شرطي أفريقيا!

أبعاد ودلالات التعاون العسكري الراهن بين رواندا وبنين

06 October 2022


أشارت تقارير غربية، في سبتمبر 2022، إلى أن حكومة بنين وقعت مؤخراً اتفاقاً للتعاون العسكري مع رواندا، بموجبه ستقوم الأخيرة بنشر نحو 700 جندي في شمال بنين، لدعم جهود القوات الحكومية في مكافحة التهديدات الإرهابية، فضلاً عن الدعم اللوجستي الذي ستقدمه كيجالي لبورتو نوفو، في ظل تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية التي باتت تستهدف شمال بنين، من قبل تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة للقاعدة.

تعاون في مواجهة الإرهاب:

ظلت بنين لفترة طويلة تعتبر من الدول القليلة في غرب أفريقيا التي تتمتع باستقرار نسبي، لكنها بدأت تتعرض منذ 2021 لهجمات إرهابية متتالية من الجماعات الساعية للتمدد من الساحل نحو خليج غينيا، وهو ما دفع بورتو نوفو لتعزيز تعاونها العسكري مع عدة دول، كان أبرزها رواندا، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- دعم عسكري لبنين: أعلن المتحدث باسم الحكومة البنينية، ويلفريد لياندر أونغبيدجي، في 10 سبتمبر الماضي، تقديم رواندا دعماً لوجستياً لبنين، لتعزيز قدراتها في مواجهة التمرد المتفاقم هناك، لافتاً إلى استمرار المباحثات الجارية بين البلدين، حول طبيعة المساعدات العسكرية المحتملة. وكان رئيس أركان الجيش في بنين، الجنرال فركتو جباجويدي، قام بزيارة كيجالي في يوليو 2022، لمناقشة التعاون العسكري بين البلدين. وربما تكون هذه الزيارة انطوت على طلب الحكومة البنينية من رواندا تقديم الدعم العسكري واللوجستي لها.

ومن ناحية أخرى، قام المدير العام للشرطة في بنين، سومايلا ألابي يايا، بزيارة إلى رواندا، في منتصف سبتمبر 2022، عقد خلالها اجتماعات مع المفتش العام للشرطة في كيجالي، دان مونيوزا، لبحث تعزيز التعاون الأمني بين المؤسستين الشرطيتين، بما يتضمن مكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالجرائم عبر الوطنية والإرهاب.

2- نشر محتمل لقوات رواندية: نفت بنين وجود اتجاه لنشر قوات رواندية على أراضيها لدعمها في مواجهة الإرهاب، بيد أن ثمة تقارير رواندية أعلنت منتصف سبتمبر 2022 بأن ثمة تحضيرات جارية لنقل نحو 700 جندي من القوات الرواندية إلى شمال بنين، لمكافحة التنظيمات الإرهابية هناك، وأن الدفعة الأولى من هذه القوات سيتم نشرها في أكتوبر 2022.

ورفض المتحدث باسم قوات الدفاع الرواندية، رونالد رويفانجا، التعليق على هذا الأمر، مكتفياً بالتأكيد على وجود تعاون دفاعي قائم ومتنامٍ بين البلدين، وهو ما يضفي مصداقية على الخبر السابق. 

3- مباحثات مع النيجر وبوركينا فاسو: بدأت الحكومة في بورتو نوفو بعقد مباحثات أخرى مع عدد من دول الجوار، لاسيما النيجر وبوركينا فاسو، لتنسيق الجهود المشتركة لمكافحة النشاط الإرهابي المتنامي، حيث شهدت الأشهر الماضية زيادة حادة في العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة وداعش في غرب أفريقيا.

دوافع باتريس تالون:

يمكن الإشارة إلى جملة من الدوافع التي تفسر أسباب اتجاه بنين لتعزيز تعاونها العسكري مع رواندا، على النحو التالي:

1- تصاعد الاضطرابات في شمال بنين: باتت الحدود الشمالية لبنين مع شرق بوركينا فاسو، والتي يبلغ طولها نحو 306 كيلومترات، خارج سيطرة القوات الحكومية من البلدين. وتزايدت وتيرة العمليات الإرهابية في شمال بنين خلال الأشهر الأخيرة، إذ تعرضت الحدود الشمالية لبنين، المتاخمة للنيجر وبوركينا فاسو، إلى نحو 20 عملية إرهابية منذ 2021.

وشهدت بنين أولى الهجمات الإرهابية الموسعة في ديسمبر 2021، والتي استهدفت حديقة بندجاري، في شمال غرب البلاد، ما دفع الحكومة في بنين إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها في شمال البلاد، بيد أن هذا لم يفلح في تقليل وتيرة النشاط الإرهابي هناك، حيث استمرت الهجمات الإرهابية، بما في ذلك اقتحام مركزي شرطة في مونسي وداساري.

وكانت غالبية الهجمات السابقة في شمال بنين تقوم بها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، بيد أن الأشهر الأخيرة كانت شهدت نشاطاً ملحوظاً لتنظيم داعش في الصحراء الكبرى في هذه المنطقة، وتحديداً جماعة عثمان دان فوديو، حيث كانت آخر هجماتها التي استهدفت المنطقة في مطلع سبتمبر 2022، إلى جانب العمليات التي نفذتها في بارك دبليو بشمال بنين في يوليو الماضي. 

2- الاستفادة من الاستراتيجية الفرنسية: بدأت باريس تتجه لتوسيع نشاطها من الساحل نحو منطقة خليج غينيا، فضلاً عن تغيير نمط الانخراط الفرنسي، بالاعتماد على القوات المحلية، بدلاً من التداخل العسكري المباشر.

وفي هذا السياق، أبلغ رئيس بنين، باتريس تالون، نظيره الفرنسي بحاجة بلاده لدعم عسكري من قبل باريس، لاسيما فيما يتعلق ببعض المعدات العسكرية والطائرات المسيرة، لتعزيز قدرات بنين في مكافحة الجماعات الإرهابية، وذلك خلال جولة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأفريقية في يوليو الماضي، والتي تضمنت زيارة إلى بنين، ثم أعاد تالون طرح هذا الطلب مرة أخرى خلال زيارته إلى باريس نهاية أغسطس 2022.

3- تعزيز فرص تالون في ولاية ثالثة: أعلن رئيس بنين، باتريس تالون، خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا أن الديمقراطية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى في بنين، لافتاً إلى أنه لا ينوي تطبيقها بشكل كامل، في إشارة ضمنية إلى استعداده للترشح لولاية ثالثة. وستشكل الانتخابات التشريعية المقبلة لبنين في يناير 2023، محدداً مهماً في مساعي تالون للحصول على ولاية رئاسية ثالثة، حيث يعول رئيس بنين على نتائجها للمساهمة في تعديل الدستور بما يسمح له للترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

ويلاحظ أن رئيس المحكمة الدستورية العليا في البلاد، جوزيف فيفامين دجوبينو، قدم استقالته، في يوليو 2022، قبل أن يتم تعيينه لاحقاً رئيساً لحزب الاتحاد التقدمي، وهو يشكل أحد الحزبين الرئيسيين في البلاد، واللذين كان رئيس بنين قد أنشأهما كظهير سياسي له، وترجح تقديرات أن يتولى دجوبينو رئاسة البرلمان المقبل، بغية الإشراف على تعديل الدستور وتغيير المواد التي تعيق تالون عن الترشح للرئاسيات المقبلة.

ويبدو أن تطلعات تالون لا تواجه بأي اعتراض من قبل باريس، بسبب رغبتها في تعزيز حضورها في غرب أفريقيا، عبر الاعتماد على بنين، وبالتالي يأتي التعاون العسكري الراهن بين رواندا وبنين في إطار مساعي تالون تعزيز سيطرته الداخلية في مواجهة قوى المعارضة، ويقلل من احتمالات حدوث انقلاب عسكري ضده.  

4- الاستفادة من الخبرة الرواندية: يعزى اتجاه بنين للاستعانة بالقوات الرواندية إلى الخبرة التي تمتاز بها في مكافحة التمرد والتنظيمات الإرهابية، وهو ما انعكس في حالة موزمبيق، حيث وقعت كيجالي ومابوتو اتفاقية تعاون أمني، بموجبها قامت رواندا بنشر نحو ألف جندي هناك في 2021، والذين تمكنوا من مساعدة القوات الحكومية في استعادة ميناء "موسيمبوا دا برايا"، في أغسطس 2021. 

كما أرسل الرئيس الرواندي، بول كاغامي، قوات أخرى للمساعدة في وقف العنف في أفريقيا الوسطى. وتحظى جهود رواندا في القارة الأفريقية بدعم غربي، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً خطة دعم بنحو 20 مليون يورو لدعم المجهود الحربي لرواندا في موزمبيق. 

مكاسب رواندية: 

يمكن رصد جملة من الفوائد التي ستجنيها رواندا جراء تعاونها مع بنين، وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز النفوذ الرواندي: تتبنى رواندا، خلال السنوات الأخيرة، الدبلوماسية العسكرية، كما وضح في حالتي موزمبيق وأفريقيا الوسطى، وتتجه كيجالي لخوض تجربة جديدة في بنين، وهو ما يعكس أحد ملامح طموح الرئيس الرواندي، بول كاجامي، والذي تمكن من خلال تبني هذا النموذج في تعزيز نفوذه في البحيرات العظمى وشرق أفريقيا، وكذلك غربها.

وعلى الرغم من كونها واحدة من أصغر الدول الأفريقية مساحة، فإن رواندا تمكنت من تبني سياسة نشطة، اعتمدت على المشاركة الفاعلة في بعثات حفظ السلام متعددة الأطراف، لتعزيز نفوذها الإقليمي، غير أنه منذ 2020، بدأت كيجالي تنخرط بشكل منفرد في عمليات عسكرية استباقية، على غرار تدخلها في جمهورية أفريقيا الوسطى ثم موزمبيق، الأمر الذي عزز من صورتها الخارجية كـ"داعم للأمن" الإقليمي والقاري.

2- تنسيق فرنسي – رواندي متنامٍ: تسعى باريس لتوظيف رواندا في دعم استراتيجيتها الجديدة في غرب أفريقيا من خلال تعزيز القوات المحلية لدول هذه المنطقة في مواجهة التهديدات الإرهابية المتنامية. ففي ظل تراجع فاعلية قوات مجموعة دول الساحل الخمس، لاسيما بعد انسحاب مالي منها، يبدو أن باريس تتجه لتغيير أدواتها في المنطقة، عبر تعزيز اعتمادها على رواندا.

3- تخفيف الانتقادات الخارجية: أضحت رواندا تستخدم قواتها المسلحة المحترفة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، فقد ساعدت مشاركة كيجالي في العمليات متعددة الأطراف المرتبطة بالأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، ناهيك عن دعمها لأمن بعض الدول، في تخفيف حدة الانتقادات الدولية لنظام الرئيس بول كاجامي بشأن ملف حقوق الإنسان.

فقد باتت رواندا تعتبر من الأدوات المهمة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة حالياً لتعزيز مصالحها الأفريقية. وسبق وأن تدهورت علاقة واشنطن برواندا في 2012، عندما قطعت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، المساعدات العسكرية عن رواندا، بسبب سجل حقوق الإنسان للرئيس الرواندي كاجامي، بيد أن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً ملحوظاً في علاقة البلدين، لتراجع توظيف واشنطن لملف حقوق الإنسان ضد رواندا، لاسيما في ظل إحجام واشنطن عن المشاركة في عمليات حفظ السلام، والاستعانة برواندا للقيام بذلك نظير دعمها عسكرياً.

وفي الختام، يشكل التعاون العسكري الراهن بين بنين ورواندا أحد ملامح استراتيجية الأخيرة في تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، لكن على الرغم من أهمية هذا التعاون في التعامل مع التهديدات الإرهابية المتنامية في شمال بنين، بيد أن هذا الانخراط العسكري ربما يزيد حالة الاحتقان الداخلي ضد الرئيس الحالي، باتريس تالون، لاسيما في ظل سياساته الداخلية التي تستهدف التضييق على قوى المعارضة.