مسبار الأمل:

واقع ومستقبل علوم الفضاء في دولة الإمارات

07 March 2016


جاء الإعلان الرسمي عن التفاصيل المتعلقة بمشروع استشكاف دولة الإمارات لكوكب المريخ، باستخدام "مسبار الأمل"، يوم 6 مايو الجاري؛ ليدشن مرحلة جديدة في صناعة المستقبل، ليس فقط لدولة الإمارات العربية، ولكن لكل الدول العربية، خاصة أنها الدولة العربية الأولى التي تطلق مسباراً فضائياً إلى المريخ، وهو ما يؤكد حرص قيادة الإمارات على تبنّي العلم والمعرفة، وإثراء الإنسانية بكل ما هو إيجابي.

تكمن الأهمية الكبرى للمشروع الإماراتي الأول إلى كوكب المريخ، في أنه سوف يجعل الإمارات ضمن تسع دول فقط في العالم لديها برامج فضائية لكوكب المريخ، حيث يأتي هذا المشروع في إطار استراتيجية "رؤية الإمارات" عام 2021، ومن المخطط أن يصل المسبار إلى المريخ بالتزامن مع موعد الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

خبرة الإمارات في علوم الفضاء

أصدرت دولة الإمارات مرسوماً عام 2006 لتأسيس مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة "إياست"، من أجل وضع الإمارات والمنطقة العربية على خارطة العالم في استكشاف الفضاء، ومن أجل المساهمة في ابتكار العلوم والتقنية المتقدمة على مستوى العالم، وهو ما يعتبر دعامة أساسية للاقتصاد الإماراتي مستقبلا. وقد حدَّد المرسوم أهداف تلك المؤسسة كالتالي:ـ

- التحديث والتطوير وتحقيق الريادة في مجالات العلوم والتقنية المتقدمة.

- تعزيز وتكريس ثقافة ومهنية إجراء الأبحاث العلمية المتقدمة لدى المواطنين، لدعم قدراتهم على الابتكار التقني والوصول إلى مستويات علمية رائدة ومتميزة.

- تطوير الموارد البشرية الوطنية لخلق قاعدة ذات مستويات علمية رائدة ومتميزة.

- تأسيس علاقات تعاون ومشاريع مشتركة مع المؤسسات التقنية والصناعية والبحثية المحلية والأجنبية.

- المساهمة في التقدم العلمي والتنمية المستدامة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ويمكن القول إن ثمرة هذه الاستراتيجية الوطنية الهادفة لتحقيق طفرة إماراتية في علوم الفضاء، كانت في عام 2009 حين تم إطلاق أول قمر صناعي للاستشعار عن بُعد تمتلكه هيئة إماراتية بالكامل، وهو قمر "دبي سات-1"، حيث جاء نتيجة ثلاث سنوات من العمل الجاد بعد تأسيس "إياست"، ولم تمض سوى أربع سنوات فقط حتى تمَّ إطلاق قمر صناعي آخر في عام 2013، هو "دبي سات-2" وهدف إلى تعزيز نقل المعرفة، والحصول على صور فضائية عالية الجودة.

أما التطور الأكثر أهمية في هذا الإطار، فهو قمر "خليفة سات" المخطط إطلاقه في عام 2017، والذي يعتبر نقلة نوعية للتكنولوجيا الفضائية الإماراتية، خاصة أنه سيتم إطلاقه بكفاءات إماراتية خالصة، وسوف تشمل مهامه اكتشاف التغيرات المناخية، وإدارة الإغاثة في حالات الكوارث، واكتشاف السفن وتقديم معلومات عن اتجاهها وسرعتها، بالإضافة إلى رسم خرائط وتضاريس لجميع أنحاء العالم.

وتم في العام الماضي الإعلان عن إنشاء "وكالة الإمارات للفضاء" وفقاً لمرسوم بقانون اتحادي؛ نص على إنشاء وكالة للفضاء، وعرَّف القطاع الفضائي بأنه "يشمل جميع الأنشطة والمشاريع والبرامج ذات العلاقة بالفضاء الخارجي الذي يعلو الغلاف الجوي للأرض". وبيَّن المرسوم أن الوكالة تهدف إلى تنظيم الجهود الإماراتية في الفضاء، وتقديم كل الدعم اللازم لها، بالإضافة إلى تشجيع استخدامات العلوم والتقنيات الفضائية وتطويرها وتنميتها من خلال الشراكات الدولية المختلفة، فضلاً عن تقديم التوجيه والإرشاد للقطاع الصناعي والأكاديمي في هذا المجال الحيوي، إضافة إلى تحديد الأنشطة الفضائية التي يمكن للوكالات والهيئات غير الحكومية ممارستها في الدولة.

الإمارات.. تجربة عربية واعدة

تُعّدّ التجربة الإماراتية في مجال الفضاء واعدة ورائدة بلا شك. وكانت مصر قد بدأت بالفعل في ستينيات القرن الماضي محاولة اجتياز عتبة تكنولوجيا الفضاء بتصنيع صواريخ كان من الممكن تطويرها لتحمل أقماراً صناعية إلى المدار، وذلك بدعم من بعض الخبراء الألمان الذين عملوا في هذا المجال، ولكن تلك التجربة تمَّ اجهاضها بالكامل، وبعد أن كانت مصر سباقة عربياً، جاءت حرب 1967 لتجعل الحلم المصري في الفضاء ينتهي.

وتستمد الريادة الإماراتية بإطلاق مسبار الأمل، أهميتها من أمرين؛ هما:ـ

1- يمكن النظر للخطوة الإماراتية باعتبارها بداية هامة للتواجد العربي والإسلامي في مجال الفضاء، حيث إن استكشاف الفضاء بات مؤشراً هاماً للتقدم وطرق أبواب المستقبل. كما أن المشروع الإماراتي يعطي بارقة أمل للشباب العربي في مستقبل أفضل خاصة في ظل الأزمات التي تعيشها المنطقة.

2- يعتبر "مسبار الأمل" هو أول بعثه دولية تهدف إلى توفير دراسة شاملة ومتكاملة عن المناخ في كوكب المريخ، ومن ثم ينطوي المشروع الإماراتي على مهام وجوانب بحثية لم تتطرق إليها مشروعات دولية سابقة. ويعني هذا الأمر أن دولة الإمارات لم تعد فقط مستهلكة للتكنولوجيا، بل إنها باتت تزاحم الدول المتقدمة في صناعتها، وتقوم بدور الحاضنة للعلم والابتكارات.

تجدر الإشارة إلى أن أول مسبار يهبط على كوكب المريخ يعود إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث كان مسبار "فايكينج 1" هو أول مسبار يقوم بذلك، تبعه مسبار "فايكينج 2" والذي وصل إلى المريخ بعد شهر واحد فقط  من المسبار الأول، وكان ذلك ضمن برنامج "فايكينج" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، والذي يستمد أهميته من كونه أول خطوة عالمية نحو استكشاف كوكب المريخ، بالإضافة إلى أنه استطاع أن يوفر صوراً كثيرة لكوكب المريخ، وكذلك قاعدة بيانات معلوماتية كبيرة، علاوة على عمل تجارب لاستكشاف علامات الحياة الممكنة على الكوكب.

أهداف "مسبار الأمل" في كوكب المريخ

أعلنت دولة الإمارات أن مسبارها الأول سوف ينطلق خلال النصف الأول من عام 2020، كي يصل إلى وجهته النهائية خلال حوالي سبعة أشهر، وذلك بعد استيفائه كافة الخطوات العلمية المطلوبة، بدءاً من التصميم والاختبارات، وصولاً إلى الإطلاق وبداية التشغيل.

ويتكون فريق المشروع من 70 مواطناً إماراتياً، وسيصل العدد إلى 150 مهندساً وباحثاً بحلول عام 2020، إلى جانب مساهمة أكثر من 200 مختص من المؤسسات العلمية الشريكة داخل وخارج الدولة. وستكون "مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة" هي المعنية بتنفيذ مشروع المسبار وإطلاقه ومتابعة كافة مراحلة، وذلك بإشراف وتمويل وكالة الإمارات للفضاء.

وتهدف دولة الإمارات من "مسبار الأمل" تحقيق عدة أهداف هامة، يمكن تبيانها كالتالي:

- تعزيز قدرة الإمارات على اتخاذ خطواب أوسع وأكثر ثقلاً في الأبحاث المتعلقة بمجال الفضاء، حيث يعتمد المشروع بالأساس على كفاءات إماراتية، سواءً من حيث الفكرة أو التصميم، أو حتى الإدارة وبناء الأجزاء الرئيسية في المشروع.

- فهم التغيُّرات المناخية على كوكب المريخ، وأسباب تآكل الغلاف الجوي للكوكب.

- زيادة الوعي المجتمعي الإماراتي والعربي باستكشاف الفضاء، وفتح الأفق أمام الأجيال الجديدة من أجل إتاحة الفرصة كاملة لهم في ذلك المجال.

- دفع تنمية الاتصالات، وكذلك الاستشعار عن بُعد.

- إتاحة معلومات جديدة حول الكوكب المريخ تفيد أكثر من مائتي مركز بحثي حول العالم، وتفيد آلاف المتخصصين في علوم الفضاء.

مستقبل علوم الفضاء في الإمارات

جاءت الخطوات الإماراتية تجاه الفضاء ناجحة للغاية، خاصة أنها تتم على أسس علمية مدروسة، ووفق إطار زمني مُحدَّد، في إطار تشجيع الكفاءات الوطنية وثقلها، والاستفادة من كافة الجهود العالمية في هذا المجال عن طريق الشراكات الدولية المتميزة.

ولا شك أن كل تلك الجهود المثمرة لم تكن لتنجح إلا بأسس وضوابط تشريعية واضحة ورصينة توضح السُبل اللازمة لضمان تحقيق مستقبل واعد للإمارات في علوم الفضاء، بالإضافة إلى وجود إدارة جيدة من قِبل المسؤولين التنفيذيين في الدولة والمعنيين بتلك المشاريع الخاصة بالفضاء.

وفي هذا الإطار، فإن دولة الإمارات لديها هدفان أوشكا على التحقق، أولهما، قمر "خليفة سات" والذي سيتم إطلاقه خلال أقل من عامين، وسوف يصبح أول قمر صناعي إماراتي خالص. وثانيهما "مسبار الأمل" الذي يعد سبقاً إماراتياً وعربياً رائداً، والمزمع إطلاقه خلال ست سنوات فقط. وهما هدفان كاشفان لحقيقة أن ثمة مستقبلاً هائلاً ينتظر دولة الإمارات في ظل استخدامها للتقنيات الحديثة وعلوم الفضاء المتاحة من أجل توفير الدعم لصناعة القرار وتقديم إسهامات علمية إلى البشرية، وهو ما سوف يضعها في مرتبة متميزة عالمياً وإقليمياً في هذا المجال.

ولابد للدول العربية الاستفادة من المشروع الإماراتي في الفضاء، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الجهود وتكثيفها، أو بضرورة المداومة والاستمرارية بأن تستمر تلك الجهود دون انقطاع وبمواجهة كافة العوائق، بالإضافة إلى تعزيز الجهود الوطنية وخلق قيادات علمية وطنية وعربية تستطيع الابتكار في مجالات علوم الفضاء، بالإضافة إلى إنشاء مراكز علمية متميزة في تكنولوجيا الفضاء من أجل تعظيم سُبل الاستفادة من الاستخدامات السلمية للفضاء في الدول العربية، لأن الطريقة الوحيدة من أجل الاستفادة من تطور التكنولوجيا هو أن نستطيع إنتاجها بأنفسنا أو على الأقل نكون مشاركين في إنتاجها، ولا نكون بعيدين عنها أو مستبعدين منها.