نظام عالمي جديد:

أهداف روسيا والصين من عقد قمة منظمة شنغهاي للتعاون

25 September 2022


عقدت قمة سمرقند 2022 لمنظمة شنغهاي للتعاون أعمالها في مدينة سمرقند الأوزبكية، يومي 15 و16 سبتمبر 2022، وتتمتع القمة بأهمية كبيرة لكون انعقادها جاء في ظل تصاعد صراعات القوى الكبرى، والتي كان أبرز تجلياتها اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وتنامي التوترات الصينية – الأمريكية حول تايوان.

أهداف قمة سمرقند: 

سعت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون لتحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:  

1- توسيع عضوية المنظمة: تضم المنظمة روسيا والصين والهند وكازاخستان وباكستان وطاجيكستان وأوزباكستان، وقيرغيزستان، وتمثل الدول الأعضاء 60% من مساحة أوراسيا، وحوالي 20% من الناتج الإجمالي العالمي، ما يجعل المنظمة أكبر تجمع وتحالف إقليمي في العالم. 

وشهدت القمة دخول أكثر من 6 دول جديدة المنظمة، أبرزها إيران كعضو كامل، فضلاً تقديم روسيا البيضاء أوراق اعتمادها كعضو كامل، بالإضافة إلى دخول قطر ومصر والسعودية كأعضاء حوار، وبدء إجراءات دخول جزر المالديف والكويت وميانمار والإمارات العربية المتحدة، والبحرين للتمتع بعضوية شريك حوار. 

ووقعت المنظمة مذكرة تفاهم مع جامعة الدول العربية، واليونسكو، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، ويوضح ذلك مدى جاذبية التجمع بالنظر إلى أنها تضم الصين، وهي من القوى المؤثرة في الاقتصاد العالمي. 

2- بناء مؤسسات دولية بديلة: تحولت منظمة شنغهاي للتعاون تدريجياً من تجمع ذي أهداف أمنية وسياسية لتجمع يقع ضمن أهدافه تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء حتى أصبحت موضوعات السوق المشترك مطروحة على طاولة مناقشات المنظمة. 

وأكدت الدول المشاركة في الإعلان الختامي للمؤتمر عن نيتها زيادة نسبة التجارة البينية بالعملات المحلية، كما تم التأكيد على استمرار الاستشارات الفنية الخاصة بإنشاء بنك تنمية وصندوق للتنمية تابعين لمنظمة شنغهاي للتعاون؛ ليصب كل ذلك في خطط المنظمة وزيادة الاستثمارات التنموية بين الدول الأعضاء، وهي الجهود التي ينظر إليها على أنها محاولة لإضعاف مركزية الدولار الأمريكي، وكذلك المنظمات المالية الدولية المهيمن عليها من الغرب. 

ويأتي تبني المنظمة هذه الإجراءات في ظل إبداء عدد كبير من الدول نيتها للانضمام إليها، وتأكيد إعلان سمرقند الختامي لقمة منظمة شنغهاي للتعاون ضرورة توسع المنظمة في قبول عدد أكبر من الدول، وهو ما يعكس أن أحد أهداف المنظمة النهائي هو تقويض الهيمنة الأمريكية على النظام الاقتصادي العالمي. ولعل ما يؤكد ذلك اعتبار وسائل الإعلام الروسية الحكومية أن قمة شنغهاي تقدم مثالاً ناجحاً للمحاولات الدولية للخروج من هيمنة المجموعات الاقتصادية التي تقع تحت سيطرة الدول الصناعية الكبرى.

3- حشد الدعم للصين وروسيا: تستغل روسيا والصين القمة لاستقطاب دعم الدول الأعضاء المشاركة لهما، خاصة في ظل تصاعد صراعهما مع الولايات المتحدة، إذ تواجه الصين باستفزازات من جانب واشنطن، والتي اتجهت مؤخراً لتأكيد دعمها لتايوان عسكرياً في مواجهة بكين. وكذلك تواجه روسيا بعقوبات غربية غير مسبوقة على خلفية حربها ضد أوكرانيا. 

وتسعى موسكو إلى إظهار فشل الغرب في تضييق الخناق على موسكو، وأنها قادرة على إيجاد شركاء اقتصاديين جدد، ودعم علاقتها مع دول أخرى في شتى المجالات. ويلاحظ أن مثل هذا الهدف يقلق الغرب كثيراً، فقد أكدت تايوان عن عبر وزارة خارجيتها أن العلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا ستعيق السلام الدولي ومبادئ الحرية والديمقراطية في العالم، وهو ما يعكس لسان حال الدول الغربية، التي تتطلع واشنطن إلى قيادتها في مواجهة الدولتين.

شراكة روسية – صينية:

يلاحظ أن من الرسائل الأساسية للمنظمة تأكيد الشراكة القوية بين روسيا والصين، اقتصادياً وعسكرياً، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تعزيز الشراكة الاقتصادية: أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال القمة أن تحديات موسكو وبكين واحدة في إشارة إلى التهديد الذي تفرضه الولايات المتحدة على كليهما. واستغل بوتين الفرصة لإدانة استفزازات واشنطن لبكين حول تايوان، كما أكدت روسيا والصين على اهتمامهما ببناء نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على العدالة والديمقراطية. 

وانتقد بوتين صراحة النظام العالمي أحادي القطبية، ومحاولة واشنطن الدفاع عنه بغض النظر عن إضراره بالقوى العالمية الناشئة، ورد على ذلك الرئيس الصيني، تشي جي بينج، بتأكيده أن بكين مستعدة التعاون مع موسكو لضرب مثال "يحتذى به" فيما يخص لعب أدور للقوى العالمية المسؤولة بغية إعادة العالم لمسار التنمية المستدامة والإيجابية. 

أما على المستوى الاقتصادي، فقد ركز بوتين على زيادة التعاون مع الصين، وعبّر عن اهتمامه بزيادة حجم التبادل التجاري الروسي مع الصين على الرغم من العقوبات الغربية على موسكو، حيث من المتوقع، حسب بوتين، وصول حجم التبادل التجاري بينهما بحلول نهاية 2022 إلى مستوى قياسي جديد. ففي عام 2021، ارتفع حجم التجارة البينية بين الصين وروسيا بنسبة 35% بما يتجاوز الـ 140 مليار دولار، وخلال الأشهر السبعة الأولى من 2022 زاد حجم التبادل التجاري بينهما بنسبة 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ولذا، يتوقع بوتين رفع إجمالي التبادل التجاري بينهما إلى 200 مليار دولار خلال فترة وجيزة. 

2- تأكيد التعاون العسكري: قامت القوات البحرية للدولتين بالقيام بدوريات مشتركة في المحيط الهادئ أثناء اليوم الأول من انعقاد القمة، وهي الدورية البحرية المشتركة الثانية لتضم عده قطع بحرية محورية من بحرية البلدان؛ بهدف تعزيز التعاون البحري وحماية المصالح المشتركة في اقتصاد بحري مستقر لدى البلدين، وهو ما يعد رسالة بمدى قوة العلاقات بين البلدين، وعدم اقتصارها على العلاقات السياسية والاقتصادية فقط.  

تحركات روسية لافتة: 

سعت موسكو لاستغلال المؤتمر لتأكيد قوة العلاقات الروسية بالعديد من الدول، بما في ذلك تلك الدول التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الغرب، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تعزيز العلاقات الروسية – الهندية: تجنبت الهند إدانة العمليات العسكرية الروسية، واكتفى رئيس وزرائها، ناريندرا مودي، بالتصريح خلال القمة أن "الوقت غير مناسب للحرب"، وأكد بوتين لنظيره الهندي سعي روسيا الدائم لوقف الحرب ضد أوكرانيا، كما ترغب نيودلهي، غير أنه ألقى باللوم على الأخيرة، التي ترفض استئناف المفاوضات، وكذلك الغرب الساعي إلى إطالة أمد الحرب، عبر إمدادها بالأسلحة. 

وتسعى الهند لموازنة علاقاتها مع الغرب من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى؛ حيث إنها شريك أساسي في منظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة إلى عضويتها في "كواد"، وهو أحد التجمعات السياسية، الذي تسعى واشنطن من خلاله إلى مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد. 

ومن جهة أخرى، تستمر الهند في كونها ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية، إذ سجلت المشتريات الهندية من السلاح الروسي حوالي نصف وارداتها من السلاح بين 2016، و2020، كما أن الهند تعتبر مستورداً رئيسياً للنفط الروسي، وذلك في تحدٍ واضح للعقوبات الأمريكية.

2- تعاون روسي – باكستاني محتمل: صرح السفير الباكستاني لدى موسكو، في يونيو 2022، أن هناك مفاوضات مع روسيا لاستيراد الغاز الطبيعي المسال. وتسعى موسكو إلى تغيير اتجاه صادراتها من الطاقة من أوروبا إلى شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، ومنها باكستان، وذلك بسبب اتجاه الدول الأوروبية تدريجياً لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي، والاتجاه إلى مصادر بديلة. 

وأكد بوتين، في اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، على هامش المؤتمر، أن إمدادات الغاز من روسيا إلى باكستان ممكنة، حيث تم إنشاء جزء من البنية التحتية لذلك، وهو خط أنابيب بين روسيا وكازاخستان وأوزبكستان. ويبقى العائق الوحيد أمام مثل هذا الخط هو عدم الاستقرار في أفغانستان، إذ إن مد أي خط من روسيا إلى باكستان يجب أن يمر كذلك بأفغانستان. ويمكن في حالة استقرار الأوضاع في أفغانستان أن يتم مد مثل هذا الخط، خاصة أن باكستان تتمتع بعلاقات قوية مع كابول. وأعلنت روسيا، خلال القمة، أنها تبحث كذلك عن إمكانية توريد الغاز الطبيعي المسال إلى باكستان. 

3- استمرار التعاون الروسي – التركي: أكد بوتين أنه سيتم شراء 25% من احتياجات تركيا من الغاز الروسي بالروبل. كما أعلن بوتين أنه تلقى "إشارة" من أنقرة حول السماح بتصدير المنتجات الروسية من الموانئ التركية. 

ومن جهة أخرى، ناقش بوتين مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أسباب توجه أغلب الحبوب الأوكرانية إلى الدول الأوروبية، وليس النامية، فضلاً عن أسباب عدم تنفيذ باقي اتفاق الحبوب، والذي يتعلق بتصدير المنتجات الزراعية الروسية من دون عوائق. وأكد أردوغان كذلك حرص بلاده على نيل عضوية منظمة شنغهاي للتعاون.

تحديات قائمة:

على الرغم من محاولة الصين وروسيا تعزيز منظمة شنغهاي للتعاون، فإنهما يواجهان تحديات، والتي يمكن تفصيل أبرزها على النحو التالي: 

1- تهديد الصراعات الإقليمية: تواجه منظمة شنغهاي للتعاون تحديات إقليمية واسعة، حيث شهدت الحدود الطاجيكية والقيرغيزية مناوشات حدودية بين 16 و17 سبتمبر، والتي توقفت بعد مفاوضات مباشرة بين الجانبين. كما تجددت الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان الحاصلتين على صفة شريك حوار في إطار المنظمة، في 14 سبتمبر. 

وعلى الرغم من أن الرئيس الأذري شكر الرئيس بوتين على جهوده لخفض التوتر على الحدود مع أرمينيا، غير أنه من الواضح أن الولايات المتحدة سعت للدخول على خط الأزمة، ومحاولة إضعاف النفوذ الروسي على أرمينيا، وذلك من خلال زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى العاصمة الأرمينية يريفان، إذ أطلقت منها تصريحات حملت فيها أذربيجان مسؤولية التصعيد. كما أكدت أن أرمينيا تبقى ذات أهمية خاصة للولايات المتحدة الأمريكية.

2- السياسات الأمريكية المضادة: يلاحظ أن الولايات المتحدة تسعى لتقويض أي تعاون دولي يكون محوره روسيا والصين، وهو ما يتضح من خلال محاولة ضم الهند إلى تحالف كواد، ومحاولة الضغط عليها لتبني مواقف أكثر صرامة من الصين، وهو ما تتحاشاه نيودلهي حتى الآن. كما رفضت تركيا الانضياع للضغوط الغربية لوقف التعاون الاقتصادي مع روسيا، على الرغم من تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، في 6 أغسطس، بحجة مساعدة موسكو على تجاوز العقوبات الغربية. 

وعلى الجانب الآخر، فقد كشف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مطلع سبتمبر، أنه خلال إحدى مكالماته مع الرئيس الصيني، شي جين بينج، حذر من وقف الاستثمارات الأمريكية في الصين، إذا انتهكت العقوبات المفروضة على روسيا، وهي التهديدات التي لم تلتفت لها الصين، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي مع روسيا. ومن الواضح أن مجمل الضغوط الأمريكية السابقة لم تردع هذه الدول عن تطوير التعاون مع روسيا، أو تعزيز التعاون عبر منظمة شنغهاي، غير أنه من المتوقع أن تستمر الجهود الأمريكية لعرقلة التعاون في إطار المنظمة. 

وفي الختام، يمكن القول إن منظمة شنغهاي للتعاون وبرغم العقبات الداخلية لديها المؤهلات البشرية والاقتصادية لتوازن التجمعات الواقعة تحت الهيمنة الغربية، كما ستعمل الصين على جعلها التجمع الرئيس للدول الآسيوية، حيث تضم المنظمة أكبر دولتين بقارة آسيا وهما الهند والصين.