توجه جديد:

لماذا تتوسع الجزائر في إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية؟

04 January 2021


تعمل الجزائر على التوسع في تطوير مشاريع كبرى للطاقة الشمسية في البلاد في ظل ما تمتلكه من إمكانات واعدة في هذا المجال، وعلى نحو سوف يساهم في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، ومن ثم خفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز القدرة التصديرية للبلاد لخامى النفط والغاز الطبيعي. وتطمح الجزائر في إنتاج ما يزيد عن 13 ألف ميجاوات من الكهرباء عبر الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، ولبلوغ هذا الهدف، يتعين عليها تطوير آليات مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الطاقة المتجددة، وتعديل قواعد المناقصات، إلى جانب الانفتاح على الشركاء الأجانب والمؤسسات الدولية المعنية بالطاقة المتجددة من أجل الاستفادة من خبراتها وفرص التمويل المتاحة. 

خطة طموحة:

حددت الجزائر هدفاً لإنتاج ما لا يقل عن 22 ألف ميجاوات من الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، منها ما لا يقل عن 13.5 ألف ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، أى أكثر من نصف الطاقات الإضافية المقررة، وهو ما سوف يساهم في المجموع بنسبة 27% من قدرات الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030. 

وبصفة خاصة، تسعى الحكومة لاستغلال إمكانات الطاقة الشمسية الواعدة لديها من أجل بلوغ الهدف السابق. ووفق التقديرات الحكومية، يتراوح معدل الإشعاع الشمسي بالأراضي الجزائرية ما بين 2000 إلى 3900 ساعة سنوياً، وما يعادلها بين 5.1 كيلووات في الساعة إلى 6.6 كيلو وات في الساعة، على نحو يجعل توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية مجدياً من الناحية التجارية والاستثمارية. 

وفي ضوء هذه الإمكانات، تعمل الجزائر على تطوير مشاريع كبيرة للطاقة الشمسية في المستقبل، ولعل أبرزها مشروع "تافوك1"، الذي سيتألف من عدة محطات للطاقة الشمسية بقدرة توليد مجتمعة تبلغ حوالي 4 جيجاوات، وهو أحد أكبر المشاريع الواعدة في المستقبل. بينما كانت بدأت بالفعل بالسنوات الأخيرة في تنفيذ بعض المشاريع ذات القدرات الإنتاجية المحدودة والمتوسطة في بعض أنحاء البلاد وبطاقة تقترب من 450 ميجاوات، كما تستهدف إضافة قدرات جديدة بنحو 1000 ميجاوات من الطاقة الشمسية قبل نهاية عام 2021.

أسباب عديدة:

لازالت الجزائر تعتمد بشكل مفرط على الوقود الأحفوري في تلبية احتياجات القطاعات الاقتصادية من الطاقة، وساهم النفط والغاز الطبيعي بما نسبته 98.7% من إجمالي الاستهلاك الأوَّلي للطاقة في البلاد في عام 2019، ويشكل النفط وحده نسبة 34.6% من الاستهلاك الأوَّلي للطاقة، بينما ترتفع مشاركة الغاز الطبيعي إلى 64.1%. 

ويعتمد قطاع الكهرباء، والبالغ قدراته أكثر من 21 ألف ميجاوات سنوياً، بنسبة لا تقل عن 95% على الوقود الأحفوري في تلبية احتياجاته من الطاقة، فيما تساهم الطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح بالنسبة المتبقية. ويتمثل التحدي الرئيسي بالنسبة للجزائر في أن الطلب المحلي على الكهرباء آخذ في الارتفاع في ظل النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في البلاد.

وخلال العقد الماضي، بلغ معدل النمو السكاني في الجزائر حوالي 2% سنوياً، وقد زاد عدد السكان من 35.2 مليون نسمة في عام 2009 إلى 43.4 مليون نسمة في عام 2019. وسيؤدي ثبات هذا المعدل إلى إجمالي عدد سكان قدره 47.9 مليون نسمة بحلول عام 2025. وعلى هذا النحو، فإن الطلب المتزايد على الكهرباء مستقبلاً سيواكبه نمو كبير في استهلاك النفط الخام والغاز الطبيعي بالسوق المحلية، ومن ثم تعطيل القدرة التصديرية للبلاد.

وفي عام 2019، أنتجت الجزائر نحو 86.2 مليار متر مكعب، استحوذت السوق المحلية على قرابة 52% من هذا الحجم وبما قدره 45.2 مليار متر مكعب، ويمثل ذلك زيادة كبيرة من الاستهلاك البالغ 26.2 مليار متر مكعب في عام 2009. وبالتالي، فإن زيادة الطلب المحلي على الكهرباء، فضلاً عن الحاجة لتقليل الانبعاثات الكربونية، يمثلان حافزاً قوياً للجزائر لتنويع مزيج الطاقة الكهربائية، وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة. 

متطلبات رئيسية:

قبل عدة أعوام، كانت بيئة الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة غير ناضجة لحد بعيد، على نحو أدى إلى إحجام الشركات عن الاستثمار في الجزائر على الرغم من توقيع الحكومة عدة اتفاقات استثمارية أوَّلية مع شركات كبرى مثل "توتال" الفرنسية" و"إيني" الإيطالية وغيرها، وهو ما دفعها مؤخراً لاتخاذ تدابير لتطوير الإطار التنظيمي للقطاع.

وكان من أهم هذه التدابير إنشاء مكتب للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في عام 2019 يسمى بـ"المحافظة للطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية"، وهو مسئول عن تصميم الاستراتيجية المحلية لتطوير الطاقة المتجددة، ووضع السياسات اللازمة لشحذ قدراتها. وفي العام نفسه أيضاً، أطلقت الجزائر أطلساً مكوناً من 60 خريطة يحدد مواقع إمكانات الطاقة المتجددة في البلاد بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة الكتلة الحيوية.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، إلا أنه مع طرح لجنة تنظيم الكهرباء والغاز في عام 2019 مناقصة لتنفيذ مشروعات طاقة شمسية بقدرة 150 ميجاوات، أظهرت سياسات قطاع الطاقة المتجددة عدداً من جوانب القصور. فلم يتأهل في ختام المناقصة سوى ثمانية شركات، وعرضت تنفيذ 50 ميجاوات فقط  في منطقة بسكرة عند سعر 6.9 سنت/ كيلووات في الساعة. 

وتسلط النتائج المتواضعة للمناقصة السابقة الضوء على عدد من التحديات التي تواجهها مشاريع الطاقة المتجددة في الجزائر ويتمثل أبرزها في اشتراطات قواعد المناقصة، التي تفرض قيوداً تتعلق بهيكل ملكية وتمويل المشروع، من حيث ضرورة وجود مستثمر جزائري به، وتفضيل الحصول على تمويل من المؤسسات الجزائرية بجانب اشتراطات محتوى المكون المحلي لتركيبات الألواح الشمسية.

وإلى جانب ما سبق، تبدو آليات مشاركة القطاع الخاص أو المستثمرين في مشروعات الطاقة المتجددة غير مشجعة، حيث تعتمد على المناقصات والعطاءات بصفة أساسية، وذلك بخلاف الممارسات المثلى في هذا المجال التي تكشف عن آليات متنوعة للمشاركة على غرار التشييد والتشغيل ونقل الملكية وتعريفات التغذية وغيرها.

وهنا أيضاً، فإن الجزائر بحاجة ملحة لتأسيس شراكات واسعة مع الشركاء الأجانب من الدول والمؤسسات الدولية ذات الخبرة في هذا المجال، ليس من أجل الاستفادة من خبراتها في الطاقة المتجددة فحسب، وإنما لتوفير التمويل للمشارع الكبيرة للطاقة الشمسية أيضاً، ولاسيما أن البلاد تتعرض لضغوط مالية قوية نتيجة تقلبات أسواق النفط والغاز في الفترة الأخيرة. وينبغي أيضاً على الحكومة مواصلة تحرير أسعار النفط والغاز الطبيعي بالسوق، لكى تجعل أسعار الإنتاج من الطاقة الشمسية جاذبة وقادرة على المنافسة مع الوقود الأحفوري.

وختاماً، يمكن القول إن لدى الجزائر إمكانات واعدة في توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، غير أن الاستغلال الأمثل لها يتطلب من الحكومة مواصلة تطوير الإطار التنظيمي والتشريعي لقطاع الطاقة المتجددة ككل من أجل تشجيع القطاع الخاص والمستثمرين الدوليين على دخول القطاع، وبالتالي الاستفادة من خبراتهم وقنوات التمويل المتاحة.