توازنات متغيرة:

دلالات تراجع أحمدي نجاد عن الترشح في الانتخابات الإيرانية؟

09 October 2016


يُشير إعلان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عن عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية التي سوف تُجرَى في مايو 2017، إلى أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يسعى إلى تجنب اندلاع أزمة سياسية داخلية على غرار الأزمة التي واجهها في عام 2009، في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطًا قوية على الساحتين الإقليمية والدولية. لكنه -في الوقت نفسه- لا يوحي بأن النظام حسم موقفه تجاه الانتخابات القادمة، سواء فيما يتعلق بدعم فرص الرئيس الحالي حسن روحاني في الفوز بفترة رئاسية ثانية، أو تغيير القاعدة التي اعتادت عليها إيران منذ عام 1981 من خلال السماح بفوز مرشح جديد من تيار المحافظين الأصوليين، والإطاحة بطموحات روحاني في استكمال برنامجه السياسي والاقتصادي خلال الأعوام الأربعة التالية.

اعتبارات متعددة:

ربما يمكن القول إن اتجاه مؤسسات عديدة داخل النظام الإيراني إلى ممارسة ضغوط على الرئيس السابق أحمدي نجاد للاعتذار عن الترشح في الانتخابات القادمة، يعود إلى عوامل عديدة تتمثل في:

1- تجنب اندلاع أزمة سياسية جديدة: يبدو أن النظام الإيراني يسعى في الوقت الحالي إلى عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبها في الأزمة السياسية التي واجهها عام 2009، والتي يمكن أن تفرض تحديات غير مسبوقة بالنسبة له، خاصة أن أحمدي نجاد يُعتبر هو رمز تلك الأزمة، حيث كان فوزه بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009، سببًا في تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية التي لاقت تجاوبًا خارجيًّا ملحوظًا، لا سيما بعد تدخل المرشد علي خامنئي في الأزمة لصالح أحمدي نجاد رافضًا مطالب حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات التي عرفت إعلاميًّا باسم "الحركة الخضراء" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، بإعادة إجراء الانتخابات أو فرز الأصوات من جديد. 

وهنا، فإن النظام الإيراني ربما سعى من خلال منع أحمدي نجاد من المنافسة في الانتخابات القادمة، إلى تجنب مواجهة احتجاجات جديدة، بعد أن نجح في تقليص حدتها في الأعوام الماضية، خاصة بعد فوز الرئيس حسن روحاني- الذي ينتمي لتيار المعتدلين- بالانتخابات الماضية التي أجريت في يونيو 2013.

 وبالطبع، فإن ذلك يكتسب أهمية خاصة من جانب النظام، في ظل تأكيد اتجاهات عديدة داخله على أن أى أزمة جديدة يمكن أن تفرض تهديدات خطيرة على تماسك النظام، خاصة أن بعض القوى الدولية يمكن- في رؤية النظام وتيار المحافظين الأصوليين- أن تستغل هذه الأزمة المحتملة من أجل العمل على إسقاطه، أو على الأقل دعم قدرتها على اختراق المجتمع الإيراني وممارسة ضغوط على النظام، بما يرجح احتمال تكرار "النموذج السوري" من جديد في الحالة الإيرانية.

2-  استمرار التوتر بين "النجاديين" والمحافظين الأصوليين: تسببت السياسة التي تبناها الرئيس السابق أحمدي نجاد في تصاعد حدة التوتر في علاقاته مع تيار المحافظين الأصوليين. إذ سعى أحمدي نجاد باستمرار خلال فترة توليه رئاسة الجمهورية (2005-2013) إلى إقصاء الموالين لخصومه السياسيين من الحكومة وبعض مؤسسات الدولة، بمن فيهم المقربون من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اضطر في عام 2011 إلى إلغاء قرار رئيس الجمهورية بإقالة حيدر مصلحي من منصب وزير الاستخبارات، وهو ما دفع أحمدي نجاد إلى الاعتكاف في منزله لمدة عشرة أيام احتجاجًا على قرار خامنئي قبل أن يعاود ممارسة مهام منصبه من جديد. 

كما سعى أحمدي نجاد إلى تصعيد بعض الشخصيات القريبة منه على الساحة السياسية، والتي كانت تتبنى توجهات لم تحظَ بقبول تيار المحافظين الجدد وبعض كبار رجال الدين، على غرار اسفنديار رحيم مشائي مدير مكتبه الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية الماضية وتم رفضه من قبل مجلس صيانة الدستور، بسبب الشكوك العديدة التي أبداها المجلس، وتيار المحافظين الأصوليين بصفة عامة، في توجهاته، خاصة فيما يتعلق بتأييده للفكرة التي روجها التيار القريب من أحمدي نجاد، والتي قامت على "العودة القريبة للإمام"، والتي كانت تعني في المقام الأول انتفاء الحاجة لمنصب المرشد.

فضلا عن أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة أحمدي نجاد تسببت في زيادة معدلات التضخم والبطالة وانهيار العملة الوطنية، خاصة مع ارتفاع سقف العقوبات الدولية المفروضة على إيران بدرجة غير مسبوقة، بسبب استمرارها في تطوير برنامجها النووي قبل الوصول للاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في عهد الرئيس الحالي حسن روحاني، بالإضافة إلى ظهور حالات فساد متعددة لشخصيات كانت مقربة من الرئيس السابق.

3- منح الفرصة لتيار المحافظين الأصوليين من أجل إعادة ترتيب صفوفه: وذلك لدعم احتمالات الاتفاق على مرشح توافقي لمنافسة الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث يسعى هذا التيار إلى استعادة السيطرة على المؤسسات المنتخبة من جديد، على غرار رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى والمجالس المحلية، لكن ترشح أحمدي نجاد يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق الانقسام بين القوى السياسية التي تنتمي لهذا التيار، بشكل يمكن أن يؤدي إلى عرقلة جهودها للاتفاق على مرشح توافقي، ومن ثم منح الفرصة للرئيس حسن روحاني لتكرار فوزه البارز على أربعة من مرشحي هذا التيار في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2013 بعد أن رفض كل منهم الانسحاب لمصلحة المرشح الآخر.

ورغم أن تقارير عديدة أشارت إلى أن المرشد خامنئي مارس ضغوطًا على أحمدي نجاد للتراجع عن الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن ذلك لا يعني أن خامنئي حسم أمره لصالح أحد المرشحين المحتملين، سواء كان الرئيس حسن روحاني، أو أحد كوادر تيار المحافظين الأصوليين، أمثال علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الذي نجح في الاحتفاظ بمنصبه رغم النتائج القوية التي حققها تيار المعتدلين في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير 2016، أو محمد باقر قاليباف عمدة طهران الذي ترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وخسر أمام الرئيس روحاني، أو عزت الله ضرغامي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السابق الذي تشير تقارير عديدة إلى أنه يستعد في الفترة الحالية لإعلان ترشحه في الانتخابات الرئاسية، أو محسن رضائي قائد الحرس الثوري الأسبق أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام.

4- تجنب صدام محتمل بين المرشد والرئيس: يبدو أن خامنئي يحرص في الفترة الحالية على عدم تكرار الخلافات التي نشبت بينه وبين أحمدي نجاد، خاصة خلال الفترة الرئاسية الثانية للأخير (2009-2013)، بسبب اتجاهه إلى المطالبة بتوسيع صلاحياته، وتأكيده على أنه وصل إلى منصبه بـ"أصوات الشعب" على عكس بعض المناصب الأخرى، في إشارة لا تخلو من دلالة بالنسبة للصراع بين المؤسسات المنتخبة والمعينة داخل إيران، لا سيما بين مؤسسة المرشد ورئاسة الجمهورية.

ثنائيات متناقضة:

ومن دون شك، فإن ما يُكسب هذا الصراع مزيدًا من الأهمية والزخم هو أنه يمتد إلى الأسس التي يعتمد عليها نظام الجمهورية الإسلامية، الذي يقوم في الأساس على المزج بين ثنائيات متناقضة في كثير من الأحيان، على غرار المزج بين نظرية الشورى وولاية الفقيه، وبين عنصري الجمهورية (الذي يُضفي بُعدًا مؤسسيًّا) والإسلامية (الذي يضفي بُعدًا ثيوقراطيًّا)، وهي الثنائيات التي امتدت إلى خريطة القوى السياسية التي انقسمت بدورها بين محافظين وإصلاحيين، ومحافظين تقليديين ومحافظين أصوليين.

وفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن اعتذار أحمدي نجاد عن الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، قد يمهد المجال أمام تحديد ملامح خريطة المرشحين المحتملين للانتخابات، خاصة أنه يوسع هامش المناورة المتاح أمام النظام الذي فضل عدم المغامرة بمواجهة أزمة سياسية حادة على غرار تلك التي تصاعدت حدتها في عام 2009. 

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا