تصاعد اعتماد التنظيمات الإرهابية والميليشيات المُسلحة على التقنيات المدنية في تنفيذ عمليات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين، وتعد الدرونز المدنية في صدارة التقنيات مزدوجة الاستخدام التي يتم توظفيها بصورة عسكرية بحيث بات من المرجح أن تحل الدرونز التجارية محل العبوات الناسفة بالإضافة إلى استخداماتها في المراقبة والاستطلاع وتصوير الأهداف وتنفيذ هجمات موجهة ضد بعض الأهداف.
استخدامات مزدوجة:
أصبحت الطائرات بدون طيار سلاحاً ذو حدين؛ حيث يمكن أن تستخدم في بعض الأغراض التجارية مثل: توصيل الطلبات، ومراقبة المحاصيل الزراعية، وكذلك بعض الاستخدامات الشخصية مثل التصوير الفوتوغرافي.
ومن ناحية أخرى يمكن أن تستخدم في تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، حيث تستطيع الطائرة بدون طيار أن تحمل سلاحاً موجهاً أو قنبلة أو عبوة ناسفة، وتفجيرها على الهدف المرصود، أو استخدامها في عمليات المراقبة والاستطلاع، ومن المحتمل أن يكثر استخدامها في المستقبل في عمليات الاغتيال الإرهابية، وذلك حسبما يشير بعض الخبراء الأمنيين.
وعلــى الرغــم مــن أن الدرونــز التجاريــة لا تســتطيع إلا حمل عبوات تدميرية صغيرة، فإنه من المتوقع أن تحمل هذه الدرونز صغيرة الحجم متفجرات بتقنية النانو، فمنـذ عـام 2002، تم الاتجاه للاعتماد عليها خاصةً أنها أظهرت قـوة تدميرية تفوق شدة تدمير المتفجرات التقليدية.
دوافع متعددة:
تتعدد الأسباب التي دفعت الجماعات الإرهابية إلى استخدام الدرونز في العمليات الإرهابية، وذلك بسبب المميزات العديدة التي تتمتع بها، فالشركات المنتجة للدرونز عندما طرحتها كان الهدف منها استخداماً شخصياً أو تجارياً، فكان تصميمها يتلاءم مع الهدف، وهو أن تكون صغيرة، بتكلفة منخفضة، وفي متناول الأفراد، وقد بدأت الشركات المنتجة في التنافس فيما بين بعضها البعض، لتطوير إمكانيات هذه الطائرات مع عرضها بسعر تنافسي في السوق، والعمل على تبسيط طرق استخدامها بحيث تتلاءم مع الأفراد العاديين الذين لا يملكون سوى مهارات تكنولوجية بسيطة للغاية.
وهو ما دفع الجماعات الإرهابية للاعتماد على هذه الطائرات في ظل صعوبة رصدها من قبل الرادارات بسبب بنيتها الصغيرة واستهلاكها المنخفض للطاقة، وقدرتها على قطع مئات الكيلومترات، فضلاً عن إمكانياتها الفنية المتقدمة، وسعرها المنخفض، فعلى سبيل المثال، تباع بعض الدرونز بمبلغ يقدر بحوالي 299 دولاراً أمريكياً فقط، ويمكن التحكم فيها عن طريق جهاز يعمل بنظام الأندرويد، وهو ما يفــرض تحديــاً على الدول مع قدرة الجماعـات الإرهابية على شـراء طائـرات درونـز بتكلفـة تقـل عـن تكلفـة سلاح "الآر بي جيـه"، وقـادرة علـى اختـراق أغلب أنظمــة الدفاعــات البريــة والهروب من أنظمة الرادارات.
تحولات ميدانية:
تشير العديد من التقارير إلى تزايد اعتماد الجماعات الإرهابية على الدرونز في تنفيذ عملياتها، سواء عن طريق الاعتماد الكامل في التفجير أو الاغتيال، أو المساعدة في تنفيذ العملية، أو على الأقل تصويرها، حيث توجد العديد من الدلائل على أن حزب الله يمتلك أسطولاً صغيراً من الطائرات بدون طيار مثل: "كمنصات أبابيل" و"ميرساد الإيرانية" ومنصات خاصة به.
ويشار إلى أن حزب الله استخدم هذه الطائرات في عام 2004 في التحليق في المجال الجوي الإسرائيلي، وبدءاً من عام 2006اتجه حزب الله إلى إطلاق طائرات محملة بمواد متفجرة بهدف تفجير بعض الأهداف الإسرائيلية، كما قام أيضاً في عام 2012 باستخدام هذه الطائرات في مهام استطلاعية تتعلق بالمفاعل النووي الإسرائيلي، ولم يكتف حزب الله بتوظيف الدرونز في إطار صراعه مع إسرائيل بل قام أيضاً باستخدامها أثناء الحرب الأهلية السورية، ففي نهاية عام 2014 تمكن من اغتيال 23 فرداً من المعارضين للنظام السوري بواسطة الدرونز.
ونشر حزب الله على موقع "يوتيوب" في 9 أغسطس 2016، لعملية قام بها ضد فصيل مسلح في منطقة حلب من خلال الدرونز، كما أن الميليشيات الشيعية اللبنانية، التي تقاتل إلى جانب قوات نظام بشار الأسد في سوريا، طورت مجموعة من الطائرات التي بإمكانها أن تحمل شحنات متفجرة، وتقوم بإطلاقها على أهداف محددة.
ومن ناحية أخرى، تستخدم كل من حماس وكتائب القسام هذه الطائرات، حيث استطاعوا الحصول على بعض الدرونز الإسرائيلي وقاموا بإصلاحها وإعادة تشغيلها، وفيما يتعلق بتنظيم "داعش" تشير العديد من التقارير إلى امتلاك "داعش" طائرات بدون طيار تستخدمها في عمليات استطلاعية وتصويرية وهو ما ظهر في شريط فيديو بثه التنظيم يظهر فيه استخدام طائرات بدون طيار في إحدى عملياته الاستطلاعية أثناء معركة مصفاة بيجي.
وهاجم تنظيم "داعش" في نهاية سبتمبر 2016، مجموعة من القوات التركية التي تنتشر في شمال سوريا بواسطة الدرونز، كما قام بواسطتها باغتيال بعض مقاتلي البشمركة الأكراد في العراق، وإصابة عنصرين من القوات الفرنسية الخاصة هناك بجروح بليغة نتيجة لانفجار طائرة بلا طيار تم رصدها واعتراضها بواسطتهم.
وختاماً، من المتوقع أن يتصاعد هذا الاتجاه للاعتماد على الدرونز في القيام بعمليات إرهابية خلال السنوات القليلة القادمة، من قبل الفاعلين المسلحين من غير الدول، بصورة تهدد أمن الدول، خاصة تلك الدول التي لا تمتلك إمكانيات تتيح لها التشويش على هذه الطائرات أو تعقبها في مجالها الجوي، كما أن الأمر لا يقتصر على استهداف القوات العسكرية فحسب، بل يمكن استهداف محطات الطاقة الرئيسية البعيدة من خلال الدرونز، واستهداف خطوط الطيران المدنية.