إعادة "هيكلة":

آثار محدودة لتغيير بعض قيادات الجيش العراقي

24 November 2014


في خطوة لإعادة هيكلة قيادات الجيش العراقي، أصدر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قراراً بإقالة 26 قائداً أمنياً عن مناصبهم في الجيش العراقي، وإحالة 10 آخرين على التقاعد، مع تعيين 18 آخرين في مناصب جديدة بوزارة الدفاع في 10 نوفمبر الجاري، في أكبر عملية تغيير للقادة العسكريين منذ احتلال العراقي عام 2003.

يمكن اعتبار الخطوة أساسية في طريق إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية على أساس النزاهة والكفاءة والخبرة بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفية، نظراً لأن عملية اختيار وتعيين القيادات الأمنية ورئيس جهاز المخابرات وكذلك الأمن الوطني تتم وفقاً للمادتين الدستوريتين 61 و80، وهما المادتان اللتان توفران أدواراً وصلاحيات متكاملة للسلطتين التشريعية والتنفيذية. كما جاءت هذه الخطوة بعد دعوة المرجعية الدينية في 7 نوفمبر الجاري إلى ضرورة القضاء على جميع مظاهر الفساد في المؤسسة العسكرية على اعتبار أنها مقدمة ضرورية لإصلاحات أمنية واستراتيجية من أجل تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في العراق.

ويمكن القول إن هذه الخطوة جاءت ضمن سلسلة إجراءات اتخذها رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ توليه منصبه في أغسطس الماضي، والتي شملت عزل ثلاثة من كبار الضباط، كان أبرزهم قائد القوات البرية ونائب رئيس أركان الجيش العراقي، كما قام العبادي بحل مكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي كان على صلة مباشرة وعلاقات وثيقة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والذي كان يضم حوالي 500 ضابط ومنتسب، ويكلف خزينة الدولة نصف مليار دولار.

مغزى ومضمون القرار

شمل القرار إعفاء عدد من القيادات وإحالة بعضهم للتقاعد، وشمل عدداً من الانتقالات من منصب إلى آخر، وهو ما يمكن إيجازه في النقاط التالية:

  • تم إعفاء رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الأول بابكر زيباري ومعاونيه الخمس، وتعيين الفريق الأول ركن خورشيد رشيد بدلاً منه.
  • إقالة مدير عام الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع الفريق حاتم المكصوصي، وقائد عمليات بغداد الفريق الركن عبد الأمير الشمري، وكذلك إقالة قائد عمليات الأنبار الفريق الركن رشيد فليح، وقائد عمليات الفرات الأوسط عثمان الغانمي وتعيينهم كمعاونين لرئيس أركان الجيش.
  • إحالة قائد عمليات سامراء الفريق الركن صباح الفتلاوي للتقاعد، وتعيين اللواء عماد الزهيري بدلاً منه، وكذلك إعفاء أمين سر جامعة الدفاع الوطني الفريق الركن إبراهيم اللامي.
  • تعيين الفريق الركن رياض القصيرى قائداً للقوات البرية خلفاً للفريق الركن علي غيدان، وكذلك تعيين اللواء قاسم المحمدي، قائد الفرقة السابعة بمحافظة الأنبار، قائداً لعمليات الأنبار، خلفاً للفريق الركن رشيد فليح.
  • إحالة المفتش العام لوزارة الدفاع الفريق عدنان جواد على التقاعد، وتعيين الفريق الركن عبد الأمير الزيدي خلفاً له.

وعند التمعن في قراءة القرار، يمكن ذكر عدد من الملاحظات في هذا الخصوص:

1 ـ على الرغم من استمرار احتفاظ المكون الكردي بمنصب رئيس الأركان في الجيش العراقي، إلا أن السيطرة الفعلية دائماً ما تكون لقيادة عمليات المناطق؛ وهو ما يعني استمرار السيطرة من جانب الشيعة على معظم العمليات الميدانية.

2 ـ حظيت هذه الخطوة بقبول من معظم القوى السياسية العراقية بما فيها القوى السياسية السنية، والتي طالبت بإجراء تغييرات أكبر في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات والأمن الوطني. كما طالبت بعض القوى السياسية إحالة بعض القادة التابعين لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى القضاء.

3 ـ على الرغم من قبول معظم القوى السياسية السنية بهذه الخطوة، لكن تجدر الإشارة إلى محدودية نصيب المكون السني في مناصب وقيادات الجيش العراقي – 90% من قياداته تقع من نصيب المكون الشيعي-، خاصة في ظل تأخر قرار الحكومة الخاص بتسليح العشائر السنية.

من جانب آخر، رفضت العشائر السنية دخول الميليشيات الشيعية المسلحة للأماكن السنية لمواجهة تنظيم داعش، وكذلك عدم اتخاذ الحكومة القرار الخاص المتعلق بتشكيل الحرس الوطني الذي يعد من أهم المطالب السنية في تلك المرحلة، وهو ما دفع اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد مسودة "الحرس الوطني" إلى الانتهاء من مسودة القانون من أجل عرضها على مجلس النواب مطلع عام 2015، على اعتبار أن قرار تشكيل الحرس الوطني يعد أحد أهم بنود الوثيقة الوطنية التي تشكلت بموجبها حكومة حيدر العبادي.

4 ـ جاء قرار العبادي الأخير استجابة للضغوط الأمريكية المفروضة على حكومته من أجل إعادة هيكلة الجيش العراقي، وإشراك العشائر السنية في بعض المحافظات العراقية خاصة الأنبار في عمليات مواجهة تنظيم داعش وعمليات تأمين الحدود مع سوريا، علاوة علي رغبة الإدارة الأمريكية في أن يمتد الإصلاح كذلك ليشمل وزارة الداخلية وعزل عدد من القيادات الأمنية فيها، واعتبار هذه الخطوات بمثابة تهيئة للمناخ العام لنشر مزيد من المستشارين العسكريين الأمريكيين في العراق بهدف تدريب الجيش العراقي، وتقديم المساعدات الأمنية واللوجستية والاستخباراتية له.

5 ـ أعقب هذا القرار إعلان مكتب حيدر العبادي في 23 نوفمبر الجاري إعفاء وكيل وزارة الداخلية الأقدم، عدنان الأسدي –يعد من المقربين لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي-، من منصبه وتعيينه مستشاراً أمنياً لرئيس الوزراء، وكذلك تعيين المفتش العام في الوزارة عقيل الخزعلي بدلاً عنه، حيث إن منصب الوكيل الأقدم للداخلية هو من حصة حزب الدعوة الإسلامية، وهو ما يؤكد عزم حكومة حيدر العبادي على مكافحة الفساد في المؤسسات الأمنية واعتماد النزاهة والكفاء كأحد أهم معايير اختيار القيادات الأمنية.

القرار ومسارات التغيير أو التعقيد

على الرغم من أهمية هذه الخطوة، لكنها لن تغير من موازين القوى السياسية في العراق، نظراً لاستمرار السيطرة الشيعية على معظم المناصب والقيادات داخل المنظومة الأمنية والعسكرية في العراق، في ظل إدراك الإدارة الأمريكية لأهمية دور العشائر السنية في مواجهة تنظيم داعش، وكذلك تمسك العديد من العشائر السنية بمطالبهم الخاصة بالتسليح، وعدم الاكتفاء بمطالب الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية، بقصر الأمر على تطويع أبناء العشائر في التشكيلات الأمنية الرسمية وتسليحها في إطار المنظومة الأمنية، خاصة مع استمرار عمليات تسليح الأكراد وقوات البيشمركة، مما أعطى لهم قوة إضافية في تفاوضهم مع الحكومة العراقية حول عدد من القضايا الخلافية مثل رواتب الموظفين في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، وهو ما ظهرت بوادره مع إعلان الحكومتين في بغداد وأربيل في 13 نوفمبر الجاري الاتفاق على حل شامل للخلاف النفطي والموازنة، وتسوية جميع القضايا العالقة المتبقية وذلك في إطار الدستور، حيث صرفت الحكومة الاتحادية 500 مليون دولار إلى حكومة كردستان فيما بدأت الأخيرة بضخ 150 ألف برميل يومياً إلى حساب بغداد.

وعلى صعيد آخر، تشير الأحداث إلى استمرار حالة عدم الثقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين القوى السياسية والفصائل السنية، مع محدودية الدعم المقدم للعشائر السنية لمواجهة داعش خاصة في منطقة عامرية الفلوجة، كما ساعد قرار محكمة الجنايات المركزية في بغداد بإعدام النائب السابق أحمد العلواني بعد إدانته بالتورط في الإرهاب، وفق المادة 406 من قانون العقوبات من واقع هذا الأمر، حيث أثار غضب واستياء القوى السياسية السنية التي اعتبرته قراراً مسيساً، وهو ما يمكن أن يترتب عليه تشتيت جهود مكافحة الإرهاب التي تقوم بها عشائر محافظة الأنبار، خاصة عشيرة البوعلوان التي ينتمى إليها النائب السابق، وهو ما يعني بصفة عامة استمرار وجود البيئة الحاضنة لتنظيم داعش ولغيره من التنظيمات المتطرفة.

ويفتح ما سبق الباب أمام سيناريو مؤجل، وهو المتعلق بتكوين الإقليم السني، على غرار إقليم كردستان العراق، وهو المطلب الذي يلقى قبول معظم القوى السياسية السنية خاصة قائمة "متحدون" بزعامة أسامة النجيفي، باعتباره وسيلة هامة لمواجهة تنظيم داعش والإرهاب، كما أنه يعد خطوة في سبيل تخفيف واقع الأزمة في العراق، على الرغم من تحفظ معظم البعثيين وهيئة علماء المسلمين على هذا الطرح باعتباره يفتح المجال لتقسيم العراق في المستقبل، أي أن مجريات الأحداث في العراق تشير إلى إطالة أمد الأزمة الداخلية التي يمر بها العراق ما لم تكن هناك إرادة سياسية موحدة في الداخل على إنهاء حالة الخلاف بين مكونات المجتمع العراقي الثلاث –شيعي-سني –كردي، واعتبار هذا التوجه أمراً ضرورياً لمواجهة تنظيم داعش.