تحولات نوعية:

تصعيد محتمل للصراع السوداني بعد تعثر مباحثات جدة

11 June 2023


شهدت العاصمة السودانية، الخرطوم، في الأيام الأخيرة، تصعيداً لافتاً في وتيرة القتال بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال الأيام الأخيرة الماضية، وذلك في أعقاب انتهاء وقف إطلاق النار بين الطرفين، وانهيار مباحثات جدة التي ترعاها السعودية والولايات المتحدة.

تصعيد لافت:

عاد القتال العنيف مرةً أخرى بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع خلال الأيام الأخيرة، مع استمرار تركز غالبية الاشتباكات في الخرطوم ودارفور، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- احتدام اشتباكات الخرطوم ودارفور: رصدت العديد من التقارير احتدام حدة المواجهات بين قوات الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من خلال استخدام كثيف للأسلحة الثقيلة. وتركزت الاشتباكات في عدة مناطق داخل الخرطوم، خاصةً في وسطها وجنوبها وكذلك بحري. بالإضافة إلى أم درمان، حيث استخدم الجيش راجمات صواريخ.

وقامت قوات الجيش السوداني بقصف معسكر "طيبة الحسناب" بالقرب من جبل أولياء، بجنوب الخرطوم، حيث تتركز به قوات الدعم السريع، وشككت تقارير إعلامية في إعلان الجيش نجاحه في السيطرة على المعسكر. كما دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين في "مجمع اليرموك" بجنوب الخرطوم، وهو أحد مجمعات التصنيع العسكري التابعة للجيش السوداني، والذي يحتوي على مخزونات هائلة من الأسلحة والذخيرة، إذ تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة عليه، بالإضافة للمواجهات الحادة القريبة من هذه المنطقة عند "مستودع الشجرة"، والذي يضم كميات كبيرة من الوقود والغاز، وهو ما ينذر باندلاع انفجارات واسعة تهدد المناطق السكنية والمدنية.

ومن ناحية أخرى، اندلعت مواجهات عنيفة بين طرفي الصراع في ولاية شمال دارفور، ولاسيما في بلدة "كتم"، والتي تُعد المركز التجاري في الولاية، في ظل الحديث عن سيطرة قوات الدعم السريع على هذه البلدة.

2- انهيار مباحثات جدة: جاء التصعيد الميداني في أعقاب الإعلان رسمياً عن انهيار مباحثات جدة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها، مما أدى إلى تعثر جهود الوساطة السعودية الأمريكية في تمديد الهدنة الهشة بين الأخير وقوات الدعم، والتي أسهمت في تهدئة القتال نسبياً والسماح بوصول محدود للمساعدات الإنسانية، على الرغم من الانتهاكات المستمرة لهذه الهدنة من قبل طرفي الصراع.

وفي أعقاب انهيار المباحثات، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على شركتين مرتبطتين بالجيش السوداني وأخريين مرتبطتين بالدعم السريع. ويلاحظ أن هذه العقوبات لن يكون لها تأثير في الوضع الميداني، غير أن واشنطن ربما تستهدف من ذلك إرسال تحذير مباشر لطرفي الصراع بإمكانية أن تعمد إلى تصعيد العقوبات ضدهما حال تمسكهما بالقتال.

3- مبادرة مصرية قطرية: أعلنت مصر وقطر اتفاقهما على إطلاق مبادرة جديدة تستهدف وقف القتال، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية. ويفترض أن تعمل الجهات المعنية في البلدين لتطوير الإطار التنفيذي لتطبيق هذه المبادرة، لكن، حتى الآن، لم يتم الكشف عن تفاصيلها.

دلالات مهمة:

تعكس المعارك الجارية في السودان حالة من التوازن النسبي، ميدانياً، بين الجيش وقوات الدعم السريع، فبينما تبدو الأخيرة أكثر سيطرةً على الخرطوم والمناطق المحيطة بها، فإن سيطرتها تتراجع خارج العاصمة، فيما يسيطر الجيش على أغلب مناطق السودان. وفي هذا السياق، يعكس التصعيد الميداني الراهن جملة من الدلالات المهمة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- حشود عسكرية متزايدة: رصدت تقارير غربية تحركات مكثفة للجيش السوداني من مختلف المدن السودانية، خاصةً عطبرة والدمازين وود مدني وغيرها، باتجاه الخرطوم، وذلك لتعزيز قواته الموجودة هناك.

وفي المقابل، تم رصد تحركات لنحو 200 مركبة من قوات الدعم السريع، وهي في طريقها إلى قاعدة لها في شمال كردفان، تمهيداً لشن هجمات جديدة على عاصمة الولاية. كما نشبت اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والفرقة الخامسة من قوات الجيش السوداني في جنوب وسط السودان، حيث أشارت تقارير إلى أن طرفي الصراع يستعدان لهجمات كبرى خلال الفترة المقبلة.

2- استخدام مكثف للمدفعية: بدأ طرفا الصراع يستخدمان الأسلحة الثقيلة والمدفعية بعيدة المدى، وهو ما سيترك تداعيات سلبية على المناطق المدنية، إذ ينذر ذلك بسقوط ضحايا من المدنيين، ومن ثم استقطاب مختلف القبائل للمشاركة في القتال الدائر لصالح أحد الطرفين على نحو ينذر بحدوث حرب أهلية يترتب عليها تفكيك السودان.

3- تحركات دبلوماسية موسعة: كثف طرفا الصراع السوداني، خلال الآونة الأخيرة، من تحركاتهما الدبلوماسية الخارجية، في محاولة من جانب كل منهما لحشد دعم خارجي مكثف في مواجهة الآخر. 

وفي هذا السياق، يجري المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، يوسف عزت، حالياً جولة أوروبية، تشمل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في محاولة للترويج لفكرة أن الدعم السريع يعمل جاهداً على حماية المدنيين، بخلاف قوات الجيش السوداني التي تستخدم الأسلحة الثقيلة في قصفها لمواقع داخل الخرطوم، وهو ما يشكل تهديداً للمدنيين. 

في المقابل، يعمل الجيش السوداني للترويج لفكرة استهداف قوات الدعم السريع للمستشفيات ومباني المدنيين داخل الخرطوم، في محاولة لدفع الأطراف الدولية لتبني مواقف مناهضة للدعم السريع.

مرحلة جديدة:

تعكس المتغيرات الميدانية الراهنة اتجاه الصراع السوداني للتصعيد في ظل الحشد العسكري لطرفي الصراع، واتساع نطاق الاشتباكات العنيفة بينهما، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- مساعي الجيش للسيطرة على الخرطوم: يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً كبيراً من جانب الجيش السوداني في هجماته داخل الخرطوم، في إطار مساعيه لاستعادة السيطرة عليها من قوات الدعم السريع، وهو ما قد يفسر انسحاب الجيش من مباحثات جدة، حيث يسعى الجيش لتحقيق انتصارات ميدانية تعزز موقفه التفاوضي في مواجهة الدعم السريع، خاصةً في ظل الحديث عن احتمالية استئناف المباحثات المباشرة بين طرفي الصراع في جدة خلال الفترة المقبلة.

ولا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على مساحات واسعة من الخرطوم، وحتى الآن، لم تشكل الضربات الجوية لقوات الجيش أي فاعلية في دفع قوات الدعم السريع للانسحاب من الخرطوم، ولذلك قد يتجه الجيش السوداني لقطع خطوط الإمداد عن قوات الدعم السريع في الخرطوم، ومنعها من إعادة التزود بالذخيرة والوقود.

2- تحركات محتملة للدعم في بورتسودان: اتهم الجيش قوات الدعم بالاستعداد لشن هجمات واسعة في بورتسودان بشرق البلاد، والتي تخضع حالياً لسيطرة كاملة من قبل الجيش، إذ قام، خلال الأيام الأخيرة، بمنع وصول الحافلات للمدينة، بدعوى وجود تحركات جارية للدعم السريع تستهدف التغلغل داخل المدينة تمهيداً لشن هجمات واسعة في هذه المنطقة، رداً على الهجوم الواسع المرتقب من قبل قوات الجيش في الخرطوم. 

3- مواجهات حادة في دارفور: يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة اندلاع مواجهات أكثر عنفاً في دارفور، نظراً لسعي كل طرف لحسم الصراع الميداني هناك في مواجهة الآخر، خاصةً في ظل الحديث عن اتجاه قوات الجيش السوداني لتسليم أسلحة لبعض المجموعات المحلية في دارفور ودفعها للدخول في مواجهات ضد قوات الدعم السريع، وهو ما ينذر بانخراط قبلي أوسع في هذا الصراع.

وفي الختام، على الرغم من إعلان السعودية والولايات المتحدة استئناف المفاوضات غير المباشرة بين طرفي الصراع، في محاولة للتوصل إلى هدنة جديدة تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، فإنه حتى الآن، تبدو الأوضاع مرشحة للتفاقم ومزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة، في ظل مساعي كل طرف لشن هجمات جديدة، لتوسيع نطاق سيطرته الميدانية وهزيمة الطرف الآخر.