تمكين "قسد":

دلالات إسناد صفقة تطوير حقول شمال سوريا لشركة أمريكية

03 August 2020


وقّعت مليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية المعروفة بـ"قسد" صفقة تم الإعلان عنها من قبل الإدارة الأمريكية، مع شركة "دلتا كريسنت إنرجي" الأمريكية، من أجل تطوير وإعادة تأهيل حقول النفط شمال شرق سوريا، في خطوة سوف تعزز الحضور الأمريكي وتؤسس لنفوذ طويل الأمد بهذه المنطقة. كما تهدف الخطوة لتمكين "قوات سوريا الديمقراطية" مالياً وجيوسياسياً، والتي تعتبرها واشنطن شريكاً أساسياً في محاربة "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية في سوريا، فيما تقطع أيضاً الطريق أمام النظام السوري في الحصول على النفط المنتج بشمال سوريا- عن طريق التهريب- كما كان عليه الحال في السابق.

تنفيذ الوعود:

أيدت الإدارة الأمريكية بوضوح صفقة إسناد إدارة وتطوير حقول منطقة شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، لشركة أمريكية، وهى "دلتا كريسنت إنرجي"، في خطوة صريحة من جانبها لدعم "قسد"، حيث ستساهم في مضاعفة إنتاج النفط في هذه المنطقة إلى أكثر من 150 ألف برميل يومياً بحسب التقديرات.

وعلى هامش جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، في 30 يوليو الماضي، كشف كل من وزير الخارجية مايك بومبيو ولينزي جراهام عضو مجلس الشيوخ عن إبرام الصفقة وعزم واشنطن على المضى في تنفيذها بأسرع وقت، وقال بومبيو في هذا السياق: "نعم.. الصفقة استغرقت وقتاً أطول... مما كنا نأمل والآن نحن في مرحلة التنفيذ".

وبموجب الصفقة، لن تكتف الشركة الأمريكية فقط بتطوير حقول النفط وإنما ستقوم أيضاً بتوفير مصفاتين نفطيتين لتزويد المناطق الشمالية السورية باحتياجاتها من الوقود المكرر، بما يقلل من اعتمادها على الشبكة غير الرسمية لتهريب البنزين والديزل وغيرها من المناطق الخاضعة للنظام السوري إلى مناطق شمال سوريا.

والجدير بالذكر هنا أن معظم موارد سوريا من النفط تقع في شمال شرق البلاد، وتسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على أكبر حقل نفط سوري وهو "العمر" في محافظة دير الزور، بالإضافة إلى حقلى "تنك" و"جفرا"، كما تحكم سيطرتها على حقل "الرميلان" في محافظة الحسكة، وكذلك حقول أخرى في الرقة.

وتتماشى الصفقة السابقة مع سياسة واشنطن للحفاظ على وجودها الاقتصادي في المناطق الغنية بالنفط في سوريا. فعلى الرغم من قرار الإدارة الأمريكية، في أواخر 2019، بالانسحاب العسكري من شمال شرق سوريا، إلا أنها، بحسب وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أقرت الإبقاء على بعض القوات العسكرية لتأمين حقول النفط التي تسيطر عليها "قسد".

أسباب مختلفة:

يرجع تأييد الإدارة الأمريكية لصفقة تطوير حقول النفط بشمال شرق سوريا إلى عدد من الاعتبارات: يتعلق أولها، بتعزيز النفوذ الأمريكي في سوريا، ووضع موطئ قدم للشركات الأمريكية في سوريا وسط المنافسة المحتدمة مع الشركات الأجنبية الأخرى لتعزيز المشاركة في عمليات إعادة الإعمار في سوريا في المستقبل.

ويتمثل ثانيها، في بناء علاقات استراتيجية مع "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث تعتبرها الإدارة الأمريكية شريكاً في محاربة "داعش" والتنظيمات الإرهابية في سوريا، في الوقت الذي ستساعد هذه الصفقة في تمكين "قسد" من الحصول على عائدات مضمونة من النفط وسط نقص مواردها المالية بسبب ضعف التمويل الدولي لمناطق شمال سوريا، وتضييق النظام السوري إلى جانب تركيا وروسيا الخناق الاقتصادي عليها.

وينصرف ثالثها، إلى الحيلولة دون تكرار وصول تنظيم "داعش" أو غيره من الأطراف غير المرغوبة لموارد النفط السورية. وكان "داعش" ينتج من مناطق شمال شرق سوريا ما بين 25 إلى 45 ألف برميل يومياً من النفط، وبعائدات تتخطى 1.5 مليون دولار يومياً، وكان يتم تهريبه من المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري وكذلك الدول المجاورة.  

فيما يتصل رابعها، بقطع الطريق أمام النظام السوري في الحصول على النفط المنتج في هذه المناطق، حيث يتم تكريره في المصافي السورية، ويأتي هذا وسط تشديد الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على النظام بموجب قانون "قيصر" الذي أُقِر في الفترة الأخيرة.

تعارض المصالح:

لم يكن مفاجئاً أن يعارض النظام السوري هذا الاتفاق باعتبار أن إسناد تطوير الحقول لشركة أمريكية أمر غير شرعي، في رؤيته، وحسب وصف وزارة الخارجية السورية فإن الصفقة الأخيرة تمثل "سرقة واعتداء على موارد النفط السوري".

ومن دون شك، فإن النظام السوري يرى في الصفقة الأخيرة تفتيتاً للدولة السورية وحقوقها السيادية، إلى جانب الأضرار الاقتصادية الأخرى، حيث سيحرمها من الحصول على مصدر للنفط اللازم للتكرير في مصافيها الخاصة، بالتوازي مع تعرض خطوط إمدادات الوقود الرئيسية من إيران للانقطاع بين الحين والآخر.

أما بالنسبة لتركيا، فقد انتقدت وزارة الخارجية الصفقة الأخيرة واعتبرتها "دعماً أمريكياً صريحاً لتمويل الإرهاب" حسب بيانها. وتعتبر أنقرة "قسد" و"وحدات حماية الشعب" الكردية امتداداً لحزب العمال الكردستاني. وعليه، شنت حملات عسكرية متتالية من أجل إبعاد "قوات سوريا الديمقراطية" إلى أقصى مسافة ممكنة من على خطوط الحدود مع شمال شرق سوريا.

وعلى الأرجح، سيكون الدعم العسكري واللوجستي الأمريكي لـ"قسد" مصدراً آخر- إلى جانب عوامل أخرى- للخلافات بين واشنطن وأنقرة في الفترة المقبلة، حيث سيتعين على الأخيرة الأخذ في الاعتبار المصالح الاقتصادية الجديدة في مناطق شمال شرق سوريا.

وختاماً، يمكن القول إنه من الواضح أن الصفقة بين "قسد" والشركة الأمريكية تتعارض بشكل أساسي مع مصالح عدد من الأطراف المحلية والإقليمية، ولكن ربما ما تأخذه واشنطن في الحسبان فقط هو بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع "قسد" من أجل محاربة الإرهاب.