شراكة قلقة:

عراقيل دعم روسيا للنووي الإيراني بعد الاتفاق مع السعودية

14 March 2023


وفقاً لمعلومات استخباراتية أمريكية نقلتها شبكة "CNN" في 4 نوفمبر 2022، فإن إيران تسعى للحصول على مساعدة من روسيا لبرنامجها النووي مقابل تقديم طائرات مُسيّرة "درونز" وصواريخ إيرانية لموسكو. وتعتقد الاستخبارات الأمريكية أن إيران تسعى للحصول على مساعدة روسيا في شراء مواد نووية إضافية، وكذلك لتصنيع الوقود النووي، وبالتالي تقليص ما يُسمى بـ"وقت الاختراق" لإنتاج مواد انشطارية كافية لصنع سلاح نووي في غضون أشهر. وطبقاً لمسؤولي الاستخبارات الأمريكية، فإن اقتراح طهران لموسكو مدفوع، جزئياً، باعتقاد سائد بين كبار المسؤولين الإيرانيين مفاده أن اتفاقاً نووياً جديداً لن يتم إحياؤه، ولو تم فلن يستمر، ومن ثم تبحث طهران عن خطة احتياطية تتيح لها استئناف برنامجها النووي بسرعة إذا لزم الأمر. 

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت موسكو قد قبلت طلب طهران، لكن هناك قلقاً في واشنطن بشأن احتمال أن تغير روسيا موقفها من البرنامج النووي الإيراني إذا تصاعدت التوترات الروسية مع الغرب على خلفية حرب أوكرانيا. ويراقب المسؤولون الغربيون الموقف عن كثب لمعرفة ما إذا كانت موسكو ستنسف أي جهود مستقبلية لاستئناف المحادثات النووية، أو حتى تذهب إلى أبعد من ذلك وتقدم دعمها لجهود إيران لتطوير أسلحة نووية. ولكن ما زالت هناك عقبات عديدة قد تحول دون تعاون روسيا مع إيران في برنامجها النووي، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية وكان أحدثها الاتفاق السعودي الإيراني يوم 10 مارس 2023 لاستئناف العلاقات بين البلدين في غضون شهرين على الأكثر، وذلك بعد قطيعة استمرت لنحو 7 سنوات. 

مُحفزات الصفقة:

تتزايد شكوك الغرب في إمكانية قبول روسيا للاقتراح الإيراني، في حالة صحته، وسط شراكة واسعة بين طهران وموسكو في الأشهر الأخيرة، لاسيما على خلفية حاجة روسيا إلى أسلحة إيرانية لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، وتعثر مفاوضات عودة واشنطن لاتفاقية العمل الشاملة المشتركة بشأن الملف النووي الإيراني، وقبل هذا وذاك عداء روسيا وإيران المشترك تجاه واشنطن والغرب. وهذا ما يتضح في الآتي:

1- تنامي التعاون العسكري بين روسيا وإيران: بحلول عام 2000، كانت إيران ثالث أكبر سوق للأسلحة الروسية. وزودت روسيا، إيران بـ96% من وارداتها من الأسلحة بين عامي 2014 و2018. وتم تسليم أربعة أنظمة دفاع صاروخي من طراز "S-300" في صفقة بقيمة 800 مليون دولار بين طهران وموسكو في عام 2016 بعد تأخير لمدة 9 سنوات. 

وتعمل موسكو على تعميق علاقاتها العسكرية مع طهران وسط تقارير تفيد بأنها ستزودها قريباً بمقاتلات "Sukhoi Su-35" المتقدمة. ففي ديسمبر 2022، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين في الاستخبارات الغربية أن روسيا تستعد لتزويد إيران بطائرات مقاتلة من هذا الطراز، وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أنه قد تم بالفعل تدريب طيارين إيرانيين على استخدام تلك المقاتلات. 

وفي المقابل، وحسب تقارير غربية، أرسلت إيران إلى روسيا طائرات مُسيّرة لاستخدامها في حربها بالأراضي الأوكرانية، كما تعهدت بتزويد موسكو بصواريخ بالستية قصيرة المدى وذخيرة ودروع واقية. وسافر مستشارون عسكريون إيرانيون إلى ساحة المعركة الأوكرانية لتقديم المساعدة للروس. وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، تناقلت تقارير أخباراً تفيد بأن طهران تستعد لبناء مصنع مشترك لإنتاج "الدرونز" في روسيا، وتتوقع بعض الاستخبارات الغربية أن يكون هذا المصنع جزءاً من صفقة دفاعية بقيمة مليار دولار وقعتها موسكو وطهران أخيراً.  

2- انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا: أدت روسيا في فترة سابقة دوراً أساسياً في محادثات الاتفاق النووي الإيراني، وتوسطت في بعض الصفقات التي منحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية "IAEA" الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، مما حافظ بشكل فعال على بقاء المفاوضات على المسار الصحيح. ولكن بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بدا المسؤولون الروس مترددين في التعاون بشأن مسألة الاتفاق النووي الإيراني. وفي يونيو 2022، عارضت روسيا القرار الذي اقترحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يدين طهران لفشلها في التعاون مع عمليات التفتيش على آثار اليورانيوم التي عُثر عليها في بعض المواقع النووية غير المعلنة في البلاد.

وبالتالي غيرت الحرب الأوكرانية الطريقة التي تنظر بها روسيا إلى علاقاتها مع إيران، والتي أصبح دعمها الآن أمراً بالغ الأهمية لموسكو. وللمرة الأولى، أصبحت روسيا أكثر اعتماداً على إيران من أي وقت مضى، ليس فقط بالنسبة للطائرات المُسيّرة، ولكن أيضاً في صراعات الشرق الأوسط، حيث تجد موسكو نفسها تعتمد على طهران للمساعدة في الحفاظ على مكاسبها العسكرية في سوريا، في وقت تبدو فيه قواتها منشغلة بحرب أوكرانيا.

3- تعثر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني: تعثرت المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، فإيران سعت للحصول على ضمانات من واشنطن بأن أي إدارة أمريكية قادمة لن تنسحب من الصفقة النووية، مثلما فعلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2018، وهو ما لم تستطع إدارة بايدن تقديمه. وقد أدى التعامل العنيف للنظام الإيراني مع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد الشرطة الإيرانية في سبتمبر 2022، ومساعدته لروسيا في حرب أوكرانيا؛ إلى صعوبة إبرام واشنطن صفقة نووية جديدة مع طهران، وأعلن الرئيس بايدن بالفعل أن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 "تحتضر". 

4- عداء موسكو وطهران المشترك لواشنطن: خلال الحرب الباردة، وعلى الرغم من وجود اختلافات أيديولوجية حادة بين الاتحاد السوفيتي السابق وإيران بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، كان للدولتين عدو مشترك هو الولايات المتحدة الأمريكية، مما منحهما حافزاً للتعاون. ومع سقوط الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991، تعمقت العلاقة بين إيران وروسيا. ويُعد فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور طهران في عام 2007 منذ زيارة جوزيف ستالين في عام 1943. في حين زار الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، موسكو أربع مرات خلال فترة ولايته الرئاسية التي استمرت 8 سنوات، وزارها الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي مرتين. وتُعد إيران من الدول القليلة التي دعمت روسيا علناً في حربها ضد أوكرانيا، ويعاني كلاهما من العقوبات الأمريكية ويأمل في الإطاحة بهيمنة "البترودولار" في التمويل والتجارة العالميين.  

كوابح مُعرقلة:

يُمكن القول إن العلاقات بين روسيا وإيران أشبه بـ"شراكة تكتيكية" أكثر من كونها "علاقة استراتيجية"، أي علاقة "اضطرار" أكثر منها "اختيار"، بسبب الضغوط الغربية المزدوجة عليهما، وفي الوقت نفسه، هناك العديد من الخلافات التي من شأنها أن تُعقد تطور العلاقات بينهما، كالتالي: 

1- معارضة موسكو لامتلاك طهران سلاحاً نووياً: إذا وافقت روسيا على تقديم مساعدة سرية لبرنامج إيران النووي، فسيكون ذلك بمثابة تحول كبير في سياسة موسكو، التي عارضت علناً حيازة طهران للأسلحة النووية. وصوتت روسيا لصالح 6 قرارات في مجلس الأمن الدولي ضد إيران بين عامي 2006 و2010، وفرضت عقوبات قاسية على طهران بسبب برنامجها النووي. وكانت روسيا عضواً في مجموعة "5+ 1" التي أجرت مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.

وعلى الرغم من أن روسيا لا تعارض بوضوح تجديد الاتفاق النووي، لكنها لم تبذل جهوداً ملموسة في المساعي التي استمرت لأشهر لإعادة التفاوض بشأنه في عام 2022. إذ ترى بعض التقديرات أن موسكو ربما تشعر براحة وهي تراقب إيران تقترب مما يمكن تسميته بوضع "العتبة النووية"، وهذا قد يكون كافٍ لتحقيق هدفها في دفع واشنطن للتركيز على الشرق الأوسط بدلاً من حدود موسكو الغربية في شرق أوروبا.

2- غياب الثقة المتبادلة بين روسيا وإيران: لا يزال من غير المرجح أن تساعد موسكو في دعم البرنامج النووي الإيراني، إذ يظل عدم الثقة المتبادلة بين البلدين عقبة رئيسية في تطوير علاقاتهما. وثمة هواجس تاريخية إيرانية تدعم عدم الوثوق في روسيا، ويتذكر بعض الإيرانيين بمرارة كيف ضمت روسيا مساحات شاسعة من شمال إيران بين عامي 1813 و1828، وفقدان 17 مدينة قوقازية إيرانية لصالح القياصرة عقب توقيع معاهدتي "جولستان" و"تركمانشاي".

وفي المقابل، هناك مخاوف روسية بشأن إمكانية امتلاك إيران للسلاح النووي وخضوعه لسيطرة نظام إسلامي في دولة مجاورة، وهو ما قد يُشكل منافساً جيوسياسياً خطراً بالنسبة للروس في القوقاز وآسيا الوسطي، في حال تحولت طهران إلى قوة إقليمية مؤثرة. 

3- حفاظ روسيا على علاقاتها مع دول الخليج وإسرائيل: بينما يركز بوتين على تحقيق النصر في أوكرانيا، مما يجعل علاقاته مع إيران أكثر أهمية، سيتعين على موسكو أيضاً الحفاظ على علاقاتها ومصالحها مع دول الشرق الأوسط ولاسيما دول الخليج وإسرائيل، حيث تعد تل أبيب طهران التهديد الأول لأمنها.

4- تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني: حرصت موسكو على الترحيب باتفاق السعودية وإيران المُعلن يوم 10 مارس الجاري بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث قال متحدث الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا "ترحب بأي خطوات من شأنها أن تساعد في خفض مستوى التوتر وتحسين الحوار في المنطقة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالفاعلين الإقليميين الرئيسيين مثل السعودية وإيران". 

ومع ذلك، تدرك موسكو أنها قد تكون من الأطراف الخاسرة جراء هذا الاتفاق، خاصة أنه تم بوساطة صينية، بينما كانت روسيا تعتقد أنها قد تكون وسيطاً فعالاً وبديلاً للولايات المتحدة في أزمات الشرق الأوسط. كما أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية قد تُفقد موسكو "ورقة الطاقة" التي استخدمتها في الضغط على خصومها الدوليين وفي تعزيز علاقاتها مع حلفائها ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية وما تبعها من فرض عقوبات غربية غير مسبوقة على روسيا.

5- خطورة اندلاع سباق نووي في المنطقة: المؤكد أن حيازة إيران لأسلحة نووية قد تُطلق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، لاسيما من جانب الدول الكبرى. وهنا ربما يضع الاتفاق السعودي الإيراني نهاية لسنوات من الخلافات بينهما، الأمر الذي قد يسهم في طمأنة دول الخليج ويكبح تطلعات إيران لحيازة السلاح النووي، ويجنب المنطقة الدخول في سباق تسلح تقليدي أو نووي، ويساعد في تسوية صراعات وأزمات المنطقة وخاصة في اليمن ولبنان والعراق، حيث إن دول المنطقة لم تعد قادرة على تحمل استمرار هذه الصراعات في ظل متغيرات دولية وإقليمية ضاغطة، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية والأزمات الاقتصادية.

ختاماً، لم تصل العلاقة بين روسيا وإيران بعد إلى درجة أن تساعد موسكو في حيازة طهران للسلاح النووي. وبشكل عام، ينظر كل طرف إلى الآخر على أنه ورقة مساومة في التعامل مع الغرب. وحتى مع وصول العلاقات الروسية مع الغرب إلى أدنى مستوى تاريخي لها، وبلوغ العلاقات الروسية مع إيران آفاقاً جديدة، فإن موسكو ستشعر بالقلق من قوة نووية كاملة تظهر في جوارها القريب، فهذا تجاوز كبير لـ"خطوط حمراء" روسية وغربية، وقد يُكلف موسكو كثيراً، سواء في أمنها القومي أو في علاقاتها الإقليمية والدولية، وربما يكون سبباً لسماح واشنطن لقوى أخرى بامتلاك أسلحة نووية، أو إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية تطال العمق الروسي. كما أن أي دعم روسي للبرنامج النووي الإيراني يعني التضحية بمصالحها وعلاقاتها مع دول الخليج، وبصفة خاصة السعودية، وهو ما يُقلل من احتمالات تقديم موسكو مساعدة لطهران في هذا الملف.