"الخندق المغلي":

استراتيجية أمريكية لمواجهة الغزو الصيني المحتمل لتايوان

09 January 2025


عرض: سالي العطفي

تثير التوترات المتزايدة بين الصين وتايوان العديد من السيناريوهات المقلقة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، منها، نشوب صراع عسكري واسع النطاق؛ وهو ما يعزز حاجة الولايات المتحدة -من وجهة نظر الخبراء الأمريكيين- إلى وضع استراتيجية عسكرية فعَّالة قادرة على هزيمة أي غزو أو حصار صيني محتمل لتايوان، ولاسيما مع ما سيفرضه من مخاطر جيوسياسية واقتصادية على واشنطن.

في هذا السياق، طرح مات بوتينغر، نائب مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب خلال الفترة بين سبتمبر 2019 ويناير 2021، مع خبراء عسكريين آخرين كتاباً في العام 2024، حمل عنوان "الخندق المغلي: خطوات عاجلة للدفاع عن تايوان". يدعو الكتاب الولايات المتحدة وحلفاءها إلى اتخاذ خطوات استباقية لحماية تايوان، في ظل التهديدات الصينية المحتملة، كما استعرض رؤى واستراتيجيات تهدف إلى حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، مع التركيز على كيفية ردع الصين عن اتخاذ أي خطوات عدوانية.

ويحدد الكتاب أيضاً التكاليف التي ستتكبدها تايوان والولايات المتحدة، حال تعرض تايبيه للغزو أو الحصار، بالإضافة إلى كيفية إعادة تجهيز وتعزيز الجيش التايواني، كما يناقش ما يجب على الشركاء الإقليميين مثل اليابان وأستراليا، وكذلك الدول غير الإقليمية مثل دول الاتحاد الأوروبي، القيام به للمساعدة على ردع الصين والاستعداد لأي تحركات محتملة تجاه تايوان.

كان بوتينغر قد أدى دوراً محورياً في صياغة السياسات الأمريكية المتشددة إبان إدارة ترامب الأولى. وقبل ذلك، عمل صحفياً لسبع سنوات في الصين، ثم انضم إلى سلاح مشاة البحرية الأمريكية، كضابط استخبارات عسكرية في عام 2005، حيث خدم في العراق وأفغانستان، لكنه شهد ضد ترامب بشأن أحداث الشغب التي شهدها مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021، وقام بقطع العلاقات معه منذ ذلك الحين.

"الخندق المغلي": 

يُشير الكتاب إلى أن استراتيجية "الخندق المغلي" ترتكز إلى فكرة مفادها أن على الولايات المتحدة وحلفائها تبني نهج يجعل من الصعب على الصين تنفيذ هجوم على تايوان، من خلال الاستفادة من مزاياها غير المتماثلة، مثل، مضيق بطول 100 ميل يفصلها عن بكين، والساحل الجبلي، والسواحل ذات الخصائص التي تُصعب فرص هجوم العدو عليها، بالإضافة إلى استثمار التكنولوجيا والأنظمة الموجودة بالفعل، بما في ذلك تعزيز قدرة الذخائر، وتحسين التدريب، وضمان التنسيق الفعال لمواجهة أي صدام محتمل مع الصين.

ويرى أيضاً أن السؤال لم يعد يتعلق بـ"إذا ما كانت الصين ستشن هجوماً على تايوان أم لا؛ بل بـمتى سيحدث؟"، حيث يتوافق المساهمون في الكتاب، من صانعي السياسات والباحثين والخبراء، على هذه النقطة. كما يقدمون تحليلاتهم الخاصة حول "كيفية" حدوث الهجوم المحتمل، متوقعين أن يشمل حصاراً بحرياً أو وسائل أخرى لتنفيذ سياسة الاختناق والمضايقة ضد تايوان، وكيف ستكون استجابة تايوان والولايات المتحدة والدول الأخرى لذلك. 

ويضيف أنه من المحتمل أن تتجنب الصين السيناريوهات الوسطى مثل مهاجمة الجزر النائية، ولاسيما أن ذلك الأمر سيؤدي إلى تعبئة القوات المسلحة التايوانية، مثلما حدث مع أوكرانيا التي أتيحت لها سنوات عديدة للاستعداد بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم في العام 2014. ووفقاً للكتاب، هنالك خياران أساسيان أمام الصين، فإما أن تغزو تايوان بالكامل مهما كانت التكاليف، أو لا تقوم بذلك على الإطلاق. كما يركز بشكل أساسي على تكتيكات المنطقة الرمادية، مثل التوغل في منطقة الدفاع الجوي التايوانية أو مضايقة السفن التايوانية، باعتبارها مقدمة واختباراً للغزو الصيني المحتمل.

التهديدات والردع: 

يناقش الكتاب أهمية تايوان المعاصرة من زاوية هيمنتها على تصنيع أشباه الموصلات العالمية. حيث أشار إلى شركة TSMC التايوانية العملاقة التي لم تصبح بارزة في الأذهان العالمية، إلا بعد جائحة كورونا، حيث أدت أزمات سلسلة التوريد إلى جعل العالم يدرك فجأة مدى اعتماده على تايوان في هذا المجال، بينما كانت الولايات المتحدة تدافع عن تايوان على مدى ثمانية عقود.

من هنا، يرى الخبراء الأمريكيون أن الغزو الصيني المحتمل لتايوان أو فرض حصار عليها قد تترتب عليه مخاطر وتداعيات كبيرة، تشمل تعطيل التجارة العالمية، فضلاً عن التأثير في الديمقراطية التمثيلية لـ26 مليون نسمة من سكان تايوان، كما يؤثر هذا الغزو بشكل كبير في إمدادات الولايات المتحدة من أشباه الموصلات المتقدمة؛ مما قد يؤدي إلى فقدان محتمل لما يتراوح بين 5 إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال عام واحد. وبالمقارنة، ذكَّر الكتاب بما شهده الاقتصاد الأمريكي من انخفاض بـ8% في الناتج المحلي الإجمالي بين ديسمبر 1941 وديسمبر 1942، وهو أول عام كامل من مشاركتها في الحرب العالمية الثانية.

ويتساءل الكتاب حول مدى جاهزية جيش تايوان حال نشوب نزاع مع الصين، مشيراً إلى أن تايبيه لا تزال تستعد لـ"قتال قصير وحاد"، بدلاً من مواجهة حرب مستمرة، وهو ما أفاد به مايكل هونزيكر، أحد الخبراء المشاركين في الكتاب وتحديداً الجزء الخاص بــ"الخندق المغلي"، حيث أشار إلى أن معظم وحدات الجيش التايواني الأمامية في حالة استعداد قتالي تصل نسبته إلى 60% فقط؛ مما يجعلها غير فعالة إذا حدث غزو واسع النطاق من قبل الصين.

وأكد أن الحكومة والقيادة العسكرية والشعب في تايوان يحتاجون إلى تغيير موقفهم تجاه تهديدات الصين، مع أهمية إقناع الجيش التايواني بالاستعداد أولاً للتعبئة السريعة تحت النيران ثم إعداد كافة السكان في تايوان للقتال لفترة طويلة، فضلاً عن تحسين الميزانية العسكرية، وتبسيط هيكل الجيش التايواني، وتعزيز المواقف الاجتماعية التي تسهل تجنيد الأفراد أو دمج الأمور العسكرية في الحياة المدنية، كما حال إسرائيل. ويستخدم الخبراء في ذلك الكتاب إسرائيل بشكل متكرر كمثال مشابه لحالة التهديدات التي تواجهها تايوان، برغم الفروقات النسبية بين الوضعين، حيث يرون أن إسرائيل محاطة بتهديدات محتملة ولديها حدود طبيعية قليلة.

التنسيق مع الحلفاء:

في مسعى للحشد الإقليمي والدولي لمواجهة الصين، سلط الكتاب الضوء على أهمية التعاون الأمريكي مع الحلفاء في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا؛ لتشكيل جبهة موحدة ضد تهديدات الصين، حيث من المتوقع أن تؤدي تلك الدول دوراً أساسياً في أي صراع محتمل؛ مع ذلك، تناقش اليابان كيفية استعدادها للتصرف بشكل مستقل عن الولايات المتحدة حال حدوث صراع، بدلاً من العمل كملحق للجيش الأمريكي. وعلى نحو مماثل، تشير المناقشات إلى أن دور أوروبا في دعم أوكرانيا قد يكون له تأثير إيجابي في تايوان، ولاسيما أن التهديدات الروسية لكييف قد تضع سابقة سلبية تؤثر في العالم بأسره؛ مما قد يشجع الأنظمة الاستبدادية الأخرى.

ويشير الكتاب إلى أن هنالك شكوكاً في آسيا إزاء تقلب الحليف الأمريكي، اعتماداً على من يجلس في البيت الأبيض، حيث ترى طوكيو أن واشنطن ليست حليفاً موثوقاً، وأن ذلك يشكِّل مصدر قلق لليابان حول سياسة واشنطن المتقلبة. هذا الخطاب المشكك في الولايات المتحدة تصاعد أيضاً داخل تايوان خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حد كبير لتصرفات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في التعامل مع الحلفاء ورفعه لشعار أمريكا أولاً.

وأشار الكتاب إلى أن تجربة التعامل الأمريكي مع الغزو الروسي لأوكرانيا وما أعقبها من مناقشات حول ما إذا كان ينبغي استمرار المساعدات أم دفع كييف للتفاوض مع موسكو، كانت موضع اهتمام في تايوان. فبعد ذلك الغزو الروسي، تصاعد النقاش في تايوان حول ضرورة الاعتماد على الذات؛ نظراً لاحتمالية أن تقتصر المساعدات والأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة على الظروف الراهنة فقط.

وتعمل الولايات المتحدة على تشجيع تايوان على اعتماد استراتيجية الدفاع غير المتكافئ ضد الصين، والتي أثبتت نجاحها إلى حد كبير في أوكرانيا. مع ذلك، تتجاهل واشنطن تحذيرات تايبيه بشأن هذه الاستراتيجية، التي تبرز قلقها من زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، ثمة مخاوف تايوانية من شحنات الأسلحة الأمريكية، في ظل المضايقات البحرية التي تتعرض لها سفنها من قبل الصين، والتي قد ينظر لها بعض الخبراء على أنها تشكل تمهيداً واختباراً للغزو المحتمل.

ختاماً، يطرح الكتاب مجموعة توصيات من أبرزها، أهمية إقناع الجيش التايواني بالاستعداد للتعبئة السريعة وإعداد الشعب لقتال عسكري ممتد، كما ينبغي على الحكومة والقيادة العسكرية والشعب في تايوان تغيير موقفهم بشأن تهديدات الصين والتعامل معها بجدية أكبر. في الوقت نفسه، يتوجب على الشركاء الإقليميين مثل اليابان وأستراليا، وحتى الشركاء غير الإقليميين مثل دول الاتحاد الأوروبي، الاستعداد لتقديم الدعم اللازم لردع تهديدات الصين والاستعداد لتحركاتها المحتملة تجاه تايوان. 

أيضاً، يبرز الكتاب، ضمن توصياته، أهمية التخطيط الاستباقي والتعاون الدولي لمواجهة التحديات المعقدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث اقترح إجراء محاكاة حربية (War Games) لفهم كيفية استجابة الولايات المتحدة في حال حدوث نزاع بين تايوان والصين. وأخيراً، أوضح أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (التي فاز فيها دونالد ترامب بولاية ثانية) قد تؤثر في استراتيجيات الدفاع والسياسة الخارجية لواشنطن؛ مما يتطلب من صانعي القرار اتخاذ خطوات استباقية لضمان توافق الآراء حول التعاون مع الحلفاء في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا؛ لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة التهديدات الصينية.

المصدر:

Matt Pottinger (Editor), “The Boiling Moat: Urgent Steps to Defend Taiwan”, Hoover Institution Press, 2024.