استباق الضغوطات:

ما الذي يدفع نظام أردوغان للتهدئة مع فرنسا؟

18 February 2021


حرصت تركيا في الأيام الماضية على توجيه رسائل عديدة تشير إلى اتجاهها نحو تخفيض التصعيد مع فرنسا، وكشفت رسائل ودية متبادلة بين أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى تأكيد وزير الخارجية التركي عشية زيارته لشبونة في 7 يناير الجاري، على أن بلاده وفرنسا تعملان على خريطة طريق لتطبيع العلاقات، وأن المحادثات تسير بشكل طيب، عن مرونة في التعاطي مع المستجدّات على الساحة الدولية. وتدهورت العلاقة بين البلدين في الأشهر الماضية، وفي بداية ديسمبر الماضي، اعتبر أردوغان أن ماكرون بات يمثل عبئًا على فرنسا، داعيًا إلى التخلص منه، وهو ما دفع الثاني إلى مطالبة الأول بـ"الالتزام بالاحترام".

وفي الواقع، فإن التوجه الأخير نحو تهدئة التوتر بين البلدين في هذا التوقيت يشير إلى أنه لا ينفصل عن المعطيات التي تشهدها العاصمة الأمريكية، والتغيرات المحتملة التي يمكن أن تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تركيا والاتحاد الأوروبي، بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير الجاري. كما لا يمكن استبعاد أن تكون تلك الخطوة محاولة من جانب تركيا لتحييد جهود فرنسية داخل الاتحاد الأوروبي تستهدف فرض مزيد من العقوبات على تركيا خلال قمة الاتحاد الأوروبي المقرر لها مارس المقبل.

متغيرات جديدة:

من المرجح أن تسفر رسائل التهدئة المتبادلة بين أنقرة وباريس عن تحقيق نقلة نوعية في مسارات العلاقة المأزومة بين البلدين، ودفع المعنيين في الداخل إلى اتخاذ خطوات جادة لتجاوز الملفات الشائكة. ومن مؤشرات الاستجابة التركية للتحايل على التوتر تعيين علي أونانار في ديسمبر الماضي سفيرًا لها في باريس. ويُعرف أونانار بأنه صديق مقرب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في خطوة إضافية أرسل الرئيس أردوغان لنظيره الفرنسي في نهاية ديسمبر الماضي، رسالة متمنيًا له سنة جديدة سعيدة، كما قدم تعازيه بعد الاعتداءات التي استهدفت فرنسا الخريف الماضي. ولم تكن هذه الرسالة هي الأولى من نوعها في 19 ديسمبر الماضي، فقد بعث أردوغان برسالة إثر إصابة ماكرون بفيروس كورونا متمنيًا له الشفاء. وفي سياق متبادل، أعرب ماكرون -في 10 يناير- في رسالة وجهها لأردوغان عن آماله بعودة الاستقرار في القارة الأوروبية بمساهمة تركية في 2021، كما عبر فيها عن أطيب تمنياته للشعب التركي وللرئيس أردوغان، مستهلًا رسالته بعبارة "عزيزي طيب" باللغة التركية.

في سياق متصل، أبدت تركيا في 7 يناير الجاري على لسان وزير خارجيتها استعدادها لإعادة العلاقات إلى طبيعتها مع فرنسا، خاصة أن أنقرة ترى أن البلدين لا يعارضان بعضهما بشكل قاطع، وهو ما يؤشر على تغيّر دراماتيكي في سياسات أنقرة الخارجية.

في المقابل، فإن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري لتركيا، ولقاءه الرئيس التركي في يناير الحالي؛ لا تنفصل عن محاولات تركية لتحقيق اختراق في العلاقة مع باريس، خاصة أن الحريري يُعتبر من بين الشخصيات القليلة التي تمتلك علاقات قويّة ومميّزة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وقد دفع السلوك التركي الجديد باريس إلى اتخاذ خطوات نحو التهدئة، منها تعيين سفير جديد لها بأنقرة هو "هيرفيه ماغرو" المولود في تركيا، ويتحدث اللغة التركية بطلاقة، ويعرف تفاصيل العلاقات الثنائية، وكيفية التحدث إلى الأتراك. في المقابل، وتعتقد النخب الفرنسية أن التصعيد مع تركيا لم يسفر عن وقف تمدد الحضور التركي في مناطق الصراعات التي ترتبط بالمصالح الفرنسية، وفي الصدارة منها ليبيا، وشرق المتوسط، وشمال سوريا، وناغورنو كارباخ. يضاف إلى ما سبق، إدراك صانع القرار الفرنسي أن العداوة مع أنقرة لم تلقَ الدعم الكافي من شركائها في الاتحاد، فعدد من الدول الأوروبية، وبخاصة ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، ترى تركيا عضوًا مهمًا في "الأطلسي"، وتمثل أولوية في مواجهة الارتدادات السلبية لصراعات الإقليم على أوروبا، وبخاصة مسألة اللاجئين. 

اعتبارات متنوعة:

يمكن تفسير إقدام تركيا على تلك الخطوة الجديدة في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- التحايل على العقوبات: يمكن القول إن تصاعد تأثير التداعيات التي فرضتها قمة الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، والتي استهدفت عددًا من الأفراد والشركات التركية التي تعمل في التنقيب قبالة سواحل اليونان، وكذلك العقوبات الأمريكية على قطاع الصناعات الدفاعية التركية منذ 11 ديسمبر الماضي بعد حصولها على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400؛ هو السبب الرئيسي الذي دفع تركيا في الوقت الحالي إلى فتح ملف تهدئة التوتر مع باريس. من هنا، يمكن القول إن اندفاع تركيا إلى اتخاذ تلك الخطوة هو الإيحاء بأنها قد تُبدي مرونة إزاء بعض التحفظات الأوروبية على العديد من الملفات الخلافية بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وذلك لتحفيز الاتحاد الأوروبي الذي تقوده فرنسا وألمانيا على تبني مقاربة أكثر دعمًا للحكومة التركية مستقبلًا، مع احتمال تعرض العلاقات التركية الأمريكية لهزة عميقة بعد صعود بايدن الذي يحمل توجهات عدائية ضد الرئيس التركي، وضد توجهات السياسة الخارجية التركية في ملفات الإقليم.

2- استيعاب المستجدات: ثمة محركات متنوعة ربما تدفع أنقرة وباريس ليس فقط إلى محاولة ضبط حدود الخلاف، وعدم تصعيده لدرجة غير مسبوقة، بشكل يمكن أن يفرض تداعيات سلبية على مصالح لبلدين؛ وإنما أيضًا السعي للوصول إلى إعادة بناء جسور الثقة، والتوافق حول بعض القضايا التي تحظى باهتمام مشترك من جانبهما.

والواقع أن الحرص التركي على التقارب الحالي مع باريس يأتي في سياق توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحة الدولية، بعد أن تعرضت لضغوط دولية وإقليمية قوية خلال المرحلة الماضية؛ إذ لا يزال التوتر هو العنوان الأبرز مع واشنطن بسبب حصول تركيا على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية  S400، إضافة إلى قضية "فتح الله غولن"، والدعم الأمريكي للأكراد في سوريا. كما لا ينفصل التوجه التركي الجديد عن محاولة تركية لاستيعاب مستجدات عالمية وإقليمية، قد تدفعها إلى الهامش وتهدد مصالحها. لذا فإن ترطيب العلاقة مع باريس، يرتبط بمحاولة استيعاب ضغوط مرشحة للتفاقم، في ظل التحولات التي أنتجتها الانتخابات الأمريكية، وأسفرت عن صعود الديمقراطي جو بايدن، الذي يحمل توجهات عدائية ضد أردوغان وسياسات أنقرة في صراعات الإقليم، ويعارض حصول تركيا على منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400.

على جانب آخر، يدفع توقيع دول عربية اتفاقات سلام مع إسرائيل، والتحول الحادث في العلاقات الخليجية بعد قمة العلا في 5 يناير الحالي، ناهيك عن استمرار مساحات الخلاف مع القاهرة؛ إلى مراجعة النظام التركي لسياساته العدائية تجاه فرنسا لتفادي عزلة باتت متنامية في الخارج.

3- العلاقة المعقدة مع موسكو: لم تصل العلاقات مع روسيا إلى مستوى يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الضغوط الأوروبية التي تقودها فرنسا ومعها اليونان وقبرص، فالتعاون مع موسكو تفرضه بالأساس التطورات الطارئة في صراعات المنطقة. كما تعي أنقرة طبيعة العلاقة المعقدة مع موسكو، في ظل تنامي مكامن التنافس والخلافات بينهما في مناطق متعددة بدءًا من سوريا ومرورًا بليبيا، وأخيرًا منطقة القوقاز، حيث تتعارض الأهداف والتحالفات، وتجلى ذلك في معارضة موسكو استمرار التوغل التركي في منطقة عين عيسى شمال سوريا منذ نهاية ديسمبر الماضي، ورفض قيام تركيا بعملية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال سوريا. 

مكاسب محتملة:

تبذل تركيا جهودًا حثيثة لاستيعاب التوتر الحادث مع باريس، وقدمت أنقرة إشارات اعتبرتها اتجاهات عديدة نقلة نوعية في دفع العلاقة، وتحييد القضايا الخلافية في التأثير على مسارات المصالح بين البلدين. ومن المرجح أن يؤدي هذا التقارب إلى تحقيق مكاسب محتملة للبلدين، يمكن بيانها على النحو التالي:

1- التقارب مع الاتحاد الأوروبي: تأتي المحاولات التركية لتحسين العلاقة مع باريس في سياق الرغبة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فلحاق تركيا بالعضوية الأوروبية لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار حالة العداء مع باريس. هنا، يمكن فهم تصريحات الرئيس التركي في 9 يناير الجاري عشية لقائه رئيس المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، حيث قال إن تركيا "ترى مستقبلها في الأسرة الأوروبية"، وأشار إلى أهمية إعادة تأسيس الثقة بين الجانبين، وتفعيل آليات التشاور، ووضع حد لخطاب وأفعال الإقصاء والتمييز تجاه تركيا التي يتجاوز وصفها بالدولة الجارة إلى دولة مرشحة لنيل العضوية.

2- فوائد اقتصادية: تبدو تركيا في هذه المرحلة بحاجة ضرورية إلى تحسين العلاقة مع فرنسا، التي يمكن أن تسهم في تسكين أوجاع الأزمة الاقتصادية التركية، وتعزز قدرتها على مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية، حيث تعد فرنسا ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا في الاتحاد الأوروبي، كما تعتبر سابع أكبر مستورد من تركيا بحصة سوقية نسبتها 4.2%. في المقابل، تعوّل تركيا على الشركات الفرنسية العاملة في تركيا، والتي تمثل نقطة استناد استراتيجية في الاقتصاد التركي، في الصدارة منها مجموعة "رينو" للسيارات، وشركات مطارات باريس، إضافة إلى شركات "رون بولينك" و"سان جوبان" و"سانوفي أفنتيس" و"توتال" و"لافارج" و"سوديكسو" و"دانون" و"كارفور".

على صعيد ذي شأن، تمثل المساعدات المالية الأوروبية أولوية لتركيا لمحاصرة أزمتها الاقتصادية، وتدرك أنقرة أن تمرير الدعم المالي الأوروبي لن يتم دون موافقة فرنسية. كما تعي أنقرة دور الممانعة الفرنسية في تحديث الاتفاق التركي الأوروبي الموقع في 18 مارس 2016، ورفع تأشيرة الدخول لدول الاتحاد عن المواطنين الأتراك.

3- تحسين الصورة النمطية: لم تُساهم فقط الأزمة مع فرنسا في زيادة عزلة حكومة أردوغان إقليميًا ودوليًا، فقد كان لها انعكاساتها على الداخل التركي، وبدا ذلك في اتهام المعارضة التركية للرئيس التركي بالرغبة في تصعيد التوتر مع باريس لتعويض التآكل الحادث في شعبيته، وتراجع الرصيد التقليدي لحزب العدالة والتنمية وسط قواعده الانتخابية.

 وفي هذا السياق، فإن التقارب مع باريس يسهم من جهة في التخفيف من حدة هذه العزلة وتأثيرها على مستقبل الرئيس التركي في الداخل، خاصة أن استطلاعات الرأي التي أُجريت نهاية العام الماضي، كشفت عن تراجع حضور الائتلاف الحاكم في تركيا لما دون 40% لصالح أحزاب المعارضة، ومن جهة تحسين الصورة الذهنية للنظام التركي في أوساط المجتمع الفرنسي الذي يرفض قطاع معتبر منه التوجهات الخارجية التركية تجاه مصالح دول الاتحاد، وبخاصة المصالح الفرنسية، والتي كشف عنها دعوة الرئيس التركي لمقاطعة المنتجات الفرنسية ردًا على إعادة نشر رسوم مسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- في أكتوبر الماضي. 

4- ضبط الهجرة غير الشرعية: يعتبر ملف الهجرة غير الشرعية من أهم الأسباب التي ربما تدفع باريس لتهدئة العلاقة مع أنقرة، ودعم حضورها في تركيا، خاصة بعد تزايد محاولات تدفق المهاجرين إلى الداخل الأوروبي بسبب التداعيات الاقتصادية لتفشي جائحة "كورونا". وقد أشارت العديد من المصادر الأوروبية إلى تخوفها من تزايد موجات الهجرة غير الشرعية بسبب الجائحة، خاصة من تركيا التي يوجد بها عدد واسع من اللاجئين السوريين.

تحديات ماثلة:

رغم كسر حالة التوتر بين أنقرة وباريس، لا تزال مستويات التباين بين مواقف الطرفين كبيرة في عدد واسع من قضايا المنطقة، وهو ما يمثل أحد ديناميكيات استمرار التوتر حيال العديد من الملفات الشائكة، ويتمثل أولها في معارضة فرنسا عمليات التنقيب غير القانونية التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط، إضافة إلى إظهار باريس أعلى درجات التضامن مع اليونان وقبرص ضد تركيا، من خلال إجراء مناورات عسكرية، والسعي لإقامة شراكات جديدة ومضاعفة مشاريع بيع الأسلحة لكل من أثينا ونيقوسيا. كما سعت باريس إلى بناء موقف أوروبي موحد ضد التحركات التركية في شرق المتوسط، وقبرص الشمالية، وبدا ذلك في معارضة باريس إصدار تركيا -في 17 يناير الجاري- عددًا من الإخطارات الملاحية "نافتكس" لإجراء مناورات عسكرية في بحر إيجه، وشكلت الخطوة استفزازًا لفرنسا وحليفتها اليونان.

ويرتبط ثانيها بتصاعد مستويات التنافس في مناطق النفوذ. فمثلًا لعبت فرنسا دورًا محوريًا في تقزيم الحضور التركي في المشهد اللبناني، وإفشال محاولات أنقرة للانخراط في الترتيبات السياسية التي يجري العمل على صياغتها خلال المرحلة الحالية عبر مدخل المساعدات الإغاثية، والذي تزايد الاستناد إليه عشية تفجيرات ميناء بيروت. كما نجحت باريس في اختراق العلاقة مع بغداد، وإقليم كردستان العراق، وجاءت زيارة ماكرون للعراق في مطلع سبتمبر الماضي، ومعارضته للتدخلات الأجنبية، كاشفة عن عمق التوجه الفرنسي حيال العمليات التركية شمال العراق.

في المقابل، ثمة استياء تركي من توجهات فرنسية بشأن إقليم ناغورنو كارباخ، بعد مصادقة الجمعية الوطنية الفرنسية، في ديسمبر الماضي بأغلبية كبيرة، على قرار مؤيد للاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما أثار حفيظة تركيا الداعمة لأذربيجان. كما أن ثمة خلافًا بين البلدين حول تسوية الأزمة الليبية، فبينما بذلت باريس كل طاقاتها لوقف إطلاق النار في ليبيا، ودفع الجهود الأممية نحو تشكيل سلطة تنفيذية انتقالية تضطلع بتنظيم الانتخابات المرتقبة في 24 ديسمبر 2021، تناهض أنقرة التحركات الأممية، باعتبار أنها تتعارض مع مصالح ونفوذ حلفائها المحليين، وبخاصة التيارات المؤدلجة غرب ليبيا. وثالثها يعود إلى اتساع رقعة الخلاف بين أنقرة وباريس مع اتجاه الثانية نحو الاستمرار في دعم قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ورفضها للتحركات العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، فضلًا عن حرص فرنسي على إشراك المكون الكردي في أي حل سياسي مستقبلي في سوريا، وهو ما دفع أنقرة للتأكيد على أنها لن تسمح بمحاولات فرنسا لإضفاء الشرعية على التيار الكردي السوري، وذلك من خلال السعي لدمجه في مسار الحل السياسي للأزمة السورية. ويرتبط رابعها بالمواقف الفرنسية المناهضة للممارسات السلطوية للنظام الحاكم في تركيا، ورفض مساعي الرئيس التركي لتأميم المجال العام في الداخل.

خلف ما سبق، يتصاعد الغضب التركي من إصرار باريس على تبني استراتيجية تستهدف محاصرة أدوات القوة الناعمة التي تعتمدها تركيا لتعزيز تغلغلها في المجتمع الفرنسي، وبدا ذلك في مسارعة السلطات والهيئات الإسلامية في فرنسا منذ أكتوبر الماضي للعمل حول مشروع لتدريب "أئمة على الطريقة الفرنسية"، وذلك لوقف استقدام أئمة من الخارج، وبخاصة من تركيا. كما أقدمت السلطات الفرنسية في نوفمبر الماضي على حظر "حركة الذئاب الرمادية القومية المتطرفة شبه العسكرية"، وذات الصلة بحزب الحركة القومية حليف الرئيس التركي، ناهيك عن أن الجماعة المتطرفة تعد جناحًا مواليًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وهنا، يمكن فهم تورط الحركة في استهداف النشطاء الأكراد والأرمن في باريس.

ختاماً، تعكس التحركات والتصريحات تجاه باريس رغبة تركية في حلحلة القضايا العالقة مع فرنسا، وضبط التوتر إزاء الملفات الشائكة، ناهيك عن إعادة ترميم الصورة الذهنية التركية في المجتمع الفرنسي. وربما تتخذ المواقف التركية مسارات متعددة في الفترة المقبلة تجاه فرنسا، منها تعزيز المبادلات الاقتصادية، والتفاهمات حول صراعات المنطقة، خاصة أن باريس أبدت استعدادًا -وإن كان مشروطًا- لعودة العلاقة مع أنقرة إذا ما التزمت بعدم تجاوز المصالح الفرنسية في مناطق النفوذ. في المقابل، تمثل المعطيات الجديدة التي تشهدها المنطقة، والعاصمة واشنطن، وأيضًا حالة الانقسام الأوروبي تجاه التعامل مع السلوك التركي محفزات للتهدئة.