الشروق:

المسارات المُحتملة للحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة

22 October 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب سعيد عكاشة، ناقش فيه احتمالية سعى إسرائيل لتقليص المدى الزمنى للحرب الدائرة الآن لأسباب عدة، منها ضغط الرأى العام الإسرائيلى على نتنياهو وحكومته لتقصير أمد الحرب، وتخفيف الضغوط الدولية على إسرائيل للسماح بتمرير المساعدات الغذائية والطبية للمدنيين فى قطاع غزة. كما أوضح كاتب المقال السبب وراء احتمال توسع نطاق الحرب واشتراك إيران فيها، وهو حماية حليفتها حركة «حماس» من خطر إنهاء سلطتها فى قطاع غزة. أخيرا، أشار الكاتب إلى إمكانية تقليل إسرائيل من حجم ومدى عملية اجتياح قطاع غزة فى مقابل تحرير الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، ووضع قطاع غزة تحت الإشراف الدولى، ونزع السلاح من التنظيمات الفلسطينية... نعرض من المقال ما يلى.

طرحت الحرب الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين فى قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر الحالى، العديد من التساؤلات التى تتعلق بالمدى الزمنى المتوقع لاستمرارها، واحتمال انخراط أطراف إقليمية أخرى فى الصراع، ومدى توافر إمكانية حقيقية لمنع التصعيد الإسرائيلى إلى حد الاجتياح الكامل للقطاع، فضلا عن التأثير المُحتمل لتشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية مهمتها إدارة الحرب فى قرارات تل أبيب فى المرحلة الحالية. وواقع الأمر كما هو مُعتاد فى إدارة الأزمات، أن ثمة عوامل مُحفزة وأخرى مثبطة لكل تطور من التطورات المُتضمنة فى هذه التساؤلات المطروحة، وسنتناول كلا منها بشىء من التفصيل.

الواقع أنه لم يعد لدى إسرائيل سوى هدف واحد فقط، وهو تصفية حركتى حماس والجهاد الإسلامى، وإسقاط حكم حماس فى قطاع غزة. ولكى تتمكن إسرائيل من تحقيق هذا الهدف، سيتعين عليها اجتياح القطاع. ولتفادى وقوع خسائر بشرية ضخمة فى صفوف قواتها أثناء وعقب هذا الاجتياح المُحتمل، ستضطر القوات الإسرائيلية إلى «تجزئة عملية الاجتياح». ومع ذلك، ستحاول إسرائيل تقليص المدى الزمنى للحرب للأسباب التالية:

1 ــ ضغط الرأى العام الإسرائيلى على نتنياهو وحكومته لتقصير أمد الحرب، حتى لو تعرضت إسرائيل لخسائر بشرية كبيرة أو لانتقادات دولية بسبب الأعداد الضخمة المُتوقع سقوطها فى صفوف سكان قطاع غزة من جراء القصف الجوى والمعركة البرية.

2 ــ تخفيف الضغوط الدولية الواقعة على إسرائيل للسماح بتمرير المساعدات الغذائية والطبية للمدنيين فى قطاع غزة، حيث تدرك تل أبيب أن استجابتها لهذا المطلب ستمنح حركتى حماس والجهاد الإسلامى الفرصة لإطالة زمن الحرب.

3 ــ عدم إطالة زمن الإبقاء على الحشد الضخم من قوات الاحتياط الذين تم استدعاؤهم منذ بداية الحرب؛ نظرا للتأثيرات السلبية المؤكدة من جراء ذلك فى الاقتصاد الإسرائيلى والتى قد تستمر لسنوات مقبلة.

عمليا لا يمكن القول إن الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين لم تتسع فعليا، حيث إن تحركات حزب الله فى لبنان، وبعض المنظمات الفلسطينية فى سوريا، منذ اليوم الأول للحرب، كانت تشى بأن فتح جبهات القتال مع إسرائيل فى الشمال يمكن أن يتسبب فى نشوب حرب شاملة على عدة جبهات بين إسرائيل وخصومها المدعومين من إيران، بل إن هناك احتمالا لا يمكن تجاهله باضطرار إيران نفسها للتورط فى هذه الحرب فى أية لحظة.

وبطبيعة الحال، لن تبادر إيران بشن حرب على إسرائيل، لأسباب عديدة، منها ما يلى:

1 ــ دخول طهران الحرب سيُعد عملا غير مشروع من ناحية القانون الدولى، بمعنى أنه إذا كانت هناك شرعية ما لحركتى حماس والجهاد الإسلامى لقتال إسرائيل لأنها تحتل أجزاء من الأراضى الفلسطينية، فإن إقدام إيران على توجيه ضربات ضد إسرائيل من داخل أراضيها سيعنى أنها أعلنت الحرب دون مبرر مقبول مثل الدفاع عن أرضها، أو رد عدوان وقع عليها من جانب إسرائيل بشكل مباشر.

2 ــ وجود الأساطيل الأمريكية أمام السواحل الإسرائيلية، وهو ما يعنى أن الولايات المتحدة، التى تعهدت بحماية أمن إسرائيل، يمكن أن ترد على أى هجمات من جانب إيران ضد تل أبيب، بتشغيل منظومات الصواريخ المُضادة لإسقاط الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى الأراضى الإسرائيلية، أو تدمير القطع البحرية الإيرانية الموجودة فى الخليج العربى والتى يمكن أن تنطلق منها الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل.

وفى ضوء تلك الأسباب المُشار إليها، تبقى طهران أمام ثلاثة خيارات صعبة، وهى كالتالى:

1 ــ أن تترك حلفاءها (حماس والجهاد الإسلامى) يواجهون خطر التدمير الشامل لقدراتهما العسكرية، وإنهاء حكم حماس فى قطاع غزة.

2 ــ أن تدفع حزب الله اللبنانى لفتح جبهة الشمال للتخفيف عن الجبهة الجنوبية.

3 ــ أن تبادر بالمشاركة فى الحرب مباشرة بقصف إسرائيل، ودفع قوات حزب الله للدخول إلى عمق الأراضى الإسرائيلية والقتال من داخلها، تحت حماية الضربات الصاروخية الإيرانية، ومثيلتها من مواقع حزب الله فى الجنوب اللبنانى والأراضى السورية.

وفى كل هذه الاحتمالات الثلاثة، ستخرج إيران خاسرة، فإما أن تفقد أدوات ردعها إذا اختارت الخيار الأول، أو أن تُعجل بالانهيار الكامل لمثلث الردع الذى شيدته إذا اختارت الخيار الثانى، خاصةً لو قررت إسرائيل أن تؤجل عملياتها البرية فى غزة، للتركيز على مواجهة حزب الله، مستهدفة تدمير جزء كبير من قدراته العسكرية، بالإضافة إلى محاولة إفقاده شرعيته داخل لبنان بتحميله مسئولية تعريض البلاد للدمار الشامل ليس دفاعا عن لبنان ولكن من أجل الحفاظ على المصالح الإيرانية. والخسارة الأكبر لطهران ستكون إذا اتجهت للعمل وفق الخيار الثالث (إعلان الحرب على إسرائيل)، حيث إن التدخل الأمريكى إلى جانب تل أبيب سيعنى فى هذه الحالة أن طهران باتت فى حالة حرب مباشرة مع واشنطن، ومن خلفها حلف «الناتو»، مما يعنى تعرض الأراضى الإيرانية لهجمات غير مسبوقة من أكثر من جبهة، فى ظل عدم التيقن من استعداد روسيا والصين للوقوف إلى جانب إيران فى مثل هذه الحرب.

من الصعب تصور أن إسرائيل ستتخلى طواعية عن اجتياح قطاع غزة، وتقسيمه إلى مناطق عدة، لتحقيق الأهداف المُعلنة من جانبها؛ وأهمها تصفية الوجود العسكرى لحركتى حماس والجهاد الإسلامى. فقط الحسابات الأمنية من جهة إسرائيل، والضغوط الدولية والإقليمية هى التى يمكنها الحد من حجم ومدى عملية الاجتياح وليس إلغاؤها، لكن تل أبيب ستصر فى المقابل على مطلبين هما:

1 ــ إعادة أسراها وجثث جنودها ومواطنيها لدى حماس والجهاد الإسلامى بالكامل، من دون اتفاق لتبادل الأسرى كما تأمل الحركتان، على أن يتم ذلك بشكل فورى قبل اتخاذ قرار العمليات العسكرية فى القطاع.

2 ــ تشكيل لجنة دولية للإشراف على نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية فى قطاع غزة، ووضعه تحت إدارة دولية.

ويمكن توقع رفض حركتى حماس والجهاد الإسلامى بشدة لهذه الشروط، وهو ما تأمل إسرائيل أن يحدث؛ لأنه سيمنحها، فى هذه الحالة من وجهة نظرها، الشرعية لاستئناف مخططها، أمام العالم، والشعب الفلسطينى فى غزة الذى يعانى بشدة من نقص الأغذية والخدمات الطبية وخسائر كبيرة فى الأرواح من جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة.

وفى كل الأحوال، يبدو أن ثمة ارتباطا وثيقا بين تحقيق الهدنة الإنسانية، وكبح احتمالات توسع جبهات القتال، حيث إن تخفيف معاناة الفلسطينيين سيحرم إيران وحزب الله اللبنانى من استغلال الوضع للدفع فى طريق التصعيد، والعكس صحيح.

*الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

*لينك المقال في الشروق*