انعكاسات نفطية:

مكاسب أمريكية محتملة من تصعيد العقوبات على إيران

28 November 2017


تصاعدت حدة الضغوط الأمريكية على إيران خلال الشهور الماضية، حيث وسّعت الولايات المتحدة من نطاق العقوبات المفروضة عليها لتتضمن عددًا أكبر من الشركات التي تواجه اتهامات بدعم برنامجها الصاروخي، وامتنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 أكتوبر الماضي، عن التصديق على التزامها بالاتفاق النووي، بشكل أحال الملف إلى الكونجرس الذي سيحدد ما إذا كان سيفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها من عدمه. لكن هذا التصعيد الأمريكي يواجه معارضة من جانب قوى دولية أخرى، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي، التي ما زالت ترفض أى تهديد للاتفاق النووي، وترى أن ذلك يمثل تقويضًا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وفي ظل هذه الضغوط، يبدو أن قطاع النفط الإيراني سيتعرض لمخاطر جديدة قد تتمثل في تراجع الصادرات النفطية للأسواق الدولية وكذلك أسعار الخام الإيراني، فضلاً عن تباطؤ بعض المشاريع الاستثمارية التي أبرمتها إيران مع شركات النفط الأجنبية على مدار العامين الماضيين وعلى رأسها صفقة شركة النفط الوطنية الإيرانية مع شركة "توتال" الفرنسية لتطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي.

تراجع ملحوظ:

اتضح في الفترة الماضية أن الإدارة الأمريكية نجحت في ممارسة ضغوط على المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني للاعتماد على موردين آخرين، وهو ما يعكسه، على سبيل المثال، التراجع الملحوظ في واردات كوريا الجنوبية من النفط الإيراني، حيث بلغت نحو 390.6 ألف برميل يوميًا في أكتوبر الفائت، أى أقل بنحو 9.5% عن مستويات سبتمبر الماضي. ولكن ذلك لا ينفى أن صادرات النفط الإيرانية وصلت في مجملها إلى مستويات قياسية في الشهور الماضية، حيث بلغت نحو 2.5 مليون برميل في سبتمبر الماضي، أى بزيادة بنحو مليون برميل تقريبًا عن مستويات عام 2016.

ووفق المعطيات السابقة، ستضطر شركة النفط الوطنية الإيرانية- بحسب اتجاهات عديدة- إلى عرض شحنات فورية للخام الإيراني للمشترين في آسيا- تسليم ديسمبر المقبل- عند مستويات أقل من نظيرتها من الخامات في الشرق الأوسط، بما يعني أنها سوف تنخفض عن المستويات المعتادة التي تتراوح بين 54 و56 دولارًا للبرميل، وذلك بالتزامن أيضًا مع استمرار إمدادات النفط من منتجين آخرين في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسهم العراق.

كما تسبب توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران في الفترة الأخيرة أيضًا في إثارة مخاوف الشركات النفطية العالمية من تهديد الصفقات التي أبرمتها مع شركة النفط الإيرانية لتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية في الشهور الماضية، وهو ما بدا جليًا في تصريحات باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة "توتال" الفرنسية، في أكتوبر الماضي، والتي قال فيها: "إذا كانت هناك أى قوانين تلزمها بالانسحاب من إيران، فإنها ستمتثل لها".

تأثيرات مباشرة:

ربما يفرض اتجاه المؤسسات الأمريكية، بما فيها الكونجرس، إلى إعادة فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران، تأثيرات مباشرة على قطاع النفط والغاز من خلال مسارين رئيسيين: يتمثل أولهما، في فقدان صادرات النفط الإيرانية إمكانية الوصول للأسواق الدولية، ولا سيما الأوروبية، كما كان عليه الحال قبل يناير 2016.

وترجح اتجاهات عديدة أن يتخلى بعض المشترين الأوروبيين عن إمدادات النفط الإيرانية لصالح موردين آخرين تجنبًا لأية توترات سياسية محتملة مع الولايات المتحدة، وذلك بخلاف المشترين الآسيويين خاصة الصين، الذين يتبنون سياسة تتضمن قدرًا أكبر من المخاطرة في استيراد النفط الإيراني، بما يتوافق أيضًا مع استمرار اتجاه الدول الآسيوية إلى مواصلة استيراد النفط الإيراني حتى قبل يناير 2016. وعلى أية حال، فإن فرض مزيد من العقوبات على إيران سيؤدي إلى خلق مزيد من الضغوط على أسعار توريد الخام الإيراني للأسواق الدولية. 

صادرات النفط الإيرانية إلى الأسواق الآسيوية (ألف برميل يوميًا)


وينصرف ثانيهما، إلى احتمال خروج العديد من الشركات النفطية الدولية، لا سيما الأوروبية، مجددًا من السوق الإيرانية نتيجة العقوبات الأمريكية، وهى الخطوة التي اتخذتها شركة "توتال" الفرنسية قبل ذلك، إلا أنها ستتوقف، بطبيعة الحال، على نوعية ونطاق العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، وستكون أشد ضررًا للشركات، في حالة ما إذا تسببت مرة أخرى في عرقلة إمكانية وصولها للنظام المصرفي الإيراني.

ورغم ذلك، بات من الصعب- بعد الوصول للاتفاق النووي- إقناع العديد من الأطراف الدولية بقبول مزيد من الخطوات الأمريكية التصعيدية ضد إيران حتى بسبب برنامجها الصاروخي، وهذا ما قد يجعل تأثير العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيراني محدودًا حاليًا، خاصة أن الأسواق الآسيوية ستوازن خسارتها لنظيرتها الأوروبية في ظل الخصومات المحتملة للخام الإيراني.

استراتيجية مساعدة:

يبدو أن الإدارة الأمريكية تدرك جيدًا المعارضة الدولية لأى تهديد للاتفاق النووي مع إيران وما قد يفرضه من آثار سلبية على قطاع النفط العالمي، وهو ما دفع بعض مسئوليها إلى اقتراح سد أى فجوة في المعروض النفطي، لا سيما بالنسبة لآسيا، بسبب الإجراءات العقابية المحتملة ضد إيران، وبما يحرمها في الوقت نفسه من عائدات النفط.

وقد عبر عن هذا الاتجاه وزير الداخلية الأمريكي ريان زينك بقوله في أكتوبر الفائت: "خطة أمريكا للسيطرة على سوق الطاقة هى من خلال استخدام نفط البلاد لخفض عائدات النفط الإيرانية لمنع إيران من تمويل الإرهاب وتطوير الأسلحة النووية". وبصفة إجمالية، زادت الولايات المتحدة من صادراتها من النفط بصفة إجمالية لآسيا خاصة مع ارتفاع جاذبية أسعار خام غرب تكساس الوسيط التي تقل عن خام برنت بنحو 5.5 دولار للبرميل حاليًا مقابل  2.5 دولار في السابق.

وفي نوفمبر الحالي، بلغت إمدادات النفط الأمريكية للقارة الآسيوية 675 ألف برميل يوميًا، ويمثل هذا أكثر من 50% من إمداداتها للقارة في أكتوبر الفائت، والبالغة 427 ألف برميل. كما أن الصين- أكبر مشتري للنفط في العالم- زادت خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 من مشترياتها من النفط الأمريكي إلى 127 ألف برميل يوميًا، بما يمثل زيادة بنحو 880% عن الفترة نفسها من عام 2016.

وفي الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة تتجه نحو تعزيز موقعها كأحد الموردين الرئيسيين للنفط إلى آسيا، بشكل لن يساعدها فقط على تصريف فائض إنتاجها من النفط الصخري، وإنما سيمثل أيضًا آلية ضغط جديدة على إيران عبر إضعاف حضورها بأسواق النفط الآسيوية.