مكاسب إقليمية:

حسابات إيران تجاه عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل

16 October 2023


أبدت إيران، منذ اليوم الأول، تأييدها لعملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها حركة حماس بشكل مُباغت، يوم السبت 7 أكتوبر 2023، مُستهدفة مستوطنات غلاف قطاع غزة، حيث وصفها متحدث وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بأنها "صفحة جديدة على صعيد المقاومة والعمليات العسكرية". كما علّق المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، على تلك العملية، قائلاً إن "الشباب الفلسطيني اليوم هم أشد نشاطاً وحيوية وجهوزية من أي زمن خلال هذه الأعوام الثمانين".

دعم إيراني: 

اتسم الموقف الإيراني بالوضوح في دعم عملية "طوفان الأقصى"، ويمكن الوقوف على أبرز أبعاد هذا الموقف على النحو التالي:

1- مُباركة رسمية للعملية: منذ الساعات الأولى لانطلاق عملية "طوفان الأقصى"، أعلن مستشار المرشد الأعلى الإيراني، اللواء رحيم صفوي، دعم بلاده الصريح للعملية التي أطلقتها حماس ضد إسرائيل، مُبدياً ثقته بأن "جبهة المقاومة" ستنتصر في النهاية. كما بارك نواب مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) العملية. وأجرى الرئيس إبراهيم رئيسي اتصالاً هاتفياً مع كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، زياد النخالة، مشيراً إلى أن المعادلة تغيرت، وأن إشعال الحرب من قِبل إسرائيل سيعود عليها بالضرر.

2- تأييد وكلاء إيران: سارع حزب الله اللبناني إلى التعبير عن تأييده لعملية "طوفان الأقصى"، واصفاً إياها بـ"العملية البطولية واسعة النطاق"، مؤكداً أنه "على اتصال مُباشر مع قيادة المقاومة الفلسطينية ويجري تقييماً مستمراً للأحداث وسير العمليات معها". وبالتوازي مع ذلك، أثنت مليشيا الحوثيين في اليمن على العملية، بل وهدد زعيمها عبدالملك الحوثي، يوم 10 أكتوبر الجاري، بأن جماعته مُستعدة للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، "حال تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً بشكل مباشر" في المواجهات الحالية مع الفلسطينيين. أيضاً، أبدت الجماعات الموالية لطهران في سوريا والعراق دعمها للهجمات العسكرية ضد إسرائيل. 

وترجم حزب الله اللبناني تأييده لهذه الهجمات باستهدافه ثلاثة مواقع في مزارع شبعا، وهي الرادار وزبدين ورويسات العلم، بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ، وهو ما ردت عليه القوات الإسرائيلية باستهداف تلال كفر شوبا وقصف الخيمة التي نصبها حزب الله في مزارع شبعا، خلال الفترة الأخيرة، وهو ما دفعه لإعادة نصبها مرة أخرى بعد ساعتين من الهجوم الإسرائيلي. وذلك قبل أن تتزايد الاشتباكات بين الطرفين، والتي أدت إلى سقوط قتلى من كلا الجانبين. 

وربما يؤشر ذلك التصعيد إلى رغبة حزب الله في تشتيت جهود إسرائيل، بفتح جبهة في الشمال، بالتوازي مع جبهة غزة في الجنوب، من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين، مع ملاحظة أن مدى تصعيد حزب الله سيظل رهيناً بالعملية البرية في غزة. بمعنى أنه يصعب القول إن جبهة لبنان الآن أصبحت مُستقرة، إلا إنه يصعب القول أيضاً إن الطرفين قد خرجا عن قواعد الاشتباك المعروفة بينهما منذ حرب 2006، إذ ما زالت الضربات محدودة، وتقتصر على الفعل ورد الفعل. فعلى سبيل المثال، فإن حزب الله تبنى إطلاق صواريخ على موقع عسكري إسرائيلي يوم 11 أكتوبر الجاري، رداً على مقتل ثلاثة من عناصره قبل ذلك بيومين. وحرص المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون والغربيون، على التحذير من مغبة دخول حزب الله أو أي من وكلاء إيران الإقليميين في التصعيد الحالي في غزة، على أساس أن ذلك من شأنه أن يفتح صراعاً ممتداً في المنطقة.

3- التهديد بأقلمة الصراع: أجرى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، يوم 12 أكتوبر الجاري، جولة إقليمية شملت العراق ولبنان وسوريا، في مسعى من جانب طهران لتأكيد تحالف ما يُسمى بـ"محور المقاومة"، في إبداء الدعم لحماس في مواجهة إسرائيل والقوى الغربية التي تدعمها. والتقى عبداللهيان، خلال الزيارة، كبار المسؤولين في الدول الثلاث، كما التقى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وممثلين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي في لبنان. وحرصت إيران، من خلال تلك الزيارة، إلى تمرير عدد من رسائل التحذير لإسرائيل والولايات المتحدة، حيث حذر عبداللهيان من أن استمرار الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة سيلقى رداً من باقي المحاور، مُشيراً إلى أن "كل الاحتمالات مُمكنة"، بل إنه صرّح بشكل واضح بأنه على الولايات المتحدة "لجم" إسرائيل إذا أرادت تجنب حرب إقليمية. 

ولا شك أن هذا الموقف الأكثر وضوحاً من جانب إيران قد جاء على خلفية إبداء واشنطن دعمها المُطلق لإسرائيل في عمليتها العسكرية "السيوف الحديدية" ضد حماس، وهو ما تجلى في زيارتي وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى إسرائيل، بالإضافة إلى إرسال حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شواطئ البحر المتوسط، والمُقاتلات الهجومية "أف- 16" وغيرها من القطع الحربية. وهذا ما قُرئ إيرانياً بأنه تهديد لطهران لردعها ووكلائها في المنطقة، هذا إلى جانب تصاعد الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة وفرض حصار شامل عليه، الأمر الذي رأت إيران معه ضرورة أن ترفع نبرة تأييدها لـلجانب الفلسطيني.  

4- عودة الاعتبار الإيراني لحماس: ربما يمكن القول إن عملية "طوفان الأقصى" أعادت الاعتبار الإيراني لحركة حماس، بعد الفتور الذي كان يسود العلاقة بينهما، ولاسيما خلال الفترة التي شهدت تصاعداً للأحداث في سوريا، إذ اتخذت حماس موقفاً مُناوئاً لنظام الرئيس بشار الأسد، في الوقت الذي وصفت فيه طهران حماس بأنها "خائنة للعهد". بيد أن هذه العلاقة تحسنت بينهما في السنوات الأخيرة، وأجرى رئيس المكتب إسماعيل هنية زيارة إلى طهران، يوم 19 يونيو 2023، التقى خلالها المرشد علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي وكبار المسؤولين الإيرانيين. وهي زيارة جاءت في أعقاب زيارة سابقة للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، إلى طهران.  

ويبدو أن حركة الجهاد الإسلامي هي الأقرب فلسطينياً لإيران، بالنظر إلى تصعيدها ضد إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، بيد أن الأوساط الإيرانية قد رأت في إعادة الاعتبار لحركة حماس، على أساس أنها الأكبر عدداً والأفضل تسليحاً، أهمية كبيرة، لسببين: الأول؛ أنها تسيطر فعلياً على غزة، ووجودها في القطاع يسبب توتراً مُستمراً لإسرائيل. والثاني؛ أن حماس تشكل سلطة مُوازية للسلطة الفلسطينية في رام الله، الأمر الذي قد تراه طهران عقبة أمام أي تسوية سياسية مُستقبلية مُحتملة مع إسرائيل، بما يضمن استمرار الصراع في المنطقة، وتوظيف إيران له باعتبارها طرفاً فيه من خلال وكلائها. 

وقد سعت طهران، خلال الفترة الأخيرة، إلى التعامل مع كل من حماس والجهاد الإسلامي، على قدم المساواة، حيث التقى وزير الخارجية عبداللهيان، أثناء زيارته للبنان، والتي كانت في أواخر أغسطس الماضي، بقادة الحركتين في بيروت، وأعلن تمسك طهران باستراتيجية دعم الشعب الفلسطيني.

سياقات مُصاحبة: 

ثمّة سياقات مُصاحبة لعملية "طوفان الأقصى"، تتعلق بالعلاقات بين إيران وإسرائيل، ويمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1- تُهم لإيران بالتورط في الهجمات ضد إسرائيل: أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في تقرير لها نُشر يوم 8 أكتوبر الجاري، إلى أن مسؤولين إيرانيين ساعدوا في التخطيط لهجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، وأن اللمسات الأخيرة بشأن الهجوم قد تم التخطيط لها في اجتماع عُقد في بيروت خلال الشهر الجاري، بحضور ضباط كبار في الحرس الثوري الإيراني ومسؤولين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني. ولفت سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى أن اجتماعات عُقدت في سوريا ولبنان، للتنسيق بين وكلاء إيران في المنطقة، لتنفيذ الهجوم الأخير. وسبق أن كشف وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، في 12 سبتمبر الماضي، عن تأسيس إيران لمطار في جنوب لبنان، وتحديداً بالقرب من قرية بركة جبور ومدينة جزين اللبنانيتين، وهما على بُعد نحو 20 كم من الحدود مع إسرائيل، لاستخدامه في شن هجمات على إسرائيل، على حد تعبيره. وتوّعد مسؤولون إسرائيليون بتوجيه ضربة إلى "القيادة الإيرانية"، في حال ثبتت مسؤولية طهران عن "طوفان الأقصى". 

وقد نفت كلٌ من طهران وواشنطن صحة تلك المزاعم، إذ صرّح خامنئي، في أول ظهور متلفز له بعد التصعيد في غزة، بأن الإسرائيليين نشروا إشاعات بما في ذلك أن إيران تقف وراء هذه العملية، مُؤكداً أنهم "على خطأ". كما رأى المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أن طهران "متواطئة"، بحكم صلاتها التاريخية مع حركة حماس، رغم أن الولايات المتحدة ليس لديها معلومات مخابرات أو أدلة تشير إلى تورط إيران المباشر في الهجمات التي تشنها حماس في إسرائيل. ويؤشر ذلك الموقف على رغبة الجانبين الأمريكي والإيراني في تجنب الدخول في مواجهة مُباشرة؛ نظراً لارتفاع كُلفتها بالنسبة لكل منهما. 

2- ارتفاع حدّة التوتر بين طهران وتل أبيب: يأتي التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني في ضوء ارتفاع حدة التوتر بين إيران وإسرائيل في إطار "حرب الظل" الدائرة بينهما. إذّ تكثّفت الضربات الإسرائيلية، خلال الفترة الأخيرة، ضد مواقع في سوريا، والتي كان أحدثها القصف الإسرائيلي الذي استهدف مطاري دمشق وحلب وأخرجهما عن الخدمة؛ وذلك في مسعى من جانب إسرائيل لمنع أي محاولة لتكثيف إيران تموضعها داخل سوريا، والتي تعتبرها طهران جبهة متقدمة لها يمكن من خلالها توجيه التهديدات لإسرائيل، خاصةً في الوقت الذي تنشغل فيه الأخيرة بالجبهة المُشتعلة في غزة. وقد سبق ذلك قصف آخر لمواقع في محافظة دير الزور بشرق سوريا، وهي إحدى المحافظات التي توجد بها المليشيات الإيرانية بكثافة، في 4 أكتوبر الجاري. 

وبجانب ذلك، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر الماضي، التزامه بمنع إيران من حيازة السلاح النووي، طالما هو في موقع رئيس حكومة إسرائيل، مطالباً المجتمع الدولي بضرورة توفير "تهديد نووي ذي مصداقية"، قبل أن يصحح مكتبه ذلك التعبير، ويوضح أن المقصود هو "تهديد عسكري" وليس "نووي". ويتوافق ذلك مع مطالب المسؤولين الإسرائيليين بضرورة توجيه هجمات ضد منشآت إيران النووية، في ضوء استمرار طهران في تقدمها النووي، والذي باتت على إثره تقترب كثيراً من القنبلة النووية، بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.  

3- صفقة تبادل السجناء مع واشنطن: جاءت عملية "طوفان الأقصى" بالتزامن مع الحديث عن الإفراج عن أموال إيرانية مُستحقة لدى كوريا الجنوبية، تُقدر بقيمة 6 مليارات دولار. وتزايدت التكهنات في ضوء ذلك الاتفاق حول إمكانية توسعة التفاهمات بين طهران وواشنطن، بما قد يشمل قضايا وملفات أخرى، منها الملف النووي والصاروخي، وتزويد موسكو بالطائرات المُسيَّرة.

والجدير بالذكر أنه لم يصدر بيان وزارة الخارجية الإيرانية الذي يدعم عملية حماس ضد إسرائيل إلا قرب نهاية اليوم الأول، وهو الأمر الذي ربما يرجع إلى اعتبارات عديدة مرتبطة بالمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن الإفراج الأموال المُحتجزة بموجب صفقة تبادل السجناء بين الطرفين، ورغبة طهران في عدم إثارة غضب واشنطن، بما قد يدفعها إلى تعطيل نقل الأموال إلى إيران. ونوهت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة وقطر قد اتفقتا على وقف حصول إيران على تلك الأموال، وهو ما ردت عليه إيران بأن واشنطن لا يمكنها فعل ذلك، ثمّ أكدت الدوحة، باعتبارها الوسيط في هذه الصفقة، التزاماتها في هذا الاتفاق، وأنه ما زال سارياً.  

واتهم معارضون لهذه الصفقة مع إيران، إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأن الاتفاق الأخير قد شجع طهران على دعم حركة حماس التي شنت الهجوم على إسرائيل، وهو ما قاد المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، أدريان واتسون، لتأكيد أنه "لم يُنفق سنت واحد من هذه الأموال، وعندما تُنفق فإنها لا يمكن إنفاقها إلا على أشياء مثل الغذاء والدواء للشعب الإيراني". 

4- تعزيز التقارب الإيراني مع الدول العربية: يأتي التصعيد الحالي على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية بالتزامن مع استمرار مساعي إيران للتقارب مع دول المنطقة، وهو الأمر الذي لا ينفصل عن صراعها الدائر مع إسرائيل، حيث تهدف طهران من خلال تقاربها مع الدول العربية إلى تعطيل مساعي إسرائيل لتشكيل جبهة إقليمية تجمع تل أبيب ودول المنطقة لمناوئة إيران ونفوذها. إذ تُشير بعض التقديرات إلى أن إيران ربما دعمت تنفيذ حماس لهذه الهجمات النوعية، والتي تختلف حتى عن عمليات حركة الجهاد الإسلامي، من أجل تحريك القضية الفلسطينية، وإثارة المشاعر العربية والإسلامية ضد تل أبيب، بما يعني محاولة توظيف طهران لتلك العملية في إبطاء مسار التقارب والانفتاح الإسرائيلي تجاه دول المنطقة، في مقابل المُضي قُدماً في التقارب والانفتاح مع إيران. ومن جانبه، عبّر نائب رئيس البرلمان الإيراني، مجتبى ذو النوري، عن "أمله في أنه في أعقاب هجمات حماس سيتم تأجيل مسألة اعتراف دول المنطقة بإسرائيل إلى الأبد".

في الختام، يمكن القول إن إيران ربما تُعد من المُستفيدين من التصعيد الإسرائيلي الفلسطيني الراهن، حيث قد يمثل بالنسبة لها "قُبلة حياة"، في هذا التوقيت، الذي تتعرض فيه لضغوط مُتزايدة من جانب واشنطن والأطراف الأوروبية على خلفية الملفات الخلافية معهم، والتي يأتي على رأسها الملفان النووي والصاروخي، واستمرار دعم طهران لموسكو بالطائرات المُسيَّرة، بالإضافة إلى تزايد التهديدات من جانب إسرائيل لإبطاء وتيرة تقدم إيران النووي، الأمر الذي يعني إمكانية تنفيذ عمليات تخريبية ضدها خلال الفترة المقبلة.