تحديات عالمية 2016:

عسكرة الفضاء، الحروب السيبرانية، أمن الطاقة

10 January 2016


إعداد: عزة هاشم


عانى العالم على مدار السنوات الأخيرة من تهديدات ناشئة عديدة أثَّرت بالطبع على استقراره، وأدت إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الدول. وكان في مقدمة هذه التهديدات ما يتعلق بالاستخدامات العسكرية للفضاء، وانتشار أنظمة الدفاع الصاروخية، فضلاً عن الانتشار النووي، ثم جاءت الأزمات الاقتصادية في بعض الدول في العام الماضي على إثر تراجع أسعار النفط، لتزيد من حدة التحديات المنتظر أن يواجهها المجتمع الدولي في العام الجديد 2016، خاصةً في ظل اعتماد الكثير من الدول على مصادر الطاقة التقليدية (النفط والغاز) في اقتصاداتها.

في هذا الإطار، تكمن أهمية التقرير الصادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" تحت عنوان: "التوقعات العالمية لعام 2016"، حيث أعد التقرير مجموعة كبيرة من الباحثين وهم جميعاً من مركز (CSIS)، وهدف في بعض أقسامه إلى تسليط الضوء على أبرز التهديدات المعقدة المتوقع أن يواجهها العالم في عام 2016، وتحديداً في مجالي الأمن والطاقة.

أولاً: الاستخدامات العسكرية للفضاء

يثير تزايد الاعتماد الأمريكي على الفضاء عسكرياً العديد من القضايا المستقبلية المهمة ذات الصلة بكيفية ردع التهديدات، وزيادة التعاون مع الشركاء في الفضاء. وفي هذا الصدد، يؤكد "سين أوكيفي" Sean O’Keefe على ضرورة بذل الولايات المتحدة المزيد من الجهد لتعزيز التعاون مع حلفائها في الفضاء العسكري، خاصةً أن ثمة قدرات ناشئة لدى دول أخرى يمكن لواشنطن الاستفادة منها لتعزيز إمكاناتها في هذا المجال.

ويتطرق الباحث في هذا الإطار إلى مدى إمكانية التعاون الأمريكي مع كل من الصين وروسيا، لافتاً إلى أن الوقت أصبح ملائماً لدعوة بكين للالتحاق بفريق الدول المستكشفة للفضاء، حيث أظهر الصينيون قدرتهم في هذا المجال. على جبهة أخرى، وعلى الرغم من تدهور العلاقات الأمريكية مع روسيا، فإن التنسيق بين البلدين في العمليات التي تتم في الفضاء لايزال مستمراً، وثمة إمكانية للحفاظ على استدامة هذه الأنشطة المشتركة، خاصةً في ظل اعتماد الولايات المتحدة على نظام الدفع الروسي"RD-180"، والذي تحتاجه في مركبات الإطلاق للفضاء "أطلس".

وحول الحاجة إلى مدونة قواعد دولية للفضاء يتم التفاوض بشأنها وتطبيقها، يرى الكاتب صعوبة إخضاع الفضاء لقواعد تنظيمية، حيث تقف في سبيل ذلك العديد من التحديات أهمها القدرة على الإنفاذ، فليس من السهولة القبض على شخص ما أو ومنع دولة أخرى من الوصول إلى الفضاء. ولكن من الأفضل الوصول إلى مجموعة عملية من البروتوكولات من خلال اتفاق ثنائي أولاً، على أن يتم محاكاته على الآخرين.

ثانياً: الأمن السيبراني

بلغت الهجمات السيبرانية ذروتها في السنوات الأخيرة، على نحو جعل المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في جميع أنحاء العالم أكثر وعياً الآن بالتهديدات السيبرانية من أي وقت مضى، وهو ما دفعهم لاتخاذ تدابير لتعزيز الأمن الإلكتروني. وحسب "دينس زنج"  Denise E. Zheng، أصبح الأمن السيبراني واحداً من أسرع القطاعات نمواً في صناعة التكنولوجيا العالمية، وذلك بحوالي 1.9 مليار دولار قيمة رأس المال الاستثماري في هذا القطاع خلال عام 2014، فضلاً عن مئات الشركات الجديدة المتخصصة فيه.

وعلى مدار السنوات الخمس الماضية فقط، سنت الولايات المتحدة وحدها 34 قانوناً جديداً و5 أوامر تنفيذية لتحسين الأمن السيبراني، بما في ذلك تعزيز معايير البنية التحتية، وتبادل المعلومات عن التهديدات السيبرانية، ووضع عقوبات لمعاقبة وردع العناصر المهاجمة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين الأمن السيبراني، بيد أن الباحثة ترى أن الصراع السيبراني العالمي يشتد ليصل إلى نزاعات بين الدول وبعضها البعض، حيث تستخدم دول مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية الهجمات الإلكترونية لزيادة مجال نفوذهم.

وتنتقد الكاتبة عجز رجال القانون وصانعي السياسات عن معالجة الأسباب الجذرية والركائز الرئيسية لجرائم الإنترنت والصراعات السيبرانية، وهو ما يحدث عادة – من وجهة نظرها - إما بسبب نقص الفهم المترتب على التعقيد التقني للأمن السيبراني أو بسبب الضغوط السياسية.

ثالثاً: الردع النووي في عالم مضطرب

ترى "ريبيكا هيرسمان" Rebecca K.C. Hersman أن أحد التحديات الرئيسية التي سيواجهها الرئيس الأمريكي القادم هي ما سيرثه من مشهد نووي خطير ومتزايد التعقيد مقارنةً بأي وقت مضى. ففي الشرق الأوسط المضطرب، يتزايد قلق المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل من الطموحات النووية لإيران، وفي آسيا تستمر كوريا الشمالية في توسيع وتنويع ترسانتها النووية، إلى جانب التنافس النووي بين الهند وباكستان، فضلاً عن رغبة الصين في فرض المزيد من الهيمنة الإقليمية من خلال تعزيز قدراتها النووية. ويُضاف إلى كل ذلك، التهديدات النووية التي ترتبط بنزاعات روسيا الحدودية.

وفي ظل هذا المشهد المضطرب، تقترح الباحثة أن يكون للولايات المتحدة الدور الرائد في إدارة تلك المخاطر، وإحداث توازن دقيق بين مصالح الفاعلين الآخرين، وذلك من خلال صياغة استراتيجية متكاملة تقوم على محاولة الوصول إلى أقصى استخدام سلمي للطاقة النووية، وهو ما يتطلب من واشنطن القيام بدور قيادي واضح قائم على تعزيز الثقة وردع المخاوف، وعدم استثارة العداوات، ويتعين عليها أن تكون بمثابة نموذج رائد في منع الانتشار النووي، وأن تصبح الضامن الرئيسي لحفظ الأمن ضد أي استخدام نووي غير سلمي على مستوى العالم.

وفي نفس السياق، تناقش "شارون سكواسوني" Sharon Squassoni جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتنوه إلى أهمية النظر إلى الأسباب التي تكمن وراء عدم النزع التام للأسلحة النووية، كما أكدت على النقاط التالية:

1- جهود نزع السلاح النووي ليست مجرد مبادرات، وإنما هي التزام يجب أن يتحول إلى تدابير فعالة.

2- حجم الأسلحة النووية في كل من الولايات المتحدة وروسيا أكبر من حجمها في أي دولة أخرى.

3- العالم تغير ولكن الأسلحة النووية لم تتغير، فبعد مرور نحو سبعين عاماً على اختراعها لازالت الأسلحة النووية تمثل ضرورة لا غنى عنها بالنسبة للبعض، وخطراً يجب القضاء عليه بالنسبة للبعض الآخر.

4- الدعم الواسع لخفض الأسلحة النووية والتقدم الملموس في هذا المجال، يدفع للاعتراف بأن العالم يتجه نحو نزع الأسلحة النووية.

رابعاً: أنظمة الردع والدفاع الصاروخي

يناقش "توماس كاراكو" Thomas Karako في هذا الجزء مستقبل أنظمة الردع والدفاع الصاروخي، فعلى الرغم من الجهود المبذولة للحد من انتشار "تكنولوجيا أنظمة توصيل الصواريخ" فإنها خلقت ما يمكن تسميته بـ"نهضة الصواريخ". وقد ساهمت الاتجاهات التكنولوجية والجيوسياسية في زيادة العرض والطلب العالميين على "أنظمة التوصيل عالية الدقة والسرعة" والتي يتم التحكم فيها عن بُعد، وكذلك وسائل الدفاع الموجهة ضدها.

وقد تزايد الاهتمام العالمي بما يُعرف بـ"أنظمة توصيل الصواريخ"، بما في ذلك المدافع وقذائف الهاون، والصواريخ المضادة الأكثر تقدماً، وأنظمة الدفاع الجوية شديدة الفاعلية، والصواريخ المضادة للسفن، والصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، والطائرات بدون طيار، وحتى الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.

وعلى عكس فترة الحرب الباردة التي شهدت الاتفاق على عدم التصعيد المتبادل في نشر الصواريخ، فإن الدول اليوم أصبح لديها الكثير من الصواريخ، مع انعدام اليقين حول إمكانية التحصن ضدها؛ فالدفاعات الصاروخية تنتشر الآن في جميع أنحاء العالم، ولكن خلق تكامل بينها وبين أنظمة الردع يتطلب اهتماماً متزايداً باعتباره أحد أهم عناصر الأمن الدولي.

خامساً: مستقبل الطاقة

يتناول عدد من باحثي "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" - في هذا القسم من التقرير - عدداً من القضايا المتعلقة بمستقبل الطاقة في العالم، وذلك بالتركيز على ثلاثة موضوعات رئيسية، وهي:

1 ـ انخفاض أسعار النفط:

يتطرق "فرانك فيراسترو" Frank Verrastro إلى قضية انخفاض أسعار النفط وتداعياتها على مختلف الدول التي تواصل محاولاتها للتكيف مع الواقع الجديد للسوق، وبصفة خاصة الولايات المتحدة التي تعاني من تراجع النمو في إنتاجها النفطي، والذي يقابله زيادة الانتاج في منظمة البلدان المُصدرة للبترول (أوبك).

وطبقاً لرؤية الكاتب، على الرغم من استمرار حالة انعدام اليقين حول قوة الطلب على النفط، فإنه يتوقع استمرار زيادة المعروض والفائض منه خلال عام 2016، وهو ما يرجح استمرار الهبوط في أسعار النفط.

وبالنسبة للدول التي تعتمد في إيراداتها على مبيعات صادرات النفط، فإن استمرار الهبوط سيكون مؤلماً لها. أما الدول التي تنتج وتستهلك كميات كبيرة من النفط، فإن التراجع الكبير والمستمر في أسعاره سيمثل ارتباكاً لها، لأنه يحمل معه مزيجاً من الآثار السلبية والإيجابية معاً.

وتعد الولايات المتحدة أكبر مصدر للنمو المتزايد في إمدادات النفط العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، غير أنه وبعد أشهر من انخفاض أسعار النفط، فإن نمو الانتاج النفطي لديها بدأ في التراجع؛ فحسب هيئة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، بلغت مستويات الإنتاج في عام 2015 نحو 9.2 مليون برميل يومياً مقارنةً بما يقارب 9.6 مليون برميل يومياً في فترة سابقة. ويتوقع الكاتب أن يستمر التراجع في عام 2016 ليصل إلى 8.8 مليون برميل يومياً.

ويرى الباحث أن القضية الأكثر أهمية في هذا الصدد هي مستوى الانخفاض في أسعار النفط وفي أي مدى زمني، لأن ذلك سيحمل آثاراً خطيرة على نقص الاستثمارات، وتأجيل أو إلغاء مشاريع ضخمة خلال عام 2016، ما يؤدي إلى تباطؤ معدلات النمو في بعض قطاعات الاقتصاد العالمي.

2- مستقبل مصادر الطاقة منخفضة الكربون:

تشير "سارة لاديزلو" Sarah O. Ladislaw إلى أن اعتماد العالم بشكل كبير على الوقود الأحفوري (الفحم، النفط، والغاز) في تلبية احتياجاته من الطاقة لا يمنع من أن معظم التوقعات للعقود القليلة القادمة تشير إلى أن دور هذا الوقود سيتراجع لصالح مصادر الطاقة النظيفة ومنخفضة الكربون مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية.

وقد ظهرت منذ عدة عقود محاولات جادة من أجل زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة منخفضة الكربون، حيث تم استثمار ما يقارب من 318 مليار دولار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة في جميع أنحاء العالم خلال عام 2015 مقارنةً بنحو60 مليار دولار في عام 2004، ونصف هذه الاستثمارات تقريباً كان في الدول ذات الاقتصادات الضخمة مثل الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا.

وترى الباحثة أن مصادر الطاقة منخفضة الكربون لها انعكاسات وتأثيرات عديدة، لعل أبرزها المساهمة في إزالة الحواجز بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، والتعاون بينها في معالجة قضايا التغيرات المناخية، وأيضاً ارتباط تمويل مشروعات البنية التحتية بمصادر انبعاث الكربون، وهو الأمر الذي أصبحت تراعيه المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.

وحول مدى إمكانية مساهمة الطاقة منخفضة الكربون في حل الصراعات مستقبلاً، تجيب الباحثة بالقول إن البعض يميل إلى الاعتقاد بأن الطاقة منخفضة الكربون قد تعمل على الحد من وتخفيف الكثير من الصراعات الجيوسياسية المعقدة في العالم؛ مثل الحرب الدائمة حول الغاز الطبيعي بين روسيا وأوكرانيا، وتورط الولايات المتحدة في الصراعات الإقليمية بالشرق الأوسط، والتوتر بين واشنطن وبكين، غير أن الأمر قد لا يبدو على هذا النحو من التفاؤل.

وتوضح الكاتبة أن الطاقة منخفضة الكربون يمكن أن تساعد في التقليل من الصراعات عبر توفير قدر أكبر من التنوع في العرض، ولكنها لن تستطيع أن تقدم حلاً مباشراً وجذرياً لأي من تلك الصراعات، بل إن السياسات المستخدمة لتعزيز مصادر الطاقة منخفضة الكربون قد تخلق بعض التوترات الجيوسياسية الجديدة بين الدول.

3- مدى فاعلية العقوبات على بعض الدول النفطية:

باتت العقوبات الاقتصادية هي الأداة المفضلة للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث يتناول "إدوارد شو" Edward Chow تداعيات هذه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض الدول المنتجة للنفط مثل إيران بسبب برنامجها النووي، وروسيا بسبب عدوانها على أوكرانيا.

وبعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب في يوليو 2015، تهدف إيران إلى أن يصل إنتاجها من النفط في عام 2016 إلى مستوى ما قبل توقيع العقوبات عليها؛ أي ما يفوق 4 ملايين برميل يومياً. ولكن من المرجح أن تستغرق الاستثمارات الجديدة التي تم التفاوض عليها بشأن النفط الإيراني خمس سنوات على الأقل قبل أن تُؤتي ثمارها، ومن ناحية أخرى ثمة توقعات أن تؤثر زيادة إنتاج النفط والغاز الإيراني على سوق الطاقة العالمي.

أما بالنسبة لموسكو، وفي ظل اعتماد الاقتصاد الروسي على عائدات النفط والغاز، فيتوقع الكاتب استمرار الركود الاقتصادي في روسيا حتى عام 2017 ما لم ترتفع  أسعار النفط ويتم إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية رئيسية، وهما أمران من غير المحتمل حدوثهما خلال هذه الفترة.

ويرى الكاتب أن مثل هذه العقوبات الاقتصادية على الدول النفطية ليست حلاً مُجدياً، خاصةً عند استخدامها ضد الدول الكبرى التي تنتج سلعاً هامة ومتداولة على نطاق واسع، وإنما يتعين أن تستخدم هذه الأداة الاقتصادية بحكمة، جنباً إلى جنب مع وسائل أخرى مثل الدبلوماسية والتهديد باستخدام القوة.

 

* عرض مُوجز لتقرير: "التوقعات العالمية لعام 2016"، والصادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"  (CSIS)في ديسمبر 2015.

المصدر:

Craig cohen and Melissa G .Dalton (eds.), Global Forecast 2016 (Washington: Center for Strategic and International Studies, December 2015) pp 148.