تدوير الزوايا :

لماذا تدعو إيران إلى تكوين تحالف جديد ضد "داعش"؟

20 November 2019


تسعى إيران في الوقت الحالي إلى استغلال التطورات التي طرأت على صعيد الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم "داعش"، خاصة بعد مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي في 27 أكتوبر الفائت، وذلك من أجل احتواء الضغوط القوية التي تتعرض لها على الساحتين الإقليمية والدولية، بسبب سياستها المتشددة في الملفات الخلافية مع القوى المعنية بأزمات المنطقة، إلى جانب رفع مستوى التعاون الأمني مع دول الجوار، لاسيما الهند وباكستان وروسيا، استعداداً للمرحلة القادمة التي ربما تشهد مزيداً من التصعيد مع الدول الغربية، بسبب إصرار إيران على مواصلة تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، وعدم الاستجابة للدعوات الأمريكية بالتفاوض أو التحذيرات الأوروبية من احتمال انهيار هذا الاتفاق.

مبادرة جديدة:

دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في 15 نوفمبر الجاري، كلاً من روسيا والهند وباكستان، إلى تشكيل تحالف جديد لمواجهة تنظيم "داعش"، الذي نقل، حسب تصريحاته، مقر قيادته وقواعده من العراق وسوريا إلى أفغانستان، ويقوم من هناك بتنفيذ عمليات إرهابية في دول الجوار، مثل طاجيكستان وأوزبكستان. ورغم أن هذه الدعوة الإيرانية لا تبدو جديدة، حيث سبق أن دعت إيران مراراً إلى رفع مستوى التعاون الأمني مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، التي حاولت إيران الإشارة إلى أن تلك الحرب من الممكن أن تتحول إلى ملف توافقي معها دون أن يحظى ذلك باهتمام أمريكي ملحوظ، إلا أن الجديد في الأمر يكمن في أن طرح مثل تلك الدعوة يكتسب أهميته من ناحية توقيتها وهوية الأعضاء الجدد الذين تحاول إيران إقناعهم بجدواها.

وبعبارة أخرى، فإن اختيار إيران للدول الثلاث لتشاركها هذا التحالف الجديد الذي تقترحه كان متعمداً، لتحقيق أهداف ترتبط بحسابات إيران الإقليمية والدولية، وهو ما لايمكن فصله عن التصعيد المتواصل في علاقاتها مع الدول الغربية، على خلفية استمرار تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي، وكان آخرها بدء عمليات تخصيب اليورانيوم مجدداً في منشأة فوردو، في 5 نوفمبر الجاري، بعد أن كانت تلك المنشأة مخصصة، وفقاً للاتفاق، لإجراء عمليات البحث والتطوير مع حصر عمليات التخصيب في منشأة ناتانز فقط. 

أهداف عديدة:

يمكن القول إن إيران تسعى عبر تلك المبادرة الجديدة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- ترويج الادعاءات: ما زالت إيران حريصة على الترويج إلى أنها كانت طرفاً أساسياً في الحرب ضد الإرهاب، ولاسيما ضد تنظيم "داعش"، حتى في ظل خلافاتها وتصعيدها المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي في الحرب على التنظيم. ومن دون شك، فإن إيران حاولت من خلال ذلك توجيه الانتباه بعيداً عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تصاعد نشاط ونفوذ التنظيمات الإرهابية في العديد من الدول المنطقة، والذي يرتبط قسم منها بالسياسات التي تبنتها إيران، إلى جانب دول أخرى مثل تركيا، والتي قامت على تأسيس علاقات مع العديد من الفاعلين من غير الدول وتقديم الدعم المالي والعسكري لبعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة فيها.

وقد واجهت إيران اتهامات بالفعل بدعم "داعش"، لم تنحصر فقط في الولايات المتحدة الأمريكية وإنما امتدت حتى إلى قوى المعارضة الإيرانية الموجودة بالخارج والتي ترفض المحددات الأساسية التي يقوم على النظام الإيراني الحاكم والسياسات التي يتبعها في تعامله مع التطورات الطارئة على الساحة الإقليمية.

2- تبرير التدخل: أدى إصرار إيران على التدخل في الشئون الداخلية لبعض دول المنطقة، والذي كان سبباً رئيسياً في استنزاف الموارد المالية الإيرانية في دعم بعض التنظيمات في الخارج، إلى تصاعد حدة الاستياء على المستوى الداخلي، والذي انعكس في تجدد الاحتجاجات الحالية التي اندلعت بعد قرار الحكومة، في 15 نوفمبر الجاري، برفع أسعار البنزين، حيث كان لافتاً أن المحتجين حرصوا على الربط بين ما آلت إليه الأزمة الاقتصادية الداخلية وبين استمرار الدعم المالي لهذه التنظيمات.

ومن هنا، تعمد النظام الإيراني الترويج إلى أن محاربة الإرهاب في الخارج، وهو العنوان الرئيسي الذي يصف به تدخله في الصراع السوري والأزمة في العراق على سبيل المثال، يمثل الآلية الأمثل لمنع التنظيمات الإرهابية من التمدد داخل إيران وتهديد أمنها واستقرار من خلال تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها أو تكوين خلايا نائمة من عناصر تابعة لها.

وقد حرص بعض المسئولين الإيرانيين على الإشارة إلى أن "منع داعش من تهديد أمن إيران يبدأ من دمشق"، في محاولة لإضفاء وجاهة خاصة على التدخل العسكري والدعم المالي الذي تواصل إيران تقديمه للنظام السوري، رغم الضغوط القوية التي يتعرض لها اقتصادها بفعل العقوبات الأمريكية التي أدت إلى تقليص حجم الصادرات النفطية من نحو 2.6 مليون برميل يومياً في مايو 2018 موعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إلى ما يتراوح بين 160 و200 ألف برميل يومياً في أغسطس 2019.

3- رفع مستوى التعاون الأمني: تتجه إيران تدريجياً، في إطار مساعيها للتعامل مع التداعيات التي تفرضها العقوبات والضغوط الأمريكية، إلى رفع مستوى التعاون الأمني مع بعض دول الجوار، على غرار روسيا والهند وباكستان. إذ كان لافتاً أنها لجأت إلى هذه الآلية في محاولة منها لتقليص حدة التوتر في علاقاتها مع الأخيرة بسبب الهجمات التي نفذتها تنظيمات محسوبة على بعض القوميات الإيرانية واستهدفت من خلالها عناصر من الحرس الثوري وحرس الحدود.

كما أن إيران تبدي قلقاً تجاه حرص روسيا على فتح الباب أمام التنسيق مع كل الأطراف المعنية بأزمات المنطقة، بما فيهم خصوم طهران الدوليين والإقليميين، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وهو ما تحاول طهران تقليص حدته أو احتواء المعطيات التي ينتجها على الأرض من خلال طرح مبادرة جديدة للتعاون في مجال محاربة "داعش". 

عقبات محتملة:

نجاح إيران في تحقيق هذه الأهداف في مجملها يبدو مشكوكاً فيه، بسبب وجود عقبات عديدة يحتمل أن تقف حائلاً دون ذلك. إذ أن الحملة التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، بالاستناد إلى اتهامات متعددة توجهها إلى الأخيرة بما فيها أنها الداعم الأكبر للإرهاب على مستوى العالم، تلقى صدى ملحوظاً على المستويين الدولي والإقليمي. 

كما أن الخلافات بين إيران وبعض الدول التي اقترحت مشاركتها في التحالف الجديد لا تبدو هينة، على غرار باكستان، وربما روسيا التي لا يخفي التنسيق بين الطرفين وجود تباينات لا تبدو هينة في بعض الملفات، وفي مقدمتها الملف السوري. فضلاً عن أن الخلافات التاريخية بين الهند وباكستان سوف تكون أحد الأسباب التي ربما تمنع تحويل تلك المبادرة إلى خطوات إجرائية على الأرض خلال المرحلة القادمة.