الأسباب الخمسة:

دوافع مالي للتفاوض مع التنظيمات الإرهابية

18 February 2020


لا يبدو أن فتح قنوات تواصل مع التنظيمات الإرهابية، وهو الخيار الذي ألمح إليه الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، في 10 فبراير الجاري، سوف يكون مهمة سهلة، خاصة مع استمرار وتصاعد حدة العمليات الإرهابية التي تنفذها هذه التنظيمات، وكان آخرها بعد نحو أربعة أيام من تصريحات كيتا في هذا الصدد، حيث تعرضت وحدة من الجيش المالي لهجوم في قرية بنتيا التي تقع في وسط البلاد أسفر عن مقتل ثمانية جنود وإصابة أربعة، بالتوازي مع هجوم آخر شهدته قرية موندور التي تقع في المنطقة نفسها وأدى إلى مقتل جندي تاسع.

وقد جاءت تصريحات الرئيس المالي لتعبر عن سياسة جديدة تحاول مالي تبنيها في مواجهة التنظيمات الإرهابية، حيث أثارت تساؤلات عديدة حول مسارات وآليات التفاوض مع تلك التنظيمات التي تنشط في المنطقة، وانعكاس ذلك علي باقي دولها.

اعتبارات عديدة:

يمكن تفسير هذا التوجه الجديد الذي تتبناه مالي في ضوء اعتبارات رئيسية خمسة تتمثل في:

1- تصاعد معدلات العمليات الإرهابية: شهدت الفترة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات العمليات الإرهابية في شمال مالي، والتي تم تنفيذها من جانب تنظيم "أنصار  الدين" التابع لتنظيم "القاعدة". ومن هنا، يبدو أن مالي تحاول عبر اختبار هذا التوجه الجديد وضع حد لتلك العمليات التي تؤثر بشكل كبير على حالة والاستقرار داخلها.

2- اتساع نطاق العنف القبلي: يتوازى مع تصاعد العمليات الإرهابية انتشار ظاهرة العنف القبلي، على غرار ما حدث قبيل الهجومين الإرهابيين الأخيرين اللذين تعرضا لهما الجيش المالي في 14 فبراير الجاري، حيث اندلعت مواجهات قبلية بين عرقيتى "الفولاني" و"الدوغون" في قرية أوغوساغو، على نحو أسفر عن مقتل 31 مدنياً، وهى القرية نفسها التي ارتكبت فيها خلال الفترة الماضية أعمال عنف أسفرت عن مقتل 161 مدنياً، وهو ما فرض ضغوطاً متزايدة على السلطات المالية دفعتها إلى الإقدام على محاولة توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التداعيات السلبية التي تنتجها عمليات العنف القبلي المستمرة، حيث يمكن أن تمتد قنوات التواصل التي تشير السلطات إلى إمكانية فتحها مع تلك التنظيمات إلى حركات التمرد المحلية، بما يعني أنها لن تكون بعيدة عن الجهود التي تبذلها لاحتواء ظاهرة العنف القبلي.

3- اتجاه الولايات المتحدة إلى تخفيض عدد قواتها في المنطقة: أثارت التصريحات التي أدلى بها العديد من المسئولين العسكريين الأمريكيين والتي أشاروا فيها إلى احتمال إقدام الولايات المتحدة على سحب بعض قواتها من المنطقة، قلقاً بالغاً لدى دولها، التي اعتبرت أن ذلك سوف يدفع التنظيمات الإرهابية إلى محاولة ملء الفراغ المحتمل الذي سوف ينتج عن ذلك، واستعادة قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، خاصة في ظل الدور البارز الذي كانت تقوم به القوات الأمريكية في تصفية عدد من قادة وكوادر تلك التنظيمات عبر الضربات الجوية التي كانت تشنها ضد مواقعها.

4- تفعيل اتفاق الجزائر: لا يبدو أن هذا الاتجاه ينفصل عن التحركات العسكرية التي تقوم بها القوات المالية لإعادة الانتشار في بلدة كيدال شمال البلاد، بهدف تعزيز قدرة الدولة على السيطرة على تلك المنطقة، وفقاً لما يقضي به أحد بنود اتفاق السلام الذي أبرم في الجزائر بين الحكومة وبعض الجماعات المتمردة في بداية مارس 2015، والذي كانت الأولى قد وقعته من أجل تجنب الانزلاق إلى حرب أهلية مع المتمردين الذي يتلقون دعماً من جانب قوى عديدة تسعى، طبقاً لرؤيتها، إلى استمرار الفوضى وعدم الاستقرار في مالي.

5- فك الارتباط بين المليشيات المتمردة والتنظيمات الإرهابية: نجحت بعض حركات التمرد في تأسيس علاقات قوية مع التنظيمات الإرهابية التي تنشط في مالي بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة الضربات العسكرية التي تشنها الحكومة ضدها، وهو ما قوبل بدعم من جانب تلك التنظيمات باعتبار أن ذلك يوفر لها ظهيراً قبلياً. ومن هنا، يبدو أن مالي تسعى عبر هذا الاتجاه الجديد إلى تعزيز فرص فك الارتباط بين المتمردين وتلك الجماعات، باعتبار أن ذلك سوف يكون محوراً رئيسياً في أية مفاوضات قد تجري بين الطرفين خلال المرحلة القادمة.

صعوبات محتملة:

قد تواجه مالي صعوبات عديدة في حالة ما إذا اتجهت إلى تحويل تلك التصريحات إلى خطوات إجرائية على الأرض. إذ لا يبدو أن هذا الخيار سوف يحظى بدعم دولي لافت، خاصة أن بعض القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب ما زالت ترفض بشكل واضح التفاوض مع الإرهابيين وترى أن ذلك يمثل أحد المحددات الأساسية في سياستها الخارجية. فضلاً عن أن قيادات بعض تلك التنظيمات مطلوبة أمنياً من جانب العديد من تلك القوى، على نحو يمكن أن يتسبب في اندلاع أزمة مع الأخيرة في حالة ما إذا توصلت مالي إلى اتفاق مع هذه التنظيمات، حيث لن تكون هناك خيارات عديدة أمامها للتعامل مع ذلك.

إلى جانب ذلك، فإن حركات التمرد سوف تتجه إلى وضع العراقيل أمام المفاوضات المحتملة التي قد تجري بين الطرفين، في ظل رؤيتها القائمة على أنها ستكون مستهدفة من المعطيات التي يمكن أن تفرضها. كما أن امتداد تلك التنظيمات إلى داخل دول الجوار سوف يضعف من احتمالات تطبيق أى اتفاق قد تنتهي إليه المفاوضات، على نحو يوحي في النهاية بأن هذه المهمة لن تكون سهلة خلال المرحلة القادمة.