ما بعد القمة العربية.. أسئلة استراتيجية ملحة

14 June 2023


انعقدت القمة الثانية والثلاثون لجامعة الدول العربية في المملكة العربية السعودية في 19 مايو في الوقت الذي يواجه فيه النظام العالمي "عاصفة عاتية"، ويمر الشرق الأوسط بمرحلة "إعادة تعريف". لقد كنت سعيداً لرؤية سوريا تشارك في اجتماعات جامعة الدول العربية على الرغم من معارضة بعض الدول العربية لذلك. بالإضافة إلى ذلك، كان للاتفاق السعودي الإيراني الأخير تأثير كبير قبل القمة.

يعتمد نجاح القمة أو فشلها على قدرتها على معالجة ثلاثة مستويات من القضايا في وقت واحد: قضايا الأزمات الفورية، وقضايا التحديات التي تتطلب خطط عمل قريبة أو متوسطة المدى، وقضايا المسائل الاستراتيجية المهمة التي تتطلب خطط عمل طويلة الأمد. وتُعد معالجة مثل هذه القضايا مهمة بشكل خاص خلال أوقات التحولات العالمية ومحاولات إعادة تعريف الشرق الأوسط.

معالجة الأزمات والتحديات 

تستحق دبلوماسية المملكة العربية السعودية، في فترة ما قبل القمة، كل التقدير. والدليل على ذلك هو مشاركة بشار الأسد في القمة، مما يشير إلى التزام سوريا بالاندماج الكامل في العالم العربي، ومعالجة القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وكان لإعلان عمان في الأول من مايو، والقرار الوزاري رقم 8914 لجامعة الدول العربية دور مهم في المشاركة السورية. فقد أكدت مثل هذه المبادرات أهمية التقدم التدريجي المتبادل، وسلطت الضوء على أهمية بناء الثقة واعتماد ممارسات جديدة. 

لقد مثّل قرار إزالة اللافتات الإيرانية من الأماكن العامة بسوريا بادرة رمزية، ولكن يظل من المتوقع أن تحافظ سوريا على ارتباطاتها الإيرانية وذلك بغرض مواجهة الضغوط الغربية والإسرائيلية. ولذا فمن الضروري التأكد من أن ذلك الأمر لن يأتي على حساب المصالح العربية. ومن التطورات الأخرى الجديرة بالملاحظة في المنطقة، تدخل الأردن عسكرياً في سوريا ضد مهربي المخدرات. وتتوقع سوريا من الدول العربية استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، وتقديم الدعم المالي لإعادة الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين. في حين أن هناك الكثير من الأمل في المستقبل، ولكن يبقى من الضروري التصرف بحكمة ورزانة.

ويُعد الصراع في السودان من القضايا الأخرى الملحة بالمنطقة، والذي أسفر عن عواقب إنسانية وخيمة وتداعيات إقليمية ضخمة. لقد كان إعلان جدة بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان، بقيادة المملكة العربية السعودية بالمقام الأول، بمثابة خطوة أولى في معالجة الجانب الإنساني للأزمة. ومع ذلك، كان ينبغي للقمة أن تتطرق إلى ما هو أبعد من ذلك، من خلال وضع آليات متابعة، ومراقبة، ومفاوضات بين الأطراف المتصارعة لوقف العنف وتسهيل استئناف الحوار السوداني.

وتُعد الأوضاع في ليبيا واليمن، والعلاقات مع إيران وتركيا وإسرائيل من بين التحديات الملحة الحالية والمستقبلية بالمنطقة العربية، وفي هذا الإطار فأنا غير راضٍ عن نتائج القمة فيما يتعلق بليبيا. فعلى أقل تقدير، كان ينبغي للقمة أن تقوم بتعيين مبعوث جديد من جامعة الدول العربية خصيصاً لليبيا للتنسيق مع الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة المختلفين بالمنطقة. فقد أنهى ناصر القدوة، آخر مبعوثي جامعة الدول العربية، خدمته بهذا الصدد منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وكذلك، كان ينبغي للقمة أن تتخذ موقفاً من ضرورة تبني الفصائل الليبية لبرنامج مشترك، وإن لم يكن مثالياً، لإجراء انتخابات وطنية، وإعطاء الأولوية لتوحيد المؤسسات الحكومية بدلاً من استمرار التنافس فيما بينها.

أما على الصعيد اليمني، فقد تم مدّ وقف إطلاق النار مرة أخرى، ونأمل أن يعزز الحوار بين إيران والمملكة العربية السعودية إحراز المزيد من التقدم في هذا الصدد. ويبدو أن القوى الإقليمية تتحرك في الاتجاه الصحيح فيما يخص هذه القضية، وإن كنا لا نستطيع الجزم بوجود نتيجة مؤكدة. ونظراً لأهمية وقرب اليمن، أتوقع أن يبقى الوضع هناك على رأس أولويات القمة العربية في الأشهر المقبلة.

التعاون حول القضايا الاستراتيجية 

فيما يخص المستوى الثالث من القضايا التي يجب أن تعمل القمة العربية على معالجتها فهي تلك القضايا التي لها أهمية استراتيجية والتي تكون في العادة طويلة الأجل. لقد عالجت القمة المخاوف المتعلقة بالتنمية المستدامة، وندرة المياه، والإمدادات الغذائية الاستراتيجية. ومع ذلك ما زلت آمل أن تتخذ قيادة القمة المزيد من الخطوات لحل مختلف القضايا الملحة، وذلك من خلال تشكيل فرق عمل مشتركة. ويشمل هذا النوع من القضايا أموراً عديدة مثل: "ندرة المياه وإدارتها"، و"أمن الغذاء والصحة العامة"، و"الأمن العربي والإقليمي، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة النووية"، و"الآفاق السياسية والعسكرية والاجتماعية المستقبلية في الشرق الأوسط، و"الأدوار الجيوسياسية للقوى العظمى التقليدية والناشئة"، و"التنمية الاقتصادية وتكامل السوق العربي"، وأخيراً "تطوير مبادئ حقوق المواطنين إقليمياً" لتعزيز الشمولية مع احترام هوياتنا الوطنية. 

لقد أظهرت الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي بذلتها المملكة العربية السعودية روحاً جديدة من التعاون والإبداع البناء، وآمل أن يؤدي ذلك إلى تسهيل التفكير الاستراتيجي.

لقد عكست لغة الخطاب الختامي للقمة العربية بجدة واقعية جديدة واحترافية كبيرة. فقد شدد هذا الخطاب على أهمية زيادة التعاون بين الأطراف العربية المختلفة بدلاً من الاعتماد على الخطاب العربي التقليدي القائم على الإجماع والمواقف المتطابقة، كما كان هناك تأكيد لأهمية تعزيز القدرات والمهارات البشرية إدراكاً لأهميتها في تحقيق الأهداف المشتركة.

صحيح أنه تم عقد العديد من الاجتماعات الثنائية للقيادات المختلفة في جدة، ولكن تدعو الحاجة إلى إجراء تغييرات كبيرة في شكل انعقاد هذه الاجتماعات لتمكين القادة من الانخراط في حوار متعدد الأطراف يتجاوز البيانات الرسمية. وبالفعل فإن العديد من الاجتماعات الدولية الناجحة تتبنى هذا النهج لأنه يمهد الطريق لإجراء مناقشات أكثر جدوى وانفتاحاً، فضلاً عن أنه يعزز العلاقات الودية بين القادة. ولكن للأسف لم يتم استغلال مثل هذه الفرص في هذه القمة العربية، وسيكون من المفيد معالجة ذلك في القمم المستقبلية.

ألقيت أخيراً كلمة رئيسية في مؤتمر دولي كبير في موسكو، ولم أتردد في التأكيد أن احتلال الأراضي بالقوة، كما حدث في أوكرانيا أخيراً، يُعد انتهاكاً للقانون الدولي، بغض النظر عن أي أعمال استفزازية سابقة من قبل الغرب. ولكن على الجانب الآخر، كان من المقلق أن أجد أنه خلال انعقاد القمة العربية الإقليمية، حين اختار الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن يتحدث لم يأت على ذكر الحالة الأكثر وضوحاً للاحتلال ألا وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المستمر منذ سبعة عقود، مما يُعد مثالاً واضحاً على ازدواجية المعايير. وهكذا فمن خلال تجاهل الرئيس الأوكراني لهذه القضية، فإنه يضعف من قضيته ويفوت الفرصة لمعالجة مسألة مهمة وملحة.