توازن سوق النفط

20 April 2017


شيئاً فشيئاً تستعيد سوق النفط العالمية توازنها، كما أشار إلى ذلك تقرير وكالة الطاقة الدولية التي تتابع تطورات أسواق النفط بدقة بالغة، وذلك بعد ثلاث سنوات تقريباً من وجود خلل واضح بين مستويات العرض والطلب هوت بالأسعار إلى مستويات متدنية، وذلك قبل أن تتحسن هذه الأسعار لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها انخفاض مخزونات النفط بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 17.2 مليون برميل في شهر مارس الماضي بالتزامن مع هبوط المخزونات في بعض البلدان غير الأعضاء في المنظمة، وكذلك اتفاق دول «أوبك» مع الدول المنتجة الأخرى على تخفيض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل حتى شهر يونيو القادم، إذ تشير البيانات إلى التزام كامل من قبل البلدان المنتجة بتخفيض الإنتاج، كما أن هناك مؤشرات قوية على تمديد الاتفاق بعد إعلان دول مجلس التعاون الخليجي على موافقتها المبدئية على ذلك، مما وجه رسالة إيجابية للأسواق تفاعلت معها بسرعة، وساهمت في تخطي مزيج برميل برنت لـ55 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي.

ويتوقع أن يكون لاتفاق تخفيض الإنتاج مفعول أكثر تأثيراً على الأسواق في الربع الثالث من العام، وذلك بفضل إمكانية تراجع صادرات بعض الدول، كإيران التي فقدت معظم مخزوناتها والتي هبطت من 28 مليون برميل إلى 4 ملايين فقط بعد رفع العقوبات عنها، والذي أتاح زيادة صادراتها، سواء بزيادة الإنتاج أو باستخدام المخزون البحري لديها، والذي تراكم بفعل العقوبات السابقة.

ومع أن التوقعات تشير إلى ارتفاع الطلب على النفط في هذا العام بمقدار 1.32 مليون برميل يومياً بعد تراجعه بنسبة بسيطة تقدر بـ40 ألف برميل يومياً، إلا أن انخفاض الإنتاج بنسبة كبيرة نسبياً تقدر بـ755 ألف برميل يومياً سيساعد على إعادة التوازن التي تحدث عنها تقرير وكالة الطاقة الدولية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستضطر خلال الأشهر القادمة إلى إعادة تعبئة مخزوناتها من النفط إلى مستوياتها السابقة، كضمانة لتلبية احتياجاتها، وبالأخص في ظل الأوضاع غير المستقرة في الشرق الأوسط، مما يعتبر عاملاً مساعداً لتوازن السوق من جهة ولاستقرار الأسعار من جهة أخرى، وتشير البيانات التاريخية لأسعار النفط إلى أن مستويات الأسعار عادةً ما تكون أفضل في الربع الثالث عنها من الربع الثاني بسبب ارتفاع الطلب، وذلك بشكل عام مع وجود استثناءات ناجمة عن تطورات جيو– سياسية، مثلما حدث أثناء حرب الخليج الثانية والتدخل الأميركي في العراق. بالتأكيد هناك بعض المحاذير الخاصة بإمكانية ارتفاع إنتاج النفط الأميركي بعد زيادة منصات إنتاج النفط الصخري، إلا أن ذلك بحاجة إلى بعض الوقت، كما أن الارتفاع المتوقع في الطلب وزيادة المخزونات سيمتص جزءاً من الزيادة المتوقعة في الإنتاج الأميركي. إذن معظم التحليلات، بما فيها تقارير وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك» تشير إلى أن التوازن في سوق النفط العالمية قادم في الفترة المقبلة، مع أننا نعتقد أنه سيصاحب ذلك بعض التذبذبات الناجمة عن التطورات الجيو-سياسية من جانب، والمضاربات التي لا تتوقف، وتعتبر جزءاً من حركة الأسواق من جانب آخر. انعكاسات ذلك على مجمل التطورات الاقتصادية في البلدان المنتجة للنفط ستكون إيجابية وستؤدي إلى تحسن ملحوظ في الأوضاع المالية لهذه البلدان، إلا أن هذا التحسن سيستغرق بعض الوقت قبل أن تتضح معالمه، مما يعني أن ثلاثة أعوام من المصاعب الاقتصادية والمالية يمكن تجاوز معظمها مع بداية العام القادم 2018 في بعض هذه البلدان التي تتمتع بأوضاع قوية بفضل تمكنها من إدارة مواردها وسياساتها المالية بصورة صحيحة ومتزنة في السنوات الماضية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد