تهديدات متطورة:

تحديات "مجموعة أستراليا" لمنع عودة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية

25 July 2024


عرض: هند سمير

في ظل تصاعد الصراعات والحروب الدولية ونشوء تقنيات تكنولوجية وبيولوجية أصبح الوصول لها ممكناً في مختلف دول العالم؛ باتت هنالك مخاوف من إمكانية عودة انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية؛ ومن ثم يتصاعد النقاش الدولي حول مدى فاعلية مراقبة الصادرات التكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج التي قد تكون لها علاقة بتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. 

هنا، يبرز دور "مجموعة أستراليا"، وهي عبارة عن منتدى غير رسمي للدول يسعى من خلال توافق أدوات مراقبة الصادرات إلى ضمان ألا تسهم الصادرات في تطوير الأسلحة الكيمائية والبيولوجية، كما يسهم في اتساق إجراءات الرقابة الوطنية في تمكين المشاركين بالمجموعة من الوفاء بالتزاماتهم التي تُمليها اتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة (BTWC) واتفاقية الأسلحة الكيميائية (CWC). 

في هذا السياق، تأتي أهمية الورقة البحثية لجان باسكال زاندر وآخرين، والتي نشرت على مؤسسة البحث الاستراتيجي في إبريل 2024؛ إذ تعمل على تقييم الفرص والتحديات أمام دور "مجموعة أستراليا" ومستقبلها في منع ظهور الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ولاسيما في ظل التغيرات الجيوسياسية في العالم، والتهديدات المتطورة للتقنيات الناشئة، كما تناقش مدى إمكانية تطوير القانون الدولي الرسمي وعلاقاته بالترتيبات غير الرسمية في مجال منع الانتشار لتلك الأسلحة.

أدوار متعددة: 

في عام 1984، أكدت بعثة تحقيق تابعة للأمم المتحدة استخدام العراق لغاز الخردل السام، كما وثقت لاحقاً توسع الحرب الكيميائية العراقية ضد القوات الإيرانية والمتمردين الأكراد. ومع إدراك أن التقنيات الكيميائية العراقية جاءت من شركات غربية، بدأت "مجموعة أستراليا" في عام 1985، كجماعة غير رسمية تهدف إلى تطوير لوائح تصدير منسجمة لمنع انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية؛ ومن ثم فهي تكمل عمل اتفاقيتي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس "مجموعة أستراليا"، بدا هنالك تقييم لدورها في منع انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، من خلال تحليل التحديات والفرص أمامها في هذا المجال؛ إذ تظهر تحديات هيكلية تجابه تلك المجموعة مثل: طبيعتها غير الرسمية التي تجعل قراراتها غير مُلزمة، فضلاً عن تحديات أخرى ناجمة عن التطورات الجيوسياسية والتغيرات في مجالات العلوم الحياتية والتكنولوجيا الحيوية والكيمياء وتطبيقاتها الصناعية والتجارية.

من ثم، تتساءل الورقة البحثية حول ما إذا كانت "مجموعة أستراليا" في تشكيلتها الحالية، مجهزة للتعامل مع مثل هذه التحديات، خاصة مع ظهور تقنيات ناشئة تطرح تهديدات متطورة إثر توسيع نطاق الوصول إلى التكنولوجيا، والمعلومات المضللة. ونظراً لعلاقة المجموعة باتفاقيتي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية؛ فإنها تركز على منع عودة ظهور تلك الأسلحة؛ إذ يمكن لها معالجة المسائل المتعلقة بالتكنولوجيات الملموسة وغير الملموسة التي لا تغطيها الاتفاقيتان أو مبادئهما التوجيهية من خلال تطبيق آلية شاملة وتحديث قوائم المراقبة المشتركة. 

وعلى الرغم من أن "مجموعة أستراليا" لا يمكنها اتخاذ قرارات ملزمة؛ فإن طابعها غير الرسمي له العديد من المزايا، مثل: خلق توافق عام بين المشاركين، والتعاون مع الدول خارج المجموعة لتعزيز قوائم المراقبة والمبادئ التوجيهية الخاصة بها كمعايير لنقل التكنولوجيا. مع ذلك، فلا يزال هناك العديد من التدابير التي قد تجعل المجموعة مجهزة بشكل أفضل للمستقبل، منها زيادة التعاون مع ترتيبات مراقبة الصادرات الأخرى، والذي من شأنه أن يعزز تأثير المجموعة الاستشارية، بالإضافة إلى الحوار مع مجتمعات أصحاب المصلحة.

على الجانب الآخر، قد يؤدي توسيع المشاركة في "مجموعة أستراليا" إلى ضعف تماسكها الداخلي ورؤيتها. وللتغلب على ذلك تمكن إعادة مراجعة عملية صنع القرار الداخلي، واتباع بعض الأمثلة الناجحة، كمجموعة العمل المالي (FATF) لتحقيق التوازن بين الحفاظ على التشابه والتماسك في اختيار مجموعة من البلدان ذات التفكير المتماثل، من ناحية، وتعزيز قوائم التوجيه والرقابة الخاصة بها كمعيار عالمي مرغوب فيه، من ناحية أخرى.

نحو قانون دولي غير رسمي:

مع التغيرات الجيوسياسية في العالم خلال العقود الأخيرة، أصبح استخدام آليات القانون الدولي التقليدي موضع تساؤل من أجل الاستجابة بفعالية للتهديدات الجديدة، مثل: بروز الجهات الفاعلة غير الدولية العنيفة أو تأثير التقنيات الناشئة. ويُعد اختلاف المصالح السياسية والاقتصادية للدول من التحديات التي تصعب تمثيل مصالحها بشكل عادل، ومن ثم التوصل إلى اتفاقيات متعددة الأطراف لمواكبة تلك التحديات.

من هنا، عاد النقاش مرة أخرى حول دور آليات القانون غير الملزم في المجال الدولي، خاصة في مجال مراقبة الصادرات التكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج؛ إذ يمكن تكييف المبادئ التوجيهية والتوصيات غير الملزمة قانوناً بشكل مستمر مع البيئة الدولية المتغيرة باستمرار؛ ويؤثر هذا الوضع في عمليات النقل الدولية للتكنولوجيات الكيميائية والبيولوجية، التي تتمتع معظمها بإمكانية الاستخدام المزدوج لتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. 

وأثرت الآليات غير الملزمة قانوناً بشكل متزايد في مناقشات السياسات الدولية حول محتوى ونطاق ضوابط التصدير. وتمثل "مجموعة أستراليا" تعبيراً واضحاً عن هذا الاتجاه؛ إذ قدمت مساهمة واضحة، وإن كانت غير كاملة، في التكيف المستمر لسياسات مراقبة الصادرات لدعم القاعدة الدولية ضد انتشار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية على النحو المعبر عنه في الاتفاقيات الدولية.

 في هذا السياق، تشير الورقة البحثية إلى الأهمية المتزايدة لترتيبات مراقبة الصادرات متعددة الأطراف –مجموعة أستراليا على وجه الخصوص- ومساهمتها الإضافية في تطوير القانون الدولي بحيث يستوعب التطور التكنولوجي والعلمي والازدهار الاقتصادي والأمن القومي؛ إذ غيرت العولمة طريقة فهم التجارة الدولية. مع ذلك، لا بد من مراعاة ألا يحدث هذا على حساب الأمن الدولي؛ إذ هناك حاجة إلى نهج أكثر مرونة في صنع القانون الدولي، وهو نهج يبتعد عن النظام الثنائي للقانون الملزم والقانون غير الملزم، وفي الوقت نفسه يتجه نحو نظام يعمل فيه كلا المسارين معاً.

يأتي ذلك في ظل أن الأسلحة البيولوجية والكيميائية تخضعان في المقام الأول -على عكس الأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ والأسلحة التقليدية- لاتفاقيتي حظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية اللتين تحددان معاني الاستخدامات المشروعة لتقنيات الأسلحة البيولوجية المحتملة. وتعزز قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خاصة القرار 1540 أهداف نزع السلاح، مع التركيز على دور الجهات غير الدولية، وتلزم جميع الدول الأعضاء باتخاذ تدابير وطنية للسيطرة على النقل النووي والبيولوجي والكيميائي محلياً ودولياً؛ ومن ثم، فإن الجمع بين المعاهدات وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة و"مجموعة أستراليا" يعني أن العديد من الدول تتوافق مع التوصيات القانونية غير الملزمة التي قدمتها تلك المجموعة على الرغم من عدم مشاركة هذه الدول في وضعها.

ولا تزال الطبيعة القانونية للأدوات غير الملزمة غير مؤكدة، لكن طبيعتها المتطورة لا يمكن إنكارها؛ إذ إن تأثير القانون غير الملزم وأهميته، حقيقية، خاصة في البيئات والمجالات سريعة التغير، مثل التكنولوجيا الحيوية. لهذا الغرض، تشكل الآليات غير الرسمية جدول الأعمال بالنسبة لضوابط التصدير الاستراتيجية أو ذات الاستخدام المزدوج. 

ففي ضوء التهديدات والتحديات الجديدة، يمكن اعتبار أدوات القانون غير الملزم بمثابة "مصادر" جديدة للقانون الدولي، كما هو واضح من العلاقة بين "مجموعة أستراليا" ولوائح التحكم في الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي؛ إذ أصبحت قوائم مراقبة الصادرات تلك معياراً دولياً بحكم الأمر الواقع في هذا الإطار؛ إذ تنشر القوائم والمبادئ التوجيهية والممارسات للدول غير المشاركة والدول غير الأعضاء. لذا، فإن وجود القانون الملزم والقانون غير الملزم يؤدي لتعزيز كل منهما للآخر، ويسهم فعلياً في مشاركة أكبر بكثير في التعاون الدولي في المجالات التي تحددها مخاطر الاستخدام المزدوج.

كانت هناك عدة مقترحات لسد الفجوة بين الآليات الملزمة قانوناً والترتيبات غير الرسمية التي تعمل على تعزيز الأمن وتشجيع التجارة الدولية في السلع التي يحتمل أن تكون ذات استخدام مزدوج، خاصة في الصناعات البيولوجية والكيميائية. وتتطلب الأهمية المتزايدة للقانون غير الملزم وزيادة دمجه في مجال منع الانتشار سيناريو التعلم المستمر؛ إذ تكون الدول وأصحاب المصلحة ككل على استعداد للمشاركة في الحوار والمفاوضات. 

إن الدور الذي يؤديه القانون غير الملزم لأغراض منع الانتشار الدولي للأسلحة الكيميائية والبيولوجية ما زال قيد التطوير المستمر؛ إذ هناك العديد من الأمور المجهولة منها، المخاطر والتهديدات الجديدة التي يحملها المستقبل وكيفية استجابة القانون الدولي لها بشكل أفضل، وترتيبات مراقبة الصادرات المتعددة الأطراف، وما إذا كان مهماً أن تنظر في تعليق أو طرد الدول غير الملتزمة، ومدى منطقية وأهمية إنشاء ترتيبات جديدة لمراقبة الصادرات بما يتماشى مع الواقع الحالي. في ظل كل الأمور المطروحة من المؤكد أن الأحداث الأخيرة مثل: جائحة "كورونا" أو الصراع الروسي الأوكراني تفرض تحديات جديدة أمام ضوابط التصدير ذات الاستخدام المزدوج.

تحديات مراقبة الصادرات:

أسهمت الأزمات الصحية والمناخية والجيوسياسية الأخيرة في زيادة الوعي بالحاجة الملحة إلى تطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات المعاصرة الكبرى مثل: تفشي الأمراض الناشئة، وندرة الموارد، وانعدام الأمن الغذائي، والتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. 

توفر التقنيات الناشئة فرصاً جديدة للتصدي لهذه التحديات. ولعل جائحة "كورونا" أنتجت بعض الدروس المستفادة في هذا السياق. مع ذلك، فإن مثل هذا التقدم والاتجاهات التقنية الجديدة تثير أيضاً مخاوف تتعلق بالأمن والانتشار؛ ومن ثم، يجب على المشاركين في "مجموعة أستراليا" أن يأخذوا هذه المخاوف بعين الاعتبار عند النظر في إدخال تعديلات على ضوابط التصدير.

إن التغيرات العالمية في المشهد الأمني، وإعادة توزيع الأنشطة العلمية والصناعية عبر القارات، وظهور فئات جديدة من أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة الأمنية، يثير باستمرار تساؤلات حول مدى كفاية المعاهدات الدولية الحالية لمراقبة الأسلحة وتدابير مراقبة الصادرات، خاصة أن صعود التجارة عبر الإنترنت، جنباً إلى جنب مع إمكانية الاتجار غير المشروع عبر الشبكة المظلمة، قد يسهم في التحايل غير المقصود أو المتعمد على ضوابط التصدير. كذلك، فإن العلوم المفتوحة والمختبرات السحابية التي تمكن معاهد بحثية متعددة من إجراء تجارب مشتركة عن بُعد قد تخلق فرصاً علمية ونقاط ضعف في مجال انتشار الأسلحة البيولوجية والكيميائية. 

يطرح هذا السياق العالمي المتغير تحديات جديدة في مجال مراقبة الصادرات التكنولوجية التي لها علاقة بتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية؛ لأسباب منها أنه ينبغي للباحثين الأفراد أن يسعوا إلى التأكد من النيات الحميدة للمشاركين الآخرين في المشروعات العلمية التي يحتمل أن تكون ذات استخدام مزدوج، خاصة أن الجهات الصناعية والعلماء في البلدان التي شهدت تطوراً أحدث في علوم الحياة والتكنولوجيا الحيوية، أقل وعياً بمتطلبات مراقبة الصادرات أو قد يخضعون لقدر أقل من التدقيق. لذلك، فمع تزايد تعقيد عملية التحكم في تجارة ونقل السلع ذات الاستخدام المزدوج، يُعد تحسين الوعي بمتطلبات مراقبة الصادرات والامتثال التجاري في القطاعات الطبية والصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية أمراً جوهرياً.

المصدر:

Source: Jean Pascal Zanders, Elisande Nexon, Mónica Chinchilla, Esmée de Bruin, "The Australia Group and the prevention of the re-emergence of chemical and biological weapons – Ongoing challenges", The Foundation for Strategic Research, April, 2024.