مكاسب استراتيجية:

كيف يعزز "إكسبو دبي" القوة الناعمة للإمارات؟

04 October 2021


انطلقت جهود دولة الإمارات لاستضافة فعاليات "إكسبو 2020 دبي"، من الإدراك الواعي بأهمية الفعاليات الدولية الضخمة، باعتبارها ركيزة مهمة في الاستراتيجيات التنموية، ولوعيها بدور هذه الفعاليات في تعزيز المكانة الدولية وتنويع مصادر الدخل، إذا أُحسن استغلالها. وبذلك فإن هذا المعرض الدولي يُعد نموذجاً جديداً لقصص نجاح الإمارات وتوظيفها للأدوات الثقافية في تعزيز قوتها الناعمة في العالم. 

قدرات إماراتية:

منذ فوزها في عام 2013 بحق تنظيم معرض إكسبو الدولي، تحولت أنظار المراقبين في العالم كله نحو الإمارات، وانقسموا حول تقييم قدرتها على التنظيم إلى أكثر من اتجاه. إذ أبدى الاتجاه الأول إعجابه وأثنى على هذا المكتسب لدولة عُرفت دائماً بإبهار العالم، وبالتالي الإعلان عن دخول العالم العربي والشرق الأوسط إلى صدارة المسرح العالمي، وأن الفعالية سيكون لها "مذاق" مختلف. 

بينما طرح آخرون تساؤلات عن قدرة الإمارات على تقديم ما يناسب هذه الفعالية الضخمة؛ نظراً لأنها أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف هذا الحدث العالمي. ولم يسعهم التفكير في قدرة الإمارات بل حرصها دائماً على إضافة الجديد في ذلك الحدث الكبير، حيث اعتادت الدولة أن تضع بصمتها، خاصة الإنسانية، في كل حدث تتصدى له أو خطوة تقوم بها. 

على جانب ثالث، وجد البعض في أزمة كورونا مناسبة لمحاولة التشكيك في قدرة الإمارات على تنظيم إكسبو، من دون الالتفات إلى ما تحقق من نجاحات سابقة كانت كفيلة بأن يغيروا مواقفهم وانطباعاتهم. لكن ثقة المجتمع الدولي في قدرة الإمارات على تنظيم الفعاليات الضخمة المبنية على أرضية صلبة، هي التي دفعت إلى تأجيل الحدث لعام واحد فقط. ولذلك، فبالرغم من أن الفعالية انطلقت في مطلع أكتوبر عام 2021، فإن مسماها الرسمي حسب الدورة الاعتيادية لها "إكسبو 2020 دبي".

مكاسب إكسبو:

تتبع دولة الإمارات نهجاً استراتيجياً على مر تاريخها الممتد لنصف قرن منذ تأسيسها، حيث إنها تنظر إلى الأحداث الثقافية - الإنسانية باعتبارها أداة أساسية من أدوات قوتها الناعمة في العالم، وتجسيد حي لاستمرارية وتطور قصتها التنموية. وكما تخوض دولة الإمارات تجربة "إكسبو 2020 دبي" برصيد كبير من الإنجازات السابقة، فإن نظرة متعمقة إلى هذا الحدث ومجرياته، ستكشف تأثيرات إيجابية مهمة ومكاسب كثيرة ستحققها الإمارات من خلاله، في النطاقين الإقليمي والعالمي، وأبرزها ما يلي:

1- تعزيز القوة الناعمة للإمارات: انخرطت الإمارات خلال الفترة الماضية في العديد من المشروعات المتعلقة بصناعة المستقبل، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ من خلال استضافة فعاليات للبحث والتطوير في هذا المجال، وإطلاق مشروعات تنفيذية تخاطب المستقبل وتعمل على صياغته بما يتواكب مع الاستراتيجيات العالمية. وبالتالي سيكون "إكسبو 2020 دبي" فرصة مواتية لاستكشاف والكشف عن العديد من المشاريع في هذا المجال؛ فشعار الحدث هو "تواصل العقول وصُنع المستقبل". 

كما سيكون هذا الحدث فرصة أيضاً لتوسيع دائرة تأثير الدولة ومكانتها في الإقليم والعالم، على أساس أن الفعاليات الكبرى عموماً لها أهميتها لدى صانعي السياسة من أجل تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية، مثل السياحة واستقطاب الاستثمارات، أو المكاسب المعنوية عبر بناء الصورة الذهنية للدولة عالمياً. بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من توسيع تأثير الإمارات على الساحة الدولية، خاصة وهي تملك مسبقاً مصادر متعددة ومتنوعة للقوة الناعمة وتستند على إرث ثقافي وإنساني كبير.

2- مواكبة الثقافة العالمية: كجزء من تكوين مجتمعها واستراتيجيتها، سترسخ دولة الإمارات مكانتها لتكون مركزاً للتميز الثقافي في المنطقة وربما العالم أيضاً كما تُبين المؤشرات على الأرض. ففي سبيل ذلك، كرست الإمارات جهودها ومواردها خلال الفترة الماضية لتأسيس قاعدة ثقافية متنوعة المجالات. فبالإضافة إلى المتاحف التي تمثل تجسيداً معاصراً للحضارات الإنسانية، هناك استضافة لما يفوق 200 جنسية مختلفة الأعراق والديانات والمذاهب. وصارت الإمارات اليوم مرجعاً ثقافياً إقليمياً، وتحول الشعب الإماراتي في الصورة الذهنية لدى الرأي العام العالمي إلى الوجه الثقافي المميز في المنطقة. 

فالتنوع الثقافي والتعايش بين الشعوب أساس التركيبة المجتمعية للدولة، وليس مشروعاً سياسياً مؤقتاً، وما حققته الإمارات خلال المراحل السابقة من ترسيخ مكانتها في هذا الصدد، يوفر لها مقومات التفوق على الدول الأخرى التي تحاول السير في الاتجاه نفسه بمراحل بعد أن نجحت في كسب ثقة العالم بالعمل على التقريب بين الشعوب والانحياز إلى الثقافة العالمية في مواجهة ما يهدد استقرار المجتمعات الإنسانية.

3- تنامي النفوذ الإماراتي: يعد الاهتمام بالقضايا الإنسانية جزءاً لا يتجزأ من الدبلوماسية الإماراتية، فالدولة لديها مواقفها المعروفة في المنظمات الدولية، بل وتحتل مكانة في صُنع القرارات فيها. وفي عالم المال والسياسة خاصة هذه الأيام، لابد من حضور الجانب الإنساني في بناء التحالفات التي أصبحت تكبر وتتضخم مكانتها في العلاقات الدولية. وقد تحولت وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي وقّعت في أبوظبي عام 2018 بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وكذلك الاتفاقية الإبراهيمية عام 2020، إلى مناسبتين إنسانيتين عالميتين لدولة الإمارات تعكسان مكانتها العالمية وتأثيرها الدولي. 

وبالتالي فإن النفوذ الإماراتي المتنامي في الجوانب الإنسانية سيشهد مزيداً من التكريس والتجسيد من خلال "إكسبو 2020 دبي". لهذا فإن الاستفادة الأكبر إماراتياً من الحدث ليست في العوائد أو الجوانب الاقتصادية فقط بالرغم من أهميتها، وإنما في الأبعاد السياسية والدبلوماسية التي ستسمح للإمارات بأن تلعب أدواراً أكبر في المنظمات الدولية وفي المحافل العالمية الإنسانية. بما يؤكد مكانة الإمارات الدولية كساحة رحبة ترسم وتقدم الوجه الحقيقي للعيش المشترك. 


استثمار الفعالية:

لن تكتفي الإمارات باستضافة "إكسبو 2020 دبي"، وبحجم الإثارة التي ستحدثها الفعالية خلال المدة الممتدة لستة أشهر المقبلة؛ وإنما ستستثمر الدولة في الحدث سياسياً واستراتيجياً، وستخرج منه بفوائد لها وللعالم أجمع. ويوجد هناك أكثر من سبب يدعم هذا الافتراض، وتتمثل في الآتي:

1- إن تجارب الإمارات السابقة في استضافة مثل هذه الأحداث حاضرة في أذهان المراقبين. ومنها على سبيل المثال، معارض الطيران ومعرض ومؤتمر "آيدكس"، وتوقيع وثيقة "الإخوة الإنسانية" وغيرها، وجميعها من الفعاليات التي حققت الإمارات من خلالها الكثير من الفوائد الدبلوماسية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي. 

2- حالة الحراك الدولي التي أحدثتها الإمارات عبر استضافتها لأكثر من 190 دولة مشاركة في "إكسبو 2020 دبي"، وهي المرة الأولى التي يرتفع فيها عدد الدول المشاركة في المعرض إلى هذا الحد، على مدى تاريخ إكسبو الممتد إلى نحو 170 عاماً؛ وذلك في إشارة ودلالة لمكانة الإمارات العالمية. 

3- الاستنفار المجتمعي في العالم بعد فتح باب التطوع لشباب العالم في هذا الحدث، وهذا يوفر "ذخيرة" إنسانية ضخمة لتحقيق التأثير الدبلوماسي لدى الرأي العام العالمي، خاصة أن المستهدف فيه اهتمامات جيل سيرتبط لعقود مع الحدث. 

وبشكل عام، تمثل تجربة الإمارات أهمية خاصة في دراسات التنمية الشاملة والنهضة الاقتصادية، وهي نموذج في التنوع الاقتصادي والتعايش الإنساني. وتزداد أهمية هذه التجربة في عالمنا العربي ومنطقة الشرق الأوسط، بالنظر إلى أنها تقدم أفكاراً قد تبدو عصية على الشعوب الأخرى. وتستند التجربة الإماراتية في بناء حضارتها من خلال التركيز على الإنسان منذ تأسيسها، باعتبار أن الثروة الحقيقية تكمن فيه. وتوسعت هذه النظرة لتشمل الإنسانية في العالم أجمع، وقد لخصتها الإمارات في توقيع وثيقة "الإخوة الإنسانية" لأكبر ديانتين في العالم. 

وأخيراً، علينا أن ندرك أن ما سيشهده "إكسبو 2020 دبي" له جذور وأصول تاريخية ممتدة منذ مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"؛ ما يعني أن النجاح الإماراتي له أبعاده الموضوعية التي تجمع بين رؤية قيادة سياسية خططت لبلدها، وتركيبة مجتمعها المتسامح مع الآخر أياً كان عرقه أو ديانته.