أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الإدماج الصعب:

تحديات أزمة اللاجئين السوريين في تركيا

14 أكتوبر، 2015


إعداد: منى مصطفى محمد

لايزال الصراع مُحتدماً في سوريا، وغير مرشح للتسوية في الأمد القريب، خاصةً في ظل حالة الاستقطاب الواضح بين القوى الدولية والإقليمية بشأن آليات تسوية هذه الأزمة، وأيضاً في أعقاب التدخل العسكري الروسي لدعم نظام "بشار الأسد". وقد أدت هذه الأوضاع المتردية إلى استمرار المعدلات المرتفعة لتدفق اللاجئين السوريين إلى دول الجوار، حيث بلغ عدد هؤلاء اللاجئين حوالي 4 ملايين لاجئ سوري وفق بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في يوليو 2015.
وفي هذا السياق، أعد "كمال كيرازي" Kemal Kirişci، و"إليزابيث فيريس" Elizabeth Ferris– الباحثان بمركز بروكنجز- ورقة بحثية بعنوان: "لن يعودوا للوطن على الأرجح: اللاجئون السوريون والتحديات التي تواجه تركيا والمجتمع الدولي". وتستعرض الدراسة التغيرات في أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا منذ قيام الباحثان بزيارة ميدانية للاجئين في أكتوبر 2013، وكيفية إدارة الحكومة التركية أزمة هؤلاء اللاجئين، بالإضافة التي التحديات التي تواجهها في إطار قيامها بذلك.
خريطة توزيع اللاجئين السوريين
تصاعدت أعداد اللاجئين السوريين بشكل غير مسبوق في الفترة بين أكتوبر 2013 إلى سبتمبر 2015؛ إذ وصل عدد اللاجئين السوريين في الوقت الحالي في دول الجوار السوري: (تركيا، لبنان، والأردن) إلى ما يُقدر بحوالي 4 ملايين لاجئ، فيما كان هذا العدد يُقدر بنحو مليوني لاجئ في أكتوبر 2013. كما زاد عدد المُشردين داخلياً في نفس الفترة من 4,2 مليون شخص إلى 7,6 مليون شخص.
ومن أبرز دول اللجوء السوري ما يلي:
1- اليونان: تُعد أحد أكبر المعاقل الرئيسية اللاجئين، فقد استقبلت اليونان في أغسطس 2015 ما يقارب 200 ألف مهاجر معظمهم من السوريين، وهو ما يعني أن عدد اللاجئين قد زاد بما يعادل حوالي خمسة أضعاف مقارنةً بنفس الوقت من العام الماضي، ما أثر بالسلب على اليونان التي تعاني أزمات اقتصادية عديدة. وأدى ذلك إلى وجود نزاعات عديدة مع الاتحاد الأوروبي حول الطريقة الملائمة لتحمل جزء من مسؤولية اللاجئين.
2- تركيا: تُقدر نسبة اللاجئين السوريين الذين تم تسجيلهم بشكل رسمي لدى الحكومة التركية بحوالي 2 مليون لاجئ، مع توقعات بأن يصل هذا الرقم إلى 2,5 مليون لاجئ إذا استمرت الأزمة السورية على ما هي عليه. ويسبب استمرار تدفق اللاجئين السوريين ضغطاً هائلاً على الموارد التركية، وذلك على الرغم من أن الاقتصاد التركي يُعد واحداً من أكبر الاقتصادات نمواً في منطقة الشرق الأوسط.
وحسب تصريحات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تعد تركيا من الدول الأكثر استقبالاً للاجئين في عام 2014. وأكدت المفوضية في بداية عام 2015 ضرورة أن تقوم الحكومة التركية بإعادة توطين نحو 214,000 ألف لاجئ سوري على أن تقوم المفوضية بتوطين حوالي 20 ألف لاجئ سوري، فيما كانت تركيا قد قامت عام 2014 بإعادة توطين 9 آلاف لاجئ فقط من جنسيات مختلفة. وكذلك أنفقت الحكومة التركية ما يتراوح بين 5,6 إلى 6 مليارات دولار لتوفير مساعدات عاجلة للاجئين في أغسطس 2015، في حين أنها تلقت مساعدات دولية تُقدر بأقل من 400 مليون دولار.
3- الدول العربية: تتعدد البلدان العربية التي تستقبل اللاجئين السوريين، إلا أنه بطبيعة الحال تتزايد أعداد السوريين في هذه البلدان المجاورة جغرافياً، وذلك مع استثناء العراق التي تعاني هي الأخرى أزمات متعددة. ومن ثم، يزداد الضغط من اللاجئين السوريين على كل من لبنان والأردن اللتين تتسمان بموارد ضعيفة بالأساس. وتلفت الدراسة الانتباه إلى الأوضاع اللاإنسانية للسوريين في مخيمات هذه الدول.
تداعيات تزايد اللاجئين السوريين في تركيا
أدى تعقد خريطة الصراع السوري وتشابكها وقدرة الفاعلين المسلحين من دون الدول على التوسع المستمر وقيامهم بالعديد من أعمال الإرهاب العنصري تجاه فئات وطوائف بعينها، إلى زيادة مستمرة في أعداد اللاجئين من مختلف الطوائف، وهو ما أثر على الدول المستقبلة وبصفة خاصةً تركيا. ومن هذه التأثيرات التي يوضحها الكاتبان ما يلي:
1- سياسة الباب المفتوح: مع بداية الأزمة السورية في 2011، اعتقدت تركيا أن حكومة "بشار الأسد" سوف تسقط سريعاً، ولهذا أعلنت عن ترحيبها باستقبال اللاجئين السوريين على اختلاف انتماءاتهم مع وعد بعدم إعادتهم مرة أخرى إلى دولتهم.
 وعلى الرغم من أن الحكومة التركية لم توقف سياسة "الباب المفتوح"، فإنها مع هذا التدفق الهائل للاجئين قامت بوضع عدد من القيود عليهم خاصةً الأكراد منهم القادمين من (كوباني) و(تل الأبيض)، بل ووصل الأمر إلى منع قوات الشرطة والجيش لهم من دخول تركيا. وأصدر "أحمد داود أوغلو" أوامره بفتح الحدود أمامهم مرة أخرى، بيد أنه لا يمكن القول إن "سياسة الباب المفتوح" عادت لسابق عهدها من التساهل.
2- أعمال عنف: تم رصد وجود أعمال عنف وشغب بين الأهالي الأتراك واللاجئين السوريين، وولَّد هذا انطباعاً سلبياً عن اللاجئين لدى العديد من المواطنين الأتراك، حيث أكد 62% من المبحوثين الأتراك في استطلاع رأي تم إجراؤه في أكتوبر 2014 أن اللاجئين السوريين لديهم ميل للقيام بأعمال إجرامية، بيد أن تقارير السلطات الرسمية تشير إلى تناقص مستمر في أعمال العنف من قِبل اللاجئين، بالإضافة إلى قيام عدد من اللاجئين السوريين بالتدخل للوساطة وحل النزاعات في حال حدوثها.
3- المنافسة الاقتصادية: اتجه كثير من اللاجئين السوريين للعمل في قطاعات الاقتصاد غير الرسمي بأجور أقل مقارنةً بالعمالة التركية، مع ملاحظة أنهم لا يقومون بدفع ضرائب على النقيض من العمالة التركية. من ناحية أخرى، أدى تواجد العديد من اللاجئين في المناطق الحضرية إلى ارتفاع أسعار العقارات بشكل غير مسبوق.
من ناحية أخرى، ثمة من يرى أن وجود العديد من اللاجئين السوريين ترتب عليه إيجاد وظائف جديدة نتيجة لتزايد أعداد منظمات المجتمع المدني غير الهادفة للربح العاملة في مجال إدارة أزمة اللاجئين.
4- صراع الهوية: انتشرت المخاوف من أن تؤثر الهويات المتعددة للاجئين السوريين على الهوية التركية كالتأثير على اللغة والعادات والتقاليد، أو أن يتم استخدام طائفة معينة لتغليب مصالح طوائف بعينها.
كذلك خشيت الحكومة في أنقرة أن تستخدم أحزاب المعارضة مثل حزب الشعب الديمقراطي، وحزب الشعب الجمهوري اللاجئين السوريين من أجل ممارسة ضغوط عليها. ويأتي ذلك مع تفضيل الأكراد والمسيحيين السوريين البقاء في مناطق المحليات التي تديرها أحزاب المعارضة.
إدارة أزمة اللاجئين السوريين
كما سبق القول، اتبعت تركيا في عام 2011 سياسة (الباب المفتوح) والتي سمحت بتدفق العديد من اللاجئين، وإقامة غير القادرين منهم في المنشآت العامة التركية، وتم تكليف وكالة إدارة الكوارث والطوارئ (AFAD) بتولي مهمة بناء معسكرات بشكل عاجل للاجئين. وبحلول أكتوبر 2013 استطاعت الوكالة بناء 21 معسكراً، وتسكين ما يقرب 200 ألف لاجئ سوري بها، فيما فضل 400 ألف لاجئ الإقامة في المناطق الحضرية.
وحسب الدراسة، سعت الحكومة التركية للتأكد من توفر جميع الخدمات الأساسية، وبصفة خاصة الطبية في أماكن إقامة اللاجئين، كذلك تم إنشاء المديرية العامة لإدارة الهجرة (DGMM) لتطبيق القوانين التي تكفل حماية اللاجئين السوريين، ولعل من أهمها القانون الذي تم إصداره في أكتوبر 2014 والذي ينص على حماية اللاجئين وضرورة تسجيلهم.
وتشير بعض التقديرات إلى رفض ما بين 200 ألف و250 ألف لاجئ تسجيل أنفسهم، وذلك لعدة أسباب، منها خوفهم من العودة إلى نظام "الأسد"، أو أن تقرر الحكومة التركية إيداعهم في معسكرات ومن ثم يتم منعهم من الوصول إلى أوروبا. وفي هذا الإطار، اضطرت الحكومة التركية للتعاون مع المؤسسات الدولية المختلفة وبصفة خاصة المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، بيد أن تركيا لاتزال تحصل على قدر قليل من المساعدات مقارنةً بما تقوم بإنفاقه على اللاجئين.
وعلى المستوى غير الرسمي، قامت العديد من المؤسسات غير الحكومية بدور بارز في التقليل من حدة أزمة اللاجئين السوريين، والمساهمة في تحسين الظروف المعيشية لهم. فعلى سبيل المثال، قامت بعض هذه المؤسسات بتوفير دورات تدريبية لتعليم اللغة التركية من أجل مساعدة اللاجئين على الاندماج في المجتمع وإيجاد فرصة عمل بسهولة أكبر، ودورات لتأهيل المرأة لسوق العمل، بالإضافة إلى جلسات معالجة نفسية، غير أن بعض هذه المؤسسات يعتمد على التبرعات وهو ما يجعله يفشل في تحقيق الهدف المرجو منه.
كما تدَّعي بعض المؤسسات غير الحكومية أن الحكومة التركية تضع أمامها العقبات في عملية التسجيل بسبب عدم وضوحها وتعقد إجراءاتها، إلا أن حكومة "أردوغان" تؤكد أنها تواجه تزايداً كبيراً في عملية التسجيل من منظمات صغيرة من دون وضوح مصدر تمويلها، وقيام بعضها بجمع التبرعات وإنفاقها في أغراض أخرى، بالإضافة إلى قيام بعض الشخصيات العامة بإقامة مؤسسات من هذا النوع  بغرض الدعاية.
تحديات إدماج السوريين في المجتمع التركي
أصبح المجتمع التركي أكثر تقبلاً للأتراك خاصةً مع حالات الزواج التي بدأت في التزايد مؤخراً، كما أنه قد تمت ولادة 35 ألف طفل من أبوين سوريين على الأراضي التركية، ومن ثم مُنح هؤلاء الأطفال الجنسية، بالإضافة إلى قيام العديد من اللاجئين بتعلم اللغة التركية. وعلى الرغم كل ذلك، مازالت هناك العديد من التحديات التي تواجه إدماج هؤلاء في المجتمع، ومنها:
1- التعليم: سمحت الحكومة التركية في البداية للأطفال الذين يحمل أبواهم تصاريح إقامة فقط بالالتحاق بالمدارس، وهو ما أدى إلى نشأة مدارس موازية للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم. غير أنه مع مرور الوقت سعت وزارة التعليم التركية إلى أن يكون لها إشراف مباشر على هذه المدارس خوفاً من أن يتم تدريس الأفكار الدينية المتطرفة لهؤلاء التلاميذ، بالإضافة إلى أن الرقابة تتيح التأكد من صحة المحتوى التعليمي وجودته.
ولا يزال ثمة 130 ألف طفل سوري غير ملتحقين بالتعليم من أصل 600 ألف طفل في سن المدرسة، وقد صرحت وزارة التعليم نصاً "سواء بقي هؤلاء اللاجئون أو رحلوا، فلا يمكن أن نسمح بضياع جيل كامل من الأطفال"، ومن ثم سعت الحكومة التركية إلى تعميق التعاون مع منظمة اليونيسيف.
2- التوظيف: يعمل النسبة الأكبر من اللاجئين في القطاع غير الرسمي، وهو ما يعني عدم وجود أي حماية قانونية لحقوقهم، بالإضافة إلى وجود عدد ليس بالقليل منهم من دون وظيفة ثابتة، ما يعرضهم إلى خطر الاستقطاب من الجماعات المتطرفة التي تمتلك العديد من الآليات لإدماجهم بها وعلى رأسها توظيفهم بأجور ملائمة.
وقد أعدت الحكومة التركية قانوناً يُنتظر موافقة البرلمان يسمح بأن يحصل اللاجئون السوريون على نسبة من الوظائف في القطاع الرسمي. وقد أكدت الأكاديمية التركية الواقعة بمدينة (غازي عنتاب) أن إدماج اللاجئين السوريين في الوظائف الرسمية سوف يكون مُحفزاً كبيراً لنمو الاقتصاد التركي، ويمكن أن يكون بمنزلة تعويض عما تنفقه الحكومة لمعالجة أزمة اللاجئين.
إجمالاً، يمكن القول إن المجتمع الدولي يمارس سياسة مزدوجة في معالجة أزمة اللاجئين السوريين؛ إذ إنه يركز جهوده على مساعدة الدول الغربية المستقبلة لهؤلاء اللاجئين، فيما يعطي اهتماماً أقل بالدول الشرق أوسطية المستقبلة لهم ومنها تركيا، ويدعمه في هذا الإعلام الغربي. وقد يرجع هذا في الحالة التركية إلى الاعتقاد السائد بأنها تقوم بدعم بعض الجماعات المسلحة، ومن ثم فإن استقبالها للاجئين إنما هو جزء من تحملها مسؤوليتها عن تفاقم الأزمة السورية.

* عرض مُوجز لورقة بحثية بعنوان: "لن يعودوا للوطن على الأرجح: اللاجئون السوريون والتحديات التي تواجه تركيا والمجتمع الدولي"، والصادرة في سبتمبر 2015 عن مركز بروكنجز.
المصدر:
Elizabeth Ferris and  Kemal Kirişci, "Not Likely to Go Home: Syrian Refugees and the Challenges to Turkey and the International Community", (Washington: The brookings institution, September 2015).