خطوة نوعية:

التداعيات المحتملة لمقتل قائد "طالبان" باكستان

24 June 2018


دخلت المواجهة بين حركة "طالبان" والقوى المناوئة لها مرحلة جديدة بعد إعلان وزارة الدفاع الأفغانية، في 14 يونيو الجاري، عن قيام القوات الأمريكية، بالتنسيق مع القوات الأفغانية، بتوجيه ضربة عسكرية أدت إلى مقتل زعيم حركة "طالبان" الباكستانية الملا فضل الله في ولاية كونار شرقى أفغانستان على الحدود مع باكستان، لا سيما أن هذه الخطوة جاءت في وقت تحاول فيه الحركة استعادة نشاطها من جديد، بالتوازي مع استمرار الجهود التي تبذلها أطراف عديدة من أجل إجراء مفاوضات بين الحركة والحكومة الأفغانية خلال المرحلة القادمة، تمهيدًا للوصول إلى تسوية سياسية. ومن دون شك، فإن الترابط القوى بين الحركتين رغم الخلافات العالقة حول بعض القضايا، خاصة فيما يتعلق بالتفاوض مع الحكومات، يزيد من تأثير هذه الضربة وقد يفرض تداعيات مباشرة على حالة الأمن والاستقرار داخل كل من أفغانستان وباكستان خلال المرحلة القادمة.

دلالات عديدة:

تمثل حالة التداخل بين حركتى "طالبان" الأفغانية والباكستانية إحدى أهم الإشكاليات التي تطرح نفسها عند تناول التطورات المتعلقة بالحركة الثانية تحديدًا، خاصة أنها تعد، في رؤية اتجاهات مختلفة، تنظيمًا فرعيًا تابعًا للأولى، بغض النظر عن وجود بعض التباينات، وهو ما يعني أن مقتل فضل الله سوف ينعكس مباشرة على الوضع في أفغانستان.

ووفقًا لتلك الاتجاهات، فإن استهداف فضل الله في هذا التوقيت لا ينفصل عن محاولات توسيع نطاق الانقسام بين التنظيمين، بعد الخلافات التي نشبت حول مشروعية التفاوض مع الحكومات، حيث أن "طالبان" الباكستانية ترفض مسألة التفاوض، في حين تقبلها "طالبان" الأفغانية وفق شروط محددة.

كما أن ذلك يرتبط، إلى حد كبير، بالجهود التي تبذلها أطراف عديدة من أجل إضعاف التنظيم الباكستاني عبر استهداف قياداته، حيث جاء مقتل زعيم الحركة بعد أشهر قليلة من مقتل نائب قائدها خالد محسود، في 12 فبراير 2018، في هجوم شنته طائرة أمريكية من دون طيار، وكان معروفًا أنه يمارس دورًا بارزًا في التخطيط للهجمات الإرهابية، سواء في إقليم وزيرستان على الحدود الأفغانية، أو ضد أهداف داخل العمق الباكستاني.

تأثيرات مختلفة:

ربما يفرض مقتل فضل الله تداعيات مباشرة سواء داخل باكستان أو أفغانستان يتمثل أبرزها في:

1- ارتباك تنظيمي: لم يكن فضل الله، طبقًا لاتجاهات عديدة، قائدًا لحركة "طالبان" الباكستانية فحسب، وإنما رمزًا للتيار الذي يتبنى توجهات أكثر عنفًا وتشددًا. فقد اتهم بارتكاب 104 جريمة، كما أنه خطط للعديد من الهجمات ضد عناصر الجيش الباكستاني، وهو ما جعله يوصف، حسب تقارير مختلفة، بأنه "الخصم الأول" للجيش الباكستاني. فضلاً عن أنه اتهم بالتخطيط لتفجير سيارة ملغمة في ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك، في عام 2010، وبإصدار الأوامر، في عام 2012، بإطلاق النار على الطالبة الأفغانية مالالا يوسفزاي التي حصلت على جائزة نوبل فيما بعد لدفاعها عن تعليم الفتيات. وبسبب ذلك، عرضت واشنطن، في مارس 2018، مكافأة قدرها 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود للوصول إليه.

كما أنه يمتلك خبرة تنظيمية كبيرة، وقد عرف بـ"الملا راديو" بسبب خطبه المتشددة التي حاول من خلالها استقطاب أكبر عدد من العناصر المتعاطفة مع الحركة للانضمام إليها. ويعني ذلك في مجمله أن غيابه عن المشهد في هذا التوقيت سيؤثر بشكل كبير على الحركة من الناحية التنظيمية والمعنوية، لا سيما وأنه ثالث زعيم للحركة بعد بيت الله محسود وحكيم الله محسود، يقتل بغارة جوية أمريكية، بشكل قد يفرض حالة من "الارتباك التنظيمي" نتيجة تراجع ثقة عناصر الحركة في قدرتها على حماية قادتها.

2- تراجع النشاط: جاء مقتل فضل الله في وقت تعانى فيه حركة "طالبان" الباكستانية من الانحسار والتراجع خلال الأعوام الأخيرة، بعد العملية العسكرية الموسعة التى نفذها الجيش الباكستاني ضدها في ديسمبر 2014، عقب الهجوم الذي شنه عناصرها على مدرسة عسكرية، مما أسفر عن مقتل 132 طالبًا، وهو ما جعلها تفقد العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها داخل باكستان. وهنا، فإن الخطوة الأخيرة يمكن أن  تؤدي إلى تراجع نشاط الحركة بشكل أكبر، رغم أن ذلك لا يعنى عدم قدرة مسلحيها على شن هجمات إرهابية ضد أهداف عديدة خلال المرحلة القادمة.

3- التأثير على الداخل الأفغاني: من المعروف أن هناك علاقة وثيقة تربط عناصر وقيادات "طالبان" داخل أفغانستان وباكستان، حيث يعد كل منهما امتدادًا للآخر. ومن هنا، يتوقع أن يؤثر مقتل فضل الله على الجهود التي تبذلها بعض القوى من أجل تعزيز فرص إجراء مفاوضات بين الحركة وحكومة الرئيس أشرف غني خلال المرحلة القادمة، خاصة أن "طالبان" قد تحاول الرد على تلك الضربة بتصعيد مستوى عملياتها خلال المرحلة القادمة، بشكل سوف ينعكس سلبًا على الأوضاع الأمنية في أفغانستان.

4-  توسيع دائرة الاستهداف: قد تحاول "طالبان" في هذا السياق توسيع نطاق هجماتها داخل باكستان وأفغانستان ضد أهداف مثل مقار البعثات الدبلوماسية والمكاتب التابعة للمنظمات الدولية إلى جانب قوات الشرطة والجيش، وذلك بهدف إثبات أن الضربة العسكرية الأخيرة لم تقلص من قدرتها على شن هجمات إرهابية نوعية، خاصة في ظل التنافس المستمر على تكريس النفوذ مع تنظيم "ولاية خراسان". ويبدو أن الحركة بدأت تستعد لذلك بالفعل، بعد أن رفضت، في 17 يونيو الجاري، تمديد وقف إطلاق النار، الذي أعلنه الرئيس غني خلال أيام عيد الفطر.

لكن يمكن القول في النهاية إن التداعيات التي سيفرضها مقتل فضل الله سوف ترتبط في المقام الأول بمتغيرين: أولهما، مدى قدرة التنظيمين على رفع مستوى التنسيق من أجل الرد على تلك الضربة. وثانيهما، مدى نجاح الأطراف المناوئة لـ"طالبان" في توجيه ضربات قوية نوعية لها على غرار الضربة الأخيرة خلال المرحلة القادمة.