استهداف محتمل:

كيف أثرت توترات الشرق الأوسط على قطاع النفط العراقي؟

24 June 2019


تصاعدت حدة المخاوف العالمية من تعطل إمدادات النفط القادمة من الشرق الأوسط على خلفية التوتر القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي توازى معه استهداف بعض مواقع إنتاج النفط في بعض دول المنطقة، بما فيها العراق. وتوجه واشنطن اتهامات لطهران ووكلائها بتدبير وتنفيذ الهجمات التي وقعت في هذا الصدد، في محاولة من الأخيرة لإرباك الاقتصاديات العالمية وأسواق النفط. ورغم أنه لازال تأثير هذه الهجمات محدودًا على العمليات التشغيلية للحقول، إلا أن تكرارها قد يؤثر على إمدادات النفط العراقية في الفترة المقبلة. 

تزايد التهديدات:

واجه قطاع النفط في منطقة الشرق الأوسط تهديدات متزايدة خلال الآونة الأخيرة، في ظل التوتر القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، والذي يتزامن مع رفع الأولى مستوى العقوبات الاقتصادية على الثانية بسبب تطوير برنامجها النووي وصواريخها الباليستية، وبما دفعها إلى التهديد دومًا بإغلاق مضيق هرمز، مما قد يعطل إمدادات النفط من منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، للأسواق الدولية.

وفي هذا السياق، تعرضت أهداف عراقية بقطاع الطاقة لهجمات في الآونة الأخيرة، حيث تم استهداف "البرجسية"، في 19 يونيو 2019، القريبة من حقل الزبير النفطي بصاروخين، وهو موقع لعمليات شركات أجنبية مثل "رويال داتش شل" و"إيني" و"إكسون موبيل". 

وطبقًا للتقديرات الغربية، فإن إيران أو الميليشيات الموالية لها في العراق ربما تكون مسئولة أيضًا عن هذه الهجمات، وذلك في مسعى منها لتوجيه رسائل مفادها أنه بمقدورها تعطيل تدفقات وإمدادات النفط من الشرق الأوسط بما سيؤثر حتمًا على المصالح الاقتصادية الغربية. 

ورغم التوترات السابقة، إلا أن واشنطن جددت، في 14 يونيو الجاري، الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران لمدة ثلاثة أشهر في منحى، ربما، لتجنيبها تداعيات التوتر المتصاعد مع إيران. 

تأثيرات مباشرة:

أثارت الهجمات الأخيرة، بلا شك، مخاوف بعض الشركات الأجنبية في العراق من تعرض موظفيها للخطر أو منشآتها لأضرار واسعة، بما قد يتسبب في تعطيل عملياتها، وهو ما دفع شركة "إكسون موبيل" الأمريكية، في 19 يونيو الجاري، إلى إجلاء موظفيها من البصرة، على الرغم من مواصلة شركات أجنبية أخرى عملها بشكل معتاد.

وسبق أن قامت الشركة بالخطوة نفسها، وذلك بعد أن طلبت السفارة الأمريكية في بغداد من موظفيها غير الأساسيين مغادرة الأراضي العراقية في ظل احتمال تعرض القوات الأمريكية في المنطقة لتهديدات. 

ورغم ذلك، يبدو من الواضح أن تأثير الهجمات الأخيرة على العمليات التشغيلية محدود للغاية ولم يترك أية تداعيات على إنتاج أو صادرات النفط العراقية. والجدير بالإشارة أنه في مايو الماضي ارتفعت صادرات العراق إلى 3.57 مليون برميل يوميًا في المتوسط مقارنة بـ3.46 مليون برميل يوميًا في الشهر السابق، على نحو يعكس حالة الاستقرار النسبي لقطاع النفط رغم التوترات القائمة في منطقة الشرق الأوسط.

لكن تصاعد الهجمات على منشآت الطاقة العراقية في ظل التوتر الإيراني- الأمريكي، يزيد من حدة المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها البيئة التشغيلية لصناعة النفط في العراق، بما قد يدفع شركات النفط العالمية إلى إعادة النظر في عمليات تشغيل الأفراد الأجانب في البصرة أو في استثماراتها داخل العراق بشكل عام.

وقد انعكست التهديدات الأخيرة في تخلي شركة "إكسون موبيل"- كما تشير بعض الترجيحات- عن خططها الاستثمارية بالتعاون مع شركة "بتروتشاينا" الصينية لضخ 53 مليار دولار بهدف دعم إنتاج النفط من الجنوب العراقي، دون أن ينفي ذلك أن الخلافات حول شروط العقود ربما تكون سببًا آخر لتراجع "موبيل" عن استثماراتها.

وعلى ضوء ذلك، ربما لن يكون بمقدور العراق جذب استثمارات أجنبية جديدة بقطاع النفط، وهو ما قد يُقوِّض في النهاية تطلعات العراق لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط إلى 6.5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2022 ارتفاعًا من 5 مليون برميل في الوقت الحالي. 

استعدادات مستمرة:

تعاملت الحكومة العراقية مع التهديدات الأخيرة التي واجهتها صناعة النفط من خلال آليات عدة، يتمثل أبرزها في البحث عن مصادر بديلة لتصدير النفط بجانب مضيق هرمز. وفي هذا الصدد قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في 21 يونيو الجاري، أن العراق وضعت بدائل استراتيجية في حال إغلاق مضيق هرمز لتصدير النفط، من بينها التصدير عبر إقليم كردستان العراق إلى تركيا.

وبإمكان العراق، بحسب اتجاهات مختلفة، نقل نحو 200 ألف برميل يوميًا من خلال الطاقة الاحتياطية لخط أنابيب "كردستان-جيهان" التركي، والذي تديره حكومة إقليم كردستان، كما بالإمكان أيضًا نقل كميات قدرها 100 ألف برميل عبر الحدود البرية الأردنية بشرط توافر الشاحنات اللازمة لذلك. 

لكن معظم هذه البدائل غير فعّالة لتحل محل مضيق هرمز. وتعمل العراق منذ أكثر من خمس سنوات على إنشاء خط أنابيب يصل بين البصرة والعقبة في الأردن وبطاقة استيعابية قدرها مليون برميل يوميًا، إلا أن مثل هذه المشروعات الكبرى تتطلب استثمارات كبيرة وقد تستغرق وقتًا طويلاً للانتهاء منها.

وعلى مستوى آخر، تعهد الجيش العراقي بمواجهة الجماعات المسئولة عن مثل هذه الهجمات، في الوقت الذي سعت الحكومة مؤخرًا إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية المنشآت النفطية بالبصرة، حيث أشار وزير النفط ثامر الغضبان في هذا السياق إلى تأسيس قوة أمنية جديدة تسمى "القوة الضاربة" ستتولى مهمة تأمين المنشآت النفطية في البصرة وتضم سكان المحافظة.

 ورغم أنه ليس معلومًا حتى الآن تعداد هذه القوة أو عتادها العسكري، إلا أن نقطة قوتها، حسب اتجاهات عديدة، تكمن في تكوينها العسكري الذي يعتمد على سكان المحافظة بما يسهل نسبيًا مواجهة الأهداف المعادية، لكنها على أية حال لن تقدم حلاً نهائيًا للتعامل مع الميليشيات الموالية لإيران، التي تعتمد على تكتيكات عشوائية في الهجوم يصعب تعقبها. 

وختامًا، يمكن القول إن إمدادات النفط من العراق والمنطقة تتعرض بشكل عام لتهديدات واسعة في الآونة الأخيرة، بما يتطلب حشد الجهود الأمنية والسياسية والدبلوماسية بالتعاون مع القوى الدولية للحيلولة دون تعطيلها وتجنب تأثيراتها على الاقتصاد العالمي.