الإنترنت المجاني:

علاقات شائكة بين الدولة وشركات التكنولوجيا

02 July 2014


تتجه العديد من شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل جوجل وفيسبوك وغيرها، نحو تطوير تكنولوجيا تقديم خدمات الإنترنت بصورة مجانية، بحيث تصل إلى أكبر عدد من المستفيدين، إذ لا يزال هناك 60% من السكان حول العالم غير قادرين على استخدام الإنترنت الذي أضحى يلعب دوراً أكثر حيوية في حياة البشر، بسبب عدم توفر البنية التحتية اللازمة في كثير من المناطق الريفية والجبلية والنائية، من كابلات ألياف ضوئية ومحطات بث خدمات إنترنت الهاتف الجوال.

يتمثل الجيل الجديد من تكنولوجيا الإنترنت المجاني في اعتماده على بث خدمات الإنترنت من الغلاف الجوي، سواء عبر أقمار صناعية، أو طائرات بدون طيار، أو مناطيد هوائية، وهو ما يلفت الانتباه إلى ضرورة معرفة هذا الجيل القادم، لاسيما في ظل وجود بعض المحاذير التي يطرحها.

ثلاثة مشروعات رئيسية

يعمل عدد من الشركات والمؤسسات على ثلاثة مشاريع رئيسية خاصة ببث الإنترنت من الغلاف الجوي، ولعل أبرزها هو مشروع الأوترنت Outernet الذي أطلقته منظمة "صندوق الاستثمار لتنمية الإعلام" MDIF، غير الهادفة للربح، والتي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها، بهدف توفير خدمات الإنترنت لجميع سكان الكرة الأرضية من خلال إطلاق أقمار صناعية صغيرة قريبة من الأرض قد تصل إلى 100 قمر صناعي صغير يستقبل إشارات البث الإلكتروني عبر محطات أرضية. وقد بدأت بالفعل المراحل الأولى لاختبار النموذج التجريبي لهذه الأقمار في شهر يونيو 2014، حيث يخطط أن يبدأ التشغيل الفعلي للمشروع في شهر يونيو من العام القادم، ويتم خلال هذه المرحلة بث الإنترنت من الأقمار الصناعية إلى المستخدمين، على أن يتم في مرحلة أخرى البث في اتجاهين، أي من الأقمار للمستخدمين وبالعكس، بحيث يمكن للمستخدمين التعديل في المحتوى الموجود على شبكة الإنترنت بدلاً من الاكتفاء بقراءة هذا المحتوى.

ومن أبرز خدمات الإنترنت التي يقدمها هذا المشروع في مرحلته الأولى، الخدمات الإخبارية، مثل الأحداث المحلية والدولية، وأسعار المحاصيل للمزارعين في المناطق النائية، ودعم النظام الإلكتروني الخاص بعملة "البيتكوين الافتراضية"، بالإضافة إلى بعض التطبيقات مثل الخرائط الجغرافية، وموسوعة الويكيبيديا وتطبيقات الموسيقى والأفلام والألعاب، وكذلك الخدمات التعليمية التي تشمل مناهج التعليم مفتوحة المصدر وعلوم البيئة والتعليم عن بعد، علاوة على خدمات الطوارئ من خلال توفير إمكانية الاتصالات في حالات الكوارث الطبيعية وحالات توقف الشبكات الخلوية أو حدوث انقطاع جزئي في كابلات الألياف الضوئية.

وبعيداً عن استخداماتها العسكرية المعروفة، فقد تم تطوير الطائرات بدون طيار Drones  للاستخدام السلمي من خلال توفير خدمات الإنترنت المجاني، حيث قامت شركة "تيتان" المتخصصة في إنتاج هذا النوع من الطائرات بتطويرها، بحيث تعمل بالطاقة الشمسية لمدة 5 سنوات متصلة في الفضاء دون الحاجة للتزود بالوقود، مع قدرتها على الاتصال مع المحطات الأرضية على ارتفاع 65.000 قدم.

وقد أعلن مؤسس شركة فيسبوك "مارك زوكربيرغ" عن سعي الشركة للاستثمار في هذه التكنولوجيا لتوفير خدمات الإنترنت للمناطق النائية في العالم، وأعلنت شركة جوجل عن قيامها بتخصيص 20 من موظفيها من أجل العمل على مشروع الإنترنت المجاني، مشيرة إلى أنها اشترت بالفعل طائرات بدون طيار من شركة "تيتان" المتخصصة في هذا المجال.

ولم تترك شركة جوجل السباق في تكنولوجيا الإنترنت المجاني، بل قامت بإطلاق مشروع توصيل خدمات الإنترنت المجاني إلى الأماكن النائية من خلال المناطيد الهوائية Balloons، حيث طورت الشركة منطاد أطلقت عليها اسم "إيبيس 167" استطاع الدوران حول الكرة الأرضية وبث إشارات الإنترنت اللاسلكية Wifi في زمن قياسي قدره 22 يوماً. وتعتمد هذه المناطيد على الطاقة الشمسية، ويمكنها التحليق على ارتفاعات شاهقة تصل إلى أكثر من 12 ميلاً فوق سطح الأرض من خلال التحكم فيها عن بعد.

فرص وتحديات محتملة

يواجه مشروع الإنترنت المجاني العديد من التحديات، لعل أبرزها تلك القادمة من الدول، فكثير من الدول تلجأ إلى إغلاق بعض المواقع الإلكترونية، سواء تلك التي تبث محتوى غير لائق أو أفكاراً متطرفة، أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي تلجأ بعض الدول لحجبها أثناء الأزمات السياسية، إذ يمكن الولوج لهذه المواقع عبر الإنترنت المجاني، لأن مزود الخدمة الرئيسي ليس الدولة التي تقع في نطاقها الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار أو المناطيد، بل الشركات المشغلة لهذه الخدمات، ومع ذلك يمكن للدول أن تتدخل من خلال محطات الاستقبال الأرضية بحجب هذه المواقع، بما يمكن أن يهدد أحد أهداف مشروع الإنترنت المجاني، وهو إتاحة المساحة للمواطنين، فثمة دول مثل الصين وكوريا الشمالية تتحكم في الدخول إلى الإنترنت بصورة كاملة في أنحاء إقليمها، ويمكن لهذه الدول أيضاً أن تمارس سياسة منع الوصول للإنترنت المجاني من خلال السيطرة على محطات الاستقبال الأرضية.

وبالرغم من ذلك يمكن القول إن معظم الدول سوف تدعم هذا المشروع، سواء من الناحية المادية أو من خلال الموافقة على إقامة محطات استقبال فوق أراضيها، طالما أنه يوفر خدمة مهمة يمكن لها أن تمنعها حين تشاء، حتى وإن كان ذلك سوف يثير مشكلات بين الدولة وشركات الإنترنت، لكنها قد تكون مشكلات عابرة بالنظر للفوائد التي تتحقق للطرفين جراء هذا المشروع.  

أما التحدي الآخر فيتعلق بالتمويل، فحتى ينطلق المشروع بكامل قوته، ويبث خدمات الإنترنت من الفضاء أو الغلاف الجوي، فإنه يحتاج ملايين الدولارات، ما يطرح تساؤلات خاصة بمصادر التمويل، خاصة أن منظمة MDIF التي تعمل على مشروع الأوترنت هي منظمة غير هادفة للربح، وتحتاج إلى تمويل العشرات من الأقمار الصناعية والمحطات الأرضية لبث واستقبال خدمات الإنترنت، بالإضافة إلى حاجة شركات التكنولوجيا لتمويل مئات أو آلاف الطائرات بدون طيار ومناطيد الهواء، مما يجعل تدخل الدول لتمويل هذا المشروع أمراً لا يمكن الاستغناء عنه.

ومما لا شك فيه أن مشروع الإنترنت المجاني يطرح العديد من الفرص الخاصة بتوصيل الإنترنت إلى المناطق النائية داخل العديد من الدول دون حاجتها إلى ضخ أموال ضخمة في بنية تحتية أرضية لتوصيل الإنترنت في مناطق جغرافية صعبة، قد تكون أعالي الجبال أو حتى في وسط المحيطات، ولكنه يطرح في نفس الوقت مخاطر خاصة بسماح بعض الدول لهذه الشركات في أن تستثمر في إقليمها الجوي والأرضي دون أن ينال ذلك من سيادتها، أو أن يجعل البيانات الخاصة بمواطنيها متاحة بسهولة أمام هذه الشركات، أو أن تعجز عن تنفيذ سياستها الخاصة بمحتوى بعض مواقع الإنترنت التي تقوم بحجبها أو منعها أو إظهار محتوى معين دون الآخر.

ولهذا فإن المشروع لا يزال يثير عدة أسئلة تصعب الإجابة عليها في الوقت الراهن، خصوصاً أنه قيد التجربة والاختبار، ولم يبدأ بث خدماته إلى الجمهور حتى الآن، ومازالت الشركات تعمل على تجريب معداتها وآلياتها التكنولوجية التي سوف تستخدمها لبث خدمات الإنترنت، وما زال المشروع يحتاج إلى ضخ الملايين من الدولارات حتى ينطلق بطاقته الفعلية.