تحول جديد:

تداعيات تعليق عمليات التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق

07 January 2020


في تطور لافت للحرب الدولية على الإرهاب، قرر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في 5 يناير 2020، تعليق عمليات تدريب القوات العراقية والقتال ضد تنظيم "داعش"، بسبب الالتزام بحماية القواعد العراقية التي تستضيف قواته، وذلك في سياق التصعيد الحالي في العراق، الذي قد يصل إلى حد محاولة استهداف تلك القوات من قبل الميليشيات المسلحة، رداً على مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" العراقية أبومهدي المهندس، قبل ذلك بيومين، وهو ما يطرح تساؤلات حول أهم التداعيات المحتملة لهذا القرار على نشاط تنظيم "داعش"، لاسيما وأن عمليات التحالف كانت قد حققت نتائج بارزة في تحجيم نفوذه داخل العراق وسوريا خلال الفترة الماضية.

تطورات مترابطة:

جاء قرار التحالف الدولي بعد التهديدات التي وجهتها الميليشيات العراقية، على غرار "حزب الله العراق"، باستهداف القوات الأمريكية، وتحذير قوات الأمن العراقية من الاقتراب من القواعد التي تتواجد فيها، بعد الضربة الأمريكية التي أسفرت عن مقتل سليماني والمهندس وآخرين، وقبلها العملية العسكرية التي شنتها واشنطن ضد قواعد هذه الميليشيا في العراق وسوريا، وهو ما يشير الى أن العراق قد تشهد حالة من عدم الاستقرار على المستوى الأمني خلال المرحلة القادمة.

ويأتي ذلك في وقت يحاول تنظيم "داعش" إعادة تنظيم صفوفه من جديد بعد الضربات القوية التي تعرض لها خلال الفترة الماضية، والتي وصلت ذروتها بمقتل زعيمه السابق أبوبكر البغدادي في عملية أمريكية بمحافظة إدلب السورية، في 27 أكتوبر 2019.

ومن هنا، كانت الفترة التي أعقبت مقتل البغدادي بمثابة مرحلة انتقالية حاول فيها التنظيم، إلى جانب تعيين قائد جديد هو أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، إعادة صياغة حساباته من جديد، بناءً على المعطيات التي فرضتها التطورات الميدانية، خاصة بعد أن وفرت العملية العسكرية التي شنتها تركيا في شمال سوريا فرصة لتعزيز نشاطه مرة أخرى، لاسيما أنها أدت، ضمن تداعياتها العديدة، إلى تعطيل الجهود العسكرية الكردية لمواجهة التنظيم، بعد أن اضطرت الميليشيا الكردية إلى الدفع بمعظم قواتها لمواجهة التدخل التركي.

آليات مختلفة:

وعلى ضوء ذلك، ربما يحاول التنظيم استغلال التصعيد الأخير في العراق، وما تبعه من تطورات عديدة، خاصة بعد تعليق العمليات ضده واتساع نطاق الجدل حول بقاء القوات الأجنبية من عدمه في العراق عقب قرار البرلمان العراقي بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق بعد 6 سنوات من طلب الحكومة العراقية عودة القوات الأمريكية لمحاربة "داعش"، لاسيما فى ظل وجود قيادة جديدة تسعى لاستعادة نشاط التنظيم، الذي ربما يحاول الاستناد إلى آليات عديدة في هذا السياق يتمثل أبرزها في: 

1- تعزيز "الأوكار" الآمنة: سعى "داعش" خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز مواقعه المتبقية داخل سوريا والعراق، والتي لم تتعرض لضربات قوية بعد، حيث ربما يستعين بها في الفترة القادمة لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، وإثبات قدرته على استيعاب الضربات القوية التي تعرض لها، والتي أدت إلى إخراجه من معظم المناطق التي سبق أن سيطر عليها داخل كل من العراق وسوريا. ورغم أن قتل واعتقال بعض قيادات التنظيم في الفترة الماضية أشار بوضوح إلى تأثير تلك الضربات على تماسكه الداخلي، فإنه عكس أيضاً قدرته على البحث عن أوكار أو مواقع جديدة يحاول استخدامها كنقطة انطلاق لتنفيذ مزيد من الهجمات الإرهابية. 

2- الهروب من المخيمات: حاول التنظيم خلال الفترة الماضية استغلال التطورات الميدانية المختلفة لاستعادة جزء من نشاطه وتوسيع نطاق عملياته الإرهابية مرة أخرى، خاصة بعد أن تمكن عدد غير قليل من عناصره من الفرار من المخيمات ومعسكرات الاعتقال التي كانوا يتواجدون بها في الفترة الماضية، والانضمام مرة أخرى إليه. وقد بدا ذلك جلياً، على سبيل المثال، في مخيم الهول، الذي شهد إقدام بعض "الداعشيات"، في 10 أكتوبر 2019، على مهاجمة حراسه والهروب منه.

3- العودة للتجنيد الانتقائي: ربما تتجه القيادة الجديدة لـ"داعش" إلى تبني سياسة مختلفة تقوم على التوسع في الانتشار التنظيمي والتخلي تماماً عن مبدأ السيطرة المكانية التي كان يتبعها البغدادي، مع تجنب الدخول في صدامات واسعة مع التنظيمات الأخرى أو السكان المحليين في مناطق الانتشار، والاعتماد في الوقت نفسه على الهجمات النوعية الخاطفة، والتقليل من الهجمات التقليدية التي يمكن أن تستنزف طاقته. ومن هنا، قد يحاول التنظيم استقطاب عدد أكبر من الأفراد لتعويض خسائره في الفترة الماضية وتعزيز قدرته على تنفيذ تلك السياسة الجديدة. ويبدو أن ما كان يطلق عليهم "أشبال الخلافة"، سوف يمثلوا متغيراً مهماً في هذا السياق، خاصة أن المرحلة الحالية تفرض عليه التخلي عن سياسة التجنيد العشوائي، والاقتصار على التجنيد الانتقائي.

4- ارتدادات الأزمة: قد يرى التنظيم أن التصعيد الجديد في العراق سوف يؤدي إلى انشغال القوات الأمنية والعسكرية العراقية في محاولة احتواء أية تداعيات قد يفرضها على الأرض، بشكل يمكن أن يساعده على الظهور من جديد في بعض المناطق، وربما محاولة تنفيذ عمليات إرهابية مرة أخرى لتأكيد استمرار نشاطه رغم الهزائم التي منى بها.

من هنا، ربما يمكن القول إن العراق تبدو مقبلة على مرحلة جديدة قد تتصاعد فيها حدة الأزمة الأمنية بالتوازي مع استمرار الأزمة السياسية نتيجة عدم التوافق على تشكيل حكومة جديدة، بسبب الخلاف على تسمية الكتلة الأكبر في البرلمان، بشكل بدا جلياً في عزوف الرئيس برهم صالح، في 26 ديسمبر 2019، عن تسمية مرشح كتلة "الفتح" أسعد العيداني لرئاسة الحكومة الجديدة ووضع استقالته تحت تصرف البرلمان.