علاقات استراتيجية:

دلالات زيارة الرئيس الجزائري إلى إيطاليا

06 June 2022


قام الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، بزيارة دولة إلى إيطاليا، في 25 مايو 2022، استمرت لنحو ثلاثة أيام، وذلك بناء على دعوة من نظيره الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، وهي الزيارة التي تكتسب أهمية خاصة وتعكس مؤشرات مهمة بشأن التنامي الملحوظ في وتيرة التعاون بين البلدين، كونها تعد الزيارة الأولى لرئيس جزائري إلى روما منذ نحو 18 عاماً.

تقارب متنامٍ:

شهدت الأشهر الأخيرة تنامياً ملحوظاً في وتيرة التعاون بين الجزائر وإيطاليا، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- زيارات متكررة: تعددت الزيارات المتبادلة بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، فقد سبقت زيارة الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، الأخيرة لروما زيارة أخرى قام بها الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، إلى الجزائر في نوفمبر الماضي، هي الأولى لرئيس إيطالي للجزائر منذ نحو 18 عاماً. 

كما عمد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، إلى زيارة الجزائر في أبريل الماضي، في زيارة شهدت التوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية وتجارية مهمة، أبرزها زيادة إمدادات الغاز الجزائرية إلى إيطاليا بنحو 9 مليارات متر مكعب إضافية بحلول عام 2024.

كذلك، فقد استقبل وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الجزائري، رمطان لعمامرة، في 30 مايو 2022، وفداً من البرلمان الإيطالي، بقيادة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأوروبية بمجلس النواب الإيطالي، بييرو فاسينو، في إطار تفعيل التعاون البرلماني الثنائي بناء على الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.

وقام المدير العام للأمن الوطني الجزائري، فريد بن شيخ، بزيارة عمل إلى إيطاليا، في 29 مايو 2022، وذلك بناء على دعوة من قبل المدير العام للشرطة الإيطالية، لومبيرتو جيانيني، في خطوة تعكس مساعي تعزيز آليات التعاون الشرطي بين البلدين، خاصةً فيما يتعلق بالتصدي للجريمة المنظمة.

2- شراكة استراتيجية: تضمنت زيارة الرئيس الجزائري تبون إلى روما توقيع عدة اتفاقيات مشتركة، لعل أبرزها تلك الاتفاقية الموقعة بين شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" وشركة "إيني" الإيطالية، بهدف تطوير حقول الغاز المكتشفة في الجزائر، كما تم الاتفاق على زيادة حجم إمدادات الغاز الجزائري إلى روما، من خلال توجيه كافة الزيادة في الإنتاج الجزائري إلى إيطاليا، والدفع نحو تحول الأخيرة إلى مركز لتوزيع الغاز إلى أوروبا.

وامتدت اتفاقيات التعاون لتشمل عدة مجالات أخرى، يتعلق بعضها بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بينما يرتبط البعض الأخر بمجالات زراعية وصناعية، بما في ذلك الصناعات الحربية وبناء السفن. كذا، فقد تم بحث مقترح بإنشاء خط كابل بحري بين البلدين لإمداد روما بالطاقة الكهربائية، وإمكانية تحول روما لنقطة توزيع للكهرباء داخل أوروبا.

توجهات جزائرية جديدة:

عكست زيارة الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، إلى إيطاليا جملة من الدلالات المهمة، تتعلق بملامح التوجهات السياسية والاقتصادية الجديدة للجزائر، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- إعادة هيكلة سياسة الجزائر: تعكس تحركات الدبلوماسية الجزائرية تجاهها لتنويع شراكاتها الخارجية، وإعادة صياغة علاقاتها الخارجية، إذ يبدو أن الجزائر باتت تتطلع كي تصبح الصين هي شريكها الاقتصادي الأول، مع تعزيز علاقتها بإيطاليا كحليف استراتيجي، بالتوازي مع الحفاظ على تحالفاتها التقليدية بروسيا، والدفع نحو توسيع مستويات شراكاتها بتركيا.

وفي هذا الإطار، جاءت زيارة تبون لروما، وهي الأولى للرئيس الجزائري للغرب منذ توليه السلطة نهاية 2019، وبالتالي لا يمكن تجاهل الدلالات المهمة التي يعكسها اختيار تبون لروما كوجهة أولى له في القارة الأوروبية، فضلاً عن طريقة الاستقبال التي حظي بها تبون خلال زيارته لروما. ويبقى أبرز المتأثرين بالتحولات الراهنة في التوجهات الخارجية للجزائر هما فرنسا وإسبانيا، في ظل توتر علاقات الجزائر بهما، مما قد يدفع نحو إعادة هيكلة التحالفات القائمة في المنطقة.

2- تراجع النفوذ الفرنسي: تعكس زيارة الرئيس الجزائري إلى إيطاليا، وما انطوت عليه من اتفاقيات بين البلدين عن رغبة الجزائر في تقويض النفوذ الفرنسي في البلاد، والتي تعد أحد مطالب الحراك الجزائري الذي انطلق في عام 2019. ويلاحظ أن النفوذ المعادي لفرنسا يزداد في الجزائر، ففي 25 مايو 2022 أسقط البرلمان الجزائري عضوية أحد نوابه بسبب عمله السابق كممرض عسكري في الجيش الفرنسي.

وتدهورت العلاقات الجزائرية – الفرنسية في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات القائمة بشأن ملف الذاكرة، ورفض الجزائر المتكرر لطلبات فرنسا بالتدخل العسكري في مالي، فضلاً عن الدعم الفرنسي النسبي للمغرب في قضية الصحراء الغربية، لذا عمدت الحكومة الجزائرية إلى تقليص النفوذ الفرنسي في البلاد، والذي انعكست ملامحه في منع التعامل باللغة الفرنسية في المراسلات الحكومية، بالإضافة إلى تنحية العديد من المسؤولين الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة بباريس.

3- غموض الموقف الروسي: لم تعبر روسيا عن موقف رسمي من تنامي الدور الجزائري كمورد للطاقة بالنسبة لأوروبا، خاصةً لإيطاليا، في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تربط موسكو والجزائر، بينما ثمة استراتيجية إيطالية واضحة للبحث عن بدائل للغاز الروسي، الذي لطالما ظل المورد التاريخي للطاقة لها. 

وفي هذا السياق، أشارت بعض التقارير إلى أنه ثمة ترتيبات يجري التحضير لها لزيارة مرتقبة للرئيس الجزائري إلى روسيا خلال الأيام المقبلة، وهو ما قد يأتي لتنسيق المواقف مع موسكو وتجنب أي ارتدادات سلبية للتعاون الجزائري – الإيطالي على علاقتها بروسيا.

4- استثمار الجزائر الانقسامات الدولية: تعكس المعطيات الراهنة تحركات جزائرية متنامية للاستفادة من التفاعلات الدولية الراهنة الذي بات يتسم بحالة من الاستقطاب الحاد، حيث تسعى الجزائر للاستفادة من ذلك لتعزيز حضورها الإقليمي بعد فترة من الانكفاء على الداخل، وهو ما ينعكس بوضوح في الزيارات المكثفة التي أجراها تبون خلال الأشهر القليلة الماضية، فضلاً عن التحضير لزيارة مرتقبة إلى روسيا.

انعكاسات داخلية وإقليمية:

يتوقع أن تترك زيارة تبون إلى إيطاليا تداعيات داخلية وإقليمية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تفاهمات إقليمية محتملة: ألقت هذه الزيارة بظلالها على عدد من الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، والتي يتصدرها الملف الليبي، حيث يبدو أن ثمة مباحثات جارية بين الجزائر وروما لتنسيق مواقفهما المشتركة تجاه الصراع الليبي، وبصورة قد تناقض التحركات الفرنسية في هذا الملف.

ولا تبدو تونس بعيدة عن أجندة هذه الزيارة، فقد أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون خلال زيارته إلى إيطاليا أن بلاده وروما مستعدتان لمساعدة تونس على تجاوز المأزق الراهن، والرجوع إلى المسار الديمقراطي، وهو ما أثار العديد من التساؤلات بشأن ما إذا كانت الجزائر ستعيد صياغة موقفها الراهن تجاه المتغيرات السياسية في تونس، خاصةً أن الموقف الرسمي الجزائري لطالما عكس دعماً للإجراءات المتخذة من قبل الرئيس التونسي، قيس سعيد، منذ يوليو 2021.

وتجدر الإشارة إلى أن تونس تمثل أهمية خاصة في إطار التعاون بين الجزائر وإيطاليا، إذ إن الزيادة المتوقعة في حجم إمدادات الغاز الجزائرية لروما ستتم بالأساس عبر خط أنابيب الغاز "ترانسميد"، والذي يربط بين البلدين عبر تونس، بقدرة إمداد تبلغ حوالي 33 مليار متر مكعب سنوياً. 

ومن ناحية أخرى، حصلت الجزائر على وعود إيطالية بدعم موقفها في ملف الصحراء الغربية، أو على أقل تقدير حفاظها على الموقف الحيادي، وهو ما يساهم في تعزيز العلاقات بين الجانبين بالنظر إلى مركزية هذه القضية بالنسبة لباريس. 

2- زيادة الاستثمارات الإيطالية: رجحت العديد من التقديرات اتجاه إيطاليا لزيادة حجم استثماراتها في الجزائر، إذ تعمل حالياً نحو 200 شركة إيطالية داخل الجزائر في قطاعات الأشغال العمومية والصناعة. 

ومن المرجح أن تتزايد خلال الفترة المقبلة حجم هذه الشركات، وربما يدعم هذا الطرح اهتمام تبون بعقد لقاءات مع رؤساء الشركات وكبار المستثمرين، حيث عرض تبون عليهم قانون الاستثمار الجديد في الجزائر، والصادر في 19 مايو الجاري، حيث ينطوي هذا القانون على تسهيلات وامتيازات كبيرة للمستثمرين.

ويرتبط بهذا الشأن، اتجاه حجم التبادل التجاري بين الجانبين للتنامي، فبينما بلغ حجم هذا التبادل في عام 2021 نحو 8.5 مليار دولار، مقابل 6 مليارات في 2020، من المرجح أن يشهد هذا الرقم مزيداً من الارتفاع خلال السنوات المقبلة.

ويرتبط بهذا الأمر وجود تطلعات اقتصادية جديدة تسعى الجزائر لتحقيقها، من خلال التحول من الاقتصاد القائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واكتساب التكنولوجيا الصناعية، وربما هذا ما يفسر الاتفاقيات الأخيرة التي تم توقيعها خلال زيارة تبون لإيطاليا، فضلاً عن الزيارة المرتقبة للرئيس الجزائري إلى الصين.

3- ترسيخ المكانة الجزائرية في مجال الطاقة: تعكس التحركات الجزائرية الراهنة أحد أبعاد التنافس الإقليمي، إذ يبدو أن الجزائر تسعى للترويج لنفسها كمركز للطاقة في شمال أفريقيا، ومنافسة بعض القوى التي تتجه نحو الهدف ذاته.

وربما ينعكس هذا الأمر في الاتفاقية المبرمة بين شركتي إيني الإيطالية وسوناطراك الجزائرية لتطوير الهيدروجين الأخضر في الجزائر، في منطقة "بئر رباع شمال" في الصحراء الجزائرية، بهدف إزالة الكربون من محطة الغاز التي تديرها شركة سوناطراك – إيني – جي أس إي المشتركة هناك.

وفي الختام، تتجه الجزائر نحو توسيع شراكاتها الخارجية، خاصة مع إيطاليا وروسيا والصين، وذلك على حساب تحالفاتها التقليدية، والتي كانت تربطها بباريس، وهو ما يعني أن الخلافات القائمة بين الجزائر وفرنسا خلافات عميقة، ويصعب تجاوزها، خاصة في ضوء وجود تفاهمات جزائرية – إيطالية حول ليبيا تناقض التحركات الفرنسية.