تركيز العمليات:

لماذا تستهدف حركة "شباب المجاهدين" العاصمة مقديشيو؟

14 November 2018


يبدو أن ثمة حرصًا من جانب حركة "شباب المجاهدين" الصومالية على توسيع نطاق عملياتها الإرهابية داخل العاصمة مقديشيو تحديدًا، على نحو انعكس في الهجمات التي نفذتها خلال الشهور الأخيرة، وهو ما لا ينفصل عن مساعيها لتقليص الدعم الخارجي للحكومة واستعادة نشاطها داخل الصومال وخارجها، على نحو يمكن أن يعزز قدرتها على مواجهة الضغوط التي تتعرض لها.

وبعبارة أخرى، فإن هدف الحركة من تركيز عملياتها داخل العاصمة سياسي في المقام الأول، ويرتبط بحرصها على توجيه رسالة إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالاستقرار والأمن في الصومال، بعدم قدرة الحكومة الحالية على تعزيز الاستقرار الداخلي، على المستويات المختلفة، لا سيما الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. إلا أن ذلك قد لا يتحقق في النهاية على ضوء العقبات العديدة التي تواجهها الحركة في المرحلة الحالية.

دوافع متعددة:

حرص الحركة على استهداف العاصمة مقديشيو خلال الفترة الماضية يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- عرقلة الاستقرار: ترى الحركة أن نجاح الحكومة في تكريس حالة من الاستقرار الأمني يمكن أن يخصم من قدرتها على توسيع نطاق نفوذها ورفع مستوى عملياتها وتجنيد مزيد من العناصر المؤيدة لتوجهاتها، خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به الأخيرة من جانب بعض القوى الإقليمية والدولية. ومن هنا، بدت الحركة حريصة على وضع عراقيل أمام مساعي الحكومة لتحقيق برامجها، واتجهت إلى تركيز عملياتها على العاصمة تحديدًا لتشتيت جهود الأخيرة ومنعها من تبني آليات فعالة لمواجهتها.

2- تكريس العنف: اعتمدت "شباب المجاهدين" على "العنف المُفرِط" كآلية لتوسيع نطاق نشاطها خلال المرحلة الماضية، وهو ما جعلها، وفقًا لاتجاهات عديدة، تقترب إلى حد ما من الأدوات التي يستخدمها تنظيم "داعش" في المناطق التي سيطر عليها في الأعوام الماضية، وإن كانت الحركة تعد إحدى أبرز التنظيمات الموالية لـ"القاعدة" في إفريقيا.

ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن رغبة الحركة في توجيه رسالة إلى الداخل بأن لديها من القدرات ما قد يمكنها من رفع مستوى عملياتها التي قد تركز في المرحلة القادمة على استهداف المؤسسات الرئيسية في العاصمة، بشكل يمكن أن يفرض، في رؤيتها، خيارات محدودة أمام الحكومة التي سوف تسعى إلى الرد على ذلك، من أجل إثبات قدرتها على مواجهة عمليات الحركة. 

3- إيقاف الدعم الخارجى: تبدي قيادات عديدة داخل الحركة مخاوف من أن يؤدي الدعم الذي تحصل عليه الحكومة من القوى الإقليمية والدولية إلى تعزيز قدرتها على احتواء عملياتها الإرهابية ومنعها من توسيع نطاق نشاطها. ويبدو أن ذلك دفعها إلى تنفيذ عمليات إرهابية متواصلة داخل العاصمة بشكل خاص، من أجل دفع تلك القوى إلى التراجع عن مواصلة هذا الدعم، لا سيما أن تكرار تنفيذ مثل هذه العمليات يعني أن الحكومة لم تنجح في تنفيذ برامجها أو استثمار هذا الدعم في تحقيق أهدافها.

وربما ترى الحركة أن تحسن العلاقات بين الصومال وبعض دول الجوار لا يتوافق مع حساباتها، حيث كان لافتًا أنها أبدت اهتمامًا بالتطور الذي شهدته العلاقات بين الصومال وإثيوبيا وإريتريا، والذي بدا جليًا في القمة الثلاثية التي عقدت في إثيوبيا، في 9 نوفمبر الجاري، وضمت كلاً من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيسين الصومالي محمد عبد الله فرماجو والإريتري اسياسي افورقي، وهى القمة الثانية بين مسئولي الدول الثلاث بعد القمة الأولى التي عقدت في أسمرة في 6 سبتمبر الماضي. وقد اتفق في القمة الأخيرة على وضع أسس جديدة للتعاون الاقتصادي وتعزيز التنسيق الأمني من أجل دعم فرص الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي. 

4- ضربات مضادة: ربما تحاول الحركة عبر استهداف مقديشيو الرد على الضربات العسكرية التي تعرضت لها في الفترة الماضية ومنيت بسببها بخسائر بشرية كبيرة، على غرار الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على مواقع الحركة، في 12 أكتوبر 2018، وأدت إلى مقتل 60 من عناصرها، في منطقة هاراردير التي تبعد مئات الكيلومترات من العاصمة، وهى الضربة النوعية الأولى التي تنفذها واشنطن منذ الهجوم الذي شنته في 21 نوفمبر 2017 وأسفر عن مقتل أكثر من 100 من عناصرها.

واللافت في هذا السياق، هو أن بعض القيادات العسكرية الأمريكية أشارت إلى أن أحد أهداف تلك الضربات يكمن في تقليص قدرة الحركة على تنفيذ عمليات إرهابية في المستقبل، وهو ما يبدو أنه دفع الأخيرة إلى التحرك من أجل إثبات صعوبة تحقيق ذلك. 

عقبات مختلفة

مع ذلك، فإن المساعي التي تبذلها الحركة قد تواجه عقبات متعددة خلال المرحلة القادمة. إذ أن تعرضها لمزيد من الضربات العسكرية القوية من جانب القوى المعنية بالحرب ضدها يبقى احتمالاً قويًا، لا سيما بعد أن منحت تلك القوى أولوية خاصة لمكافحة نشاط تلك النوعية من التنظيمات، خاصة في المناطق القريبة من خطوط المواصلات العالمية في البحر الأحمر وباب المندب. 

واللافت في هذا السياق، هو أن عدد القوى الدولية المعنية بالاستقرار في الصومال قد يتزايد خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل الاهتمام الخاص الذي تبديه دول مثل الصين لهذه القضية، والذي انعكس في افتتاحها قاعدة عسكرية في جيبوتي، في أول أغسطس 2017، وهى القاعدة الأولى للبحرية الصينية خارج حدودها، والتي تسعى من خلالها إلى حماية مصالحها الاقتصادية في القارة الإفريقية وفي الوقت نفسه تعزيز فرص مشاركتها في صياغة الترتيبات الأمنية في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة لها، لا سيما في ظل إصرارها على استكمال مشروع طريق الحرير الجديد. 

فضلاً عن ذلك، فإن اتجاه تنظيمات أخرى، مثل تنظيم "داعش"، إلى مزاحمة نشاط الحركة داخل الصومال يمكن أن يشتت جهودها ويقلص قدرتها على رفع مستوى عملياتها الإرهابية وعرقلة جهود الحكومة لتحقيق برامجها السياسية والاقتصادية. 

وربما تواجه الحركة أيضًا أزمة انشقاقات داخلية في حالة ما إذا استمرت الضربات العسكرية التي تتعرض لها وفقدت بسببها قيادات وكوادر بشرية جديدة، على نحو قد يؤدي في النهاية إلى إضعاف نشاطها وتراجع قدراتها.