مُحفّزات التهديد:

لماذا تزايد الاستهداف الحوثي للأراضي السعودية في ظل كورونا؟

19 July 2020


على الرغم من انتشار وباء كورونا في اليمن، ودعوة الأمم المتحدة أطراف الصراع إلى التهدئة والتركيز على مكافحة فيروس كورونا، خاصةً مع تدهور البنية التحتية الصحية في هذا البلد؛ إلا أن ميليشيا الحوثيين استمرت في ممارساتها الانقلابية، وصعدت من عملياتها العسكرية ضد قوات الشرعية اليمنية في مناطق مختلفة، بل وامتد هذا التصعيد إلى الحدود السعودية، وهي التطورات التي حملت في طياتها العديد من الرسائل السلبية من الميليشيا للأطراف المعنية بالأزمة اليمنية. 

مؤشرات التصعيد:

أعلنت قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، يوم 8 أبريل 2020، وقفًا لإطلاق النار لمدة أسبوعين، بناءً على طلب مبعوث الأمم المتحدة لدى اليمن "مارتن غريفيث"، لإتاحة الفرصة لإحراز التقدم في المفاوضات بين تحالف دعم الشرعية والحوثيين حول وقف إطلاق نار دائم، وكذلك الاتفاق على أهم التدابير الاقتصادية والإنسانية، ولاستئناف العملية السياسية. واستمرارًا لرغبة التحالف في التخفيف من معاناة اليمنيين، والعمل على مواجهة جائحة كورونا؛ فقد أعلن تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر اعتبارًا من يوم 23 أبريل الماضي.

ولكن بمجرد انتهاء الهدنة التي أعلن عنها تحالف دعم الشرعية، لجأت ميليشيا الحوثيين منذ أواخر مايو الماضي إلى تصعيد هجماتها الإرهابية، التي لم تقتصر فقط على الداخل اليمني، ولكنها أيضًا سعت لاستهداف المدنيين والتجمعات السكانية في المدن السعودية، وخاصةً المجاورة لليمن، مما يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.

وفي هذا الإطار، تمكنت قوات التحالف العربي من اعتراض وإسقاط صواريخ باليستية وطائرات مُسيَّرة (بدون طيار) أطلقتها الميليشيا الحوثية باتجاه مدينة نجران يومي 27 مايو و13 يونيو الماضيين، ومدينة خميس مشيط يوم 1 يونيو الماضي، ومنطقة عسير يوم 15 يونيو الماضي.

واستمرارًا لهذا التصعيد العسكري الحوثي، أعلن تحالف دعم الشرعية تدمير 8 طائرات مُسيَّرة مفخخة أطلقتها الميليشيا الانقلابية، مساء يوم 22 يونيو الماضي، باتجاه المملكة، دون أن يحدد مناطق الاستهداف. كما أطلق الحوثيون، يوم 23 يونيو الماضي، 3 صواريخ باليستية من محافظة صعدة، حيث تم اعتراض صاروخين منها باتجاه مدينة نجران، وآخر باتجاه مدينة جيزان.

وردًّا على هذه الاعتداءات الحوثية، نفذ تحالف دعم الشرعية، في مطلع يوليو الجاري، عملية عسكرية ضد أهداف مشروعة للحوثيين، بهدف تحييد وتدمير القدرات النوعية للميليشيا. ولكن يبدو أن هذه الخطوة لم تُثنِ الحوثيين عن وقف هجماتهم، حيث اعترضت قوات التحالف 4 طائرات مُسيَّرة مفخخة أطلقها الحوثيون باتجاه السعودية يوم 3 يوليو الجاري. كما هدد المتحدث باسم الميليشيا "يحيى سريع"، يوم 7 يوليو الجاري، السعوديين وطالبهم بالابتعاد عن القصور لأنها أصبحت ضمن الأهداف، على حد تعبيره. وفي 13 يوليو الجاري، أعلن التحالف العربي، في بيانين منفصلين، تدمير 4 صواريخ باليستية، و8 طائرات مُسيَّرة مفخخة، أطلقها الحوثيون في اتجاه المملكة.

وبشكل عام، رفع هذا الاستهداف الحوثي على مدار الأيام الماضية عدد الصواريخ الباليستية التي أطلقتها الميليشيا الانقلابية باتجاه السعودية إلى 322 صاروخًا منذ بداية حرب اليمن، وعدد الطائرات المُسيَّرة إلى 379 طائرة.

تفسيرات متداخلة:

هناك أسباب عديدة ربما تفسر لجوء ميليشيا الحوثيين إلى تصعيد هجماتها الإرهابية ضد الأراضي السعودية خلال الأسابيع الماضية، وتتمثل في الآتي:

1- استعراض القوة: ربما تهدف ميليشيا الحوثيين من هذا التصعيد العدائي ضد السعودية إلى التأكيد على امتلاكها قدرات عسكرية متطورة، سواء صواريخ باليستية أو طائرات مُسيَّرة مفخخة، لديها القدرة على الوصول إلى مسافات بعيدة في العمق السعودي، وهذا يرجع بالأساس إلى الدعم الإيراني في نقل وتطوير هذه التكنولوجيا العسكرية إلى الحوثيين.

وفي ظل إدراك الميليشيا الانقلابية امتلاك السعودية منظومات دفاعية متطورة قادرة على اعتراض وتدمير هذه الصواريخ والطائرات بدون طيار، فإنها تسعى من وراء هذه التهديدات المتزايدة إلى ممارسة نوع من الضغوط على المملكة، لا سيما أنها تستهدف مدنيين؛ وكأنها إشارة حوثية إلى أنهم ليسوا فقط فاعلًا رئيسيًّا في الداخل اليمني، ولكن أيضًا في دول الجوار الإقليمي، خاصةً في ظل علاقاتهم مع الحليف الإيراني.

2- أجندة إيرانية: ارتباطًا بالتفسير السابق، لا يمكن فصل التصعيد الحوثي الحالي ضد الأراضي السعودية عن التوتر المستمر بين إيران (الداعم الرئيسي للحوثيين) والولايات المتحدة الأمريكية (حليف السعودية)، حيث ترى طهران أن الرياض لها دور في زيادة الضغوط والعقوبات الأمريكية عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018. وبالتالي تعمل إيران على توظيف وكيلها الحوثي في اليمن لشن مزيد من الهجمات باتجاه المملكة، في نهج اعتادت عليه طهران من خلال استخدام أذرعها الميليشياوية في الإقليم.

ومع تزايد الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على القوى الدولية حاليًّا لتمديد حظر أسلحة على إيران والمقرر انتهاؤه في أكتوبر القادم، فإنه يُتوقع أن تلجأ طهران إلى الاستمرار في تبني استراتيجية "حافة الهاوية" باعتبارها وسيلة ضغط مضادة تنفذها عبر وكلائها المسلحين، وأبرزهم الحوثيون، ضد حلفاء واشنطن في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، فضلًا عن تهديدها ممرات التجارة الدولية وناقلات النفط في مضيق باب المندب.

3- توظيف كورونا: على نهج غيرهم من الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في الإقليم، عمل الحوثيون على استغلال أزمة جائحة كورونا المنتشرة في كل دول العالم، وذلك عبر تصعيد عملياتهم العسكرية، دون أي اعتبار للأبعاد الإنسانية لهذه الجائحة. وفي هذا الشأن، دعا الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، في 23 مارس الماضي، لوقف إطلاق النار في الصراعات العالمية حتى يمكن التركيز على مكافحة فيروس كورونا. وبالفعل استجاب التحالف العربي لهذه الدعوة الأممية، وأعلن في أبريل الماضي هدنة لوقف إطلاق النار ثم مددها إلى ما قبل الأسبوع الأخير من مايو الماضي، إلا أن الميليشيا الحوثية وكعادتها في المراوغة والانتهازية رأت أن هذا الوباء فرصة يمكن استغلالها لإحداث اختراقات عسكرية تخدم أجندتها الانقلابية ضد تحالف دعم الشرعية، خاصةً في ظل انشغال المملكة والدول الأخرى المعنية بالأزمة اليمنية بمكافحة فيروس كورونا.

ومن ناحية أخرى، تعرض الحوثيون لانتقادات شديدة بسبب سوء الأوضاع الصحية في مناطق سيطرتهم باليمن، واتهامهم بالتكتم على العدد الحقيقي والمرتفع للإصابات والوفيات بفيروس كورونا، خاصةً في ظل تفشي الوباء بصورة كبيرة في صنعاء وغيرها من المدن الخاضعة للميليشيا. ومن ثم، ربما اعتقد الحوثيون أن تصعيدهم عسكريًّا ضد السعودية سيؤدي إلى شغل اليمنيين وكذلك صرف أنظار المجتمع الدولي عن سوء تعامل الميليشيا مع وباء كورونا.

4- تباينات سياسية: يبدو أن الميليشيا الحوثية تسعى للاستفادة من الخلافات الموجودة في جبهة الشرعية اليمنية، وتحديدًا بين حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تتجدد المواجهات العسكرية بين قوات الطرفين من حين لآخر في مناطق جنوب اليمن، ولا سيما محافظتي أبين وسقطرى، منذ إعلان المجلس الانتقالي في 25 أبريل الماضي الإدارة الذاتية في محافظات الجنوب. وبالتالي فإن هذه المواجهات تشجع ميليشيا الحوثيين على استغلالها في تصعيد هجماتها الإرهابية ليس فقط داخل اليمن، ولكن أيضًا باتجاه الأراضي السعودية، مثلما حدث على مدار الشهرين الماضيين.

وفي المقابل، تحاول السعودية قطع الطريق على الحوثيين، والعمل على توحيد جبهة الشرعية في مواجهة الميليشيا، حيث أعلنت المملكة مؤخرًا عن مبادرة للتهدئة بين مكونات الشرعية في جنوب اليمن، وعقد لقاءات مع مسؤوليها، وذلك في محاولة جديدة لإنقاذ "اتفاق الرياض" المُبرم في 5 نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، والذي لم تُنفذ بنوده حتى الآن.

5- تشتيت الجهود: ربما يأتي تكثيف الحوثيين هجماتهم الصاروخية وبالطائرات المُسيَّرة التي يتم اعتراضها قبل وصولها إلى المدن السعودية، في إطار استراتيجية الميليشيا الساعية لتشتيت تركيز قوات التحالف عن معركة الداخل اليمني، خاصةً مع سعي الحوثيين في الأشهر الماضية للسيطرة على العديد من المناطق المهمة في محيط صنعاء، ومنها محافظتي الجوف ومأرب (الغنية بالنفط).

تعثر سياسي:

يُلقي التصعيد العسكري الحوثي ضد الأهداف السعودية بتداعياته السلبية على المساعي الدولية للتهدئة في اليمن، وبالتالي قد يؤدي إلى انسداد أفق الحل السياسي لهذه الأزمة. وعلى عكس ما تعتقده الميليشيا خطأ من أن لجوءها للتصعيد سيعزز من مواقفها ومكاسبها في أي مفاوضات محتملة، فإن مثل هذه الهجمات التي تؤكد تطور القدرات التسليحية للحوثيين ستزيد قناعة المملكة بأن حدودها الجنوبية مع اليمن ستظل مهددة طالما استمر هذا الخطر الحوثي، وبالتالي سيكون هدف الرياض هو إضعاف وتحييد هذه القدرات الحوثية.

وثمة ملحوظة ذات دلالة مهمة وهي تزامن هذا التصعيد الحوثي مع طرح مبعوث الأمم المتحدة لدى اليمن "مارتن غريفيث"، في نهاية يونيو الماضي، مسودة معدلة من المبادرة الأممية للحل الشامل في اليمن، حيث تضمنت بنودها، حسب ما نُشر في وسائل الإعلام، 3 جوانب أساسية، تبدأ بإعلان وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء اليمن، يليه عدد من التدابير الإنسانية والاقتصادية، ثم بدء المشاورات مع الشرعية والحوثيين بشأن التحضير لاستئناف المشاورات السياسية. 

وبالتالي ربما كانت هذه الهجمات الحوثية ضد السعودية بمثابة رسالة إلى المبعوث الأممي مفادها أن الميليشيا ترفض مبادرته للتهدئة، وأنها غير جادة في إنهاء الحرب وإيجاد تسوية سياسية لها، وذلك على عكس ما تدَّعيه قيادات الحوثي في بياناتهم وتصريحاتهم الإعلامية باستعدادهم للحوار. ولعل ما يؤكد هذا التوجه الحوثي المعرقل للتسوية هو ما سربته وسائل إعلام الميليشيا عن رفض الحوثيين مقابلة المبعوث الأممي "غريفيث" لمناقشة مقترحاته أثناء زيارته العاصمة العُمانية مسقط في مطلع يوليو الجاري.

وأمام هذا التعنت الحوثي ووقوف الميليشيا حجر عثرة أمام نجاح أي جهود لخفض التصعيد؛ أبلغت الحكومة الشرعية بقيادة "هادي"، المبعوث الأممي لدى اليمن، في 14 يوليو الجاري، رفضها مقترحاته الأخيرة بشأن مسودة الحل الشامل في اليمن، واعتبرتها محاولة للانقلاب على مرجعيات السلام المُعترف بها دوليًّا، ومسعى لشرعنة الانقلاب الحوثي، حيث إنها تجعل من الميليشيا طرفًا مع الشرعية في الإشراف على الموارد المالية والاقتصادية والمطارات والموانئ، والتي من المفترض خضوعها لسلطة الحكومة الشرعية فقط. وهكذا أصبح الفشل هو مصير هذه المبادرة الأممية، مثل غيرها من المبادرات والاتفاقات التي سبق أن طرحتها الأمم المتحدة في اليمن، ولعل أبرزها اتفاق استكهولم المُبرم في ديسمبر 2018.

مجمل القول، لا يُتوقع توقف الميليشيا الحوثية عن انتهاكاتها في الداخل اليمني، وتهديداتها للجوار السعودي، طالما أنها ما زالت ترتهن في قراراتها لإيران، وتخوض "حربًا بالوكالة" ضد خصوم طهران التي بدورها تعاني اقتصاديًّا على خلفية العقوبات الأمريكية عليها، فضلًا عن وضع الميليشيا شروطًا تعجيزية قبل وقف عملياتها العسكرية وبدء أي مفاوضات؛ وأهمها رفض انسحابها من المناطق التي سيطرت عليها في اليمن بعد الانقلاب، ورفضها ترك السلاح، وهو ما يتعارض مع المرجعيات المُعترف بها دوليًّا لتحقيق السلام في اليمن، وأبرزها قرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015.