التدريجية للسياحة إلى دول المنطقة، ولاسيما خلال النصف الثاني من العام، وبالتحديد في الإمارات، مع انعقاد معرض "إكسبو الدولي 2020 دبى"، الذي تنطلق فعالياته في مطلع أكتوبر 2021.

تغير النهج:

كان العالم ينظر لجائحة كورونا في بادئ الأمر على أنها حالة مؤقتة، وسرعان ما ستنحسر وتعود الأمور إلى طبيعتها في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والحياتية كذلك، لكن هذه النظرة تغيرت الآن، بعد أن عاش العالم حتى الآن ما يزيد عن العام في ظل الجائحة، وفي ظل أنه ليس من الواضح حتى الآن متى ستنتهي. ولاريب أن تغير هذه النظرة انعكس بشكل كبير على السياسات التي تتبناها الحكومات في إطار التعامل مع تبعات الوباء، ولاسيما على الشق الاقتصادي. وبينما لجأت معظم دول العالم لإجراءات الإغلاق العام، لاسيما في الربع الثاني من عام 2020، كوسيلة لمحاصرة الوباء، وكان لذلك آثار سلبية عميقة على معدلات النمو الاقتصادي، وظروف الاستثمار، وحالة الأسواق، وظروف التوظيف، فإن تغير نظرة الحكومات الآن، واتباعها نهجاً مغايراً لما حدث خلال العام الماضي، وعدم لجوئها إلى الإغلاق على نطاق واسع، لاسيما في ظل ظهور اللقاحات، كل ذلك من شأنه أن يساعد على تقليص الخسائر، بل وتشجيع الكثير من الأنشطة والصناعات على العودة إلى العمل، وإن كان بأساليب مختلفة.

وفي المجمل، فإن هذا الواقع الجديد الذي بدأ في الظهور حول العالم، ومحاولة الحكومات التعايش مع الوباء، والبحث عن سبل لاستيعابه من دون الإضرار كثيراً بالأنشطة الاقتصادية، بل وسعى البعض منها إلى ضمان الإبقاء على معدلات التوظيف على حالها، من أجل وقف نزيف الوظائف والدخول، ووقف التأثيرات السلبية للجائحة على مستويات المعيشة، فإن هذه الإجراءات تصب في النهاية في اتجاه المحافظة على الطلب العالمي الكلي الفعَّال على حاله، والذي يعتبر هو المُحفِّز الرئيسي للنمو والتعافي، والذي يمثل بدوره معززاً لفرص التعافي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتبر مُنتِجاً رئيسياً لمصادر الطاقة والمواد الأولية وسوقاً كبيرة للاستثمار أيضاً.