حدود الفعالية:

تقييم سياسات حيازة الأسلحة النارية في الولايات المتحدة

10 February 2025


عرض: منى أسامة

تُعد قضية حيازة الأفراد للأسلحة النارية من القضايا المثيرة للجدل في الولايات المتحدة، حيث تتداخل فيها اعتبارات الأمن المجتمعي، والحرية، والسياسات العامة، لكن مع تصاعد الحوادث المرتبطة بتلك الأسلحة، أصبح من الضروري فهم الأبعاد المجتمعية والقانونية والعلمية لهذه المسألة، حتى تتمكن الحكومة الفدرالية من تبني سياسات فعالة تنظم حيازة الأسلحة من ناحية، وتحقق التوازن بين المصلحة العامة ومخاوف السلامة العامة من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق، أصدرت مؤسسة راند تقريراً في يوليو 2024 بعنوان "علم سياسة الأسلحة: مجموعة نقدية من الأدلة البحثية حول تأثيرات سياسات الأسلحة في الولايات المتحدة"، ويُعد هذا التقرير هو الإصدار الرابع ضمن المبادرة البحثية التي تتبناها المؤسسة منذ عام 2016؛ بهدف تقييم الدراسات العلمية المتاحة بشكل منهجي لتحديد التأثيرات الحقيقية لقوانين وسياسات الأسلحة النارية، ولإنشاء مرجع يُمكن الاعتماد عليه من قبل صناع السياسات والمواطنين للوصول إلى معلومات غير متحيزة تساعد على تطوير سياسات عادلة وفعالة. ويتضمن هذا التقرير تحديث النتائج التي توصلت إليها الإصدارات الثلاثة السابقة في أعوام (2018، و2020، و2023).

دوافع ومخاطر متعددة:

يحرص العديد من الأمريكيين على حيازة الأسلحة النارية لأسباب عدة، منها الاقتصادية مثل الصيد أو ترفيهية مثل الرماية أو أمنية للدفاع عن النفس، كما يعمل في صناعة الأسلحة النارية مئات الآلاف من الأمريكيين كالمدربين ومشغلي ميادين الرماية؛ وموردي معدات الصيد؛ ومصنعي الأسلحة النارية والذخيرة. لكن في المقابل، يعاني العديد من الأمريكيين من تبعات ذلك؛ إذ يموت أكثر من 39500 أمريكي سنوياً بسبب إصابات متعمدة أو غير متعمدة بالأسلحة النارية، علماً بأن أكثر من نصف هذه الوفيات كان نتيجة حوادث "انتحار".

وفي سياق متصل، اهتم المواطنون الأمريكيون بمتابعة حوادث إطلاق النار الجماعي المتكررة داخل الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن وقوع عشرات الضحايا؛ مما ترتب عليه تصاعد أصوات مطالبة بتقنين حيازة الأسلحة النارية؛ ومع ذلك فإن سياسات تنظيم حيازة الأسلحة في المجتمع الأمريكي قضية متنازع عليها في سياق بيئة سياسية وحزبية شديدة الاستقطاب؛ ومن ثم تتسم السياسات والدراسات المعنية بالأسلحة النارية عادة بالانحياز لوجهة نظر معينة وفقاً للتقرير.

مراجعة سياسات التقنين: 

يقدم تقرير راند مراجعة منهجية لثماني عشرة فئة من سياسات الأسلحة التي تم تنفيذها في بعض الولايات الأمريكية وتأثيراتها في ثماني نتائج (الانتحار، الجرائم العنيفة، الإصابات والوفيات غير المتعمدة، إطلاق النار الجماعي، إطلاق النار من قبل الشرطة، الاستخدام الدفاعي للأسلحة، الصيد والترفيه، صناعة الأسلحة)، علماً بأن القوانين لا تؤثر في هذه النتائج مجتمعة، ولكن في بعض منها. واعتمد التقرير على مجموعة من الدراسات العلمية، وتم تقسيم الأدلة المستخلصة منها إلى (أدلة داعمة، أدلة محدودة، أدلة غير قاطعة)، على النحو التالي:

1) سياسات تنظيم امتلاك الأسلحة النارية:

- متطلبات الحد الأدنى للسن: بموجب القانون الفدرالي الأمريكي، لا يجوز من خلال الأماكن المرخصة بيع المسدسات للأفراد الذين تقل أعمارهم عن 21 عاماً، أما البنادق فلا يتم بيعها لمن تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كما تحظر غالبية الولايات على الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً حيازة المسدسات، ولكنها عادة لا تفرض قيوداً عمرية على حيازة البنادق الطويلة، ويرى التقرير أن هناك أدلة محدودة على أن اشتراطات الحد الأدنى للسن قد تؤدي إلى تقليل حالات الانتحار، فضلاً عن عدم وجود أدلة لتأثير ذلك في جرائم القتل العنيفة، لاسيما وأن مرتكبي هذه الجرائم عادة من البالغين، كذلك لا توجد أدلة قاطعة لتأثير اشتراطات السن في حجم الوفيات غير المتعمدة أو حوادث إطلاق النار الجماعي.

- المحظورات المرتبطة بالمرض العقلي: يحظر القانون الفدرالي حيازة الأسلحة النارية من قبل أفراد تم الحكم عليهم بأنهم مرضى عقليون، وتختلف الولايات في تحديد نوعية الأسلحة المحظورة على هذه الفئة، وماهية الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم مرضى عقليين. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه القوانين في حالات الانتحار، كما أن هناك أدلة محدودة لتأثير هذه القوانين في التقليل من الجرائم العنيفة.

- المحظورات المرتبطة بالعنف الأسري: أكثر من نصف جرائم القتل بين الأشخاص المرتبطين تنطوي على استخدام سلاح ناري، ويحظر القانون الفدرالي على الأفراد الذين أدينوا بارتكاب جرائم عنف منزلي حيازة أو شراء الأسلحة النارية منذ قانون مراقبة الأسلحة لعام 1968، ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه القوانين في تقليل جرائم القتل بين الأشخاص المرتبطين بشكل خاص، وكذلك في عمليات إطلاق النار الجماعي استناداً إلى أن مرتكبي هذه الحوادث عادة ما يكونون ممن يمارسون العنف الأسري.

- تسليم الأسلحة النارية من قبل الحائزين المحظورين: يحظر القانون الفدرالي بيع الأسلحة النارية للمحظورين، مثل: القصر والمهاجرين غير الشرعيين والمجرمين المدانين؛ ومع ذلك، ليس هناك آلية لمعرفة إذا ما كان هؤلاء يمتلكون أسلحة نارية في الوقت الذي يصبحون فيه حائزين محظورين، ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذا القانون في الجرائم العنيفة، وحوادث إطلاق النار الجماعي، مع وجود أدلة متوسطة لتأثير القانون في تقليل جرائم العنف المنزلي.

- أوامر الحماية من المخاطر الشديدة: وهي أوامر حماية مؤقتة واستباقية تسمح بإزالة الأسلحة النارية من الأفراد المعرضين لخطر ارتكاب العنف المسلح ضد الآخرين أو أنفسهم، والجدير بالذكر أنه لا توجد قوانين فدرالية لأوامر الحماية من العنف المرتبط بالسلاح. ويرى التقرير أن هناك أدلة محدودة على أن هذه الأوامر تقلل من حالات الانتحار، وأدلة غير قاطعة لتأثير هذه الأوامر في جرائم القتل العنيف أو الوفاة غير المتعمدة بالسلاح الناري.

2) سياسات تنظيم مبيعات الأسلحة النارية: 

- التحقق من الخلفية: يهدف لمنع وصول الأسلحة للمجرمين المدانين، ووسعت العديد من الولايات الأمريكية نطاق المتطلب الفدرالي لإلزام إجراء فحوصات الخلفية لجميع مبيعات الأسلحة النارية، بما في ذلك التي تتم بين أطراف خاصة. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه السياسات في تقليل معدلات الانتحار، وجرائم القتل وعمليات إطلاق النار الجماعي، وعمليات إطلاق النار من قبل الشرطة، وكذلك في صناعة الأسلحة.

- متطلبات الترخيص والتصاريح: لا يشترط القانون الفدرالي على الأفراد وجود ترخيص أو تصريح لامتلاك أو شراء السلاح الناري، لكن في المقابل لدى العديد من الولايات متطلبات ترخيص أو تصريح خاصة بها. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير ذلك في تقليل حالات الانتحار وجرائم القتل، وكذلك في صناعة الأسلحة، وفي المقابل هناك أدلة محدودة لتأثير هذه المتطلبات في تقليل حوادث إطلاق النار الجماعي.

- فترات الانتظار: أي المدة التي ينتظرها الشخص لاستكمال فحص الخلفية من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي قبل السماح له بحيازة سلاح ناري جديد. ويرى التقرير أن هناك أدلة محدودة على أن فترات الانتظار قد تقلل من حالات الانتحار، وأدلة غير قاطعة لتأثير هذه الفترات في حوادث إطلاق النار الجماعي، وفي صناعة الأسلحة النارية.

- متطلبات تدريب سلامة الأسلحة النارية: لا توجد قوانين فدرالية تلزم المواطنين بتلقي تدريب على السلامة عند شراء الأسلحة، ولكن هناك ولايات تطلب أحياناً إظهار دليل على التدريب الرسمي على السلامة قبل منح التصريح. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير متطلبات التدريب في إجمالي جرائم القتل العنيف وعمليات إطلاق النار الجماعي، وعمليات شراء الأسلحة النارية.

- متطلبات الإبلاغ عن الأسلحة النارية المفقودة أو المسروقة: يلزم القانون الفدرالي تجار الأسلحة النارية المرخص لهم إبلاغ السلطات المحلية عن الأسلحة المفقودة أو المسروقة، ولكن في الوقت نفسه لا يوجد قانون فدرالي يلزم المواطنين العاديين الإبلاغ. ويشير التقرير إلى أنه لم يتوصل إلى أي دراسة تبحث نتائج سياسة تنظيم الإبلاغ عن حوادث القتل المختلفة.

- متطلبات الإبلاغ عن مبيعات الأسلحة النارية وتسجيلها: بموجب القانون الفدرالي، يتعين على التجار المرخص لهم البيع "الاحتفاظ بسجلات مبيعات الأسلحة النارية إلى أجل غير مسمى". ويشير التقرير إلى أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه المتطلبات في حالات الانتحار، وجرائم القتل العنيف، وكذلك في مشتريات الأسلحة النارية. 

- حظر بيع الأسلحة الهجومية: لا يوجد حظر فدرالي (منذ 2004) لاستخدام الأسلحة الهجومية ذات الخصائص القتالية، ومخازن الذخيرة عالية السعة، ويخلص التقرير إلى أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير حظر الأسلحة الهجومية في حالات الانتحار، وجرائم القتل، وعمليات إطلاق النار من جانب الشرطة، فضلاً عن أدلة محدودة لتأثير هذه السياسات في تقليل عمليات إطلاق النار الجماعي.

- حظر المسدسات منخفضة الجودة: يمنع القانون أي شخص من استيراد الأسلحة النارية؛ إذا لم تكن "مخصصة للأغراض الرياضية"؛ وذلك بهدف تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية للأفراد المعرضين للخطر، والذين يعتمدون على الأسلحة النارية منخفضة التكلفة لارتكاب الجرائم. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذا القانون في حالات الانتحار، وجرائم القتل العنيف، ومسألة شراء الأسلحة النارية.

3) سياسات تنظيم الاستخدام القانوني أو التخزين أو حمل الأسلحة النارية:

- قوانين الدفاع عن النفس: أي الدفاع الجنائي في المواجهات المميتة وغير المميتة، ويفرض هذا الدفاع واجب التراجع قبل استخدام القوة؛ إذا كان الانسحاب الآمن متاحاً. ويرى التقرير أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه القوانين في حالات الانتحار وعمليات إطلاق النار الجماعي واستخدام الأسلحة النارية الدفاعية، وشراء الأسلحة النارية، وفي المقابل هناك أدلة تدعم زيادة هذه القوانين من جرائم القتل بالأسلحة النارية.

- قوانين منع وصول الأسلحة للأطفال: والتي تسمح للمدعي العام بتوجيه تُهم ضد البالغين الذين يسمحون للأطفال عن عمد أو بإهمال بالوصول إلى الأسلحة النارية، ويخلص التقرير إلى أن هناك أدلة تدعم تقليل هذه القوانين من حالات الانتحار بين الأطفال، كما أن هناك أدلة محدودة لتأثيرها في تقليل الوفيات غير المتعمدة بين البالغين، وأدلة غير قاطعة لتأثيرها في صناعة الأسلحة النارية.

- قوانين حمل الأسلحة المخفية: لا يفرض القانون الفدرالي أي قيود على من يجوز له حمل سلاح مخفي في الأماكن العامة، ومن جانبها تحدد قوانين الولايات من يجوز له ذلك (كالضباط) والإجراءات اللازمة لممارسة هذا الحق. ويخلص التقرير إلى أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه القوانين في إجمالي حالات الانتحار، والوفيات غير المتعمدة، وحوادث إطلاق النار الجماعي، وفي شراء الأسلحة النارية. وفي المقابل هناك أدلة داعمة لتأثير هذه القوانين في زيادة الجرائم العنيفة، وأدلة محدودة لتأثير هذه القوانين في عمليات إطلاق النار من قبل الشرطة.

- مناطق خالية من الأسلحة: تحظر القوانين الفدرالية حمل الأسلحة النارية في أماكن عدة أبرزها المدارس، ويخلص التقرير إلى أن هناك أدلة غير قاطعة لتأثير هذه القوانين في الجرائم العنيفة.

- القوانين التي تسمح بوجود موظفين مسلحين في المدارس من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر: وهي قوانين جدلية بين مؤيد ومعارض، ولم يتوصل التقرير إلى أي تأثيرات لهذه القوانين في حوادث القتل المختلفة.

مقترحات أساسية:

يقدم تقرير راند مجموعة مقترحات لصناع القرار بناءً على النتائج السابقة، منها:

- يجب على الولايات الأمريكية التي لا توجد بها قوانين تتعلق بـ(منع وصول الأطفال للأسلحة، حظر حيازة الأسلحة النارية لأوامر تتعلق بالعنف الأسري، التحقق من الخلفية، فترة الانتظار) أن تفكر في اعتمادها.

- التفكير في إلغاء قوانين الدفاع عن النفس كاستراتيجية للحد من جرائم القتل. 

- رفع السن الأدنى لشراء الأسلحة النارية والذخيرة فوق مستوى المتطلبات الفدرالية كاستراتيجية للحد من حالات الانتحار بالأسلحة النارية بين الشباب. 

- يجب على الحكومة الأمريكية والمؤسسات الراعية دعم الأبحاث حول أفضل السبل لقياس وتقييم مجموعة أوسع من النتائج حول سياسات الأسلحة، وتسهيل الوصول إلى البيانات، ونشر التقديرات سنوياً أو في ربع السنة.

وتخلص مؤسسة راند إلى أن قاعدة الأدلة نمت بشكل كبير منذ نشر الطبعة الأولى من التقرير حول سياسات حيازة الأسلحة، وعلى صناع القرار أخذ هذه الأدلة في الاعتبار لفهم تأثيرات تلك السياسات، وتبني القوانين الأنسب والأكثر تأثيراً.

المصدر: 

Rosanna Smart et. al, “The Science of Gun Policy: A Critical Synthesis of Research Evidence of the Effects of U.S. Gun Policies,” RAND, Jul. 17, 2024.