تمرير مُتعثر:

لماذا أقرّت واشنطن حزمة مُساعدات جديدة لأوكرانيا؟

06 May 2024


بعد أكثر من ستة أشهر من التأخير، صوّت مجلس النواب الأمريكي، في 20 إبريل 2024، لصالح تقديم مساعدات عسكرية أمريكية لأوكرانيا تُقدر بقيمة 60.8 مليار دولار، وذلك بأغلبية 311 صوتاً مؤيداً ومعارضة 112 صوتاً، لينهي أشهراً من الجدل داخل أروقة مجلس النواب، رفض فيها الجمهوريون، وعلى وجه الخصوص المتحالفون مع دونالد ترامب، السماح بمناقشة مسألة المساعدات لأوكرانيا، والتي كانت جزءاً من حزمة أكبر من المساعدات لإسرائيل وتايوان داخل الكونغرس الأمريكي.

مشروع قانون شامل لإنقاذ أوكرانيا: 

أخذ الإنفاق الأمريكي على المساعدات الخارجية مُنعطفاً مُختلفاً منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فبعد أن كانت قضايا مثل: التصدي لتغير المناخ، ومكافحة جائحة "كورونا"، والتصدي لبعض الأنظمة التي يصفها البيت الأبيض بالاستبداد، تتربع على سلم أولويات تلك المساعدات، جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022 لتقلب المعادلة؛ إذ استأثرت أوكرانيا بنصيب الأسد من المساعدات الخارجية الأمريكية، وأصبحت أكبر متلقٍ لها؛ لدرجة أن حجم المساعدات التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لكييف منذ بداية الحرب وحتى أكتوبر 2023 بلغ نحو 76,8 مليار دولار أمريكي، إلا أنه ومع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب منذ يناير 2023، وتصاعد تيار الترامبية من جديد، أيقن الخبراء الدوليون أن الموقف الأمريكي حول إقرار تشريع جديد بشأن تقديم مساعدات أمريكية إلى أوكرانيا سيتسم بالانقسام والتردد والجمود مع نهاية عام 2023، وقد يمتد طوال عام 2024 في ظل احتدام الاستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين. 

وعلى هذا النحو، فإن تصويت مجلس النواب لصالح تلك الحزمة من المساعدات؛ يُعد بمثابة انفراجة بعد أشهر من المفاوضات المتوترة وفترات من الجمود؛ إذ تساعد هذه الحزمة أوكرانيا على التصدي للتفوق الجوي الروسي، وتساعدها على إبطاء تقدم القوات الروسية على الأرض، ومن أصل قيمة مساعدات تُقدر بنحو 60,8 مليار دولار تمت الموافقة عليها؛ ستستخدم الولايات المتحدة الأمريكية ما مجموعه حوالي 23 مليار دولار لتجديد مُخزونها العسكري؛ مما يفتح الباب أمام عمليات النقل العسكرية الأمريكية المُستقبلية إلى أوكرانيا، وسيتم تخصيص 14 مليار دولار أخرى لمساعدة أوكرانيا على شراء أنظمة أسلحة متقدمة، ومعدات دفاعية أخرى؛ وهناك أيضاً أكثر من 11,3 مليار دولار؛ لتمويل العمليات العسكرية الأمريكية الحالية في منطقة شرق أوروبا، بما في ذلك تعزيز قدرات الجيش الأوكراني، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين كييف وواشنطن، وحوالي 8 مليارات دولار من المساعدات غير العسكرية؛ متمثلة في مساعدة الحكومة الأوكرانية على مواصلة العمليات الأساسية، بما في ذلك دفع الرواتب ومعاشات التقاعد.

تحول تدريجي أم جذري؟  

ثمّة ثلاثة عوامل كانت دافعة وراء التصويت لصالح إقرار حزمة المساعدات إلى أوكرانيا:

1. الهجوم الإيراني على إسرائيل: تضاءلت معارضة الجمهوريين بعد الهجوم الصاروخي، وبالطائرات من دون طيار، الذي شنّته إيران على إسرائيل، في 13 إبريل 2024، هذا الهجوم الذي استخدم تكتيكات مماثلة للهجمات الروسية على أوكرانيا؛ الأمر الذي جعل معظم الجمهوريين يدركون أهمية الحاجة إلى تقديم المزيد من الدعم لإسرائيل وأوكرانيا. 

2. تحول أكثر اعتدالاً في الموقف الترامبي: صرّح دونالد ترامب، في 18 إبريل 2024، أن بقاء أوكرانيا يمثل مصلحة أمنية للولايات المتحدة الأمريكية، مُشدداً على أن بقاءها مهم بالنسبة لأوروبا وأمريكا؛ ولذا يجب التحرك. ويبدو أن هذا التصريح يُمثل تحولاً كبيراً في موقف ترامب بشأن أوكرانيا، فقد اعتاد طوال الفترة السابقة انتقاد أوكرانيا والغرب، محملاً إياهما مسؤولية تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية؛ لدرجة أنه رفض العام الماضي أن يقول ما إذا كان يريد أن تنتصر أوكرانيا في حربها مع روسيا، عندما سئل عن الصراع.

3. تغير موقف رئيس مجلس النواب لصالح دعم أوكرانيا: بعد ترقيته إلى منصب رئيس مجلس النواب في أكتوبر2023، كان مايك جونسون، من أكثر المعارضين لمسألة تقديم مساعدات عسكرية ومالية طلبتها إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن لدعم أوكرانيا في مواجهة الروس، وعلى مدار الأشهر الماضية، كان جونسون يعرقل عمليات التصويت، مهدراً وقتاً ثميناً في البحث عن صفقة من شأنها أن تمنح الجناح الانعزالي في حزبه نظاماً جديداً صارماً مُناهضاً للمهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، في مقابل دعمهم للمساعدات لأوكرانيا، ومع ذلك، تغيرت لهجته في الآونة الأخيرة إلى أن أصبح من أبرز المدافعين عن حزمة المساعدات، ويرجع ذلك إلى اقتناعه تدريجياً بأن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا هو من ضمن مصالحها الذاتية، معبراً عن قلقه من عدم قدرة كييف على صد هجمات روسيا دون مساعدة أمريكية. 

ويرى مراقبون أن تغير موقف جونسون، جاء بسبب عدة عوامل وهي: 1) وجد نفسه خارج السرب عن نسق زعماء الكونغرس، بما في ذلك السيناتور ميتش ماكونيل، والسيناتور تشاك شومر. 2) اجتماعاته مع المسؤولين الأمريكيين سواء في المكتب البيضاوي أم داخل أروقة الكونغرس، ولقاؤه مع الرئيس الأمريكي، ورئيس وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز، والتي دفعت في هذا الاتجاه. 3) نجاحه في تهدئة ترامب وجناحه عبر الموافقة على تقديم بعض المساعدات في صورة قروض. 4) وأخيراً رغبته في عدم تحمل مسؤولية سقوط أوكرانيا المحتمل حال عدم تمرير المساعدات.

ردود الفعل ما بين التفاؤل والاستياء: 

1. حفاوة وإشادة أوكرانية: رحّبت أوكرانيا بإقرار تلك الحزمة؛ إذ أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بتلك الخطوة، وأشار إلى أنها ستنقذ آلاف الأرواح، و"تضع نهاية عادلة للحرب مع روسيا"، قائلاً: "إن تلك الخطوة طال انتظارها، وإنها تُظهر أن أوكرانيا لن تكون أفغانستان ثانية" التي انهارت حكومتها الموالية للغرب خلال الانسحاب الذي قادّته الولايات المتحدة في صيف عام 2021، مُؤكداً أن الغرب لن يتخلى عن بلاده، ومشيداً بدور "القيادة الأمريكية" في الحفاظ على نظام دولي قائم على القواعد.

2. ترحيب أوروبي وأطلسي: أشاد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، بتلك الخطوة، وكتب على منصة "أكس" أنها "تُظهر دعم الحزبين المستمر لأوكرانيا"، وأنها "ستعزز أمننا جميعاً في أوروبا وأمريكا الشمالية". وحضّ ستولتنبرغ مجلس الشيوخ الأمريكي على التحرّك بسرعة؛ لإرسال مشروع القانون هذا إلى الرئيس بايدن؛ لإقراره بشكل نهائي. 

وفي سياق مُتصل، رحّب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، على منصة "أكس" بهذا التصويت الإيجابي، وأكد أنه يوجه إشارة واضحة إلى الكرملين، وهي أن "من يؤمنون بالحرية وبميثاق الأمم المتحدة سيواصلون دعم أوكرانيا وسكانها". وبالمثل، كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على منصة "أكس": "أوكرانيا تستحق كل الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه في مواجهة روسيا. والآن ندعو مجلس الشيوخ الأمريكي إلى التصويت في أسرع وقت ممكن؛ لأن هناك أرواحاً على المحك. والحلفاء عبر الأطلسي متحدون في دعم الحرية والديمقراطية". وفي برلين، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إنه "يوم يبعث على التفاؤل بالنسبة إلى أمن أوكرانيا وأوروبا".

3. انقسام أمريكي: على الرغم من إشادة الرئيس الأمريكي بخطوة مجلس النواب؛ إذ قال في بيان له إن المساعدات "تأتي في لحظة مُلحة للغاية؛ إذ تشهد أوكرانيا قصفاً مستمراً من روسيا، وتواجه إسرائيل هجمات غير مسبوقة من إيران"، واصفاً هذا التحرك بأنه "رسالة واضحة تثبت قوة القيادة الأمريكية حول العالم"، فإن إقرار تلك الحزمة لاقى انتقادات لاذعة على ثلاثة مُستويات، سنتناولها فيما يلي: 

أ. المواطنون العاديون: نشرت قناة (NBC) الأمريكية تقريراً إخبارياً كشفت فيه عن ردود فعل حادّة من جانب بعض الأمريكيين تجاه إقرار تلك الحزمة، فهناك من قال: "ساعدوا الأمريكيين أولاً"، وهناك من تعجب من عدم قدرة البلاد على تخصيص خمسة مليارات لإنقاذ الحدود الأمريكية في حين أنه يتم تخصيص أكثر من 60 مليار دولار لأوكرانيا، وآخرون طالبوا بضرورة التوقف عن إرسال الأموال الأمريكية إلى الخارج، مُعتبرين أن تلك الحزمة بمثابة انتصار كبير للمجمع الصناعي العسكري، ولكن ليس للمواطنين العاديين من الطبقة العاملة. 

ب. بعض أعضاء الكونغرس: انتقد بعض النواب الأمريكيين تلك الخطوة، فعلى سبيل المثال، انتقد السيناتور الجمهوري رون جونسون، من ولاية ويسكونسن حزمة المساعدات واصفاً إياها بأنها غير مجدية للبلاد، وقال: "سنستمر في رهن ونهب مُستقبل أطفالنا، إذ ننفق نحو 900 مليار دولار على الدفاع، ولكن في كل مرة عندما يتم اتخاذ بعض الإجراءات الدفاعية؛ يتضح أننا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات إضافية"، مشدداً على أن الأولوية الأولى يجب أن تكون ضمان أمن الحدود، قبل إنفاق مثل هذه المبالغ.

ج. تيار الماغا الأكثر تشدداً: قالت عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري، مارغوري تايلور غرين، وهي من أبرز النواب الداعمين لترامب، إنه يتوجب على رئيس مجلس النواب مايك جونسون تقديم استقالته عقب "خيانة ثقة" مؤتمر الحزب الجمهوري بمجلس النواب، وقالت إن مواصلة تقديم الدعم المالي الأمريكي لنظام كييف، ستؤدي للقضاء على جيل كامل من الأوكرانيين، وترك شعب من الأرامل والأيتام.

4. استهجان وتحذيرات روسية: حذّر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، من أن الموافقة على المساعدات الأمنية لكييف ستؤدي إلى مزيد من الأضرار والوفيات في الصراع الدائر في أوكرانيا، مُضيفاً أن القرار الأمريكي سيزيد الولايات المتحدة ثراءً وأوكرانيا دماراً بقتل مزيد من الأوكرانيين. 

ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إن الموافقة على قانون المساعدة لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان أمر "سيؤدي إلى تعميق الأزمات في جميع أنحاء العالم"، لافتة الانتباه إلى أن واشنطن تريد من أوكرانيا "القتال حتى تضحي بآخر أوكراني"، مضيفة أن الحرب ضد روسيا ستتحول إلى هزيمة نكراء ومهينة للولايات المتحدة على غرار ما حدث في فيتنام وأفغانستان، وعلاوة على ذلك، قال الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، في منشور على تطبيق "تليغرام"، إن الموافقة على المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كانت متوقعة وترتكز على "رهاب روسيا"، مؤكداً انتصار روسيا بغض النظر عن دماء الـ 61 مليار دولار التي سيبتلعها المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي لا يشبع، على حد تعبيره.

تداعيات مُحتملة: 

لا شك في أن إقرار الكونغرس الأمريكي حزمة المساعدات لأوكرانيا؛ أمر ستكون له تأثيرات محتملة في الصعيدين الداخلي والخارجي للولايات المتحدة الأمريكية، منها ما يلي: 

أولاً: الصعيد الداخلي: 

1. توظيف المساعدات في السباق الانتخابي الرئاسي: يرى مراقبون أن عدم محاولة ترامب إيقاف قرار جونسون بإجراء التصويت، وهي خطوة تختلف تماماً عن النهج الذي اتبعه ترامب في وقت سابق من هذا العام؛ أمر يعكس رغبة ترامب في تبني نهج متوازن تجاه أوكرانيا خلال هذه الفترة؛ أملاً في استمالة بعض الجمهوريين المعتدلين من ناحية، ومن ناحية أخرى، ربما يرغب في تجنب اللوم إذا تعرضت أوكرانيا لهزائم كبيرة في ساحة المعركة خلال فترة السباق الانتخابي، من شأنها أن تؤثر في شعبيته؛ باعتباره يتمسك بوجهات نظر خاطئة تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية.

وإلى جانب ذلك، يرى بايدن إقرار حزمة المساعدات لأوكرانيا نقطة إيجابية تزيد من شعبيته كرئيس حالٍ، وكمرشح مُحتمل في انتخابات 2024؛ لأنه نجح في تعزيز صورة القيادة الأمريكية في الخارج، باعتبارها القوة العظمى، التي ما زالت تواجه القوى غير الديمقراطية المُستبدة. في المقابل، يعتقد البعض أن إقرار حزمة المساعدات؛ سيضر بشعبية بايدن في السباق الانتخابي؛ لأنه خصص مليارات الدولارات للخارج الأمريكي، وأهمل ملفي أمن الحدود والهجرة، وهي قضايا تحتل مرتبة مُتقدمة في قائمة اهتمامات الناخب الأمريكي، لما لها من تأثيرات مباشرة في الاقتصاد، ومعدلات الجريمة في الداخل الأمريكي. 

2. تعزيز شعبية بايدن: يرى مراقبون أن إقرار مجلس النواب لحزمة مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار يمنح بايدن الزخم الذي يحتاجه بشدة في وقت أصبحت مصداقيته وقيادته الأمريكية موضع تساؤل على المسرح العالمي، وخاصة أنه وعد في خطابه السنوي حول حالة الاتحاد في مارس 2024 بأنه لا تراجع عن دعم أوكرانيا؛ وبالتالي، فإن تلك الخطوة بمثابة "امتلاك بايدن لرأس مال سياسي جديد"، وتعني أن سياساته ذات مصداقية يمكن تحقيقها على أرض الواقع.

3. تعظيم الفائدة للمجمع الصناعي العسكري: تُشير بعض التقديرات إلى أن إقرار مثل تلك الحزمة؛ يؤثر إيجابياً في نشاط مجمع الصناعي العسكري، ويفيد صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ إن نصيب الأسد من هذا التمويل سوف يذهب إلى الشركات المحلية المكلفة بتجديد مستودعات الأسلحة الخاصة بالبنتاغون الأمريكي. 

ومع ذلك، يؤكد المراقبون أنه لا يجب النظر إلى المساعدات العسكرية الأمريكية على أنها برنامج اجتماعي، سوف يُسهم في تعزيز الوظائف في الولايات المتحدة، وهي فكرة يروّج لها الرئيس الأمريكي، فالحقيقة أن ثمار تعظيم المجمع الصناعي لا تؤثر إلا في الولايات التي تستضيف مصنعي الأسلحة، وشركات الطيران، وما شابه ذلك؛ الأمر الذي يعود بالنفع على ولايات بعينها مثل: تكساس وفرجينيا وكولورادو؛ مما يكرس إعادة توزيع غير عادلة للثروات لولايات بعينها.

ثانياً: الصعيد الخارجي: 

1. تفاؤل أوروبي مع استمرار النهج الحذر: يُمثل إقرار حزمة المساعدات مؤشراً يخبر أوروبا بأن الولايات المتحدة ستظل شريكاً يمكن الاعتماد عليه، وهذه الإشارات مهمة، ليس فقط بالنسبة لمستقبل أوكرانيا، بل وأيضاً بالنسبة لأوروبا، والتي تزداد مخاوفها بشأن تنامي النفوذ الروسي في القارة الأوروبية؛ وبالتالي، تعني هذه الحزمة بالنسبة للأوروبيين أن واشنطن لا تزال تصمم على قيادة العالم الغربي، وأنها لن تسمح لروسيا بتقويض قيم السيادة وتقرير المصير والحرية. 

ومع ذلك، يرى مراقبون أن حزمة المساعدات الأخيرة لا ينبغي أن تجعل الأوروبيين يتمادون في الاعتماد على واشنطن للدفاع عن كييف، مُحذرين من أنه إذا فاز ترامب مع نهاية عام 2024، فإن البلدان الأوروبية ستكون المسؤولة أولاً وأخيراً عن مساعدة أوكرانيا في تحقيق نصرها النهائي. وتشير التقديرات إلى أن القادة الأوروبيين على علم بخطورة وصول ترامب إلى البيت الأبيض مرة ثانية؛ ولذا يجب على الأوروبيين القيام بأمرين: الأول، هو الاستمرار في تقديم المساعدات إلى أوكرانيا، كما حدث ووافق الاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات تقُدر بنحو 54 مليار دولار في فبراير 2024، والثاني، هو تكثيف الجهود الأوروبية؛ لإقناع النخبة الأمريكية بأن أعضاء "الناتو" الأوروبيين أصبحوا أكثر اعتماداً على ذواتهم فيما يتعلق بمسألة الدفاع الاستراتيجي لتغيير السردية التي يروج لها ترامب ومؤيدوه، والتي تقضي بأن يقوم الأوروبيون بتعزيز اعتمادهم على أنفسهم عوضاً عن الاعتماد على الولايات المتحدة، والتي تنفق الجزء الأكبر من نفقات دفاع "الناتو". 

2. دفعة معنوية كبيرة للأوكرانيين: ظل الأوكرانيون يراقبون الجمود في الكونغرس "بفزع مُتزايد" خلال الشهور القليلة الماضية؛ إذ أسفر هذا الجمود عن تنامي الشعور بالعزلة الدولية والتخلي عنهم، مما ساعد على تقويض الروح المعنوية الأوكرانية بشكل أكبر، ولاسيما وسط سلسلة من الانتكاسات في ساحة المعركة، وبالتالي، فإن إقرار حزمة المساعدات بمثابة دفعة معنوية كبيرة للأوكرانيين، سواء أكانوا من الجنود أم السكان أم حتى النخبة الحاكمة، وبالتالي، فإنه من المتوقع استعادة ثقة الأوكرانيين في عزيمة شركاء بلادهم، وفي مُقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الحزمة ستدفع واشنطن لتوفير ذخائر الأسلحة الصغيرة والصواريخ وقذائف المدفعية؛ إذ تواجه أوكرانيا نقصاً حاداً في قذائف المدفعية، وقذائف الهاون، والصواريخ بجميع أنواعها، مع تزايد احتمالية نقل طائرات "أف-16" إلى كييف.

3. احتمالية إبطاء التقدم الروسي في أوكرانيا: أعلن القادة الأوكرانيون أنهم سوف يستخدمون المساعدات بشكل عاجل لسد الفجوات المتزايدة في الدفاعات الجوية المتضائلة في البلاد؛ لحماية القوات والمدنيين على حد سواء، مع تأكيدهم أن المساعدات العسكرية لن تُسفر عن وقف التقدم الروسي؛ بقدر ما تعمل على إبطائه. ويدرك الأوكرانيون أن المساعدات الأمريكية ستشتري لهم وللاتحاد الأوروبي وقتاً، حوالي عام واحد لعرقلة المكاسب الروسية، وخاصة أن الوضع ساء على نحو غير مسبوق؛ لدرجة أن التقديرات العسكرية تُشير إلى أن الجيش الروسي تمكن من تعزيز قبضته على ما يقرب من 20% من الأراضي الأوكرانية التي احتلها، وأخذ زمام المبادرة في ساحة المعركة. 

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا استغلت على مدار الأشهر السبعة الماضية، التأخير وعدم اليقين بشأن مستقبل المساعدات الأمريكية؛ لشن سلسلة من الهجمات الطاحنة في شرق أوكرانيا، وقامت بقصف العديد من البنى التحتية المدنية في أوكرانيا.

4. تقويض الخصوم: يرى مراقبون أن حزمة المساعدات من شأنها إنقاذ أوكرانيا من الهزيمة، وإن كان على المدى المتوسط؛ إذ إن خسارة أوكرانيا بعد عامين من تقديم المساعدات الأمريكية إلى كييف تعني تخلي واشنطن عن حلفائها، وربما تُترجم على أنها أمر مماثل لسيناريو الانسحاب الأمريكي الكارثي من أفغانستان؛ ما من شأنه أن يشجع روسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا، على المزيد من تحدي النفوذ الأمريكي في مختلف أنحاء العالم؛ ولذا، طالما أن أوكرانيا ترغب في القتال، فمن المنطقي أن تدعم واشنطن كييف في الوقت الذي تعمل فيه على إضعاف أحد أكبر خصوم الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من أن إقرار حزمة المساعدات لأوكرانيا، أمر إيجابي بالنسبة للمعسكر الغربي عموماً ولأوكرانيا على وجه الخصوص، فإنه لا تزال هناك مخاوف مرتبطة بمدى استمرارية الدعم الأمريكي لأوكرانيا، خصوصاً حال انتخاب دونالد ترامب رئيساً في الانتخابات القادمة، كما أن التأثير السلبي لتأخير إقرار المساعدات سيبقى حاضراً في أذهان حلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً الأوروبيين الذين من المتوقع أن يمضوا قدماً في خططهم الخاصة بتنمية قدراتهم الدفاعية الذاتية رغم استئناف الدعم الأمريكي.