مبادرة "مستقبلنا":

نحو تفعيل الجامعة العربية التواصل بين الشباب

30 January 2016


شهدت السنوات الأخيرة تزايداً مضطرداً في معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالدول العربية المختلفة، والتي كانت لها تأثيرات اجتماعية وسياسية وأمنية عديدة، لفتت النظر إلى ضرورة تطوير الاستراتيجيات الإعلامية بما يستثمر إمكاناتها لصالح الأهداف التنموية وتحقيق التواصل وتعزيز قيم الحوار من ناحية، واحتواء التداعيات الخطيرة لاستخدامها في نشر أفكار الإرهاب والتطرف من ناحية أخرى.


وقد كانت تلك الأمور محلاً لمناقشات أعمال الدورة الرابعة للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب بالقاهرة يومي 11 و12 يناير 2016، والتي تناولت عدة محاور ركزت على تطوير الاستراتيجية الإعلامية العربية، بما في ذلك تفعيل مبادرة "مستقبلنا" الإعلامية الموجهة للشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والتي يتم تنفيذها بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للإعلام، بهدف توفير "مساحة آمنة" للحوار بين الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، للتوعية بأهداف التنمية المستدامة، ومن أجل إشراكهم في مناقشة قضايا التنمية بمجتمعاتهم المحلية والمنطقة بشكل عام، وهي المبادرة التي تعبر عن تحول في مرتكزات التحرك الإعلامي العربي المشترك باتجاه التفاعل مع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.

الشبكات الاجتماعية في الاستراتيجية الإعلامية العربية

في مايو 2013، عقد فريق من الخبراء الإعلاميين بتكليف من الجامعة العربية اجتماعاً بالعاصمة تونس لتطوير وثائق الاستراتيجية الإعلامية العربية وميثاق الشرف الإعلامي العربي، وهو ما أسفر عن صدور نسخ معدلة من تلك الوثائق، أشارت إلى أهمية الاستفادة من التطورات التقنية وتسريع التحول إلى الإعلام الرقمي بأشكاله كافة. كما تضمن النص المطور من الاستراتيجية التأكيد على إنشاء مركز قومي للبحوث والمعلومات الإعلامية يتابع تطورات علوم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات ضمن المشروعات المشتركة المستهدفة، وهو ما أشار إليه أيضاً النص المعدل لميثاق الشرف الإعلامي العربي، الذي أكد على "التطور النوعي والتقني الذي تحقق في مجال الإعلام والاتصال بدخوله عصر الفضاء وثورة المعلومات وتجاوزه حدود الجغرافيا والتأثير المحلي" كأحد المنطلقات الرئيسية للميثاق.

وقد جاءت هذه التعديلات لتعبر عن إدراك الجامعة العربية لتغيرات المشهد الإعلامي والدور الحاسم الذي باتت تلعبه تقنيات الإعلام الرقمي، الأمر الذي انعكس أيضاً في صياغة الاستراتيجية الإعلامية العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب في ديسمبر 2013، والتي أكدت على دور الإعلام الإلكتروني في التصدي للإرهاب، واستفادة الإعلام من الأدوات التي أتاحتها الثورة التكنولوجية الحديثة، وأهمية ابتكار أساليب ووسائل إعلامية مناسبة لمواجهة الإرهاب والتصدي لمفهومه.

وإذا كانت تلك الوثائق الاستراتيجية قد ألمحت إلى تكنولوجيا الاتصال والإعلام الرقمي بشكل عام، فإن تحركات تالية للجامعة العربية أولت صراحةً اهتماماً للإعلام الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، خصص مؤتمر "دور الإعلام في دعم وتنمية الاقتصاد العربي"، الذي نظمته جامعة الدول العربية في أبريل 2015 جلسة عن وسائل التواصل الاجتماعي قدمت خلالها إدارة الاتصال والتواصل الاجتماعي بالجامعة عرضاً تضمن مقترحات للتشبيك مع الإعلام الاجتماعي واستخدامه في تحقيق الأهداف التنموية.

وفي يونيو 2015 انعقد المنتدى الإعلامي العربي الأول بمقر الأمم المتحدة في نيويورك حول "دور الإعلام في مكافحة الإرهاب"، والذي نظمته جامعة الدول العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وناقش مخاطر استغلال الجماعات الإرهابية وسائل التواصل الاجتماعي، وأهمية صياغة مبادرات للتحرك عبر الوسائل نفسها، وهو ما أكدت عليه الوثيقة الصادرة عن المنتدى، وأشار إليه المحور الفكري للدورة 46 لمجلس وزراء الإعلام العرب في مايو 2015 الذي تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة، وتضمن مقترحات بشأن إطلاق حملات على وسائل الإعلام الاجتماعي للتوعية بقيم التسامح والتحذير من الفكر المتطرف.

وتأتي مبادرة "مستقبلنا" التي أطلقتها الجامعة العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة في نوفمبر 2015 لتمثل امتداداً لهذه التطورات التي لحقت باستراتيجية الجامعة للتفاعل مع المجال العربي العام، وسياساتها الإعلامية في التعاطي مع القضايا القومية.

أهمية مبادرة­ "مستقبلنا"

تهدف مبادرة "مستقبلنا" إلى إشراك الشباب في مناقشة أهم قضايا مجتمعاتهم، وتشمل: (القضاء على الفقر المدقع والجوع، وأثر تغير المناخ على التنمية، وعلاقة الفقر والجوع بالفساد وتراجع الأداء الاقتصادي والتطرف، والهوية والمواطنة، والطائفية والتعددية).

وتكتسب هذه المبادرة أهمية خاصة بالنظر إلى أربعة اعتبارات رئيسية، وهي:

1- استثمار شعبية الإعلام الاجتماعي، فالمبادرة تركز على الإعلام الاجتماعي وتسعى لاستثمار شعبيته بين الشباب، وهو ما باتت تشير إليه الإحصاءات المختلفة، حيث يكشف تقرير الإعلام الاجتماعي في العالم العربي الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية أن عدد مستخدمي "فيس بوك" في 22 دولة عربية بلغ 81.3 مليون مستخدم في مايو 2014 بينهم 67% ممن هم أقل من 30 عاماً. وفي المقابل، بلغ عدد مستخدمي "تويتر" 5.7 مليون مستخدم ينتجون 17.2 مليون تغريدة يومياً، فيما بلغ عدد مستخدمي موقع "لينكدإن" 8.4 مليون، منهم 68% تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً.

وفي مارس 2015، كشف تقرير وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي الصادر عن قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب بدبي، عن بعض المؤشرات المتعلقة بأهداف وسمات استخدام هذه الوسائل وذلك في دراسة ميدانية شملت 7000 مستخدم من 18 دولة عربية، حيث أظهرت أن 89% من مستخدمي "فيسبوك" يلجأون للموقع يومياً، وأن 84% ممن شملهم الاستبيان نشيطون في استخدام تطبيق "واتس آب"، وأن ثلث المستخدمين يقضون نصف ساعة تقريباً في الجلسة الواحدة عند استخدام وسائل التواصل، في حين يقضي 5% أكثر من 4 ساعات في الجلسة الواحدة.

2- الطابع الإجرائي للمبادرة، فإذا كانت التحركات السابقة الإشارة إليها للتعاطي الإعلامي العربي مع وسائل التواصل الاجتماعي تأتي على سبيل التخطيط الاستراتيجي والتأصيل الفكري، فإن مبادرة "مستقبلنا" تكتسب طابعاً إجرائياً باتخاذ خطوة فعلية تتمثل في تخصيص منصة على هذه الوسائل لجمع آراء الشباب والتفاعل معها.

3- البعد التنموي العالمي، فالمبادرة تتم بالتعاون مع الأمم المتحدة لفتح حوار تنموي بين الشباب العربي في ضوء الأهداف الـ17 لأجندة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تبناها قادة 193 دولة بالأمم المتحدة في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة في دورتها السبعين في شهر سبتمبر 2015، وهي الأهداف التي تتمحور حول القضاء على الفقر والجوع والتلوث، وتعهدت بلدان العالم بتحقيقها خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، وهو ما يعطي زخماً للمبادرة وأهدافها، ويجعلها جزءاً من فعالية عالمية أكبر.

4- استهداف الشباب، فقد حدد بيان الجامعة العربية، حول إطلاق المبادرة، استهدافها للشباب بين 18 و40 عاماً، وعبر إحدى أهم المنصات الإعلامية التي يتابعونها، وبعد خمس سنوات من الأحداث السياسية والأمنية والاجتماعية التي كشفت عن أهمية التواصل مع الشباب وإدماجهم في قضايا مجتمعاتهم.

مبادرة "مستقبلنا": فاعلية على المحك

على الرغم من الأهمية التي يحملها إدماج الإعلام الرقمي بشكل عام، والإعلام الاجتماعي على وجه الخصوص في السياسات الإعلامية العربية، فإن فاعلية استخدام الجامعة العربية تلك الوسائل لايزال على المحك. فعلى الرغم من النشر المنتظم لفريق "مبادرة مستقبلنا" على صفحتها على "فيس بوك" وحسابها على "تويتر"، واستخدام لغة سهلة في المواد المنشورة تركز على قضايا التنمية، فإنها مازالت تعاني الضعف الشديد في التفاعل، على الرغم من أن "الحوار" هو هدف المبادرة وموضوعها الرئيسي، وهو الضعف الذي يمكن رصد أبرز مؤشراته في الآتي:

1- محدودية التفاعل على ما يُنشر في صفحة المبادرة بموقع فيس بوك، فعلى سبيل مثال، تفاعل 33 مستخدماً فقط من إجمالي 6191 متابعاً للصفحة يوم 18 يناير 2016، وذلك بنسبة 0.5%، إذ إن المتابعةLike  لا تكفي للتعبير عن حجم التفاعل Talking about مع الحساب، والذي يرتبط إلى حد كبير بالتعليق أو المشاركة أو التفاعل مع منشوراتها. أما على "تويتر" فهناك 314 متابعاً فقط لحساب المبادرة الذي يضم 319 تغريدة.

2- ضعف معدلات التفاعل على مستوى المنشور الواحد Post، والتي تصل إلى مستوى إعجاب واحد كحد أدنى، و15 تفاعلاً بين التعليق والإعجاب والمشاركة كحد أقصى على "فيس بوك"، وهي حال التفاعل بإعادة التغريد Retweet أو الإعجاب أو التعقيب في "تويتر" والذي ينعدم في كثير من المنشورات، الأمر الذي انعكس في درجة الحساب على مؤشر Twitalyzer لقياس فاعلية حسابات تويتر، الذي منح حساب المبادرة 0.1 فقط من حيث التأثير Impact وهو عبارة من مزيج من العوامل تتضمن عدد المتابعين، وعدد ذكره في تغريدات الآخرين، وعدد مرات "الريتويت" من حسابه وعدد تغريدات الحساب نفسه.

3- ندرة التعليقات والتغريدات التي تقدم مقترحات فعلية أو آراء تطبيقية حول الأهداف التنموية محل النقاش، على الرغم من أن ذلك هو الهدف الرئيسي للمبادرة.

نحو تفعيل مبادرة "مستقبلنا"

إذا كان ضعف التفاعل قد يبدو منطقياً في ظل حداثة عهد مبادرة "مستقبلنا"، فإنه يمكن إدراج مجموعة من المقترحات بشأن توسيع مجتمعها على وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة معدلات تفاعله، ومنها ما يلي:

1- توسيع نطاق التعريف بالمبادرة، خاصةً على منصات الإعلام الرقمي التي تضم الفئة المستهدفة من المبادرة بالأساس، مع إمكانية الاستفادة من خاصية المنشورات المدفوعة Sponsored posts على "فيس بوك"، والتي تتيح الوصول لمستخدمين ذوي خصائص محددة.

2- صياغة هوية رقمية للحملة تعبر عن أهدافها، وذلك من خلال إنتاج شعار مُحفز للمشاركة مصاحب بتكوينات لونية وبصرية جاذبة.

3- وضوح الخطوة التالية، فعلى الرغم من أن المبادرة تضمنت "توثيق وتدوين أفكار ورؤى الشباب ثم نشرها عبر القنوات متعددة الوسائط"، فإن ذلك لا يحدد بوضوح ما ستؤول إليه الآراء، وما إذا كانت ستصبح جزءاً من فعالية عالمية قادمة أو سيتم رفعها للقمة العربية أو الاجتماعات الوزارية، أو غيرها من التحركات المحفزة للمشاركة.

4- تفعيل استخدام الوسائط المتعددة، فصفحات المبادرة تخلو من استخدام أدوات الفيديو والصور المتحركة وألبومات الصور وغيرها من الوسائط التي تساعد على توصيل الأهداف وتحفز الحوار والتفاعل.

5- المحتوى التفاعلي، مثل استطلاعات الرأي والتي تحفز المستخدمين على الإدلاء بآرائهم، مع إعادة طرح النتائج وإثارة التساؤلات والنقاش بشأنها لتحفيز حالة الحوار المستهدفة، بالإضافة للتفاعل مع القضايا اليومية والأحداث الجارية وربطها بالأهداف التنموية، بدلاً من تقديمها باعتبارها قضايا كلية ليست لها صلة بتفاصيل حياة الجمهور المستهدف.

6- استخدام منصات ملائمة لإدارة الحوار والنقاش، فعلى الرغم من إطلاق حسابات للمبادرة على "فيسبوك" و"تويتر" باعتبارهما الأكثر انتشاراً في العالم العربي، فإنه يمكن الاستفادة من مزايا نوعية تمتلكها مواقع متخصصة في إدارة الحوار مثل منصة سبيكول speakol على سبيل المثال، والتي يمكن ربطها بسهولة بموقع المبادرة الإلكتروني – حال إطلاقه - وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً.

7- إشراك المتابعين النشطين، فالمقترحات والآراء التي تحمل أفكاراً أو أبعاداً جديدة يمكن إعادة نشرها وحث المتابعين على إعادة مناقشتها، بما يمنح انطباعاً إيجابياً للمستخدمين بشأن تفاعل المبادرة مع ما يكتبونه من أفكار، ويثري الحوار حولها.

8- التربيط مع حسابات تمتلك مجتمعات رقمية كبيرة، وهي الحسابات التي قد تكون لأشخاص طبيعيين مؤثرين على وسائل التواصل Influencers أو لجهات أو هيئات مثل حسابات المواقع الإلكترونية ذات الشعبية، على سبيل المثال، إذ يساعد هذا التربيط على التعريف بالمبادرة وتحفيز الحوار معها.

9- الشراكة مع مؤسسات شبابية فعَّالة، والتي تمتلك أرضية من الانتشار وأنشطة ميدانية قائمة ستدعم المبادرة وتزيد من زخمها وفعاليتها، وهي الشراكات التي أشار إليها بيان المبادرة والذي نص على سعيها "إلى التواصل والتعاون مع شبكات شبابية ومنظمات غير حكومية ومؤسسات أكاديمية من أجل ضمان أوسع نطاق ممكن من الانتشار للحوار".

وبشكل عام، فإن اتجاه الجامعة العربية للتفاعل مع تكنولوجيا الإعلام، ومخاطبة الفئات الشابة عبر الوسائل التي يفضلونها ويستخدمونها يتطلب تغيراً موازياً في أساليب التعامل مع هذه الوسائل التي تعتمد على قيم التفاعل والانفتاح والمشاركة، وهي الخصائص التي تحمل أبعاداً ثقافية تعيد تشكيل العملية الاتصالية برمتها، وتتطلب إعادة النظر في موروثات الاستراتيجيات والسياسات الإعلامية التي وضعت في سياق مغاير.