عالم ما بعد الصين:

كيف يمكن احتواء تهديدات نهاية القرن الآسيوي؟

13 April 2017


عرض: مروة صبحى منتصر، مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 

أثار صعود التيارات القومية اليمينية الرافضة للعولمة وسياسات الارتداد للداخل في الدول الغربية، وتوجهات تقييد حرية التجارة والاستثمار، جدلا متصاعدًا حول مدى قدرة الدول الآسيوية الكبرى على الحفاظ على صعودها العالمي؛ إذ باتت اقتصاديات هذه الدول تواجه تباطؤًا في معدلات النمو بالتوازي مع تهديدات للاستقرار السياسي والأمني، وصعود في ممارسات الفساد، وسوء تخصيص الموارد.

وفي هذا الإطار، وعلى نقيض الاتجاهات السائدة في الأدبيات حول الصعود الآسيوي، وانتقال مركز القوة العالمية نحو آسيا بقيادة الصين الصاعدة التي تملك ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي؛ فإن مايكل أوسلن (الباحث المقيم بمعهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة AEI)، يقدم رؤية بديلة في كتابه المعنون "نهاية القرن الآسيوي: الحرب، الركود، ومخاطر أشد منطقة ديناميكية في العالم"، الصادر في عام 2017؛ حيث يرى أوسلن أن القرن الآسيوي يُشارف على الانتهاء، وأن الصين لا تعدو أن تكون "قوة عظمى هشة".

بداية الانحدار الآسيوي:

يبدأ أوسلن أطروحته بنقض كافة التوقعات حول مستقبل الصعود الآسيوي، معتبرًا إياها غير مقنعة؛ إذ تركز كافة هذه التوقعات على النمو الاقتصادي والاستثمارات الضخمة في البنية التحية، وتغفل عوامل عدم الاستقرار في القارة الآسيوية، مثل: انتشار الفقر، والتهميش الاجتماعي، والفساد السياسي، وتباطؤ معدلات التحديث في المناطق الطرفية البعيدة عن المدن، بالإضافة إلى التهديدات الأمنية، مثل: امتلاك كوريا الشمالية أسلحة دمار شامل وتهديدها دول الجوار، وسعي الصين للهيمنة على بحر الصين الجنوبي.

ويؤكد أوسلن أن القارة الآسيوية باتت مجالا لتهديدات خطيرة متعددة غير مرئية نتيجة التركيز على المظاهر التنموية والتفاعلات السلمية التي تبدو على السطح، وتتمثل أهم هذه التهديدات التي ستؤثر على مستقبل القارة الآسيوية والعالم فيما يلي:

1- انهيار المعجزة الاقتصادية: على الرغم من إقرار الكُتَّاب بأهمية النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الدول الآسيوية، وخاصة الصين؛ إلا أن هذا النمو الاقتصادي يفتقد التوازن في توزيع عوائد النمو، بالإضافة إلى التفاوت الاقتصادي بين الدول الآسيوية ذاتها، وعدم قابلية النمو للاستدامة بسبب اعتماده على التصدير وحرية التجارة العالمية، بالإضافة إلى بدء مطالبة العمالة في الدول الآسيوية برفع الأجور، وهو ما سيزيد من تكلفة الإنتاج ويقلل من تنافسية المنتجات.

2- انتشار شبكات الفساد: يمثل الفساد تحديًا رئيسيًّا لاستمرار النمو الاقتصادي في ظل استشراء علاقات المنفعة المصلحية بين السياسيين ورجال الأعمال؛ حيث كشفت التحقيقات في كوريا الجنوبية عن شبكات الفساد الاقتصادي بين الشركات الصناعية والتجارية الكبرى والقيادات السياسية للدولة، وينطبق الأمر نفسه على الصين التي شهدت حملات مكثفة لمكافحة الفساد والتحالف بين بعض قيادات الحزب الشيوعي ورجال الأعمال لتبادل المنافع والإثراء على حساب المصلحة العامة.

3- الاحتكارات الاقتصادية: لا يزال يسيطر على اقتصاد عملاق -مثل الاقتصاد الصيني- النمط السوفيتي لاحتكارات الدولة؛ حيث لا تزال تهيمن على اقتصادها الشركات المَدِينَة غير الفعالة المملوكة للدولة، وهو ما قد يدفع الاقتصاد الصيني نحو الهبوط الحاد. ولأن الاقتصاديات الآسيوية مترابطة على نحو متزايد، فإن تداعيات التراجع الصيني ستمتد عبر القارة الآسيوية بأكملها، وستصيب الاقتصاد العالمي. فعلى سبيل المثال، شهدت الأسواق المالية العالمية تراجعًا ملحوظًا عندما انهارت أسواق الأوراق المالية والسندات في الصين العام الماضي.

4- مخاطر الاختلال الديمغرافي: ركز الكتاب على مخاطر "معضلة التناقض الديمغرافي"، أي أن يشهد أحد البلدان الآسيوية كثافة سكانية متزايدة، أو تقلصًا سكانيًّا متزايدًا، فبالنسبة لدول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان واليابان، فإن شيخوخة السكان تُنذر بتقلص عدد سكانها، ومن ثم وضع أعباء الضمان الاجتماعي على عدد متراجع من القوى العاملة.

وبالنسبة للسكان في الهند وإندونيسيا، فإن ارتفاع عدد السكان من الشباب في سن العمل يجعل تحقيق مستوى التشغيل الكامل لهم أمرًا مستحيلا، مما يزيد من التحديات المستقبلية أمام ما حققته تلك الدول من إصلاح اقتصادي. كذلك تؤثر تكاليف التحديث السريع التي شهدتها آسيا، وأهمها حجم الدمار البيئي، سلبًا على التركيبة السكانية بقدر ما تفعل معدلات الخصوبة.

5- بوادر الثورات السياسية: تواجه الدول الديمقراطية الراسخة في القارة الآسيوية (مثل اليابان والهند) تصاعدًا في أزمات الثقة بين السلطة السياسية والمواطنين، بالإضافة إلى انتشار الفساد، وسوء تخصيص الموارد، مما يزيد من عدم رضاء المواطنين عن السلطة.

ويرى أوسلن أن من المرجح أن تشكل الصين أكبر خطر للاضطرابات السياسية في المنطقة؛ حيث ترتفع معدلات التقلبات والاضطرابات السياسية، فهناك 180.000 مظاهرة ضد النظام في كل عام، وهو ما يدل على تقلص شرعية القيادة السياسية والحزب الشيوعي الحاكم وفق رؤيته.

كما شهدت دول أخرى -مثل: كوريا الجنوبية، وإندونيسيا- ارتفاع مستويات الفساد والفضائح السياسية، والتي كان آخرها الاحتجاجات التي اجتاحت كوريا الجنوبية لاتهام رئيسة البلاد بتورطها والدوائر المحيطة بها بالفساد السياسي. ودفعت تلك المؤشرات إلى ترجيح الكاتب حدوث موجات من الثورات السياسية الممتد في دول آسيا.

انحسار التضامن الإقليمي:

رصد الكتاب وجود حالة من الضعف والتفكك في المؤسسات الإقليمية في القارة الآسيوية التي لم تعد قادرة على تنسيق السياسات بين هذه الدول، وفرض الالتزامات على بعض الدول الآسيوية التي تهدد الأمن والاستقرار في القارة، مثل كوريا الشمالية، وهو ما زاد من وتيرة التدخلات الخارجية في شئون القارة، بالتوازي مع الانتشار العسكري الأمريكي المتزايد في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، واختراق المجال الحيوي لكافة الدول الآسيوية الكبرى.

وعلى مستوى الأمن الإقليمي، يرى أوسلن أن القارة الآسيوية تقع أسيرة لحلقة مفرغة من عدم اليقين، وانعدام الأمن، وعدم الاستقرار، مما يُنذر بتفجر صراعات إقليمية ممتدة في مناطق، مثل: بحر الصين الجنوبي، وعلى الحدود الهندية-الباكستانية، والحدود بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.

كما أثار صعود الحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان وانتخاب تساي إنج ون التوتر مرة أخرى في مضيق تايوان، حيث تبنى القائد الجديد توجهات قومية متشددة يمكن أن تثير التوترات مع الصين حول مسألة استعادة تايوان إلى إقليمها مرة أخرى. وتوقع الكاتب اشتداد التوترات بين البلدين أكثر مما كان عليه الوضع عام 1949. كما تنبأ أوسلن أن حروب المياه في المنطقة ستقود إلى مواجهات عسكرية.

استراتيجية احتواء التهديدات:

ركز الكاتب على طرح مجموعة من التوصيات لصانع القرار الأمريكي للتعامل مع التهديدات النابعة من التراجع الآسيوي المتوقع؛ حيث ركز على ضرورة اتباع الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية تقوم على الدمج ما بين الاحتواء للتهديدات المتزايدة وتعزيز التحالفات الأمريكية في القارة الآسيوية لمواجهة هذه التهديدات. وتمثلت أهم التوصيات التي طرحها الكاتب للإدارة الأمريكية فيما يلي:

1- نشر المزيد من القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهادئ، وتعزيز التعاون الدفاعي مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند لمعالجة القضايا الأمنية الهامة، ومحاولة وضع معايير وقواعد إقليمية.

2- تعزيز التجارة والاستثمار بشكل أوسع بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الآسيوية، خصوصًا الصين، لبناء الثقة بين الطرفين. ووفقًا للخبير الاقتصادي مارك بيري، فإنه في 2010 تمتعت الولايات المتحدة الأمريكية بفائض تجاري بقيمة 32 مليار دولار كقيمة مضافة مع الصين، مما يعني وجود مكاسب متبادلة للتجارة الحرة بين الدولتين.

3- تشجيع ورعاية قيم الليبرالية والديمقراطية في آسيا؛ حيث يرى أوسلن أن المدخل الأساسي للتأثير في الدول الآسيوية يجب أن يكون دعم منظمات المجتمع المدني لتعزيز التيارات الليبرالية في المجتمعات الآسيوية، وهو ما يمكن اعتباره إحدى آليات الاختراق الناعم للمجتمعات الآسيوية.

وادعى أوسلن أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تشكل نظامًا دوليًّا ذا قواعد ليبرالية وحرة من دون نشر الليبرالية في الدول الآسيوية الكبرى. ووفقًا للكاتب "ترتبط رعاية الديمقراطية داخل بلد ما ارتباطًا وثيقًا بتشكيل مجتمع الدول الليبرالية، ومن النادر للديمقراطية أن تزدهر في حديقة عقيمة".

وفي ذلك يقترح على الإدارة الأمريكية أن تتخذ سياسات متنوعة، منها: تقديم حزم من المساعدات، وتنسيق السياسات، وعقد مؤتمرات لمنظمات المجتمع المدني، ودعم البرامج التعليمية والثقافية التي تعزز القيم الليبرالية بدعوى أن ذلك يمثل وقاية للدول الآسيوية من مخاطر الثورات السياسية الكامنة التي تهدد الأمن والاستقرار.

وإجمالا، يركز الكاتب على تعزيز المصالح الأمريكية في مواجهة دول القارة الآسيوية، وهو ما تجلى في تركيزه على اختراق المجتمعات ونشر القيم الليبرالية في الدول الآسيوية وخاصة الصين، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة لمواجهة بعض الدول التي تتبنى سياسات مستقلة عن النهج الأمريكي مثل روسيا والصين.

المصدر:

Michael R. Auslin, “The End of the Asian Century: War, Stagnation, and the Risks to the World’s Most Dynamic Region”, Yale University, 2017.