أوضاع ضاغطة:

تحديات أدوار رجال الأعمال في الشرق الأوسط

06 March 2017


يواجه رجال الأعمال، سواء بصورة فردية أو بصيغ مؤسسية، تحديات متصاعدة في القيام بأدوارهم في بعض دول الإقليم، بدرجات متفاوتة، تتمثل في مقاومة مؤسسات المجتمع المدني لشغل رجال الأعمال مواقع وزارية في التشكيلات الحكومية، واعتراض قوى مجتمعية على تعزيز نفوذهم السياسي بترشحهم لعضوية المجالس النيابية، ورفض النخبة البرلمانية للمصالحة مع نخبة رجال الأعمال المرتبطين بأنظمة سابقة، وحصار الميلشيات المسلحة لأنشطتهم، واستنزافهم ماليًا لدعم بقاء بعض النظم السلطوية، وارتباطهم، في حالات معينة، بالجماعات الإجرامية، وإحياء مجالس الأعمال المشتركة، واستبعادهم من المساهمة في إعادة الإعمار للدول المنهارة، فضلا عن مخاطر الاستثمار في المناطق الاقتصادية الجديدة، والاشتباه في تورطهم في قضايا فساد وغيرها.

وبوجه عام، يمكن تناول التحديات التي يواجهها رجال الأعمال في بعض دول الشرق الأوسط، على النحو التالي:

لوبي مصالح:

1- مقاومة المجتمع المدني لتبوأ رجال أعمال مواقع وزارية في التشكيلات الحكومية، وهو ما تمثل في اعتذار رجل الأعمال التونسي خليل الغرياني، في 2 مارس 2017، عن تولي منصب وزير الوظيفة العمومية والحوكمة الذي اقترحه عليه رئيس الوزراء يوسف الشاهد، لا سيما بعد تصاعد احتجاجات الاتحاد العام للشغل –الذي يعد أكبر نقابة مركزية في البلاد- الرافضة لتعيين الغرياني، القيادي باتحاد الصناعة والتجارة الذي يتولى الدفاع عن مصالح رجال الأعمال، ويسعى لتسريح آلاف الموظفين.

وقد يسهم اعتذار الغرياني عن تولي هذا المنصب في تهدئة التوتر بين اتحاد الشغل والحكومة التي تريد إجراء إصلاحات جوهرية في مجال الوظيفة العمومية والقطاع المصرفي بهدف الحصول على القسط الثاني "المجمد" من قرض صندوق النقد الدولي، إذ اتهمت أحزاب المعارضة رئيس الحكومة بالسعى لما يطلق عليه "التفويت" في القطاع العام عبر خفض عشرة آلاف وظيفة، لا سيما بعد قرار إقالة القيادي السابق باتحاد الشغل عبيد البريكي. ولا تعد تونس حالة خاصة بقدر ما تشهد بعض دول الإقليم مقاومة لشغل رجال الأعمال مناصب في الحكومات تحسبًا لتعارض المصالح.

تعزيز التخادم:

2- اعتراض بعض قوى المجتمع على تعزيز مساحة النفوذ السياسي لرجال المال، عبر تزايد الإقبال على الترشح لعضوية المجالس النيابية، وهو ما برز في تزايد ترشح رجال الأعمال لعضوية البرلمان الجزائري المقرر أن تجرى انتخاباته في مايو المقبل، على نحو ما يعكس تجاوزًا للحواجز التقليدية بين المال والسياسة، الأمر الذي يقلص حظوظ المرشحين الآخرين وخاصة الحزبيين والأكاديميين والمهنيين. بل من الملاحظ أن رجال الأعمال الجزائريين يسعون إلى التحالف مع السياسيين، وكذلك يسعى بعض السياسيين للحصول على دعم رجال الأعمال. 

وعلى الرغم من أن الدورة البرلمانية الماضية (2012-2017) لم تشهد صعودًا بارزًا لرجال المال والأعمال، إلا أن تأثيرهم ظهر بشكل جلي في عملية إعداد قوانين المالية التي تنظم الاستثمار. لذا، شهدت الأشهر الأولى من عام 2017 تزايد إقبال رجال الأعمال على شغل المقاعد النيابية لولاية جديدة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد. ويعد من أبرز رجال الأعمال الجزائريين المترشحين في الانتخابات البرلمانية القادمة بهاء الدين طليبة الرئيس الشرفي لاتحاد عنابة لكرة القدم وعبدالقادر زعيمي صاحب أكبر استثمارات في مجال الصناعات الغذائية.

مصالحة منقوصة:

3- معارضة مجتمعية ونيابية للمصالحة مع رجال أعمال تابعين لأنظمة سياسية سابقة، وهو ما تمثل في الانقسام البرلماني الذي أحدثه قانون المصالحة الاقتصادية في تونس في ديسمبر 2015، إذ انسحبت قوى المعارضة احتجاجًا على التصالح مع رجال أعمال يشتبه في تورطهم في قضايا فساد وتبييض الأموال (الفصل 61 من قانون المالية لسنة 2016). وقد دعت منظمة الشفافية الدولية البرلمان التونسي إلى عدم المصادقة على مشروع القانون، حيث أنه سيشجع، وفقًا لها، على الفساد واختلاس المال العام في حال تمريره.

ورغم ذلك، فقد أقر ممثلو تنسيقية أحزاب الائتلاف الحاكم في تونس، في مايو 2016، مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مع رجال أعمال تابعين لنظام زين العابدين بن علي، بعد تجميد الحكومات التونسية المتعاقبة نشاط عدد من رجال الأعمال، الأمر الذي أدى إلى حرمان البلاد من مشاريع استثمارية عمقت أزمة الاقتصاد. ورغم ذلك، لا زالت هناك أصوات داخل منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام تعتبر أن هذ القانون يكرس الإفلات من العقاب بل كان فساد رجال أعمال بن علي أحد أبرز أسباب "ثورة الياسمين". 

ضرائب مزدوجة:

4- حصار الميلشيات المسلحة لأنشطة رجال الأعمال، وهو ما انعكس في فرض قوات الحوثيين في اليمن حصارًا على رجال الأعمال الذين يزاولون أنشطة تجارية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما برز جليًا في نهاية فبراير 2017، على نحو دفع أعضاء الغرفة التجارية الصناعية في العاصمة صنعاء إلى التلويح بالرحيل إلى مناطق أخرى تتوافر فيها محفزات الاستثمار.

وهنا، تمثل العاصمة المؤقتة عدن البديل الأكثر ملاءمة لرجال الأعمال اليمنيين بعد اتخاذ الحوثيين سلسلة إجراءات لخنق نمو الاقتصاد الداخلي ورفع مستوى العوز في كثير من مناطق البلاد الخاضعة لنفوذهم بهدف تمويل الأنشطة التخريبية للميلشيات التابعة لهم. كما يؤدي إقرار الضرائب المزدوجة إلى رفع الأسعار بمستويات عالية، بعد فرض رسوم جمركية إضافية يتم تحصيلها عند الموانئ البحرية والمنافذ البرية.

تقاسم الأعباء:

5- الاستنزاف المالي لدعم بقاء النظم السلطوية، وهو ما ينطبق على رجال الأعمال الداعمين لبقاء نظام بشار الأسد في سوريا، إذ يستند نظام الأسد إلى تحالفه مع القوات المسلحة وأجهزة الأمن وأعضاء وكوادر حزب البعث ونخبة رجال الأعمال، الأمر الذي يفسر قدرته على الإمساك بالسلطة، سواء خلال حقبة ما قبل الحراك الثوري عام 2011 أو خلال الصراع الداخلي المسلح لمدة تقارب ست سنوات، وما تطلبه الوضع الأخير من الانخراط بعمق في "اقتصاديات الحرب".

وفي هذا السياق، يلجأ نظام الأسد إلى انتزاع الموارد المالية والاقتصادية من رجال الأعمال التي يحتاج إليها ليتمكن من الحفاظ على بقاءه، فضلا عن إنشاء ميلشيات تابعة له، وهى "شبكات الحظوة" التي نسجت خيوطها منذ عهد الأسد الأب بحيث حققت مكاسب طائلة من وراء مشاريع اقتصادية خاصة ضخمة، وهو ما يفسر غياب الانشقاقات المؤثرة عن صفوف كبار التجار، لا سيما في ظل قناعتهم بعدم قدرة قوى المعارضة المسلحة على الإطاحة بالأسد والتخوف من فرض نظام سياسي معارض لمصالحهم في سوريا.

شبكات هجينة:

6- تأسيس روابط بين رجال أعمال وبعض الجماعات الإجرامية، إذ شهدت فترة ما بعد الحراك الثوري في عام 2011، إعادة هيكلة النخبة الاقتصادية في بعض الدول وتبلور روابط بين الأطراف المتصارعة والجماعات التجارية والشبكات الإجرامية التي فرضها اقتصاد الحرب من خلال النهب المنظم لمقدرات وثروات البلاد، على نحو ما ترجمته مؤشرات محددة مثل سرقة الآثار، والسيطرة على حقول النفط، وتهريب الوقود، وتهريب السلاح والبشر والبضائع. فعلى سبيل المثال، أصبح اقتصاد الحرب هو النشاط الاقتصادي المسيطر في معظم المناطق السورية. 

كما وسعت النخبة الاقتصادية الجديدة خلال السنوات الخمس الأخيرة نطاق أنشطتها عبر تأسيس علاقات مصلحية مع رواد أعمال غير مشروعة في أوروبا وشمال افريقيا في إطار ما اصطلح على تسميته بـ"صناعة الحصار" التي تعتمد على توفير الاحتياجات الضرورية للمدنيين المحاصرين، إذ يُسمح بشراء السلع من رجال الأعمال، ثم التجار الذين يقومون بتوصيل البضائع للحواجز، ومقاتلي الجيش والقوى المسلحة التي تفرض "الإتاوات" وتتحكم بتوزيع المنتجات على المدنيين، بحيث تتربح كل هذه الأطراف من التجارة غير الشرعية، مما يصعب من تفكيكها بعد انتهاء المواجهات المسلحة. 

أطر شراكة:

7- إحياء تجربة مجالس رجال الأعمال المشتركة، فنظرًا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية داخل سوريا، تتبنى الحكومة السورية خلال العامين الماضيين توجهًا اقتصاديًا لإعادة إحياء مجالس رجال الأعمال (التي أنشأت عام 2009 وتم حلها عام 2013 بعد انقطاع سبل التواصل بين المستثمرين السوريين ونظرائهم حول العالم)، للاستفادة من علاقات مستثمريها في الخارج بهدف التخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية وفتح أبواب جديدة لتصدير المنتجات السورية، في أعقاب فرض عقوبات غربية على سوريا، بالإضافة إلى مغادرة مجموعة كبيرة من رجال الأعمال للأراضي السورية، وتدفق رؤوس الأموال التابعة لهم إلى دول الجوار، بحثًا عن "ملاذات آمنة" للاستثمار.

وقد تمكنت الحكومة السورية من إقامة عدد من المجالس مع كل من إيران وروسيا وبيلاروسيا والصين وأرمينيا وأوكرانيا، وهى تنوي الاستمرار في تشكيل المزيد من هذه المجالس خاصة مع الدول التي تؤسس معها علاقات سياسية جيدة أو تلك التي تشكل قوة اقتصادية كبعض الدول الآسيوية واللاتينية. وقد حددت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية لها مجموعة من الأهداف، أبرزها دعم التعاون التجاري والتبادل الاقتصادي بين سوريا والدول المناظرة، والتقريب بين الفعاليات الاقتصادية في سوريا ومثيلاتها في الدول الأخرى.

"كعكعة الانهيار":

8- المساهمة في إعادة إعمار الدول المنهارة، إذ يثار في المنتديات الدولية مسألة مشاركة رجال الأعمال في عمليات إعادة الإعمار في دول الصراعات العربية المسلحة. فعلى سبيل المثال، قدرت تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 400 مليار دولار، وطرحت بعض دول "البريكس" فكرة إنشاء بنك لإعادة إعمار سوريا. ومن المتوقع أن تربح الدول التي دعمت نظام الأسد في حربه ضد المعارضة المسلحة العقود الخاصة بإعادة العقود مثل روسيا وإيران والصين على نحو يقلص فرص رجال الأعمال القادمين من دول الجوار سواء لبنان والأردن وتركيا. 

وقد أشار الدكتور أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا (التي تعد الشريك الاقتصادي مع مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعني بإعادة إعمار سوريا) في حوار لصحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 29 مارس 2016 إلى أن "إعادة إعمار سوريا مسئولية رجال الأعمال السوريين.. ولكن المحذور الرئيسي هو أن تقوم المجموعة التي نهبت الاقتصاد الوطني سابقًا، بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء، بالتصدر لمسألة إعادة الإعمار، وخاصة أن النظام السوري كان يخصهم بامتيازات احتكارية استطاعوا أن يكونوا من خلالها ثروات خيالية يصعب منافستها وطنيًا من حيث امتلاك رأس المال". فهناك نخبة بعضها جديد وبعضها قديم تشكل نواة اقتصاديات إعادة الإعمار ما بعد الصراع.

عتبات جديدة:

9- مخاطر الاستثمار في مناطق اقتصادية جديدة، لا سيما بعد تبلور اتجاه لتوظيف القدرات التمويلية لرجال الأعمال المغاربة في الاستثمار داخل الدول الإفريقية الداعمة لـ"جبهة البوليساريو"، إذ اصطحب الملك محمد السادس وفدًا كبيرًا من رجال الأعمال خلال جولته الإفريقية التي شملت غانا وغينيا وزامبيا وكوت ديفوار ومالي، وهى الدول المعروفة بتأييدها لـ"جبهة البوليساريو" وحق ما يسمى "الشعب الصحراوي" في تقرير مصيره.

وقد هدفت هذه الجولة إلى دعم فرص انعقاد المنتديات الاقتصادية بين رجال الأعمال المغاربة ونظرائهم في الدول الإفريقية لتطوير الاستثمارات، ودعم صغار الفلاحين، والتعاون الصناعي، وإنعاش الاستثمار السياحي، والنقل والطاقة المتجددة. 

شبهات فساد:

10- الاشتباه في التورط في قضايا فساد، ويعد من أبرزها امتلاك الشرطة الإسرائيلية تسجيلات صوتية مفادها تلقي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منفعة مقابل منح أحد رجال الأعمال امتيازات، وهو ما أطلقت عليه صحيفة "هارتس"، في 8 يناير 2017 "القضية 2000". وقد دفعت هذه الامتيازات المتبادلة إلى تعزيز الشبهات الجنائية لدى الشرطة، على نحو دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك للمطالبة بتنحية رئيس الحكومة الحالي.

كما أثيرت مسألة إبرام نتنياهو صفقة مع مالك مؤسسة إعلامية بهدف الحصول على تغطية مؤيدة له قبل انتخابات مارس 2015. هذا فضلا عن قضية تتعلق بتلقي نتنياهو هدايا منذ ثماني سنوات من رجل الأعمال الإسرائيلي أرنون مليتسان مقابل الحصول على فيزا لدخول الولايات المتحدة. غير أن استجواب الشرطة لرئيس الوزراء لم يتمخض عنه توجيه اتهام، إذ يجبر القانون الإسرائيلي أى عضو في الحكومة بما في ذلك رئيسها على الاستقالة في حال توجيه اتهامات رسمية له بالفساد. وقد اعتبر نتنياهو تلك المحاولات هادفة إلى إسقاط حكومة "الليكود".

فرص مزدوجة: 

خلاصة القول، تواجه جماعات رجال الأعمال في الشرق الأوسط تحديات داخلية في دولها تؤثر على أداء أدوارها التقليدية، فضلا عن الفرص الجديدة التي تظهر أمامها سواء بتعزيز النفوذ السياسي أو تمرير قوانين التصالح المالي. كما أن التحولات "الزلزالية" التي شهدها الإقليم ألقت بتأثيراتها على أوضاع رجال الأعمال، سلبًا وإيجابًا، وخاصة فيما يتعلق بتنامي اقتصاديات الحرب والاستثمار في مناطق جديدة والحصول على جزء من "كعكة" إعادة إعمار الدول العربية المنهارة، وأدوارهم التشاركية مع الشركات الدولية التابعة لنفوذ قوى إقليمية أو دولية.