متغيرات متعددة:

هل أثر انقسام حركة "بوكو حرام" على عملياتها الإرهابية؟

19 July 2018


تصاعد نشاط حركة "بوكو حرام" النيجيرية مجددًا، رغم الجهود التي تبذلها الحكومة للحد من عملياتها الإرهابية، حيث قامت مجموعة موالية لأبي مصعب البرناوي، قائد أحد الفصيلين اللذين تتكون منهما الحركة، بالسيطرة على قاعدة عسكرية تضم أكثر من 700 جندي في ولاية يوبي المحاذية للنيجر، في 14 يوليو 2018، مما أدى إلى فرار مئات الجنود باتجاه الغابات والمناطق النائية، وفقدان العشرات منهم، وهو ما يفرض تساؤلات عديدة حول أسباب استمرار الحركة في تنفيذ عمليات إرهابية نوعية رغم الانقسام الذي حدث داخلها، والدلالات التي يطرحها الهجوم الأخير، الذي يعد الثاني للحركة ضد قوات الجيش، بعد يومين من تعرض فرقة عسكرية لكمين في شمال شرقى البلاد، على نحو أسفر عن مصرع ما يقرب من 23 جنديًا.

انقسام مستمر:

تعد حركة "بوكو حرام" النيجيرية حالة فريدة بين التنظيمات الإرهابية، في ظل قدرتها على شن هجمات إرهابية واسعة، رغم حالة الانقسام التي تعرضت لها منذ أغسطس 2016، عندما قرر تنظيم "داعش" الإطاحة بزعيمها أبوبكر شيكاو، وتعيين أبو مصعب البرناوي بديلاً له، وهو ما أدى الى انشطار الحركة لفصيلين رئيسيين، أحدهما يمثل تنظيم "داعش" وهو الذي يقوده البرناوي، ويعد الفصل الأكبر ويتمركز في منطقة بحيرة تشاد، والثاني يتبع تنظيم "القاعدة" ويتواجد في منطقة غابة سامبيسا، ويتركز نشاطه بشكل كبير في خطف النساء والفتيات والأطفال، ويقوده شيكاو، الذي حرص على تأكيد استقلاليته عن الحركة تنظيميًا وعملياتيًا، من خلال مقطع فيديو نشره في مطلع يناير 2018، يعلن فيه مسئولية مجموعته عن سلسلة من الاعتداءات في شمال شرقى نيجيريا خلال موسم أعياد الميلاد.

وقد أسس كلا الفصيلين شبكة علاقات خارجية مع بعض التنظيمات الإرهابية المناظرة له والقريبة منه فكريًا، بشكل يسمح له بالحصول على قدر من الدعم يمكنه من الاستمرار في نشاطه دون الحاجة للاعتماد على الفريق الآخر. وفي هذا السياق، تمكن الفصيل المبايع لـ"داعش" من إقامة قنوات تواصل مع المجموعات "الداعشية" في منطقة الساحل والصحراء، فى حين حرص الفصيل الآخر على استعادة العلاقات مع المجموعات "القاعدية" في غرب إفريقيا.

دلالات عديدة:

يطرح نجاح المجموعة التابعة لأبو مصعب البرناوي في السيطرة على القاعدة العسكرية في ولاية يوبي، والذي جاء في سياق تصاعد الهجمات الانتحارية للحركة بأشكال مختلفة، دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تنسيق ملحوظ: مع أن الحركة انقسمت إلى فصيل تابع لـ"داعش" وآخر موالي لـ"القاعدة"، إلا أن ذلك لم يحل دون اتجاههما إلى التنسيق فيما بينهما، في بعض الفترات، بل إن اتجاهات عديدة ترجح أن يكون الفصيلان قد اتفقا على تحديد نطاق نشاط كل منهما من الناحيتين الجغرافية والتنظيمية، على نحو بدا جليًا في العمليات الأخيرة التي قاما بتنفيذها.

2- تنافس جهادي: لم يمنع تأسيس الفصيلين قنوات تواصل متبادلة تصاعد حدة التنافس فيما بينهما، وهو ما أدى إلى اتساع نطاق العنف في تلك المنطقة، حيث يستهدف فصيل البرناوي جنود الجيش النيجيري مثل الهجوم الأخير على القاعدة العسكرية، فضلاً عن الأجانب، على غرار خطفه 3 من أعضاء فريق للتنقيب عن النفط شمال شرقي نيجيريا في يوليو 2017. فى حين يركز الفصيل الثاني على خطف الفتيات والأطفال والهجمات الانتحارية ضد الأهداف العسكرية والمدنية على حد سواء، وهو ما جعل كل منهما يتوسع في هجماته من أجل إثبات أنه أكثر قوة ونشاطًا على الساحة.

وقد فرض هذا التنافس تداعيات سلبية على الأوضاع الأمنية في البلاد، لا سيما في ظل صعوبة إجراء مفاوضات مع كتلة موحدة من أجل وضع حد للعنف، وهو كشفت عنه المفاوضات التي أجريت للإفراج عن الطالبات اللاتي قامت الحركة بخطفهن من مدينة شيبوك شمال شرقى البلاد في ٢٠١٤، حيث صرح الرئيس النيجيري محمد بخارى، في إبريل 2018، أن "المحادثات بين الحكومة والحركة فشلت بسب الخلافات بين المجموعات الخاطفة التي أدت إلى حدوث تباين في الآراء داخل الحركة تجاه نتيجة المحادثات".  

3- قدرات تنظيمية: كشف الهجوم الأخير على القاعدة العسكرية عن مدى قدرة عناصر الحركة على التحرك في الظروف الجغرافية والمناخية الصعبة، لا سيما وأن الهجوم جاء في موسم الأمطار. وتشير اتجاهات عديدة إلى أن الحركة تحرص بصفة دائمة على التحرك في شكل مجموعات صغيرة خفيفة التسليح وتتميز بسرعة التنقل، حيث لا يعتمد عناصرها خلال الهجمات الإرهابية على الأسلحة الثقيلة التي يمكن أن تمثل عائقًا بالنسبة لهم، مما يجعلهم قادرين على تنفيذ الهجمات والعودة سريعًا إلى معاقلهم، خاصة وأن لديهم القدرة على التنقل بين المستنقعات في المناطق الوعرة.

4- هشاشة حدودية: كشفت تقارير مختلفة عن أن عناصر "بوكو حرام" الذين تمكنوا من السيطرة على القاعدة العسكرية في ولاية يوبي، كانوا قادمين من بحيرة تشاد، وهو ما يشير إلى حرصهم على استغلال ما يمكن تسميته بـ"الهشاشة الحدودية" مع دول الجوار (تشاد والنيجر والكاميرون)، لا سيما وأنها تتسم بوجود مساحات حدودية كبيرة يصعب السيطرة عليها من جانب سلطات تلك الدول، نظرًا لضعف إمكانياتها وقدراتها العسكرية والأمنية، وهو ما دفع عناصر الحركة إلى تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية داخل المناطق الحدودية في تلك الدول، خاصة في القرى والنقاط الأمنية الحدودية، على غرار الهجوم الذي شنته الحركة، في 4 يوليو 2018، على مركز عسكري في جنوب شرقى النيجر، مما أسفر عن مقتل 6 جنود وإصابة 3 آخرين.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن الهجوم الأخير على القاعدة العسكرية من قبل الجناح التابع لأبي مصعب البرناوي، الموالي لتنظيم "داعش"، يشير إلى أن تلك المنطقة ربما تكون مقبلة على مرحلة جديدة قد تتصاعد فيها الهجمات الإرهابية من جانب التنظيمات المختلفة، لا سيما حركة "بوكو حرام" التي لم يمنع انقسامها إلى فصيلين استمرار نشاطها الإرهابي خلال الفترة الماضية.