ركائز الاقتصاد الإماراتي في مواجهة الأزمات العالمية

09 March 2022


يواجه العالم في الآونة الأخيرة مُربكات متلاحقة مقرونة بحالات مستمرة من عدم اليقين، الأمر الذي يتطلب من الدول دعم قدراتها على الصلابة في مواجهة الأزمات المستقبلية، واﻟﺘكيف معها، والتعافي منها، مع اقتناص الفرص المتاحة لضمان الاستدامة. وقد أوجدت جائحة كورونا تحديات كبيرة بسبب إجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على حركة الأفراد وانتقال السلع، بالتزامن مع عدم إتاحة اللقاح لكل الدول. واختبرت هذه الأزمة الدور الاستراتيجي لدولة الإمارات في التعامل الرشيد والمتكامل معها على الأصعدة الاقتصادية والصحية والاجتماعية. كما أعطت هذه التجربة الناجحة لدولة الإمارات في التصدي للجائحة، مؤشراً على قدرة الدولة على مواجهة التداعيات السلبية لأزمات اقتصادية عالمية أخرى، على غرار تلك التي تطرحها الحرب الروسية في أوكرانيا حالياً.

وقد اتسمت القيادة السياسية لدولة الإمارات على مدار الـ 50 عاماً السابقة بسعة الأفق والديناميكية، وفقاً لما تتطلبه المعطيات المحلية والإقليمية والدولية. كما أدركت أن عملية التنمية تتطلب تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية، لضمان تحقيق رفاهة الأجيال الحالية من دون الإخلال بفرص الأجيال المستقبلية في تحقيق القدر نفسه من الرفاهة؛ الأمر الذي يتطلب تضافر جهود الفاعلين كافة، بالإضافة إلى بناء كيان يتسم بقدر عالٍ من المتانة مع الديناميكية والمرونة أمام المتغيرات والمربكات العالمية. 

تعافٍ سريع:

أثبتت دولة الإمارات من خلال إدارتها أزمة فيروس كورونا، أنها صاحبة تجربة رائدة يُحتذى بها في احتواء الأزمات، فقد جاءت في المركز الأول عربياً والـ 37 عالمياً في مؤشر التعافي الاقتصادي (COVID Economic Recovery Index) من آثار الوباء، والذي نشرته "مجموعة هورايزون البحثية"، لتقييم الإمكانات والمقومات التي تمتلكها الدول لتجاوز الأزمة والتعافي منها. 

وأعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في 6 أكتوبر 2021، عبر حسابه الرسمي على تطبيق "إنستجرام"، تخطي الدولة جائحة كورونا والخروج من الأزمة وعودة الحياة لطبيعتها، قائلاً: "خرجنا من أزمة كورونا بخير وتعلمنا منها دروساً وتجارب عديدة.. نحمد الله على بداية عودة الحياة إلى طبيعتها في دولة الإمارات". 

وفي هذا الصدد، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإماراتي بنسبة 3.1% بنهاية عام 2021، ونحو 2.6% في عام 2022، وذلك بعد انخفاض بنسبة 5.9% في عام 2020.

ركائز أربعة:

هذا الخروج الآمن لدولة الإمارات من أزمة كورونا، يكمن في امتلاك الدولة مجموعة من مقومات الصلابة التي تدور حول 4 محاور رئيسية هي: الاستباقية والديناميكية، والتعامل الشامل والمُتكامل، والتعاون الدولي المتشابك، والمسؤولية المشتركة. ويُضاف إلى ذلك، مجموعة أخرى من ممكنات الاستدامة على هيئة توجهات تمويل التنمية المستدامة، والمعلومات والبيانات، و"التعافي الأخضر" ضمن "الاقتصاد الدائري". وقد جاء إعلان الإمارات عن "مبادئ الخمسين" في أكتوبر 2021 كميثاق تأسيس جديد لـ 50 عاماً المقبلة، حاملاً في طياته مقومات الصلابة وممكنات الاستدامة كخريطة لتوجهات الإمارات المستقبلية. ويتضح ذلك كالتالي:

1- وضع الاستباقية والديناميكية: في صلب السياسات العامة وبرنامج العمل الإنمائي لدولة الإمارات يتحدد الوضع الاستباقي من خلال إدارة فعالة للمخاطر تتضمن السيناريوهات المُحتملة كافة وكيفية التعامل معها بالشكل الذي لا يعرقل تحقيق طموحات الدولة، مع توجيه الموارد اللازمة لدعم أنظمة الاتصالات وقدرات الرصد والإنذار المبكر. 

وظهرت مثل هذه الممارسات في اهتمام دولة الإمارات بالأمن الغذائي وتوطين سلاسل الإمداد، حيث تم إعلان "الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051"، وإنشاء "مجلس الإمارات للأمن الغذائي" لاستهداف زيادة الإنتاج الغذائي والزراعي بنسبة تتراوح بين 30 و40% خلال 10 سنوات. وأدت جهود الدولة الحثيثة إلى تحقيق الإمارات 68.3 نقطة في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، لتأتي في المركز الـ 42 عالمياً، والـ 4 عالمياً في جودة وأمن الغذاء. جدير بالذكر أنه يتم ترتيب الدول على مؤشر الأمن الغذائي التابع لمجلة "إيكونيميست" البريطانية، وفقاً لثلاثة معايير رئيسية مرتبطة بالأمن الغذائي؛ وهي القدرة على تحمل التكاليف، وتوافر الغذاء، وجودة وسلامة الغذاء، ويغطى المؤشر 113 دولة حول العالم.

كما أعلنت شركة مبادلة للاستثمار "مبادلة" ومجموعة "G42"، تأسيس مجمع عالمي لتصنيع المنتجات الدوائية الحيوية في أبوظبي، للاستفادة من الطلب العالمي على اللقاحات في تعزيز سلاسل التوريد في المنطقة. كذلك ظهرت ممارسة الاستباقية والديناميكية في الإمارات، في إعلانها عن استراتيجية الدولة للثورة الصناعية الرابعة في سبتمبر 2017، والتي تهدف لتعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي، وكذلك المساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية. وقد ظهرت نتائج هذه الممارسات الاستباقية في دعم صلابة الاقتصاد الإماراتي خلال فترة الحائجة والإغلاق، على النحو الذي مكّن الدولة من توفير اللقاحات اللازمة، والأمن الغذائي، وتفعيل الخدمات الحكومية ونظم العمل والتعليم عن بُعد. 

2- تبني نهج التعامل الشامل ومتعدد الأبعاد مع الأزمات: حدث ذلك حيال جائحة كورونا، حيث اهتمت دولة الإمارات بجميع جوانب الأزمة وتشابكاتها، بما في ذلك الجوانب الصحية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الجوانب الرقمية والإعلامية والوقائية، وما يتعلق بتعزيز الوعي المجتمعي بأبعاد الأزمة. وكان نتيجة ذلك تمكن الدولة من تحقيق أعلى معدلات تطعيم في العالم ضد فيروس كورونا، بعد انتهائها من تطعيم أكثر من 96% من السكان بشكل كامل. كما أثمرت جهود الدولة وتكثيف إجراءات التقصي وتوسيع نطاق الفحوصات، عن الانخفاض الملحوظ في حالات الإصابة اليومية بفيروس كورونا.

3- تبني سياسة التعاون الدولي المتشابك: تعتمد هذه السياسة على التكامل بدلاً من التنافس، وهنا اختارت دولة الإمارات علاقات دولية قائمة على التعاون الاقتصادي والتقني المُعتمد على المصالح الوطنية والإقليمية بدلاً من "القطبية الأيديولوجية"، وهو ما انعكس على أجندة الترابط العالمية في سياستها الخارجية. وتلك السياسة هي التي تُفسر علاقات الإمارات بالولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى، وكذلك علاقاتها الجيدة بكل من الهند وباكستان. وتستثمر الدولة في أجندة التسامح والسلام ووقف الصراعات، ووسائل النقل الجوي والبحري لتمهيد وتأمين قنوات انتقال السلع والخدمات والمعلومات وتصدير النفط، وهو ما يدعم صلابة واستدامة الاقتصاد الإماراتي. 

4- تفعيل مبدأ المسؤولية المشتركة: يظهر ذلك في استهداف التنمية المستدامة، وفي التعامل مع الأزمات. وهنا أعلنت دولة الإمارات عن التزامها الدولي تجاه أهداف التنمية المستدامة، وتعهدت بالقيام بدورها في تحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2030، فضلاً عن مسؤوليتها التشاركية في الحد من التغيرات المناخية العالمية. ومحلياً، أدركت القيادة السياسية أن استدامة التنمية تتطلب تضافر جهود الفاعلين على نحو تشاركي، تفعيلاً للهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة SDG17، حيث تعمل اللجنة الوطنية المعنية بأهداف التنمية المستدامة بالتعاون مع جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والأكاديمي. 

وتأتي الإمارات في طليعة دول الخليج العربية الداعمة للطاقة المتجددة و"الاقتصاد الأخضر"، بما يخدم أهداف الاستدامة. إذ أطلقت الدولة في عام 2012 استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء الهادفة لدعم النمو المستدام وجعل الإمارات مركزاً عالمياً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء. وشملت الاستراتيجية مجموعة من البرامج والسياسات في قطاعات الطاقة، والزراعة، والنقل، والصناعة. 

وفي يناير 2021، اعتمد مجلس الوزراء سياسة دولة الإمارات لـ "الاقتصاد الدائري" 2021-2031، لتمهيد توجه الدولة نحو "التعافي الأخضر". وتبنت الدولة في ذلك مبدأ المسؤولية المشتركة لأربعة قطاعات رئيسية؛ هي التصنيع، والبنية التحتية الخضراء، والنقل، وإنتاج واستهلاك الأغذية. ويشمل تطبيق "الاقتصاد الدائري"، التحول من نموذج "المدخلات ثم الإنتاج ثم مخلفات ثم التخلص" إلى نموذج أكثر استدامة وهو "المدخلات ثم الإنتاج ثم مخلفات ثم إعادة التدوير ثم مدخلات"، وهو ما يقلل استنزاف الموارد، ويحد من الإضرار بالبيئة، ويعمل على تحفيز الابتكار وخلق وظائف صديقة للبيئة، وكذلك تحقيق مزيد من الأرباح لأصحاب الأعمال؛ الأمر الذي يمنح الاقتصاد الإماراتي قدراً عالياً من الصلابة والاستدامة.

وظهرت كذلك ممارسة المسؤولية المشتركة في التعامل مع أزمة كورونا على هيئة بناء شراكات بين الفاعلين؛ الجهات الرسمية، وقطاعات المجتمع، والمؤسسات التعليمية، والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام، وذلك لمواجهة هذا الوباء بقدر عالٍ من الصلابة. ودولياً، أظهرت دولة الإمارات منذ بداية انتشار كورونا درجة عالية من التعاون والتضامن الدولي، من خلال تقديم مجموعة من المساعدات الطبية لبعض الدول لمواجهة الوباء. 

ختاماً، إن نجاح دولة الإمارات في مواجهة أزمة كورونا بصلابة، يشير إلى قدرتها على الصمود أمام غيرها من الأزمات العالمية والإقليمية، ومنها التداعيات الحالية التي تفرضها الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد العالمي. ولعل ذلك يعود إلى تمتع دولة الإمارات بالمقومات اللازمة التي انعكست على الدور المهم الذي لعبه النظام المؤسسي القوي، والقدرات التكنولوجية والرقمية للدولة. فقد كشفت جائحة كورونا عن أهمية الدور الاستراتيجي للدولة في توفير الخدمات الصحية والأمن الغذائي والبنية التحتية الرقمية وشبكات الأمان الاجتماعي و"التعافي الأخضر"، بالإضافة إلى دورها الأساسي في الدفاع والأمن القومي للحفاظ على صلابة واستدامة الاقتصاد.