قدرات كامنة:

ثلاثة تهديدات كبرى لإيران شبه "النووية"

12 December 2014


إعداد: إسراء أحمد إسماعيل

وصف الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" النزاع حول البرنامج النووي الإيراني بأنه يُعد واحداً من أبرز التحديات الأمنية الراهنة. وقد حاول كثير من المحللين دراسة الخيارات السياسية الرئيسية المتاحة للتعامل مع هذا التحدي، بما في ذلك توظيف الأساليب الدبلوماسية، واتباع "سياسة الاحتواء"، واستخدام الضربات العسكرية، ولكن ما تم إغفاله من وجهة نظر البعض هو الإقرار بأن إيران تمتلك بالفعل القدرة الكامنة لتصنيع الأسلحة النووية، وأنه من شبه المؤكد أنها ستحتفظ بهذه القدرة على المديين القصير أو المتوسط، بغض النظر عن مدى التقدم الذي يتم إحرازه في مجال الدبلوماسية النووية والمفاوضات الجارية، وحتى إذا اتفق المجتمع الدولي مع طهران على صفقة نووية شاملة.

انطلاقاً مما سبق، نشر "مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي" التابع للمجلس الأطلسي Atlantic Council دراسة تحت عنوان: "تخفيف المخاطر الأمنية التي يمثلها اقتراب امتلاك إيران للقدرات النووية" للباحث في المركز "ماثيو كروينيج Matthew Kroenig"، حيث يتناول القدرات النووية المستترة لإيران، وتداعيات ذلك على الأمن والسلام الإقليمي والدولي، وكذلك المسارات التي يمكن التحرك من خلالها للتخفيف من المخاطر المحتملة.

القدرات النووية المستترة

تعني القدرة النووية الكامنة أو المستترة حيازة القدرات التقنية، بما في ذلك القدرة على إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع الأسلحة النووية محلياً. وقد قدّر وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أن الأمر سيستغرق من إيران مدة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر لإنتاج كميات كافية من أسلحة اليورانيوم WGU والمواد الإنشطارية اللازمة لإنتاج أول قنبلة نووية، ويُطلق على هذه المدة الزمنية "تجاوز العتبة النووية".

ووفقاً لتقديرات المحللين، فإن الأمر سيستغرق من طهران حوالي شهر واحد لإنتاج رأس حربي نووي من "النوع المدفعي type-Gun"، وسنة واحدة لإنتاج سلاح مصمم بشكل أكثر تطوراً. وتاريخياً يتم احتساب الدولة كقوة نووية اعتباراً من تاريخ إجراء أول اختبار نووي أو من التاريخ الذي يُعتقد فيه أنها قامت بتجميع أول رأس حربي نووي. وطبقاً لذلك، إذا قامت إيران بإجراء تجربة نووية أو كانت هناك احتمالات كبيرة بتجميعها لرأس حربية نووية واحدة، فإنها ستحسب كدولة مسلحة نووياً.

ويوضح "كروينيج" أنه حتى يكون لدى طهران ترسانة مفيدة عسكرياً، فإنها ستحتاج إلى تطوير وسائل يمكن الاعتماد عليها لنقل الرؤوس النووية إلى أهدافها، وهذا قد يستغرق مزيداً من الوقت، مشيراً إلى أن لدى طهران طائرات مقاتلة قد تُستخدم لهذا الغرض حتى أنها يمكن أن تُستخدم في نقل الأسلحة النووية من "النوع المدفعي" إلى الدول المجاورة، وذلك على الرغم من افتقاد الأسطول الإيراني التحديث، حيث تمتلك إيران مخزوناً من الصواريخ الباليستية. وفي الوقت الحاضر، يمكن لإيران "تجاوز العتبة النووية" خلال فترة تمتد من شهرين إلى ثلاثة أشهر، وتمتلك رأساً حربياً نووياً في مدة تتراوح من شهر إلى سنة إضافية، إذا لم يتوقف تطوير برنامجها النووي، بما يعني بعبارة أخرى أن إيران تعد بالفعل "قوة نووية مستترة".

السيناريوهات المحتملة للمفاوضات

أشارت الدراسة في هذا الإطار السابق إلى خمسة سيناريوهات محتملة للمفاوضات الجارية بين إيران والقوى الست الكبرى، والتي تم الاتفاق مؤخراً على تمديدها حتى يوليو 2015:

1- يمكن لإيران والمجتمع الدولي تمديد التفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي شامل، مع استمرار تجميد البرنامج النووي الإيراني وفقاً لشروط الاتفاق المؤقت الذي تم توقيعه في نوفمبر 2013، والذي سبق أن تم تمديده عدة مرات (المحرر: هذا قريب مما حدث بالفعل في 24 نوفمبر 2014).

2- قد يتم التوصل لصفقة نووية شاملة، وهذا ليس من شأنه نزع القدرات النووية الإيرانية المستترة، بل إن "مجموعة 5 + 1" ستسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، مما يتيح لها إنتاج الوقود اللازم لصناعة الأسلحة النووية. ووفقاً لـ "جون كيري"، فإن الهدف من الاتفاق النووي الشامل هو تمديد الفترة الزمنية الحالية التي من المرجح أن تستغرقها إيران في مشروعها النووي من (شهرين إلى 3 أشهر) أو من (6 إلى 12 شهراً).

3- قد تنهار المفاوضات كلياً، وتستأنف طهران تطوير برنامجها النووي بالوتيرة نفسها التي عملت بها قبل اتفاق نوفمبر 2013، ولا يعني ذلك أنها ستندفع تجاه امتلاك القدرات النووية، وإنما ستقوم بتطوير برنامجها ببطء، بما قد يتضمنه ذلك من إدخال عدد أكبر وأكثر تطوراً من أجهزة الطرد المركزي، وبناء منشآت نووية جديدة، وتخصيب اليورانيوم لمستويات أعلى من 5%، وتخزين اليورانيوم منخفض التخصيب؛ فهذه الخطوات قد تساهم في تقليص الوقت الحالي اللازم لامتلاكها سلاحا نووياً إلى بضعة أسابيع. وعند نقطة ما قد يصبح هذا الوقت أقصر من الوقت اللازم لتحرك المجتمع الدولي؛ الأمر الذي قد يضطر واشنطن حينها إما إلى رد فعل عسكري أو الإذعان لإيران كدولة مسلحة نووياً.

4- يمكن أن تنهار المفاوضات، وتندفع إيران في مشروعها لامتلاك الأسلحة النووية، وقد يقرر المجتمع الدولي الإذعان لها، وفي هذه الحالة لن تصبح إيران قوة نووية مستترة بل دولة نووية فعلية في غضون أشهر.

5- قد تنهار المفاوضات، وتسعى إيران لاستكمال برنامجها النووي، وتقرر إسرائيل أو الولايات المتحدة القيام بضربة عسكرية. وفي هذا الإطار تشير التقديرات إلى أن قيام إسرائيل بذلك قد يسبب انتكاسة لبرنامج إيران النووي، مما يؤخره فترة زمنية تمتد من عام إلى عامين، أو من ثلاث إلى خمس سنوات في حالة قيام الولايات المتحدة بذلك.

التهديدات التي تشكلها قدرات إيران النووية

ركز الكاتب في دراسته على التحديات التي تمثلها القدرات النووية الكامنة لإيران، على ثلاثة مستويات، وهي (نظام حظر الانتشار النووي العالمي، والأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، والديمقراطية وحقوق الإنسان داخل إيران)، وذلك على النحو التالي:

1- انتشار الأسلحة النووية: من شأن القدرات النووية الإيرانية أن تشكل تهديداً يتمثل في الانتشار النووي حتى لو كانت لا تقوم بصنع الأسلحة النووية بنفسها، حيث إنها قد تقوم بنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى، وبذلك ينطلق سباق التسلح النووي في المنطقة. ويمكن أن تتم عملية التصدير خلسة، أو تحت ستار التعاون النووي السلمي في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما يمكن نقل القدرات النووية لدول تقع في نصف الكرة الغربي، الأمر الذي قد يتسبب في أزمات نووية لاحقة.

أكثر من ذلك أن ثمة احتمال لأن تقوم إيران بتقديم مساعدات نووية إلى جماعات إرهابية، ولكن هذا الاحتمال أقل مدعاة للقلق، وذلك لأنه حتى المنظمات الإرهابية الأكثر تطوراً لن تكون قادرة على بناء وتشغيل مجمع لإنتاج الأسلحة النووية. وعلى الرغم من الاعتراف بأن ايران تمتلك القدرات الفنية التي قد توفر للجماعات الإرهابية المواد المشعة التي يستطيع الإرهابيون استخدامها من خلال "جهاز التشتيت الإشعاعي" (RDD) أو ما يُطلق عليه "القنابل القذرة" التي تأتي في إطار "أسلحة التعطيل الشامل weapons of mass disruption"، فإنه من غير المرجح أن تُقدِم إيران على هذه الخطوة.

وإضافة إلى ما سبق، فإن قدرات إيران النووية الكامنة قد تحفز الانتشار النووي في الشرق الأوسط، ففي السنوات الماضية أعربت العديد من دول المنطقة بما فيها السعودية ومصر وتركيا والأردن والمغرب والإمارات عن الاهتمام ببدء أو تطوير برامج للطاقة النووية. وفي هذا السياق من المتصور أيضاً أن تعيد إسرائيل النظر في السياسة التي تتبعها منذ فترة طويلة والقائمة على الغموض النووي، الذي يزيد الحافز لدى الدول العربية لامتلاك أسلحة نووية.

2- الأمن الإقليمي: يرى "كروينيج" أن مخاطر القدرات النووية الإيرانية الكامنة تتجاوز تهديد نظام حظر الانتشار النووي، لأن الاتفاق النووي الشامل من شأنه أن يرفع العقوبات الاقتصادية، ويوفر مكاسب قد تقود إلى تكثيف الدعم الإيراني للهجمات الإرهابية في سوريا ولبنان والعراق؛ الأمر الذي يشجع طهران في النهاية على مواصلة هدفها المتمثل في أن تصبح الدولة الأكثر هيمنة في المنطقة. وإذا لم تتقبل الدول الإقليمية امتلاك إيران للقدرات النووية، فإنها قد تتخذ خطوات للقضاء على هذه القدرات أو مواجهتها، مما يؤدي إلى مستويات أكبر من الصراع الإقليمي.

3- تعزيز نظام الحكم الثيوقراطي: على الرغم من أن الانتخابات الأخيرة التي أوصلت الرئيس الإيراني حسن روحاني للرئاسة الإيرانية تُعبِّر عن تحسن كبير مقارنةً بسياسات الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، فإن روحاني لايزال مؤيداً للمُثل والمرتكزات الأساسية لإيران "الثورة". وفي حين أنه قد يكون ملتزماً بتحسين علاقات طهران مع العالم الخارجي، وتخفيف بعض القيود الثقافية داخل إيران، لكن ليس هناك دليل على أن الرئيس الإيراني الحالي ينوي الدخول في عملية إصلاح سياسي ذات معنى. ويتوقع الكاتب أنه في حالة التوصل لاتفاق نووي، فإن من شأن ذلك رفع العقوبات الاقتصادية، وتحسن الوضع الاقتصادي، الأمر الذي يقود بدوره إلى تراجع السخط السياسي الداخلي ضد نظام الملالي، وزيادة الدعم الشعبي للحكومة، واستمرار النظام الحاكم.

ونظراً لعدم الاستقرار الحالي في الشرق الأوسط بسبب الانتفاضات العربية، فإن هناك اتجاهاً في واشنطن يخشى من حدوث فوضى محتملة نتيجة دعوات تغيير النظام في إيران، ويُرحب باتخاذ طهران موقفاً معتدلاً. ومع ذلك يظل لدى العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين هدفاً يتعدى فكرة ميل الحكومة الثيوقراطية الحالية للاعتدال، إلى استنهاض نظام مختلف أكثر ديمقراطية.

أبرز التوصيات

ختاماً، يؤكد "كروينيج" أنه لمواجهة تلك المخاطر النووية الإيرانية، يتعين على واشنطن اتخاذ مجموعة من الخطوات العاجلة، من أبرزها ما يلي:

 1- إعادة تأكيد الولايات المتحدة التزامها بمحاسبة الدول التي تساعد الجماعات الإرهابية في الحصول على أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.

2- على الإدارة الأمريكية تأكيد استعدادها لاستخدام القوة في حالة انهيار مسار المفاوضات الحالي، ويمكن للحلفاء والشركاء الدوليين التعبير عن التزامهم بدعم الخيار العسكري إذا لزم الأمر.

3- بالنسبة للمخاوف الإقليمية من التهديد الإيراني، يمكن لواشنطن أن تخفف منها من خلال التعاون في مجال الدفاع لتعزيز الموقف الأمني في المنطقة، وأن تعتمد واشنطن نهجاً أكثر استراتيجية في برنامج المبيعات العسكرية الخارجية (FMS).

4- أهمية مواصلة الضغط الاقتصادي واستمرار العقوبات المتعلقة بالإرهاب، حتى لو تم رفع العقوبات الأخرى كجزء من المفاوضات النووية.

5- استمرار العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان، وزيادة تمويل البرامج المصممة لتعزيز الديمقراطية في إيران.

* عرض موجز لدراسة تحت عنوان: "تخفيف المخاطر الأمنية التي يمثلها اقتراب امتلاك إيران للقدرات النووية"، المنشورة في نوفمبر 2014، عن "مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي" التابع للمجلس الأطلسي، وهو منظمة غير حزبية تعمل على تعزيز القيادة الأمريكية وتُكرس جهودها لدفع التعاون والسلام الدولي ومواجهة التحديات العالمية.

المصدر:

Matthew Kroenig, Mitigating the Security Risks Posed by a Near-Nuclear Iran (Washington, Atlantic Council, November 2014).