ضغوط طارئة:

هل يتعرض قطاع النفط الإيراني لتدهور جديد؟

25 March 2020


يواجه قطاع النفط الإيراني مأزقاً شديداً مع تفشي فيروس "كورونا" في أنحاء مختلفة من البلاد، والذي قد يتسبب بدوره في تعطيل عمليات تشغيل حقول النفط والغاز الطبيعي مثلما تم وقف الإنتاج من عدد من المنشآت التجارية والاقتصادية مؤخراً وفي صدارتها "إيران خودرو". وإلى جانب ذلك، فقد تدهورت أسعار النفط العالمية بشدة مؤخراً مع تعثر تحالف "أوبك+" في التوصل لاتفاق لخفض الإنتاج في 6 مارس الجاري، وهو ما يمكن أن يُعرِّض قطاع النفط لضغوط قوية على نحو سوف يزيد من حدة الركود التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني. 

أزمات متعددة:

اضطرت الحكومة الإيرانية في الفترة الأخيرة إلى تعليق العمل الحكومي جزئياً، ووقف تشغيل العديد من المنشآت التجارية والاقتصادية وفي صدارتها "إيران خودرو" لتصنيع السيارات مع انتشار فيروس "كورونا" في بعض المناطق وارتفاع حالات الإصابة بها إلى نحو 24811 حالة حتى 24 مارس الحالي، ولتحل بالمرتبة الأولى إقليمياً من حيث انتشار الفيروس. 

ولم يتأثر إنتاج النفط والغاز الإيراني بحسب مزاعم فرخ علي خاني نائب رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية في 4 مارس الجاري، غير أنه ليس من المستبعد أن تتأثر العمليات التشغيلية لحقول النفط والغاز، خاصة في حالة ما إذا تعرض العاملون بمنشآت الطاقة للإصابة بالفيروس، بشكل قد يهدد بوقف الإنتاج.  

وإلى جانب الخطر السابق، يتعرض النفط العالمي لارتباك شديد قد يضر بدوره قطاع النفط الإيراني، حيث أنه بعد تعثر تحالف "أوبك+" في تعميق خفض إنتاج النفط في 6 مارس الجاري، اتجه المنتجون في "أوبك"، بجانب روسيا، لزيادة إنتاجهم من النفط الخام وبما ينذر بوجود فائض عالمي من الخام يقدر بــ6 ملايين برميل، في وقت قد ينكمش فيه الطلب العالمي بسبب نفشي فيروس "كورونا" ما بين 2 إلى 3 مليون برميل يومياً.

وفي ضوء هذه المعطيات، من المحتمل أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوى 20 دولار للبرميل حتى نهاية النصف الثاني من العام الجاري، ونحو 30 دولار لعام 2020 كله، وكانت أسعار خام برنت قد فقدت حوالي 40% من قيمتها، منذ 6 مارس الجاري، لتصل إلى 27 دولار للبرميل حتى الآن. 

وفي الوقت نفسه، تتجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع مستوى العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، وقد فرضت، في 18 مارس الحالي، عقوبات على عدة شركات أجنبية اتهمتها بمساعدة طهران في تهريب البتروكيماويات، وسبق أن فرضت عقوبات على شركات بتروكيماويات إيرانية في يونيو 2019 وذلك في محاولة لتجفيف مصادر تمويل إيران.

وتأتي هذه العقوبات ضمن سلسلة أخرى من العقوبات فرضت على شركات النفط والشحن الإيرانية في أواخر 2018، تسببت في صعوبات هيكلية لقطاع النفط الإيراني، حيث قوضت من قدرة إيران على زيادة الإنتاج من الحقول القديمة أو حفر أخرى جديدة مع تعطل ما لا يقل عن 40 منصة حفر من حوالي 160 منصة حفر في إيران بحسب التقديرات.  

آثار محتملة:

تكشف المؤشرات عن تكبد قطاع النفط الإيراني خسائر واسعة في الفترة الماضية، والتي من المحتمل أن تتسع في المستقبل القريب في ضوء أزمة "كورونا" وتدهور أسعار النفط العالمية. وطبقاً لمنظمة "أوبك"، فقد بلغ إنتاج إيران من النفط الخام في شهرى يناير وفبراير 2020 قرابة 2 مليون برميل يومياً، وهو أقل من مستواه البالغ 2.3 مليون برميل يومياً في 2019 وبانخفاض كبير من 3.5 مليون برميل يومياً في 2018.

وبالتوازي مع السابق، هبطت صادرات النفط الإيرانية إلى نحو 248 ألف برميل يومياً، بحسب بيانات شركة "كيبلر" لتتبع ناقلات النفط، وهو أقل من مستوى صادرات يناير البالغة 254 ألف برميل، بينما كانت إيران تصدر ما يصل إلى 2.5 مليون برميل قبل فرض العقوبات الأمريكية عليها في أغسطس ونوفمبر 2018.

وعلى ما يبدو، فإن السوق الصينية، التي كانت تستقبل معظم الصادرات الإيرانية من النفط، ليست على استعداد لمواصلة استيراد الخام الإيراني بالوتيرة نفسها في ضوء انخفاض الطلب المحلي على الخام مع تفشي فيروس "كورونا" فضلاً عن فائض المعروض النفطي الذي قد يحد من الحصة السوقية للخام الإيراني عالمياً.

وعلى هذا النحو، من المرجح أن تنخفض عائدات صادرات إيران من النفط الخام بشدة في العام الجاري، فعند مستوى من أسعار النفط لا يتجاوز 30 دولار للبرميل في 2020، قد تنخفض عائدات صادرات إيران من الخام إلى ما بين 2-2.5 مليار دولار (بافتراض تصديرها ما بين 200 إلى 250 ألف برميل يومياً)، وهو تراجع سوف يضر بشدة الموازنة الإيرانية، ويجعلها تعاني من عجزٍ شديدٍ في العام المالي الجديد الذي بدأ في 21 مارس الجاري.

كما سوف يفرض الوضع الحالي ضغوطاً شديدة على سوق الصرف في إيران، وقد بدأ التومان الإيراني (التومان يساوي 10 ريالات) موجة هبوطية منذ تفشي فيروس "كورونا" ولينخفض بنحو 20% إلى 16100 تومان للدولار حالياً، بينما السعر الرسمي للدولار في البنك المركزي يبلغ 4200 تومان، وهو ما سيتواكب معه، بلا شك، زيادة في معدل التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بالسوق الإيرانية.

وسوف يكرس الوضع الحالي من ركود الاقتصاد الإيراني الذي انكمش بنسبة 9.5% في 2019 وفق ما توقعه صندوق النقد الدولي في السابق، وهو ما يتسبب في المجمل في تدني المستويات المعيشية للسكان، ويأتي هذا في الوقت الذي ليس بمقدور صندوق النقد الدولي، في ضوء العقوبات الأمريكية، تلبية طلب إيران بتقديم مساعدات لها بـ5 مليار دولار لمواجهة "كورونا"، مما سيزيد من المصاعب الاقتصادية التي تواجهها في الفترة المقبلة.