إعادة التوازن:

مرتكزات وأهداف القمة الأمريكية – الخليجية

21 April 2016


تأتي القمة الأمريكية – الخليجية في الرياض، يوم 21 أبريل 2016، بحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما، استكمالاً للمباحثات السابقة التي جرت في كامب ديفيد، في مايو 2015، والتي توجت بتأكيد الجانبين على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، والتنسيق المشترك بشأن أمن المنطقة، ومكافحة الإرهاب والتطرف.

ومن المقرر أن يكون المحور الأساسي للقمة الحالية مناقشة القضايا ذات الصلة بأمن الخليج، وشرح المناخ الجديد لعلاقات الولايات المتحدة بإيران بعد الاتفاق النووي، وكذلك التطرق إلى تدخلات طهران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتطورات الوضع في سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى ملفات إقليمية أخرى محل اهتمام مشترك بين الجانبين الخليجي والأمريكي.

1- أمن الخليج:

يعد أمن منطقة الخليج هو الموضوع الأساسي للقمة الخليجية – الأمريكية في الرياض. وفي الأصل، يُمكن النظر إلى أمن الخليج باعتباره أمناً إقليمياً؛ أي مرتبطاً ومتضمناً تفاعلات الدول المشاطئة له، على المستويات الوطنية، وفيما بينها. وهذا التوصيف يبقى ضيقاً بالدرجة الأولى، حيث إن أمن الخليج أصبح أمناً دولياً بفعل الطاقة النفطية، والممرات البحرية التي تتحكم في حركة التجارة العالمية.

وقد بدت الولايات المتحدة، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، طرفاً رئيسياً في تفاعلات أمن الخليج، وهي غدت اليوم القوة الدولية الأكثر تأثيراً في مساراته واتجاهاته.

وبعد الانسحاب التدريجي الأمريكي من العراق، نهاية العام 2011، بدا للمخططين الاستراتيجيين في البنتاجون أنه لا بديل عن العودة للارتكاز إلى الوجود العسكري الأمريكي في الداخل الخليجي ذاته، وتعزيز هذا الوجود ليكون قادراً على التعامل مع المتغيّر العراقي وغيره من التهديدات الإقليمية واسعة النطاق.

وفي إطار هذه الرؤية، تقرر الدخول في إعادة بناء للقدرات العسكرية الأمريكية بالمنطقة، وبالتبعية فلسفة الردع المرتكزة إليها.

 وهنا، اعتمدت إدارة الرئيس أوباما سياسة جديدة تقوم على بناء منظومة إقليمية متكاملة ومدمجة للدفاع الجوي والدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ، تنتقل في ضوئها الولايات المتحدة من التعاون الثنائي مع أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى التعاون متعدد الأطراف.

ومن الزاوية العملية، لا يُمكن إنجاز التصوّر الأمريكي من دون اتفاقية شاملة، بأي حال من الأحوال.

بشكل عام، ستبحث قمة الرياض سُبل تعزيز أمن الخليج، وتطوير القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة التعاون المشترك في عدة مجالات في مقدمتها منظومة الدفاع الصاروخي، والتسليح والتدريب العسكري، وأمن الفضاء الإلكتروني.

2- التهديدات الإيرانية:

القضية الرئيسية الثانية في قمة الرياض ذات صلة بسابقتها، وتدور حول تأثير المناخ الجديد للعلاقات الأمريكية - الإيرانية على التزامات الولايات المتحدة بأمن الخليج. إذ يحتل الملف الإيراني حيزاً مهماً من موضوعات القمة، وتدرك الولايات المتحدة أن ثمة هواجس خليجية يجري التعبير عنها بصور مختلفة حيال التهديدات الإيرانية، خاصةً بعد اتفاق فيينا، الذي وقع في يوليو 2015، بين القوى الدولية وإيران لتسوية ملف برنامجها النووي، ودخل حيز التنفيذ اعتباراً من يناير 2016.

وكثيراً ما تنتقد الدول الخليجية سياسة واشنطن تجاه تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، وتعتبرها متساهلة في هذا الأمر، ولم تعد قادرة على عزل طهران، بل صارت متناغمة مع سياساتها الإقليمية، والدليل على ذلك أن الاتفاق النووي الأخير فشل في كبح تدخلات إيران في شؤون بعض الدول العربية.

وفي هذا الإطار، يحرص الأمريكيون على طمأنة دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التوضيح أن الانفتاح مع إيران يسير بالتزامن مع السعي لتطوير المُقاربة الدفاعية الأمريكية في الخليج، مع التأكيد على أن العلاقات الأمريكية بدول المنطقة لن تقوم على أساس "معادلة صفرية"، وأن تطويرها في مكان لا يعني خفضها في مكان آخر.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تؤكد فيها واشنطن على هذا الأمر، فقبل حوالي سبعة أعوام، قدم الرئيس أوباما، خلال الزيارة التي قام بها للمملكة العربية السعودية، في الثالث من يونيو 2009، تطمينات مفادها أن الحوار مع إيران لن يكون على حساب التزامات الولايات المتحدة حيال أمن الخليج، أو علاقاتها الوثيقة بدول المنطقة.

اليوم، يتمثل أحد عناصر إعادة بناء العلاقات الأمريكية - الإيرانية في قبول الولايات المتحدة بإيران كأحد الأطراف المعنية بمقاربة أمن الخليج. فمن وجهة النظر الأمريكية، فإن المناخ السياسي المتطور بين واشنطن وطهران، أو الهادئ في الحد الأدنى، يُعد عنصراً إيجابياً في المقاربة الكلية للعلاقات الخليجية - الإيرانية.

غير أن دول الخليج يساورها الشك من أن يكون الاتفاق النووي الذي أبرمته الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى مع إيران، ولين واشنطن تجاه طهران، قد أتاحا لإيران حرية التصرف من دون رادع.

وبناءً عليه، من المتوقع أن تُسفر القمة الخليجية – الأمريكية الحالية عن مزيد من التطمينات الأمنية الملموسة من جانب أوباما لدول الخليج، وبما يؤكد على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.

3- مستقبل الوضع في سوريا:

ستكون مناقشة الوضع في سوريا حاضراً على جدول أعمال القمة الخليجية – الأمريكية. وتأتي هذه القمة بالتزامن مع إعلان الهيئة العليا للمفاوضات- التي تمثل المعارضة السورية- تعليق مشاركتها في محادثات جنيف، على اعتبار أن الحكومة السورية ليست جادة إزاء المُضي قُدماً في عملية سياسية تدعمها الأمم المتحدة، ويفترض أن تؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية مُوسعة من دون بشار الأسد.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعلن قبل حضوره الرياض أن العملية السياسية في سوريا يجب أن تشمل فترة انتقالية لا يشارك فيها بشار الأسد، لذلك من المتوقع أن يكون ثمة تنسيق أمريكي مع الجانب الخليجي للتأكيد على الرؤية المشتركة بشأن مسار حل الأزمة السورية.

4- مكافحة "داعش" ودعم استقرار العراق:

يحرص الأمريكيون على التأكيد على الدور الذي يُمكن لدول الخليج النهوض به لدعم العراق في جهوده الخاصة بالتصدي للإرهاب العابر للدول، وإعادة بناء المناطق التي تضررت على نحو كبير من المواجهة مع الجماعات المتطرفة.

وتأتي إعادة إطلاق الدعوة الأمريكية لدول الخليج في وقت حشدت فيه الولايات المتحدة الكثير من الطاقات لدعم القوات العراقية، تسليحاً وتدريباً، لمواجهة تنظيم "داعش"، كما أشاد الرئيس أوباما بالسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لدورها في التحالف الدولي ضد "داعش".

وفي الأصل، كانت الولايات المتحدة قد حثت على جعل العراق شريكاً إقليمياً في ترتيبات الأمن في الخليج. وبعد نحو شهرين من وصوله للسلطة، قال الرئيس أوباما، في بيان صادر عن البيت الأبيض، في 27 فبراير 2009: "إن مستقبل العراق ومصيره لا ينفصل عن مصير الشرق الأوسط، وقد آن الأوان كي يصبح شريكاً كاملاً في حوار المنطقة، وأن يقيم معه جيرانه علاقات طبيعية ومثمرة".

والإدراك الذي ظل سائداً لدى البيت الأبيض هو أنه إذا كانت الحرب الأهلية خطراً يُمكن رؤيته بالعين المجردة، فإن عزل العراق عن محيطه الإقليمي يُمثل خطراً لا يقل أهمية، وإن كان أقل وضوحاً. ومن هذا المنطلق، كان واضحاً لدى الرئيس أوباما أهمية عودة العراق إلى محيطه العربي والدولي، ومشاركته الفاعلة فيه.

5- تسوية الأزمة اليمنية:

تُعقد القمة الخليجية - الأمريكية في الوقت الذي كان مُقرراً أن تُجرى فيه مباحثات السلام برعاية أممية بين الحكومة الشرعية والحوثيين في الكويت يوم 18 أبريل 2016، لكن وفد الانقلابيين تأخر عن الوصول إلى الكويت، وهو ما أرجأ المحادثات.

وتحاول الولايات المتحدة البناء على جهود وقف إطلاق النار ومحادثات السلام، حال نجاحها بين اليمنيين، من أجل إنجاز تسوية سياسية لهذه الأزمة تعيد تركيز جهود دول الخليج، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية، على الحرب ضد "داعش"، والتي تعتبرها واشنطن في مقدمة أولوياتها.

ومن جهتها، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى مشاركة المجتمع الدولي والولايات المتحدة في جهود إعادة الإعمار باليمن، بعد أن يتم الاتفاق على حل للأزمة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وذلك كي لا تتحمل دول الخليج وحدها عبء إعادة الإعمار في هذا البلد.

ختاماً، تُمثل القمة الأمريكية - الخليجية محطة مهمة على طريق تطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، وإعادة التوازن الاستراتيجي للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، حيث تشمل طيفاً من الملفات الإقليمية الراهنة، وفي مقدمتها أمن الخليج، وتهديدات إيران، بالإضافة إلى الأوضاع في اليمن وسوريا والعراق. وثمة توقعات أن تُرسخ القمة إطاراً استراتيجياً وأمنياً بين الجانبين الخليجي والأمريكي يستمر في فترة ما بعد انتهاء ولاية أوباما في البيت الأبيض.