ملفات مترابطة:

كيف تتعامل ألمانيا مع الحرب ضد "داعش" في سوريا؟

09 July 2019


اتسع نطاق الجدل داخل ألمانيا خلال الفترة الأخيرة حول تمديد المهمة التي تقوم بها ألمانيا في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وذلك لاعتبارين رئيسيين: أولهما، اقتراب موعد انتهاء التفويض الحالي لمشاركة الجيش الألماني في التحالف في نهاية أكتوبر 2019، حيث ظهرت تباينات عديدة في مواقف القوى المشاركة في الائتلاف الحاكم تجاه هذا الملف تحديدًا. وثانيهما، الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقناع برلين بإرسال قوات برية إلى شمال سوريا للمساهمة في القضاء على ما تبقى من خلايا تابعة للتنظيم في تلك المنطقة، وتقديم الدعم لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي مارست دورًا رئيسيًا في الحرب ضده، وهى الجهود التي ردت عليها ألمانيا، حسب تصريحات المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت والتي نشرتها تقارير عديدة في 8 يوليو الجاري، بتأكيد أن رؤيتها تتمثل في الالتزام بالمهام الحالية.

اعتباران رئيسيان: 

تتركز المشاركة الألمانية في التحالف الدولي ضد "داعش" في توفير طائرات استطلاع من طراز "تورنيدو" وطائرات تزود بالوقود، حيث تقوم الطائرات الألمانية بالإقلاع من الأردن وتنقل صورًا تستعين بها القوات المشاركة في التحالف في شن الهجمات الجوية ضد التنظيم. ويمكن تفسير تصاعد هذا الجدل حول مستوى هذه المشاركة في ضوء اعتبارين رئيسيين:

1- تزايد التحذيرات من خطر "داعش": بدأت قوى دولية عديدة معنية بالحرب ضد التنظيم في إطلاق تحذيرات من أن الأخير ربما يسعى إلى العودة بشكل أكثر قوة عن ما كان قائمًا قبل إعلان الانتصار عليه، حيث يحاول الاستعانة بالخلايا النائمة التابعة له في المناطق التي سبق أن سيطر عليها وخرج منها بفعل الهزائم العسكرية التي تعرض لها. 

وفي هذا السياق، كان لافتًا أن ألمانيا كانت إحدى تلك القوى التي دعت إلى تبني إجراءات احترازية لمنع عودة التنظيم من جديد إلى تفعيل نشاطه، حيث حذر رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية توماس هالدنفانغ، في 13 إبريل 2019، من الخطر الذي يمكن أن ينجم عن استمرار نشاط "داعش" رغم هزيمته عسكريًا، مضيفًا: "إن التنظيم قادر على تنفيذ اعتداء إرهابي في ألمانيا في أى وقت رغم خسارة أراضيه في العراق وسوريا"، وأشار إلى أن "عدد المتطرفين الخطرين الموجودين في ألمانيا ارتفع بنحو 300 متطرف في عام 2018 ليصل إلى 2240".

2- إصرار واشنطن على تنفيذ سياساتها: خاصة فيما يتعلق بسحب قسم من القوات الأمريكية الموجودة في شمال سوريا، حيث كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن، في 20 ديسمبر 2018، عن خطط لسحب القوات الأمريكية من تلك المنطقة والتي كان يصل عددها إلى 2000 جندي، قبل أن يوافق على إبقاء 400 جندي للمساهمة في الجهود التي تبذل لتعزيز الاستقرار فيها.

ولذا ترى واشنطن أن رفع مستوى المشاركة الألمانية في تلك المنطقة يمكن أن يعزز من هذا الاتجاه، لا سيما في حالة ما إذا لم تقتصر تلك المشاركة على تقديم معلومات وصور وتوفير طائرات للتزود بالوقود، وامتدت إلى إرسال قوات تدريب وعمال تقنيين وخبراء في الدعم اللوجيستي، وهى المطالب التي قدمها المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري إلى المسئولين الألمان.

متغيرات عديدة:

ربما يمكن القول إن ثمة متغيرات عديدة فرضت تأثيرات مباشرة على القرار الذي اتخذته ألمانيا في هذا السياق. يتمثل أولها، في وجود اتجاه متصاعد داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا دعا إلى عدم رفع مستوى الانخراط العسكري في سوريا من خلال إرسال قوات برية، خاصة في ظل التوافقات السياسية والمحددات الدستورية القائمة على وضع حدود لأى تدخل خارجي للجيش الألماني.

وقد كان لافتًا، على سبيل المثال، أن زعيمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي انغريت كرامب-كارنباور اعتبرت أن إرسال قوات برية إلى الخارج "يمثل قفزة كبيرة بالنسبة لنا" في إشارة إلى مدى الحساسية والأهمية التي تحظى بها هذه الخطوة، رغم أنها دعت إلى إجراء نقاش حول تلك القضية، وهو ما يبدو أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يبدي رفضًا واضحًا له.

ويتعلق ثانيها، برؤية ألمانيا للتطورات التي تشهدها الملفات الإقليمية المختلفة في المنطقة، وعلى رأسها التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والذي يبدو أنها حريصة على تحييد تأثيراته المحتملة على مصالحها، على نحو انعكس في قرارها، في 15 مايو 2019، بتعليق عمليات تدريب القوات العراقية، حيث يوجد 160 جنديًا ألمانيًا في العراق من بينهم 60 في التاجي بشمال بغداد و100 في أربيل بإقليم كردستان. ورغم أن تقارير عديدة كشفت أن ما حدث لا يصل إلى حد وقف عمليات التدريب وإنما ينحصر في "سحب الموظفين والأشخاص الذين لا داعي لوجودهم"، فإن ذلك لا يمكن فصله عن ظهور اتجاهات مختلفة أشارت إلى أن العراق قد يتحول إلى ساحة للمواجهة بين طهران وواشنطن. 

وينصرف ثالثها، إلى التداعيات التي يمكن أن يفرضها ذلك على العلاقات بين ألمانيا وتركيا، والتي تتسم في الأساس بالتوتر المستمر بسبب التباين في التعامل مع بعض الملفات، على نحو يوحي بأن رفع مستوى الانخراط العسكري الألماني في شمال سوريا يمكن أن يساهم في تصعيد حدة هذا التوتر، خاصة أن تركيا ما زالت تبدي رفضًا للدعم الذي تقدمه الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، للميلشيات الكردية في شمال سوريا في ظل مساهمتها في الحرب ضد "داعش".

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن ألمانيا سوف تواصل اهتمامها بمتابعة التطورات التي تشهدها الملفات الإقليمية المختلفة في المنطقة، مع التركيز في الوقت نفسه على تبني آليات سياسية واقتصادية وأمنية في التعامل معها.